الفصل السادس من حلم

3.5K 148 4
                                    

الفصل السادس من سقر عشقي (( حلم ))&

ظل واقف فى مكانه لعدة دقائق ... دقائق كثيرة لم يحسبها و لم يشعر بها ..و كل ذلك  بسبب تلك النار التى أشعلتها حلم بكلماتها ... نار لا تنطفئ أو تهدء و رغبة قوية فى الذهاب إلى عمه ... و هزه بقوة و الصراخ فى وجهه بأعلى صوت (( لماذا تفعل كل هذا .. لماذا قتلت بناتك و حطمت قلوبهن و أحلامهن )) لم يعد يحتمل و غضبه يتصاعد يكاد يحرق كل البيت بمن فيه
تحرك سريعاً متوجهاً إلى غرفة جده .. عليه أن يتحدث معه عله يجد لديه إجابة تريح قلبه و روحه المعذبة .. و تساعد أيضاً روحها التى تتألم .. رغم أنه يحمله بعض من الذنب و لا يبرئ زمته أبداً من كل ما حدث
وقف أمام باب غرفة جده ينظر إليه و هو ينهى صلاته .. و لكنه شعر بالصدمة حين سمع جده يدعوا الله قائلاً
(( اللهم أغفر ذنبى فى حق المرحومه دلال .. و ذنبى فى حق الفتايات .. و ذلك الذنب الكبير الذى لا أعلمه و بسببه رزقتني إبن عاق .. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى ))
أقترب راغب و جلس أمامه ينظر إليه ليخفض بركات عينيه أرضاً خاصة مع ذلك السؤال الواضح داخل عيون حفيده
ظل الصمت ثالثهما لعدة دقائق حتى قال راغب
-هو أنت ليه مش بتتصرف ليه مش بتلاقى حل لكل إللى أحنا فيه ده ؟ أنت الكبير و بأيدك
لم يجبه بركات بشئ و ظل كما هو ينظر أرضاً ليكمل راغب من جديد و الغضب يتملك منه و جعل صوته يرتع قليلاً
-لأمتى هتفضل البنات تدفع تمن إللى عمى أحمد بيعملوا .. لأمتى هتفضل حلم تتعذب ؟ و أنا بتعذب .. و كلنا بندفع الثمن
رفع بركات عينيه ينظر إلى حفيده .. ذلك الشاب الذى يفتخر به الجميع و يتمنى الجميع أن يكون لهم ولد مثله .. لكنه أيضاً عاطفى أكثر من اللازم ... الجميع يعلم بحبه لحلم .. و الجميع أيضاً يعلمون جيداً ما يقوم به بالخفاء من أجلها و الوحيدة التى لا تعلم هى حلم نفسها .. و هو راضي بكل هذا .. يكفى أن يراها بخير و فقط .. أخذ بركات نفس عميق و قال بهدوء رغم ما يعتليه من إحساس بالذنب
-رغم الوجع إللى الكل حاسس بيه .. لكن يا أبنى أسم العيله أهم .. أسم العيله هو إللى  خلى أخوك يوسف أشهر دكتور قلب فى البلد .. و مراته أشهر دكتورة نسا و كل الناس بتثق فيها و بتجيلها من كل مكان .. هو إللى خلى المزرعة بتاعتنا من أكبر المزارع إللى الناس عايزة تتعامل معاها .. و الكل بيحلف بأنتاجها و إدارتك ليها .. أسم العيله هو إللى فاتح شركة الأستيراد و التصدير و هو إللى مخلى للفواكه و الخضار بتاعتنا أسم و مركز كبير فى السوق و أبوك قادر يصدرها لكل الدنيا .. و غسان أخوك كل الدنيا بتيجى لحد عنده علشان تاخد منه الخبرة و بتجرى وراه علشان تحجز المحصول
كان يستمع لكلمات جده .. و بداخله إحساس غريب .. يتفهم منطق جده و يستطيع أستيعابه لكنه يرفضه و بشده ... كيف من أجل المال يتقبل خسارة حلم .. حرك رأسه يميناً و يساراً و قال برفض
-أنت غلطان يا جدى .. أنت بتفكر فى أسم العيله و عمى أحمد مش بيفكر غير فى نفسه و إللى بيدفع التمن حلم .. و مش حلم لوحدها .. لو حضرتك شايف أن عائشة و نوار سُعدا و كويسين تبقى غلطان شوف كل واحده فيهم لما بتيجى سيرة عمى أيه إللى بيحصلهم و النار إللى تحرق قلوبهم و تبقى باينه للأعمى فى عنيه
ثم وقف على قدميه و أشار لجده و أكمل
-ذنب موت طنط دلال .. و ذنب كسرة البنات و ذنب حلم .. و ذنبي فى رقبتك يا جدى
وغادر الغرفة سريعاً تتابعه عيون جده التى أمتلئت بالدموع .. فكلمات راغب أصابت الجزء المتألم و الذى لا يتوقف أبداً عن لومه و عتابه ... فتحت ذلك الباب الذى كان دائماً يغلقه بقوة حتى يظل متمسك بما أخذه من قرار .. و أن يظل أسم عائلة بركات دون شائبه .. متغافلاً عن كل ما يسوء الأسم بسبب تصرفات أحمد التى يعلمها الجميع و البعيد قبل القريب
***************************
عاد يوسف و عائشة إلى البيت يمسك بيدها و هى تحاوط معدتها بيديها شعرت رقيه بالأندهاش خاصة أنه لم يمر وقت طويل على مكالمة يوسف الذى أخبرها فيها أنهم لن يعودا باكراً وقفت و أقتربت منهم و هى تقول ببعض القلق
-أنتوا كويسين يا ولاد ؟
لينتبه الجميع إلى سؤالها بين أندهاش و عدم فهم ليبتسم يوسف و هو يقول بفخر ذكوري
-عائش حامل .. ولى العهد و الحفيد الأول لعيلة بركات فى الطريق
أبتسمت نوار بسعادة كبيرة رغم تلك الدموع التى تجمعت فى عيونها إلا أنها أقتربت من أختها تضمها بقوة و حب و حنان و هى تقول بصدق
-اللهم بارك ... اللهم بارك .. مبارك يا عائشة مبارك يا حبيبتى ربنا يكمل حملك على خير هتبقى أحلى ماما فى الدنيا
أقتربت أيضاً حلم بسعادة كبيرة و هى تقول بمرح
-و أخيراً هبقى خالتو .. مبروك يا عائشة ألف مبروك يا قلبى
ثم نظرت إلى يوسف و قالت
-مبروك يا دكتور .
-الله يبارك فيكى يا حلم .. عقبال ما نفرح بيكى
قال كلماته الأخيرة و هو ينظر إلى راغب الذى كانت عينيه ثابته على حلم رغم حديثه مع عائشة بسعادة خاصة و هو يقول بمرح
-و أخيراً هبقى خالو ..  و أصيع أنا و أبن أخويا الصياعه إللى مصعتهاش طول حياتى
لتضحك عائشة بصوت عالى .. و قالت بمرح
-لو هيصيع معاك أنت يا راغب أنا كده مطمنه عليه جداً
ليضحك الجميع و أكمل الجميع مباركات لها و ليوسف ... إلا غسان الذى ظل صامت عيونه ثابته على نوار التى تحاول إخفاء دموعها بابتسامة سعادة كبيرة وقلبه يؤلمه من أجلها .. و ضميره يعذبه مما فعل ولا يجد حل الأن ليصلح ما أفسده .. و لا يوجد فرصة أمامه .. أنه الأن خاسر بكل ما للكلمه من معنى
***************************
أجتمعوا جميعاً على طاولة الطعام و السعادة تملئ وجه مصطفى الذى قال بسعادة طفل صغير
-و أخيراً هبقى بابا جدو .
ثم نظر إلى والده و أكمل قائلاً بنفس السعادة
-بعد إذنك يا حج أنا هدبح عجل لله
أومئ بركات بنعم و قال بأبتسامة  وقوره
-أكيد طبعاً يا أبنى ...ده أول حفيد للعيلة
كانت نوار صامته تماماً تتلاعب بطعامها لا يشعر بها أحد غير ذلك المذنب فى حقها ... نظر إلى الأمام و هو يتذكر ذلك اليوم بعد ذهابهم إلى الطبيب و قيامهم بجميع التحاليل .. أدعى أنه لديه عمل كثير و لن يستطيعوا الذهاب إلى الطبيب و لكنه عاد متأخراً و بين يديه التحاليل و بابتسامة واسعة وقف أمامها و قال
-متقلقيش يا ستى أحنا الأتنين سُلام و زى الفل و تأخير الخلفه ده مسألة وقت مش أكثر
أقتربت منه تمسك يديه بتوسل و عيونها تبتسم بسعادة و قالت بعدم تصديق
-بجد يا غسان .. بجد
-اه يا قلب غسان بجد
أجابها كاذباً .. و قد سار فى طريق لا رجوع فيه .. أوله و أوسطه و آخره خسارة
عاد من أفكاره على صوت ضحكات عائلته ليعود بنظره لها و من جديد صامته عيونها حزينة رغم تلك الإبتسامة التى ترتسم على ثغرها دون أن تصل إلى عينيها
و حين رفعت عيونها إليه أخفض هو عينيه  يكفى ضميره يعذبه فهو لا يستطيع النظر إلى عينيها .. يكفى عذابه لنفسه و كل يوم الخوف داخل قلبه يزداد
*************************
بعد الغداء توجهت حلم إلى الحديقة الخلفية و توجه راغب إلى غرفته ومباشرة إلى النافذة ليجدها تجلس هناك على الأريكة الخشبية الكبيرة ممدده القدمين و بين يديها ذلك الكتاب التى لا تمل و لا تتوقف عن قرائته
أبتسم إبتسامة مشاغبة اليوم ليظهر بعض من مشاعره .. علها تفهم و تشعر به .. علها تجد فيه ما تبحث عنه .. عل قلبها يميل
توجه إلى مشغل الموسيقى و أوصله بالسماعات لتصدح تلك الكلمات الرقيقة و هو يقف أمام النافذة فى مرمى بصرها مباشرة ينظر إليها بتحدى و ثقه و حب و يردد الكلمات بصوت عالى رغم إرتفاع صوت الأغنية الأصلية إلا أن صوته يصل إلى أُذنها و يالا العجب
(( حلوة وبتحلي أى مكان وتنوره
والله ما تلاقوا زيها لفوا الدنيا ودوروا ))
غمز لها بمشاغبة و يديه تصف كلمات الأغنية بحب و صدق . كانت تنظر إليه بأندهاش و عدم تصديق .. ثم تلتفت حولها لترى أن كان هناك أحد يشاهد ما يقوم به ذلك المجنون
(( دى جمالها معدى وإللى يشوفه بيقدره
والله ما تلاقوا زيها
زيها مين بتهزروا ))
ثم رفع يديه و هو يشير إليها و يحرك كتفيه برقصة شبابية لطيفة تخطف القلب خاصة و هو بذلك الجمال الرجولى المميز و الجسد الرياضي الممشوق كل ذلك جعل عيونها ثابته عليه و لا تستطيع النظر بعيداً
(( تؤمر تتأمر ماهى دى إللى عليها منمر
طبعاً حقها تدلع تتبغدد قوى تتمنع ))
وضع يديه فوق قلبه و أنحنى قليلاً للأمام و هو يقول
(( قصاد الغمزه أحنا تلامذه قصاد المشية أحنا الحاشية
و دى السلطانة وتتسلطن نغنى معاها ونتسلطن
قصاد الغمزه أحنا تلامذه قصاد المشية أحنا الحاشية
ودى السلطانة وتتسلطن نغنى معاها ))
و بدء فى الرقص بكتفيه و ذراعيه و كتفيه و عيونه تبتسم بسعادة كبيرة و تحمل الكثير من المشاغبة
((ليل يا عين ياليل يا عين يا ليل
عين يا ليل يا عين يا ليل ياعين
يا عين يا ليل يا يا ليل
يا عين يا ليل يا يا ليل))
توقف عن الرقص و عاد ينظر إليها بحب و مشاغبة
(( الورد أتنقى بالواحده عشان خدها
يا جماعة مش ممكن لأه دى لا قبلها ولا بعدها
مبتدلعشى ماهى دلوعة لوحدها
الرقه يا ناس ربانى ربانى يا ناس بعدها
أنا مش هاتكلم أنا رافع أيدى مسلم
القد يا ناس يتدرس منه الغزلان تتعلم
دانا مش هتكلم أنا رافع أيدى مسلم
القد يا ناس يتدرس منه الغزلان تتعلم ))
توقفت الأغنية ... و توقف هو عن الغناء و الرقص و وقف ينظر إلى عمق عينيها رغم تلك المسافة الفاصلة بينهم و أيضاً الإبتسامة العاشقة لم تغادر شفتيه رغم عيونها التى تنظر إليه من خلف مرآة الكبرياء و الكره لكنه أبداً لن يستسلم كان يردد كلمات الأغنية بقلبه قبل شفتيه و شعرت هى به و لاحظ ذلك من أرتباكها و خجلها و توتر ملامحها
و حاولت هى أن تسيطر على تلك الرجفة بجسدها حين رأته بذلك الجمال الرجولى الذى يخطف الأنفاس يغنى لها بحب .. و كلمات الأغنية التى تثبت لها مكانتها لديه ... أغلقت الكتاب بقوة و وقفت على قدميها و سارت بغضب لداخل المنزل لتتسع إبتسامته و هو يتحرك ليغلق مشغل الموسيقى و تمدد على السرير بسعادة و بعض الراحه .. لقد أستطاع أختراق تلك الحواجز التى تحاوط بها قلبها و روحها
**************************
دلفت رقيه إلى الغرفة لتجد مصطفى يمسك هاتفه باهتمام شديد على غير عادته أقتربت منه و جلست جواره تنظر للهاتف حتى تكتشف بما هو منشغل لتبتسم إبتسامة صغيرة و هى ترى تلك الملابس الصغيرة وصوت مصطفى يقول
-هجيبهم ألوان  حياديه لحد ما نعرف هو ولد و لا بنت
نظرت إليه بعشق و داعبت خصلات شعره التى بدء الشيب يغزوها منذ سنوات .. تزيده وسامه و وقار .. و تزيدها عشق و حب مهما مرت السنوات و حتى إذا أصبح لديه من الأحفاد الكثير
-هتبقى أحلى جدو
نظر إليها بابتسامة سعيدة و قال باستفهام
-بجد يا رقه .. أنا مستنى اللحظة دى من سنين
صمت لثواني ثم أكمل
-صحيح كان نفسي أول حفيد يكون من غسان بس النصيب بقى
أعتدلت رقيه و وضعت رأسها على كتفه و قالت ببعض الحزن
-كله فى وقته .. و زى ما قال غسان قبل كده هى مسأله وقت .. و ان شاء الله ربنا كريم
أومئ بنعم و عاد من جديد بكامل تركيزه ينتقى ما يريد من ملابس الأطفال
وأغلقت رقيه عينيها ببعض الأستراخ و هى تهمس بسعادة
-هبقى تيته .. الحمد لله عقبال ما أفرح براغب و أشوفه عريس بقى
نظر لها مصطفى بطرف عينيه .. و من داخله شعور يزداد أنها لا تقصد حلم فى كلماتها .. هو أيضاً يريد أن يزوج راغب و إن يكون أسره و يصبح أب .. و لكن كيف يتخلى عن إبنة أخيه أكثر المظلومين فى هذا البيت تنهد بتثاقل و هو يدعوا الله أن يحل ذلك الأمر فقد عجز الجميع عن حله

سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن