لو لم تكوني في حياتي(٢)

1.5K 48 2
                                    

الفصل السابع

لو لم تكوني في حياتي (2)

لو لم تكوني أنت في لوح القدر
لكنت صورتك بصورة من الصور
كنت استعرت قطعة من القمر
وحفنة من صدف البحر وأضواء السحر
كنت استعرت البحر والمسافرين والسفر
كنت رسمت الغيم من أجل عينيك وراقصت المطر
لو لم تكوني أنتِ في الواقع
كنت اشتغلت أشهراً وأشهراً على الجبين الواسع
على الفم الرقيق والأصابع
كنت رسمت امرأة مثلك يا حبيبتي شفافة اليدين
كنت على أهدابها رميت نجمتين
لكنّ من مثلك يا حبيبتي؟ أين تكون، أين؟

*******

ساعة مرت و هو ما زال جالسًا... فاردا رجليه، يسند رأسه للوراء بإعياءٍ، غير مهتم برواد القسم الذين يمرون من أمامه....ينظرون إليه بتساؤل مرة و بشفقة مرات.... غير مهتم بإخفاء دموعه، التي تمر على وجنتيه لتبتلعها لحيته التي استطالت، يبدو فاقدًا للحيلة، مربوط اليدين...كان في أقصى و أقسى مراحل التوهان، مالذي يجب عليه فعله؟! ما المطلوب منه؟!... لأنه لم يعد يعرف!!... و كل ما يتمناه أت يحضن روح بقوة لتختفي بين أضلعه....و أن يتحسس رائحة اشتاق لها حد الوجع... كان أنانيًا و هو يفكر أنه يحتاجها، يريد فلك الآن... بكل رقة عُرفت بها يوماً يريدها....أغلق عيونه....و قد عادت به ذاكرته لأشهر....و حفيف ثوبها يصله ككل يوم بعد عودته من العمل... و كأنه فعلا عاد إلى تلك اللحظة...يعيشها ثانيةً.... كان يهتف لنفسه أن يذهب إليها.... خطواته تسارعت حيث غرفتها، يستمع لخطواتها المتوترة داخل الغرفة، قلبه سارعت دقاته....سيُغير ماضيه معها... و قبل أن يرفع يده للباب كانت تفتحه... و تستقبله بأجمل بابتسامة رأتها عيونه... خطى نحو الداخل.... ليُسرع لضمها كما يشتهي...و قبل أن تستقر شفاهه على خاصتها....كان صوت بشع يخطف منه أحلام يقظته...ثار داخله و كأنه حقًّا يستطيع بلمسة من ماضيه أن يُغير حاضره.
- " سيد قاسم.... قد تم ملأ شهادة الوفاة، سيتم نقل جثمان سيد ابراهيم لمستودع الأموات...بانتظار دفنه "
لم يرمش و الطبيبة تُعيده لواقعه...ينظر إليها مستسلمًا...و حقيقة موت ابراهيم تصفعه بقوة.... والدها قد مات....و لا مجال لتغيير ذلك...
كيف تغيرت حياته فجأة... لتنفلت من بين أصابعه بهذه السرعة، دون أن يستطيع السيطرة على وتيرتها.... مالذي فعله ليُحيل حياته إلى جحيم...كل أحباءه يسقطون تباعًا، أي لعنةٍ ألقتها عليه سيرين ليغدو ملعونًا بفقد كل عزيز...
استند على ذراعه محاولًا الوقوف....ليميل بضعف و يتراجع جسده ضاربًا الحائط خلفه بقوة...كان ضعيفًا جدا... في أقسى حالاته لم يتوقع أبداً أن يصل إلى هذا الدرك من الضعف.

عاد مُرهقًا....يجر أذيال الهزيمة حيث عائلته المتبقية.... بعد أن قضى نصف اليوم في الإهتمام بالإجراءات اللازمة... لتتم الصلاة عليه وقت العصر.... ثم تتوارى جثمانه.... رجلاه قادته مباشرةً لمكان روح.... ليستوقفه صوت الطبيبة
- " سيد قاسم... يجب ان تخرج ابنتك من المستشفى...." باغثته الطبيبة المشرفة....و التي تكفل كريم لتليينها تجاهه، معرفتها بصديقه ساعدته كثيرًا في الإبقاء على طفلته قريبة من والدتها
- " أنا...زوجتي لم تُشفى بعد....لا أستطيع اخراجها ..." أجابها بصوتٍ متعب كسير...لم تهتم لحالته المزرية و هي تستطرد بنبرةٍ لا تقبل النقاش
- " سيد قاسم...كريم ابن خالتي و أعزه جداً... لا تجعلني اندم على تقديم مساعدة لصديقه ... لأن تعاطفي السابق معك... سيجعلني اعاني مع الإدارة... يجب ان تخرجها غدًا... "
استدارت مغادرة.... و عيونه خلفها، لا أحد يُقدر مصابه...لا أحد!
ألا يوجد من يُشفق عليه، ليبسط له الأمور ولو قليلاً... هو يُعاني...و لا أحد يقدر ذلك!

تناقضات عشقك(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن