بدأ الليل في إسدال ستائره؛ ليُخفي ما علق من أشعة الغروب؛ ولكن لم يستطع إخفاء ما علق من حزنٍ في بعض الصدور، كانت تُطعم صغيرها وتعده للنوم، وقلبها يأن حزنًا على ما يحدث من حولها.
_أمي، أريد أن تقصي لي قصة؛ حتى أنام
-كما تشاء يا عين أمك، صلِّ على خير الأنام يا ثائر وسأحكي لك قصة، ربما ليست كالتي أقصها كل ليلة، ولكنك كبرت الآن وستدرك ما سأقول يومًا ما."حلَّ الربيع بنسيمه العليل، ونسمة هوائه الطيبة في صباحٍ باكر، ذهبت تلك الأم لإيقاظ أولادها للذهاب إلى المدرسة كما تفعل دائمًا، كانت تريد أن تجعلهما طبيبين حين يكبران حتى يعالجا المرضى والفقراء، كانت كأي أم تفرح كثيرًا حين تتخيل تلك اللحظة، ولكنها لم تكن تعلم أنها لن تأتي، استيقظ آلان وأدم، ولكن أحدهما لم يذهب في ذلك اليوم لمرضه الشديد ....
_أمي، لماذا لن يذهب آلان إلى المدرسة؟
_لأنه مريض يا أدم
_وهل يجب عليّ ترك أخي وهو مريض لأذهب إلى المدرسة؟ سأجلس معه إذًا
_ قالت الأم ضاحكةً: لا يا بُني، سيكون بخير، فقط اذهب للمدرسة، وحين تأتي اجلس معه كما تشاء."ظلت الأم تقطع الوعود وتغري الصغير بالحلوى؛ حتى يذهب إلى المدرسة، ولو كانت تعلم ما ينتظره ما أخرجته من البيت في ذلك اليوم، أخذت ترتب المنزل وتعد الطعام وهي تنتظر صغيرها حتي يعود، إلى أن سمعت صوت يكاد يصم الأذن من شدته، وكأن السماء طُبقت على الأرض، هرعت إلى الخارج وهي تغطي شعرها وتجري في وجل، حتى أتاها خبر جعل قلبها ينفطر ألمًا، وجدت الرجال يهرعون من حولها، والنساء تصيح، وأن المدرسة قد فُجرت من قِبل أُناسٍ لم تعرف الرحمة طريقًا إلى قلوبهم، أتاها وليدها وهو محمول والدماء تُلطخ ملابسه وجعلت من قميصه الأبيض بحرًا تلون بلون الشمس وقت الأصيل، وقد صار أحمر اللون لا يختلف كثيرًا عن كراساته وحقيبته التي تبدل لونها، وقفت تلك المسكينة في ذهول مما ترى ولم تقع عينيها سوى على قلمٍ يسقط من الحقيبة، إنه أخر شيء اشترته إليه وطبعت قبلة على وجنتيه ثم ودعته، ولم تكن تعرف أنه وداعها الأخير، خرج صغيرها وحين رأى توأمه بهذا المنظر صُعق وأخذ يبكي بشدة
_أمي، ماذا حدث لأدم، من فعل به هكذا؟!.
أمي! لن أراه مرة أخرى؟ لن نلعب سويًا مجددًا؟ لن نمزح ونصرخ كعادتنا؟ أمي أرجوكِ ردي عليّ."وكأن كلماته كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، أخذت تنوح وتبكي على صغيرها ولسانها لا يفتر عن قول "إنا لله و إنا إليه راجعون" وتحتضن ولدها الأخر وحاله لا يختلف كثيرًا عن أمه، كان هذا في يوم الثامن من إبريل، في إحدى القرى التي تسمى بحر البقر والتي حدثت بها تلك المذبحة، التي تركت ورائها ثلاثين طفلًا الدماء تنقش بالموت على أعمارهم، وخمسين أُصيبوا بجروحٍ عميقة في قلوبهم قبل أجسادهم.".
"أخذت تُزيح دموعها بكفها، وتنظر إلى صغيرها الذي أسره النوم في شباكه، وقلبها يأن وجعًا على ذلك الأدم وهذا الثائر النائم بجوارها، أحدهم قد داهمه الموت في صغره والأخر يتمه الموت في صغره، دثرته جيدًا وقامت لتصلي قيامها وتأخذ قسطاً من الراحة ....
***
مرت الأيام ولا تحمل جديد، وذات يومٍ كانت تتابع الأخبار مع صغيرها وحين رأت أرض الزيتون قد اختلطت الدماء بترابها، وقد صار الموت يحفها من كل جانب، أخذت عيونها تذرف الدموع بغزارة، والآلام تضرب قلبها بشدة، وراحت تأخذها الذكريات إلى حيث وقفت المرة السابقة:
"انتهت مراسم العزاء وقلب الأم ملكوم على وليدها الذي فُقد، والأب في ذهول مما حدث، ولكن برغم كل ذلك كانوا يلحون بالدعاء وأن يلهمهما الله الصبر ويجمعهما بصغيرهما في الجنة، في هذا الوقت كان آلان يبكي بغرفته وكانت أريج تواسيه وتهون عنه ما يُأسيه:
_يكفي بكاء يا آلان، سيكون أدم حزين الآن؛ لأنك تبكي
_وماذا أفعل إذاً ، أخي لم أره مرةً أخرى، حُرمت منه إلى الأبد يا أريج، ماذا سأفعل من دونه، كانت أمي تقول لنا لن تفترقا حتى تكبرا، ولكن افترقنا يا أريج، أنا أكره هؤلاء اللصوص الذين سرقوا بِلادنا وسرقوا عمر أخي.
ردت وهي تزيل دمعة سقطت من مقلتيها:
_البكاء لن يجدى أي نفع، ادع له بالرحمة والمغفرة، اجتهد واكبر حتى تكون طبيبًا كما كنتما تخططا معًا، ربما أدم فارق الحياة ولكن لن يفارق قلبك أبدًا، أليس كذلك؟
_نعم يا أريج، لن يفارقني للحظة، وسآخذ حقه، سآخذ حق كل الأطفال الأبرياء
_هذا آلان الذي أعرفه
****
فاقت من شرودها على صوت ثائر وهو يقلب في التلفاز:
_حان وقت النوم يا صغيري
_رد بتثاؤب: ولكني لا أشعر بالنعاس الآن
_هيا انهض يا بُني لأحكي لك ما حدث بعد ذلك
_حسنًا يا أمي.
أنت تقرأ
اسكريبتات ❤🖤
Romance"أحيانا الكتابة بتكون هي الصوت اللي مش بنقدر نخرجه، هي عبارة عن ضحكة وقت فرح، أو ابتسامة خجل بين اتنين، هى دمعة نزلت بعد فراق، أو عياط من القلب و محدش شافه، الكتابة تنفع في كل الأوقات و كل الأحوال"🖤 #دعاء_سمير