الفصل الخامس من سقر عشقى (( حلم ))$
حين وصلته طرقات أخيه على باب غرفته لم يكن نائماً بل يقف عند النافذة بشكل جانبى يتابع ما تقوم به هى وصديقتها دون أن تلاحظه خاصة و هى تنظر إلى النافذة كل دقيقة و أخرى و كأنها تشعر بوجوده و تريد أن تتأكد من ذلك الإحساس و كان هو يبتسم على حركاتهم الطفولية يتابع كل حركة و لفته منها و كل ذلك يذكره بحلم الطفلة الذى أشتاق إليها .. أشتاق لألتصاقها به كقطة صغيرة تتمنى أن يضمها صاحبها إلى صدره .. تتمسح فى قدميه فى كل خطوة تتمني حنانه .. يتذكر حين كانت تنتظره على باب البيت و هو عائد من المدرسة حتى تأخذ منه الحلوى الخاصة بها ... تجلس بجانبه فى الحديقة حتى يساعدها فى كتابة واجباتها لأنها تتزمر طول الوقت .. تضحك على كلماته و تلوى فمها بضيق حين يقرر الخروج مع أصدقائه .. عاد من أفكاره حين فتح غسان باب الغرفة أبتعد هو عن النافذة و وقف ينظر إلى أخيه الذى يشعر به جيداً و يفهم كل ما يدور بداخله و ما يشعر به و يشفق عليه حقاً و يظهر ذلك جلياً فى عينيه يعلم جيداً كما الجميع حلم تختلف كثيراً عن شقيقتيها ... هى الصغرى مدللة الجميع و أمها أكثر من يدللها و يحتويها .. ملتصقه بها دائماً و أكثر من رأت نزوات والدها و الظلم الكبير الذى سقط على والدتها و عليها و على أخوتها خاصة و أن والدها لم يخفى كرهُّه لها و لأخوتها لأنهم بنات .. و لا أحد ينكر تأثير رؤيتها لوفاة والدتها بيد والدها .. هى من عانت فترة طويلة بصمت لا تسمع سوى صوت أفكارها و ترى ذلك المشهد يتكرر مراراً و تكراراً أمام عيونها
ظل الموقف صامت لعدة ثواني حين قال راغب بهدوء و بعض الملل
- عمك مش هينزل زى كل يوم ... متقلقش و طمن أمك
- عارف .. و مش جايلك علشان كده
أجابه غسان و هو يجلس على السرير بتثاقل و قد يبدوا على وجهه الضيق و القلق و شئ آخر لم يستطع راغب فهمه
أقترب منه و جلس أمامه و هو يقول باستفهام و قلق
- مالك يا غسان ؟ ليه شكلك مضايق كده و كأنك شايل هموم الدنيا على كتافك
أخذ غسان نفس عميق و أغمض عينيه لثواني كان راغب ينظر إليه باندهاش من تلك الحالة التى عليها و كم التعب و الإرهاق الواضح على ملامحه ... ليقول غسان و هو على نفس وضعه
- أنا مجرم و حقير أنا مش قادر أسامح نفسى على إللى عملته فى نوار
قطب راغب حاجبيه باندهاش و صدمة .. حقاً هو يشعر بالصدمة ... فكلمات غسان صادمه بالنسبه له ماذا فعل غسان بنوار و كيف يكون أجرم فى حقها و هى عشقه الوحيد و جميع من يراهم يتمنى أن تكون لهم قصة حب شبيهه بحب غسان و نوار و هو أكثر من يشهد عليها .. فهو فى مرحلة ما كان مرسال الغرام بينهم .. و موضع أسرار غسان و أيضاً كان يخبئ له الهدايا التي يحضرها لها كان يقف له (( ندورجي )) حين يقفا فى الحديقة الخلفية يتحدثون بعيد عن أعين الجميع .. و ضع يديه على قدم أخيه و هو يسأل بأهتمام
- فى أيه يا غسان أنت قلقتني ؟
فتح غسان عينيه ينظر إلى أخيه الأصغر لعدة ثواني ثم نظر أرضاً و وقف على قدميه ليغادر الغرفة ليمسك راغب يد أخيه يوقفه و هو ينطق أسمه بقلق و أندهاش
-غساان
نظر إليه غسان بعيون خاويه تتألم .. بها نار تشعل روح أخيه و تعذبه .. ليشعر راغب بالصدمة و هو يرى كل ذلك الألم بداخل عيني أخيه ليترك يده ليغادر غسان الغرفة لكنه ترك داخل قلب راغب خوف لم يعرفه من قبل رغم خوفه الساكن داخل قلبه من خسارته لحلم
****************************
دلفت حلم إلى البيت بعد رحيل جنة ... تعلم جيداً أنها لن تراه و لكن وجوده فى المنزل يجعلها دائماً تشعر بالغثيان و أيضاً يرتفع داخلها إحساسها بالكُره .. و فى هذة الحالة هى تفضل الإبتعاد عن الجميع لكن راغب له وجهة نظر أخرى .. فبعد مغادرة أخيه الغرفة توجه بتثاقل إلى النافذة لم يجدها فغادر الغرفة سريعاً وقف عند السلم ينظر إليها و هى تدلف من باب المنزل تنظر حولها بحذر يعلم جيداً أنها لا تريد رؤية والدها و لكنه يريد أن يخرج بعض من غضبها الذي يعلم جيداً أنه لا يهدئ أبداً مهما كان يبدوا على ملامحها الهدوء
قطع طريقها فى الصعود إلى غرفتها و قال ببعض المشاغبة رغم ذلك الحب الكبير الواضح داخل عينيه
-هو مفيش حد بيضحكك غير جنة ؟
-وأنت مش هتبطل تراقبنى .
أجابته ببعض الضيق .. ليبتسم إبتسامة جانبية و هو يفكر كم هو غبى .. كيف يستهين بذكائها و إحساسها الأنثوى أيضاً .. أقترب منها خطوة و قال بتأكيد
-عمرى يا حلم .. هفضل وراكى لحد ما أحقق حلمى يا حلمي
أغمضت عيونها .. و بدأت تشعر بالغثيان .. هذا هو سرها الذى لم يعرفه أحد حتى الأن .. حين تقترب من أى رجل و تشعر بأعجابه بها .. و يصور لها عقلها خيالات عن مغازلته لها .. أو أنه يتعامل معها كزوجته تشعر بالغثيان .. فوالدها و ما شاهدته منه و سمعته أيضاً قضى على جمال تلك اللحظات الرقيقة التى أحلاَ الله لأى سيدة و رجل فى إطار الزواج .. لم يستطع تفسير ما أرتسم على ملامحها من تقزز هل هو موجه له بالتحديد أم هناك شئ آخر لا يستطيع هو فمه و تفسيره .. تحركت خطوتان لتصعد إلى غرفتها ليقول هو سريعاً
-أنا مش عمى أحمد يا حلم .. أدينى بس فرصه مش يمكن أكون زى بابا و يوسف و غسان و زى رجاله كتير فى الدنيا دى مُخلصه .. رجاله حقيقيه بتحترم الست و عارفين قدرها كويس
ظلت واقفه مكانها .. تعطيه ظهرها تغلق عيونها بقوة و شعور الغثيان يزداد ليكمل هو بحب
-مش كل الرجاله خاينة .. فى أبويا و يوسف و غسان .. حتى جدى .. مش كل الرجاله عمى أحمد بصى على كل البيوت إللى حوالينا .. شوفى أصحابك إللى متجوزين و المخطوبين .. شوفى كل قصص الخيانات لستات كتير خانت جوزها أو حبيبها أو حتى أهلها .. أحنا مش شياطين يا حلم مش شياطين
لم تعد تتحمل لتنظر إليه و الغضب يرتسم بعيونها .. و بدلاً من أن تفرغ ما بمعدتها .. أفرغت ما بقلبها كاملاً فى وجهه
-أنا بكره جنسكم .. أنتو مقززين .. أنتوا بس بتدورو على غرايزكوا .. كل الرجاله زى الحيوانات الشهوة و الجنس هو إللى بيحركم كلمة حلوة بتوديكم و تجبكم و علشان رغباتكم بتجروا ورا أي واحدة .. لا يا راغب أنتوا شياطين .. و المخلص إللى فيكم بجسمه خاين بقلبه و بعنيه .. أنتوا شياطين .. كلكم شياطين
تراجع خطوة للوراء .. فى أسوء كاوبيسه لم يتخيل يوماً أن يكون هذا هو تفكيرها فيه بل فى الرجال جميعاً .. لتكمل هى كلماتها
-أنا بكرهكم .. بكرهكم .. بكره أبويا إللى بيخون أمى كل يوم رغم أنها عاشت عمرها كله علشانه و تحت رجليه .. بكره جدي إللى خاف على أسم العيلة أكثر ما خاف علينا بكره عمى إللى شايف كل الغلط إللى بيحصل و ساكت بكرهك و بكره صمتك و بكره حبك ليا .. بكرهك
وصعدت سريعاً إلى غرفتها و مباشراً إلى الحمام لتفرغ ما بمعدتها و دموع عينيها تغرق وجهها
و كان هو ينظر فى أثرها بصدمة و أندهاش أنفاسه متصارعه .. لم يتخيل يوماً أن يستمع لتلك الكلمة منها .. رغم أنها لا تتوقف أفعالها عن توضيح ذلك لكن أن يسمعها منها مباشرة بكل ذلك الكره داخل عينيها بكل ذلك الغضب و التقزز الواضح على ملامحها .. ظل على وقفته عدة دقائق لا يعلم بما يشعر الأن و كأنه فقد كل حواسة و مشاعرة
***************************
غادرت الحمام و هى تشعر بنوبة غضب كبيرة .. أحاسيس مختلفة بين كرهها لوالدها و بين أقتناعها بكل كلمة قالتها .. و بين تلك النظره داخل عينيه التى تلمس قلبها لكنها أبداً لم تخترقه يوماً
أرادت أن تنسى كل ما حدث أن تشغل نفسها بشئ آخر .. أمسكت هاتفها و فتحت مشغل الأغانى الخاص بها و دون أن تنظر إلى الأسم أدارت أول أغنية فى القائمة و وقفت عند النافذة الكبيرة تستمع لكلماتها التى جعلت إبتسامة سخرية ترتسم على وجهها رغم تلك الدمعات التى تسيل فوق وجنتيها
(( و قالوا سعيدة في حياتها، واصلة لكل أحلامها
وباينة عليها فرحتها في ضحكتها وفي كلامها
وعايشة كإنّها ف جنة وكل الدنيا مالكاها ))
أغمضت عينيها بألم و هى تتذكر كلمات صديقاتها عنها و عن عائلتها الكبيرة و كم هى محظوظة ... و رغبتها القوية فى أخبارهم أن يجربوا كل ما مرت به و أن يعيشوا ما عاشته و لترى رأيهم بعدها
(( وقالوا عنيدة وقوية، مبيأثرش شئ فيها
محدش في الحياة يقدر يمشي كلمته عليها
هتحلم ليه وتتمنى؟ مفيش ولا حاجة ناقصاها ))
ينقصها أم .. أم حانية كانت تحمل عنها كل سؤ الدنيا .. و أحزانها .. دفئ أحضانها يساوى كل تلك الحياة بمن عليها
(( ومن جوايا أنا عكس إللى شايفينها
و ع الجرح إللى فيها ربنا يعينها
ساعات الضحكة بتداري في جرح كبير
ساعات في حاجات مبنحبش نبيّنها ))
ماذا تظهر .. و كيف تتحدث عن والدها الذى قتل أمها كل يوم من حياتها .. حتى قتلها فعلاً و أزهق روحها بركلاته لها و كلماته الجارحة و تفاخره بعلاقاته النسائية المحرمه دون خجل أو خوف
(( كتير أنا ببقى من جوايا بتألِّم
ومليون حاجة كاتماها بتوجعني
بيبقى نفسي أحكي لحد و أتكلم
وعزٍّة نفسي هيّا إللي بتمنعني ))
و ذلك هو إحساسها مع راغب .. أكثر الشخصيات التى تمنت أن تكون قريبة منه لكن كونه رجل كوالدها يجعلها تركض مبتعده عنه و للأبد رغم ذلك الإحساس الذى يؤلم قلبها برغبه قوية فى إخراج كل ما يؤلم قلبها له هو فقط أحاسيس مختلفة مختلطة قاتله تنحر روحها يومياً دون أن يشعر بها أحد
(( سنين وأنا عايشة في مشاكلي وبعمل أني ناسياها
وحكموا عليّا من شكلي و م العيشة إللي عايشاها
أنا أوقات أبان هادية، ومن جوايا نار قايدة ))
أغمضت عيونها بقوة .. فهى أكثر من يعرف ذلك الشعور أن تبتسم و بداخلك يبكى .. أن تتعامل مع أنسان ترى على يديه دماء أغلى الناس على قلبها .. أن ي ويُذكرها أسمها حين ينطق أحد بمن تكرهُّه اكثر من الموت
(( ولو يوم إللي حسدوني يعيشوا مكاني لو ثانية
ولو شافوا إللي أنا شوفته هيتمنوا حياة تانية
ولو أحكي عن إللي أنا فيه هتفرق أيه ؟ أيه الفايدة! ))
جلست أرضاً تبكى بدون صوت رغم رغبتها القوية فى الصراخ بصوت عالى .. أبى قتل أمى و قتل أحلامى .. شوه روحى .. و مزق قلبى ... وضعنى فى حفرة كبيرة من الألم و أغلقها على دون رحمه
****************************
دلف إلى الغرفة على وجهه إبتسامة واسعة سعيدة رغم الإرهاق الذى يرتسم على وجهه من كثرة الخوف عليها ليجدها تجلس فى منتصف السرير تضع كف يديها على معدتها و إبتسامتها الهادئة ترتسم على محياها .. اقترب عدة خطوات ليصله صوتها الذى يحمل الكثير من السعادة
-أنا حامل يا يوسف ... حامل أنت مصدق
جلس أمامها و مد يده يضعها فوق يديها الموضوعة فوق معدتها و قال
-اه طبعاً مصدق .. كرم ربنا كبير يا عائش .. و حفيد عيلة بركات الأول هينور الدنيا
رفعت عيونها إليه و قالت بإبتسامة واسعة
-عايز ولد و لا بنت ؟
نظر إليها بحب كبير و عشق يزداد .. و قال
-كل إللى ربنا يجيبه خير .. و يا سلام لو بنت حلوة كده زى أمها يبقى ربنا بيحبنى أوى
وضعت يدها الأخرى فوق يديه و بداخل عيونها حب كبير رغم ذلك الخوف الساكن بهم ... و رغم تلك السعادة التى يعيشا فيها إلا أنه دائماً يقلق من ذلك الخوف و يحاول يطمئنه لكنه يشعر من داخله أن هذا الخوف كقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر فى أى وقت
و هى من داخلها تتمنى وجود والدتها بجانبها تضمها تطمئن خوفها تبتسم لها إبتسامتها الحنونه تخبرها أنها ستكون أفضل أم فى هذة الحياة تنصحها توجهها تربت على قلبها المرتعش خوفاً .. لكن والدتها ليست هنا .. قتلها والدها .. قتل رحمتهم على الأرض و لم يبقى لهم شئ
ظل صامت يتابع إنحدار تلك الدمعات الذى يعلم جيداً ماذا سيحدث بعد عدة ثواني سوف ترفع يديها تمسحها بقوة و كأنها لم تغادر عينيها تنظر إليه و تبتسم بقوة رغم أنه يعلم جيداً أن قلبها يتألم بصمت و لذلك يموت خوفاً عليها
أنت تقرأ
سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى
Romanceثلاث قصص منفصله لكل قصه منها احداثها و ابطالها هنا العشق ليس الجنه الذى يحلم بها كل انسان ... العشق هنا عذاب و دموع .. ذنب كبير هل سيكفر عنه صاحبه ... ام سيعيش عمره باكمله يدفع ثمنه .... هل سيجد ابطالنا الجنه ام سيظل جحيم الفراق قدرهم