الفصل الثامن عشر

160 3 0
                                    

الثامن عشر
.........................

قلبه لازال يخفق للجهد الذي بذله و اعصابه تالفة منحرقة لكن على الأقل الآن وندى بين يديه سليمة يشعر ببعض الراحة عندما دخل بسيارته متجاوزاً باب الحديقة الواسع حتى استشعر بجسدها مترقباً في احدى نواحي الحديقة.." أيمن أرجوك أنا آسفة.."..بطرف عين نظر لندى التي لم تتوقف عن البكاء مرر عينيه عليها و هي بثوب السهرة العشبي اللون بينما شعرها كان مفتوحاً لتبدو له طفلة جميلة..لو كانت شهد اخته كبيرة وفعلت هذا الشيء لربما كان تصرف تصرف جنوني وقد يتمادى بضربها و هو لا يستبعد هذا الاحتمال لكن ندى الأمر مختلف..هل لأنهُ يدرك أن ياسمين لن تقصر بعقابها أم لأنه لا يلومها على هذا التصرف..من دون أم و أب..انقبض قلبه ليتذكر اخته شهد هي الأخرى من دون أم..و لأول مرة كان يدرك بخطورة اهمال طفل..اوقف السيارة في وسط الحديقة هكذا ليخرج رامياً المفتاح للحارس ليأخذ السيارة لمكانها المخصص خرجت ندى ايضاً منكمشة على نفسها عندما سمعت صوت خطوات سريعة نحوهما ..شهقت من اليد التي جذبتها بقوة إلى الأمام قبل أن تنفض جسدها بقهر لتقول صارخة
- " أين كنت يا ندى..؟..هل كنت تستغفليني كل هذه الفترة..؟..لهذه الدرجة كنتُ لا شيء بنظرك..ارتفع صوتها اكثر و هي تصرخ..أين اخلاقك الشريفة لتلحقي بشاب لعوب..هل هكذا تربيت..؟.."
- " و على ماذا تربيت..؟.."
لم تكن الصدمة فقط من ألجمت لسان ياسمين حتى أيمن وقف مبهوراً و هو ينظر لندى ترفع رأسها اخيراً في اتجاه ياسمين و هي تبكي بمرارة بعد أن نطقت جملتها لتكمل بقهر
- " أنا لم املك يوماً اباً او أم ..لم اتربى على شيء يا ياسمين.."
احس بعضلات جسده تتشنج لينظر لصمت الذي بين الفتاتين ..الوقت متأخر و المطر أيضاً لم يتوقف تلقائياً حرك عينيه اتجاه ياسمين يبحث عن عجزها لرد على السؤال لكنه انبهر حين ردت بهدوء
- " وهل من لا يملك اماً او اباً يجب عليه الانحراف لانه لم يتربى..ألم يخلق الله لك عقلاً تفكرين به .؟.اكملت ساخرة بأسف..لقد انتشلت من عالم الضعف والفقر بفرصة كبيرة نحو عالم مريح و مع ذلك لن يملء عينك شيء..أنت خنت نفسك بالأول قبل أن تخوني ثقتي بك .."

يا الله لا يمكنه أن يتحمل كلام كهذا يشعر أن هذا الكلام موجه لهُ ايضاً و ليس فقط لطفلة كندى..هذا الكلام لطالما سمعه من امه لكنه نساه عندما كبر..اقترب خطوات نحو ياسمين و صوت المطر متساقطاً على الارض هو ما يسمع فقط قال متوقفاً بجوار ياسمين
- " اهدئي ياسمين ..لندخل الآن أنا من سيتحدث مع ندى هي مؤكد ستكون نادمة الآن.."
يديه حاولت دفعها برفق لتتحرك لكنها لم تخطو خطوة واحدة قبل أن تقول بتصميم
- " على ندى أن تعرف أنني لا اشعر بالذنب و أنني أنا وعمي وكلنا هنا لسنا مسؤولين عن تصرفها كما تعتقد أنت يا أيمن ايضاً..نحن لم نهملها بل منحناها الثقة الكاملة...و قد خانتها.."
اكملت كلماتها لتتركهما وحيدين فلم يكن يملك غير خيار سوى أن يتقدم ليحتضن ندى ويتركها تبكي على صدره كما تشاء بينما عينيه تراقب ظل حبيبته ..زوجته الذي ادرك أنها قد تعامله بوحشية فقط لأنه يستحق تلك الوحشية منها.." نعم أنا استحق ..استحق عقاب ياسمين القاس.."
.................
فجراً..
....................
تبكي من قلبها لتشعر باشلاء قلبها تتمزق وكأنها ستفارق الحياة مع جدتها الآن..لا برد و لا شيء تشعر به لازال ذاك الوشاح يغطي جسدها دون أن تخعله من دون وعي...لا تصدق أنهم قادوا جدتها الآن وحملوها جثة نحو القبر..شهقت تداري دموعها ساكنة في غرفة جدتها بمنزلهم القديم...لا تبالي برجاء رافي لها خلف الباب مع الجارة ام سعيد و هما يرجوانها أن تفتح الباب لكنها جالسة على فراش جدتها الأبيض النحيف ساندة ظهرها على ظهر الحائط ..َضامة ركبتيها إليها تبكي دون توقف..لا تستطيع كتم شهقات بكاء .آه فقط لو استطاعت رؤيتها..لازلت تتذكر كلماتها على الهاتف و هي ترجوها قبل وفاتها بأيام أن تأتي لزيارتها ..وضعت يدها على فمها تكتم صيحات من البكاء شفتيها ترتجفان لتنطق من بينهما باختناق.." ما كنت لأبقى لحظة واحدة بمنزله لو كنت اعلم انني لن ارآك ثانية.."..شهقات كبيرة انزلقت منها لتواصل بمرارة.." آسفة يا جدتي..آسفة لأنني كنتُ كاذبة معك حتى آخر لحظات عمرك.."..

الشيطان حولك لكاتبة سمايل رانياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن