الفصل الثانى والعشرون

175 1 0
                                    

الفصل الثاني والعشرون
.............................
شربت من عصير البرتقال الطازج امامها بشرود الساعة لا تتجاوز التاسعة صباحاً و هي هنا في الكافتيريا منذُ نصف ساعة و الفطائر التي امامها على الطاولة الخشبية لم تمسها ابداً..أنها اول مرة تغادر مبكراً دون أن تتناول وجبة الإفطار مع العائلة وايضاً البارحة أيمن لم يعد إلى القصر بعد أن قطع تلك العادة ليكررها امس..الجو كان لطيفاً مشبعاً برائحة المطر المنعشة بارداً إنما هي لم تكن تشعر ببرودته وقد وجدت نفسها عاجزة عن دخول المحاضرة لتبقى هنا وحيدة لا يشاركها الكافتيريا الواسعة إلا القليل من الطلاب من اقسام مختلفة.."ربما ما كان علي أن آتي اليوم.." تمتمت بقهر بينما تراقب حمراء الشعر شيماء تركض مسرعة لتلحق بالمحاضرة.." الحقيرة.." لم تكن تدري أن دموعها كانت تتجمع بعينيها كطفلة غيورة ويدها تقبض على الكأس الزجاجي تعتصره ..انهت صراعها تطأطئ برأسها ..دقائق مرت وقلبها يخفق بقوة وهي تتذكر حديثها اثناء وصولها للجامعة مع تلك المرأة ..احساس اخبرها بأنها لن تتأخر كثيراً وستصل بهذه الدقائق وفعلاً لم تكن إلا دقيقتين حين احست بقوة تجتاز طاولات الكافتيريا فتشعر ببعض الارتباك وهي تنظر لها ترتدي ملابس رسمية إنما فاخرة لامعة..شعرها ذهبي مصفف خلفها بعناية مع احمر شفاه لامع بلونه الأحمر اما عينيها فهما مغطاتين بنظارة سوداء فخمة..ارتبكت قليلاً وهي تراه تحرك رأسها يميناً وشمالاً ثم تجد مرادها امامها على بعد خطوات فتسير بحذائها العالي بكل ثقة ..لتتوقف عند طاولة ياسمين فتبتسم بأناقة محررة عينيها من النظارة السوداء لتضعها على الطاولة وعندها استطاعت أن ترى وميض عينيها الزرقاء فلا تعرف ما تقول غير أنها نطقت "أمي.." .." مرحبا ياسمين.."..لم تقترب لتحتضنها وهي ايضاً لم تستطع أن تقف لتسلم على والدتها التي اخذت لها مكاناً بجانب ياسمين ثم بكل استرخاء عدلت من جلستها لتقول ..
- " صوتك لم يعجبني ابداً هذا الصباح..هل من مشكلة..؟.."
حدقت بأمها بغرابة منذهلة هل هذه أمها فعلاً ام أنها مجرد صديقة راقية .. أمها لم تكن أي أم كما هي بالضبط ليست أي يا فتاة..وجدت أن الدموع تنسال من عينيها بصمت تقول بغصة
- " اعطيني مزيجاً من هذا السحر..فسحري كما يبدو لما يعد كافياً لسيطرة.."
كتمت شهقتها فيما تشعر بوالدتها تحرك كرسيها جانباً لتسحب كرسي ياسمين حتى يصبح مقابلاً لها ..مالت في اتجاه ابنتها التي تستمر بذرف الدموع .. مشاعر الأمومة النائمة بها هاجت واشتعلت لتشتعل عينيها الزرقاء وهي تنظر لياسمين منكسرة ..!..فتترجم بلسانها ما يحويه عقلها
- " ابنتي لم تخلق يوماً لتنكسر من اجل رجل..حتى وان كان ابن حلمي ناصر.."
هل ستقف معها أمها الآن..؟..لكن في لندن كلامها كان مختلفاً وهي تبارك لهما زواجهما ..قالت بيأس
- " أنت لن تفعلي لي شيء..دوماً سعيت لتزويجي بنزار ثم جننت عندما تزوجت أيمن وفجأة باركتي الزواج والآن ستقفين معه ما كان علي أن احدثك من الأساس هذا الصباح..."
لا مزيد من الإذلال اكثر ..مسحت دموعها بعنف وهي تحمل حقيبتها لتقف لكن جيهان كانت اقسى وهي تتمسك بمعصمها لتعيدها للجلوس هالها النظر لعينين أمها وهما كالبحر الهائج الغاضب تنطق من بين أسنانها بإصرار
- " وهل اعتقد أنني لو وافقت على زواجك بأيمن ورضيت أنني سأجعله يهينك هكذا .."
- " أتعرفين السبب..؟.."
رفعت يدها تشير بدون مبالاة لتقول
- " أياً كان السبب المهم انه تجرأ على اهانتك..!.حتى وان كنت أنت المخطئة.."
- " أمي لا تقولي هذا الكلام فزوجك هو.."
قاطعتها قائلة
- " نعم تعرضت لضرب..واهنت إلا أنني حصلت على التعويض المناسب الذي يريحني ويؤدبه.."
نفت مسرعة باعتراض
- " لا اريد المال.."
اتسعت ابتسامتها ساخرة تقول
- " نعم فأنت دوماً مختلفة عني ..ليس من الضروري أن تبني لك الحياة في الانتقام بل الضروري هو أن تحرقي من تجرأ عليك بانتقامك.."
عينيها شعت بتأييد لما تقوله أمها والتي واصلت بثقة
- " اخبريني ماذا تريدي يا ياسمين وأنا اعدك أن هذه المرة امك لن تخذلك ابداً.."
النار اشتعلت في قلبها تلهب جسدها اغمضت عينيها وهي تحاول تهدئة نفسها لكن لا يمكن ..لن تهدأ ولن ترتاح إذا لم تسلب من ايمن اغلى ما يملك ستجعله يشعر بالخيانة والفشل ..فهي حذرته ولأكثر من مرة لكنه لم يستجيب بل واصل خداعها فلا يلمها..نظرت لابتسامة والدتها وهي تؤيدها بابتسامة لعوب فتقول بجراءة
- " امي اعتقد أن الموضوع يحتاج لجهد كبيرر.."
- " عقلك لن يتخيل كم أن والدتك لديها قدرة هائلة في البحث والنقب وفي كل شيء.."
لأول مرة تشعر أن لها احد يساندها بغض النظر عن نوع المساندة فتقول
- " ويحتاج لأموال ربما تكون كثيرة وأنا لا املك المال.."
الغريب أنها لم تخشى من مال والد نزار فأمها زوجته وهي تستحق منه هذا المال لم تتوقع أن تقول لها والدتها بسخاء
- " اموالي كلها تحت يديك..فقط اضمني لي أن لا تتراجعي أو تندمي وتكرهيني اكثر بعدها.."
لمعت عينيها بمكر وخبث وتلقائياً هزت رأسها تقترب من والدتها ..ولتجتمع السحرة معاً..
.............................
واقفة امام باب غرفتها المغلق بإحكام ترتدي بنطالاً من الجينز الأسود يحيط فخذيها وساقيها بضيق حجمه لم تجد اوسع من هذا البنطال ضمن الملابس الذي اشتراها لها رعد سابقاً..لكنها حرصت على ستر منحنيات جسدها بالبلوزة الواسعة البيضاء بأكمامها وطولها الذي يصل لنصف فخذيها ..تشابكت أصابعها مع بعضها البعض بخجل تنظر للباب الذي يفصل بينها وبين رعد لم تخرج منذُ أن دخلت هذا البيت قبل ثمانية أيام لتقابل رعد ابداً لم تفعل..لازالت خائفة وهي تتذكر تفاصيل البارحة كيف اصر على عرض زواجه بها ثم انسحب محاولاً بكل مشاعره أن يظهر لها شيء من الأمان ربما نجح قليلاً خاصة وهي بحالة الخوف والفزع ومع كل ذلك فهي مازالت خائفة من عودته لذاك الطريق..نفت ذاك الكلام على الفور وهي تهمس باستحياء.." لن اسمح لك بأن تعود...أنت ما تبقيت من حياتي .."..وباستجابه لما طلبه منها قبل دقائق وهو يدعوها للإفطار من خلف باب الغرفة فتحت الباب بخفة لتتسلسل بارتباك خارجاً...سارت نحو الصالة لكنها لم تجد اثر له لكن صوت حركته خارجاً جذبت انتباهها..ففتحت باب البيت تتلقى المنظر الجميل خارجاً..العشب الأخضر بدا لامعاً منتعشاً مع ماء المطر فالعاصفة لم تتوقف إلا صباحاً..وجو الصباح منعش للغاية..الحديقة بدت نظيفة ففهمت أن رعد قام بتنظيفها صباحاً..يا الله كم وقت بذلته وهي تهتم بهذا الاخضرار الطبيعي وكم كانت سعيدة بهذا الانجاز..حركت عينيها نحو جانب معين حيث امعنت النظر اكثر على الصوت الذي علا بإشراق
" صباح الورد لأحلى ملكة.."
ملامحها اندهشت وهي تحدق بالطاولة البيضاء الدائرية وقد فرشت بمفرش صغير ورصت عليها اطباق أنيقة..دهشتها تحولت لابتسامة ناعمة عندما هتف لها
- " تعالي ..سأموت من الجوع.."
اقتربت بخطى خجلة تقاوم الخوف الذي اندلع بجسدها لكنه تلاشى فوراً وهي تنظر لرعد بملابس بسيطة إنما تجعله شاب شقي مرح بعيداً عن ذاك الخمول والنظرات القاسية..حتى عينيه كانت تلمع بصدق وهو يكتف يديه تحت صدره يقول بمشاكسة
- " أتغارين لأني امهر منك طبخاً..؟.."
تلكأت ابتسامتها وعينيها تتجول على ما طبخ فلا تجد شيء ينطبخ وقد جهز كل هذه الأطباق احداهم يحتوي على معجنات من الخبز الشهي والآخر قشطة مع عسل ثم جانباً وضع طبق المربى..لتنتهي طاولته المميزة بحبات الفراولة الشهية وكأسين من عصير الليمون.." اقتربي.."
همس ببحة وبدل أن تقترب منه كان هو من يقترب إليها فيقول مدعيا البراءة
- " اشتقت لصوتك.."
احمرت خديها وكأنها تتعامل معه لأول مرة فتقول اخيراً
- " متى استيقظت..؟.."
لم تستطع ان تخبره ومتى رتبت هذه الطاولة الذي يحتاج ترتبيها وقتا اكثر من إعدادها..نظرت لطاولة وللكرسيين حولها فأجاب بصوت يلامس احاسيسها
- " لم انم البارحة وأنا انتظر الصباح لآراك.."
خجلت من النظر إليه بينما هو كان يتأمل هيئتها اللطيفة وكم يراها اجمل انسانة على الكون حتى وإن غلبها نساء الأرض جمالاً..قال وهو يتأملها مداعباً
- " أما أنت نمت بهناء ولم تفكري بما احدثته بقلبي من افاعيل.."
نظرت إليه مسرعة وكأنها تعترض عن كلامه فلم يغلبها إلا نوم متقطع احست بابتسامته المتلاعبة فقالت
- " ألن نأكل..؟..اشعر ببعض الجوع.."
كم يشعر بالراحة الآن وهو يجيبها هامساً " لنأكل.."..
سحب لها الكرسي فجلست عليه وقبل أن يباشر بعمل سندوتش لها كما اعتاد أن يأكل هو كانت تقاطعه بإشارة من يدها تقول
- " لا..سأتذوق قطع الخبز واغمسها بنفسي.."
" حاضر.."
استجاب لها وبدا يأكل بشهية ليقول
- " اعلم أنني لست طباخ جيد .."
- " بحق الله ماذا طبخت..؟.."
لم تكن تركز أن ابتسامتها كانت تتسع بينما يقول هو مؤنباً بمزاح
- " يا للظلم ..!..يكفي أنني حضرت عصير الليمون.."
اطلقت ضحكة خفيفة تلاشت وهي تنتبه لنظراته التي تكاد تأكلها اكلاً
- " لا تحدق بي هكذا.."
دس قطعة الخبز المغموسة بالعسل بفمه تذوقها ببطء دون أن يفارق عينيه عينيها ثم قال بتلذذ
- " أتخجلين..؟.."
راقب احمرار خديها ترد عليه
- " وأنت ألا تخجل..؟.."

الشيطان حولك لكاتبة سمايل رانياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن