البارت 27

1.4K 63 0
                                    

                                   
                                         

الطيف السابع والعشرون
======
*أبيض*
======
الأرض تكاد تميد تحت قدميه وغابات الزيتون في عينيه تشتعل بالمزيد من القلق وهما معلقتان بباب الغرفة المغلق في المشفى ..
يستعيد رغماً عنه ذكريات مشابهة في مرة ولادتها الأولى ..
لا ..لم يكن يراها رؤيا العين وقتها لكنه بملء روحه كان يرى!!

                     

_ادع لنا يا عاصي ..ادع لنا ..

                     

يسمعها بصوت ماسة كما كان وقتها فيغمض عينيه بقوة وقلبه يلهج بدعاء صامت ..
لعله لا يزال لا يستحق ..لعله لم يوفّ دينه كاملاً بعد ..
و"اليد السوداء " الصغيرة التي طالما أرقت نومه في كوابيسه لا تزال تعتصر عنقه ..
لكنه صار يوقن أن رحمة الله دوماً تسبق غضبه !

                     

يشعر بهذه اليد القوية التي تقبض على كفه فيلتفت نحو صاحبتها التي تمتمت بخفوت :
_هل اخترتَ اسماً للمولود ؟!
كفه القوي يرتجف في يدها فينقبض قلبها بلوعة وهي تدرك أي جحيم يداريه صمته القلق ..
لكنها هي الأخرى تداري قلقها بفظاظتها الساخرة :
_ماسة أخبرتني أنكما تنتظران فتاة ..لا تقل إنك ستسميها طيف بدافع من ضميرك الأخوي الذي صحا "على كبَر "! لا تعجبني هذه الأجواء القديمة ..كما أنني لا أحب أن تتسمى طفلة باسمي فيسبها الرائح والغادي وهيبة اسمي تدوسها الأقدام !

                     

_شمس!
يتمتم بها عاصي بصوت مرتجف في جواب مقتضب كأنه لم يلتفت لمزاحها المواسي ..شفتاه مرتجفتان وعيناه لا تزالان معلقتين بالغرفة المغلقة ..رعشة كفه في كفها تكاد تزلزلها مكانها وهي تميز كيانه "الجبار" لأول مرة بهذا الوهن ..تحاول الاستعانة بمزاحها الساخر من جديد :
_نور وضياء وشمس ! لا أدري ما الذي يلهمك بهذه الأسماء ! عساها لا تكون "شمعة" المرة القادمة ..
تقولها لتنظر للساعة المجاورة المعلقة على الحائط فتشاطره القلق المذعور وهي تتبين الوقت ..لماذا تأخروا بالداخل إلى هذا الحد ؟!

                     

_سيكونان بخير ..لا أفهم في هذه الأمور لكن ..
تقطع قولها بزفرة قوية وأناملها تشتد قوة حول كفه بدعم صامت لتردف بفظاظتها الفطرية :
_تباً ! أحتاج بضراوة لشرب سيجارة الآن ! سأذهب لمكان ما يمكنني فعلها فيه لعلنا نكون انتهينا من هذه القصة عندما أعود .

                     

يرمقها بنظرة متفهمة وهو يميز عبر خشونتها الظاهرة هذا القلق العنيف الذي اكتسح ملامحها فتطلق زفرة أخرى وهي تتحرك مبتعدة نحو إحدى الزوايا ..
هذا الشعور بالانتماء المستحدث يربكها ..
لقد عاشت طوال هذا العمر تحمل هم نفسها فقط ..نبتة برية في صحراء قاحلة ..الآن تجرب معنى أن تكون غصناً ينتمي لجذع ثابت في أرض خصبة ..يتمايل يمنة ويسرة إنما أبداً لا يفارق جذعه !!

من يعيد قوس قزح الجزءالثاني  لسلسلة وهل للرماد حياة(ماسةوشيطان) لـنرمين نحمداللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن