البارت 33

1.5K 58 1
                                    

                                   
                                         

الطيف الثالث والثلاثون
=====
*العراق.. بغداد *
=====
السيارة الفخمة تتوقف أمام المقبرة حيث تترجل منها سيدة بالغة الأناقة لتشير نحو السائق بالانصراف فيطيعها صاغراً..
خطواتها المتثاقلة تسحبها نحو مقابر بدت متساوية في مقامها وقد وحد الموت المقامات..
إنما.. هيهات!
أربعة موتى لايزالون يحيون في رماد روحها!
ما في قلبها - بين هؤلاء الأربعة- يبني ويهدم.. يقيم ويقعد.. يحيي ويميت..
الندم ؟!
الندم لا يعرف طريقاً لقلب امرأة مثلها لم تعتد سوى أن تمد كفاً رابحاً وتقبض كفاً خاسراً فلا يخذلها غد..
وحده الماضي يهدم قصورها ليذرها شريدة في العراء.. الماضي الذي لا تملك له رداً..

                     

تتوقف أمام القبر الأول لأبيها.. فتبتسم بشرود بائس لتهمس كأنه يسمعها :
_سلامٌ عليك يا (حبة القلب).. أدعوك بها كما كنت تدعوني.. ابنتك استبرق لا تزال على عهدها.. عمرك لم يضع هدراً.. الحق الذي نهبوه منك حياً أعدته لك ميتاً.. الحق الذي يقول إن كل أموال عائلة الأمين يجب أن تكون لنا وحدنا.. العدل الذي عشت وسأعيش عمري لأنفذه.. هذا هو إرثك يا أبي وسأحافظ عليه.. لي.. ولابني.

                     

يتحشرج صوتها رغماً عنها بغصته وهي تشعر بخنجر أمومتها يدمي قلبها من جديد..
كل دقة تساوي طعنة.. وما أقسى طعنات كهذه على قلب كقلبها!

                     

_وددت لو لم تنكشف الحقيقة.. وددت لو يبقى يحيى هو ابني.. ابني أنا فحسب.. دون اكتراث لمن يكون أبوه.. لكن الزمن لا يزال يختبر صلابتي فأثبت له كل مرة أنني الأقوى.. أنني الأذكى.. وأنني من ستربح كل شيء في النهاية..

                     

تقولها بعينين متوهجتين بشراسة تناقضان براءة ملامحها الظاهرة لكن بريق عينيها يخبو رويداً رويداً وهي تردف بخفوت :
_لست ساقطة يا أبي.. بالله لا تنعتني بها.. يقولون إن الغاية تبرر الوسيلة وأنت كنت دوماً غايتي.. أنفاسك التي زهقت بين ذراعي ذلك اليوم.. قلبك المريض الذي لم يحتمل وزر أن يخونه صديق العمر.. عقلك الطيب الذي رفض الاعتراف أنه كان عرضة للاحتيال.. بيتنا الذي طردنا منه دون متاع.. كل ما أقسمت أن أقتص له من عائلة الأمين.. وقصاصي كان أن يصير كل مالهم لي.. أنا وحدي من تتحكم به..

                     

تقولها لتتوجه نحو المقبرة الأخرى حيث كتب عليها
(مقابر عائلة الأمين)..

                     

فترى بعين خيالها (الأمين الأكبر).. صديق أبيها الذي تربت في كنفه صغيرة قبل أن تكبر لتدرك الحقيقة..
فتعود لملامحها شراستها البرية وهي تهمس كأنه يسمعها :
_كيف حالك يا عمي؟! عساك تحترق كل يوم بذنب أبي وذنبي.. تعرف كيف صار الحال الآن؟! استبرق صارت من تملك حق التصرف في كل مالك.. مات ولداك وبقيت أنا.. تظن نفسك وفيت دينك نحو أبي الذي قتلته حسرة على ماله عندما زوجتني لابنك الأكبر؟! هل هذه منتك عليّ؟! دم أبي لا يزال يقطر من بين أصابعك.. لن يجف إلا بخروج روحي من جسدي..

من يعيد قوس قزح الجزءالثاني  لسلسلة وهل للرماد حياة(ماسةوشيطان) لـنرمين نحمداللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن