الفصل الحادي عشر
............................قدميه تسارعتا اكثر و اكثر و هو يصعد السلالم بسرعة قياسية لهث مستنشقاً الهواء محدقاً بباب الشقة بتلك العمارة الشاسعة..
ضغطت اصابعه على الجرس دون توقف دقائق مرت و هو يستمر في الضغط على الجرس متوقفاً حين فُتِحَ الباب من دون أي صوت ثم صوت خطوات ثقيلة وصلت إليه وكأنها تتراجع
توقف بلحظة رهبة خلف الباب قبل أن يدفعه بعد ثوان ليخطو اول خطوة داخل تلك الشقة فينظر لظل صديقه يختفي..لأول مرة كان يجد الهدوء هنا في هذا المكان..هدوء عجيب..احس بضيق و ذاكرته تعود لتلك الليالي الصاخبة التي قضاها هنا مع نساء لم يعد يتذكرهن فقط يداهمه خيال تلك الأوقات وكأن سنوات قد مرت ..شقة صديقه التي كانت يوماً شقة والد رعد _ عامر البّراق_ للعمل فقط اصبحت ملجأ لكل عمل قذر بعد وفاته..عينيه توقفتا على الجسد الجالس دون أي حركة فوق تلك الأريكة الخضراء مطأطأ رأسه دون أي كلمة..رجفة سرت بجسده و هو يقترب خطوات نحو رعد ليتوقف بجواره صمت ساد بينهما لينطق اخيرا
- " كيف عرفت بالأمر..؟.."
جلس على الأريكة بجانبه لينظر لكمية السجائر المستهلكة..و لزجاجة الخمر المغلقة..لقد كان رعد على وشك الشرب. ضاقت عينيه ليردد بحزم
- " ألن تقول شيء ..؟.."
لم يرفع عينيه حتى لأيمن بل قال بصوت متحشرج
- " أيمن هل ..هل استخدمت اغراضي الحادة يوماً..حسناً هل امسكت يدي و هي تنزف بعد أي معركة خضتها.."
- " ليس هذا الوقت المناسب لذكريات رعد.."
قالها مكملاً بصوت عالي
- " قل شيء ..لقد قدت بسرعة خارقة لأصل إليك من دون اسراف بالوقت اكثر.."
اخيراً رفع رأسه باتجاه أيمن ..ليصدمه بتلك الملامح المنهكة ..عينيه الشاحبة..وشفتيه التي تبتسم بمرارة و هو ينطق
- " و ماذا اقول..؟..لقد اخبرتني أنها في المستشفى و أنها مصابة و قد نقلت المرض لي.."
هذا الكلام لا ينفع معه ..انقض يمسك بكتفه هاتفاً
- " من اخبرك بهذا الكلام هل هي نفسها نيلي فعلت...؟"
هز رأسه بالإيجاب لينطق
- " أنا حياتي انتهت أيمن.."
اعترضه فوراً ليقول
- "ما هذه التفاهات التي تقولها..؟..."
لم يسمح له بالرد و عينيه تلمع ليقول
- "اخبرني فقط متى سافرت نيلي ولم تلتقي معها.."
بصوت شاحب رد
- " أنها من اوائل النساء التي عرفت...حين كنت في بداية العشرون.."
اتسعت عينيه و من دون شعور وجه ضربه لتنفض صدر رعد ليقول بجنون
- "بالعشرون !..بالعشرون ولم تظهر لك اعراض المرض حتى الآن.."
ابتلع ريقه ليردد
- "الأعراض تبدأ ثم تختفي.."
- " لكنها تعود بعد فترة .."
لم يعد يتحمل شيء..لقد اصبح يشعر أنهُ وسخ و أن جسده لا يستطيع النظافة ..ارتفع صوته بتعصب ليقول
- " و أيضاً قد لا تعود..قد لا تظهر إلا بعد سنوات كثيرة.."
- " ألا تتذكر أي اعراض اصابتك بعد أن قابلت نيلي.."
كان على وشك الانهيار و هو يردد
- " لا اذكر شيء..أيمن..لا اذكر.."
اندفع ليقول بلهفة
- " قم رعد..دعنا نفحصك في المستشفى.."
اطلق صوت محتجاً ليردد
-" احيانا لا يظهر الفايروس إلا بعد سنوات.."
لم يعرف كيف مرت يده بقوة لتضرب زجاجة الخمر فتسقط حطاماً..وقف من محله لينظر لرعد بجنون قال وقد بدا يفقد اعصابه
- " أنت لا تعرف شيء..مشوش ولا تعرف أي معلومة عن ذاك الفايروس ..انا امتلك معلومات ايضاً تخالف معلوماتك ..قلت لك قف دعنا نذهب للمستشفى.."
حاول ان يمسك ذراعه لكنه نفضها بعنف مردد
- "الأمر لن يفيد..دمت مصاباً بالفايروس فذهابي للمستشفى لن يقيني من المرض..."
انحنى في اتجاهه ليقول بحزم
- "افهمني رعد ..ربما تكون نيلي تخدعك.."
- " لقد ارسلت لي رسالة نصية من هاتفها و ذهبت لزيارتها للمشفى.."
بلهفة ردد
- " و هل قابلتها..؟؟..."
حرك رأسه بالنفي قائلاً
-"كانت نائمة..لم استطع إلا أن قريبتها أكدت لي ذلك.."
- "هناك أمل.."
-"لا..
جلس على الأريكة محدقاً بأمامه بفراغ ليقول متذكراً صورة والدته
- " كانت تخبرني دوماً أن الأمل موجود .."
اكتفى فقط بالنظر لأيمن بطرف عين فهو حين يتكلم بهذه الطريقة يفهم أنه يقصد والدته المتوفاه..اهتزت عينيه لينظر لعيني أيمن التي حدقت به ليبتسم له مطمئن ..
- " كن قوياً ..لنذهب للمستشفى وسيحل الأمر هناك.."
- " قلت لك المستشفى لن تعالجني.."
ربت بكفه على كتف صديقه يقول بتصميم غريب
- "حسناً إن كنت مصاب ربما لن تقي نفسك..هذه حقيقة مؤلمة لكن على الأقل ستأخذ حذرك من أن تنقل العدوى لغيرك ..رعد لا تكن سبب في سلب ارواح أناس..قد تكون حياتنا خطأ لكن لن نسلب حياة شخص ابداً.."
عينيه اظلمت لتشتد زرقتهما باهتزاز احس بصوته يختنق و هو يردد
- " أيمن..هل تعترف أن حياتنا خطأ..؟.."
انها المرة الأولى التي يشعر بها بالمسؤولية..المرة الاولى التي يتحدث بها مع رعد هكذا..لم يستطع الرد و هو يشيح عينيه عنه ليصل صوت صديقه إليه خائباً
- " هل تعرف ربما لن اشعر بالذنب إن كنت دمرت حياة أي امرأة قبلت أن تقضي وقتاً معي..لكن أنا لن اسامح نفسي..إن كنت سبب في تدمير ملاكي.ابداً لن افعل حتى الموت."
ملاكه..كأن احد وجه له ضربة و هو يتذكر الخادمة المدعوة ملك حرك رأسه فوراً في اتجاه رعد لينقض بيديه على كتفيه هاتفاً بصدمة
- "هل ..هل .."
لم يقدر على اكمل سؤاله لكن رعد فهمه فوراً ليردد بخشونة
- " لقد قبلتها..اليوم..."
اغمض عينيه مستمعاً لما يقول ذاك المجنون لتتراجع يديه مارة بين خصلات شعره قائل
- " لا اعتقد أن هناك ضرر.."
فتح عينيه على صوت رعد الذي هوى مزلزلاً بقوة ليقول بجنون
- " هل تستمر بالشفقة علي يا أيمن..؟..لم استطع المقاومة و أنا اعرف ذلك لقد قبلتها اليوم كما فعلت من قبل..أنا لا استطيع تخيلها مصابة ..لا استطيع.."
اختفى صوته دافعاً الطاولة بقدمه بجنون ..كلاهما كان مصدوم ..دقائق مرت من الصمت قبل ان يقف أيمن مجدداً مردداً
- " أنا سأجعلك ترتاح اليوم..تذكر يا رعد أن الأمر قد يكون خدعة..و لا تفسر أي شيء من تلقاء نفسك قبل أن تعرف حتى ما اعراض الإصابة..أنا اعتقد أنك ستكون الآن في المشفى لو انك حقاً مصاب..لا تقلق أنا دوماً معك..أيمن بجانبك.."
ختم كلامه باستلطاف محبب إلا أن عينيه كانتا مهزوزتين..ليغادر تاركاً عيني رعد معلقة عليه..رباه ..لم يكن يعرف أن أيمن يهتم لأمره هكذا..صوتها جاء رقيقاً بتلك اللحظة و هي تقول له بنبرتها الرقيقة.." هل تحب أيمن..؟.."..." أنت تدمره.."..
بألم ابتسم متطلعاً للسجادة السوداء المفروشة على الأرض..سوداء ككل شيء اسود في هذه الشقة..
" لم اعد اعرف من أنا...منذُ أن رأيتك يا ملك.."
تمتمها بهمس قبل أن يعتدل بوضعيته بإهمال على الاريكة الواسعة منفصلاً عن العالم بأكمله..
...................
كان منهك الجسد و الفكر و هو يقود السيارة في اتجاه القصر بعد أن غادر لتوه شقة رعد..السماء كانت مظلمة و xxxxب الساعة بين السابعة و السابعة والنصف مساء ..كم يريد الاستلقاء على سريره ..البارحة سهر كثيراً و استيقظ مبكراً لا بل قاد ثمان ساعات ذهاباً و إياباً بسبب اعصابه التالفة من ياسمين ليصدم بأمر رعد..ما هذا اليوم السيئ..!..سلك طريقاً اقل ازدحاماً..ليصل لتلك المنطقة الراقية ..بين انهاكه استطاع تمييز جسدها الصغير و هي تنزل من سيارة بعيداً عن القصر..حاول أن يركز لامحاً ندى تنزل من سيارة واسعة كبيرة بلونها الابيض ..اطفئ محرك السيارة و من بعيد أخذ يراقبها تتحدث مع السائق ..الارتباك كان واضح جداً عليها خاصة حين استدارت بخطوات شبه راكضة اتجاه القصر..تحركت السيارة البيضاء لتمر بجواره مغادرة..اتسعت عينيه و هو يتأكد من أنهُ نفس ذاك الشاب الذي رآه مرة في ثانويتها..التسلية كانت واضحة جداً من ملامحه العابثة..ضرب المقود بتعصب ليهتف من بين اسنانه .." الغبية ياسمين تحاول تقييد ندى لكنها تدفعها لطريق آخر.." ..حرك رأسه عاجزاً عن التفكير ليدرك أن تلك الثانوية المختلطة هي السبب..و ماذا كان يتوقع هو نفسه يعرف أي تأثير يسببه الاختلاط فماذا لو كان بين شباب و فتيات أثرياء أنه يخاف على ندى كثيراً فالفرق واضح بينها و بين ياسمين واحدة كلها مكر و الأخرى غبية حتى النخاع..بسره كان يفكر بحل انتظر قليلاً حتى تصل للقصر ثم عاد تحريك السيارة في نفس الاتجاه ..لم يدخلها الحديقة بل صفها بجانب البوابة ..كأنهُ يدري أنهُ لن يبقى في الداخل..تجاوز البوابة الكبيرة ليتخلل لأذنه اصوات كأن هناك جلسة عائلية..ابتسم بسخرية فتلك الجلسات تبخرت بعد وفاة والدته..من بعيد رأى والده مع شهد و ندى جالسين على الكراسي بينما بجواره ياسمين و هي تحتضن فتاة صغيرة لم يراها من قبل..حاول النظر جيدا لملامح الضيف قبل أن تشتد يديه بغضب..احس بعروقه تكاد تتمزق و المدعو فادي يمازح ياسمين فتضحك له برحب..تقدم خطوات منهم ليلقي التحية بهدوء..لم يسمعهم و هو يردوا له التحية بل عينيه تعلقتا على ياسمين و هي تميل نحو تلك الطفلة بشعرها الأسود و وجهها المائل للاسمرار مع ثوب ثقيل يقيها من البرد..قادته قدميه نحو الكرسي ليسحبه جالساً عليه متنازلاً عن خطط الراحة بغرفته..قال مستغرباً
- "لماذا لم تدخلوا ..أليس الجو بارد..؟.."
ردت عليه شهد فوراً مندفعة
- " فادي سيغادر الآن..ابتسمت بفرح لتكمل..لقد احضر لنا شقيقته سارة.."
نظراته تركزت نحو الطفلة بين احضان ياسمين دون أن تنطق كلمة واحدة بل تكتفي بالابتسامة حرك رأسه نحو فادي ليقول مدعي الاستغراب الذي يخالف نظرات عينيه المستفزة
- "لماذا لم تحظر البارحة حفل عقد القرآن..."
التملك..اراد أن يخبر فادي بأنهُ يملك ياسمين...لكن فادي كان متفهماً للأمر ليرد ببساطة
- " كنت مسافر لأسبوع لألمانيا هناك حيث والداي و احضرت شقيقتي معي.."
رد عليه بحوار عادي
- "والديك في ألمانيا !.."
- " نعم..منذُ اعوام كثيرة..و بما أنني سأعود لألمانيا بعد اسبوع قررت أن آخذ شقيقتي معي لعلها تزور موطنها للمرة الأولى.."
لم يعلق ابداً بل جاء صوت شهد لتقول له
- "سارة..لا تعرف التحدث إلا بالألمانية لهذا هي صامتة معنا لأنها لا تفهم ما نقول.."
لم يسمح له فادي بالحديث و هو يقف من على الكرسي ليقول مبتسماً
- "سأذهب الآن.."
ردت ياسمين عليه بلطف
- " لا تقلق سأهتم بسارة جيداً.."
اتسعت ابتسامته و هو ينحني نحو شقيقته ليحاكيها بكلمات ألمانية اثارت غضب أيمن لعجزه عن الفهم وكأنه يغار حتى من ثقافته..! بينما ابتسمت الطفلة لترد عليه كلماته عاود النظر إليهم ليكمل
- " سآتي لأخذها غداً في الصباح.."
راقب أيمن بعينين غاضبة ياسمين تودعه حتى الباب..لتعود بوجه مبتسم جلست بجوار والده بينما انسحبتا كل من شهد و ندى للداخل..فقط اهتمام والده بها يجعله يشعر ببعض الغيرة وكأنهُ طفل يغار من اهتمام والده بغيره..كانت هادئة جداً و هي تتحدث عن والدها مع أبيه لتتوقف على صوت رسالة هاتفية فتحت الرسالة فيتغير حالها على الفور لتعتدل في جلستها بسرعة
- " ما الأمر ياسمين..؟.."
قالها السيد حلمي ليعتدل أيمن بجلسته باهتمام..وقفت بلحظة لتنطق بقلق
- " أنها صديقتي..تعرضت لحادث سير..أنا يجب أن اذهب.."
وقفت مسرعة إلا أن يده كانت اسرع لتمسك بمرفقها واقفاً معها لم تكن تراه الآن و عينيها تضطرب بقلق..سمعته يقول بثبات
- "سأوصلك.."
لا مجال للاعتراض تحركت قدميها فوراً لكن يداً صغيرة تشبثت بأطراف قميصها نظرت للخلف لتجد سارة تتمسك بها هاتفة ببعض الكلمات الألمانية لم تكن ياسمين تفهم واحدة منها..بالكاد استطاعت أن تأشر بيديها لتشرح لسارة أن تبقى برفقة شهد و ندى حتى أن عمها تدخل ليبعدها عن ياسمين لكنها اصرت وقد بدأت عينيها تمتلئ بالدموع مما جعلها بسرعة تمسك بسارة لتأخذها معها إلى السيارة رغم اعتراض أيمن و هو يشرح لها صعوبة دخول طفلة المستشفى و ربما لن يسمحوا لها بدخول غرفة المريضة لو كانت في حالة صعبة لكنها لم تسمع كانت متعجلة جداً..طوال فترة الطريق كان فكرها مشغول و سارة جالسة فوقها وكأن لا مقعد بالسيارة فارغ..اوقف السيارة داخل المستشفى المطلوب قبل ان تفتح الباب لتنزل اسرع ليقول لها
- "تمهلي ياسمين لا يمكن للصغيرة أن تأتي معك.."

أنت تقرأ
الشيطان حولك لكاتبة سمايل رانيا
Romansنصبت لك فى قلبى اشواكا قلبا يدعوك للحب يمزقك بحثت عن حلاوة عينك فلم اجد سوى رمادا يحكى قصتك والمثير ان عيناك رات عيناى بحرا يضيئه البرق فيلحقه الرعد يرعبك تنتفضين من الرعد خائفة ونسيت ان الرعد يلازمك اخيرك بين الحياة والعشق ثم افرض عليك العذاب وان ا...