برغم خلافاتنا (2)
برغم برغم خلافاتنا
برغم جميع قراراتنا بأن لا نعود
برغم الجفاء، برغم البرود
برغم انطفاء ابتساماتنا، برغم انقطاع خطاباتنا
فثمة سرٌّ خفي، يوحد ما بين أقدارنا
ويرفض كل اتهاماتنا
برغم خريف علاقاتنا، برغم النزيف بأعماقنا
و اصرارانا على وضع حدٍّ لمأساتنا بأي ثمن
برغم جميع إدّعائاتنا بأنيَ لن، وأنّكِ لن
فإني أشُك بإمكاننا
فنحن برغم خلافاتنا، ضعيفان في وجه أقدارانا
شبيهان في كل أطوارنا
دفاترنا، لون أوراقنا، وشكل يدينا و أفكارنا
وحتى نقوش ستاراتنا وحتى اختيار أسطواناتنا
دليل عميق على أننا رفيقا مصير
رفيقا طريق، برغم جميع حماقاتنا!*****
-" شكراً لك.." همست و هي تدلف للمنزل " لن أنسَى معروفك أبداً..." قاطعها و هو يُغلق الباب بعنفٍ
-"إلى ماذا تسعين سيرين ؟!" قال بغضب و مشاعر غير مرغوب فيها تعود ذاكرته لإحياها...لو لم تكن بتلك الوضاعة لكانت تلك الطفلة ستكون... توقف قاسم..." ألم تكتفي بعد من تدميري ..."
-" لا قاسم...أقسم لك لا أسعَى لأي شئ...أنا فقط لم أعرف شخصاً اَخر ألجأُ إليه...." سكتت قليلاً لتستطرد بهمسٍ " لم تكن لتخذلني..."
-" أنتِ لا تعرفينني ... فلا تدعي ذلك..." أجابها و هو يُعيد الفوضَى التي خلفها سابقاً...توقف عما يقوم به ينظر إليها..
-" بلَى... يكفيني أنك لست شخصاً إنتقاميّاً...أنتَ إنسان جيد قاسم...جيد جداً في الواقع... أكبر حتَى من أن أستحقك"
أبعد عيونه عنها...ينظرُ للوسادة الصغيرة الصفراء الّلون، التي أضافتها فلك لتكسر حدة الألوان في منزله.... ليقول بهمسٍ يطرح سؤالا منذ ظهورها على عتبة منزله و هو يُورِّقه..
-" هل كنتِ تعلمين ...أقصد يوم الحفل؟!" في إشارةً لطفلتها...
-" لا..." همست تنظر باتجاهها لتمرر أصبعها على خذها المكتنز " بعد مغادرتك الغرفة... فقدتُ الوعي ...وتكفل أحدهم من الفندق بنقلي للمستشفَى...لاكتشفتُ أنني حامل، .." غابت في تحليل شعورها في لحظة اكتشافها أن كابوسها لم ينتهي بخسارة قاسم فقط....بل تخطاه لخسارة كل شئ ...لتستطرد " صدمة أنّني حامل كانت لا تُطاق... كيف لغلطة واحدة أن تكون بهذه العواقب... في تلك الّليلة التي قررت و عفراء الخروج للإحتفال بتوديع عزوبيتي" ضحكت بمرارة أ ...لم أكن أعرف أنني سأخرج سيرين و أعود أخرَى لم أتقبلها ... فمَا بالك بالاَخرين... أمي ... التي كانت تضحك و أنا أقص عليها مغامراتي و عفراء... كيف حصلنا على وجبةٍ ضخمة مجانية... و توصيلة...أو حتَى تذاكر الدخول لحفلات الكبار... رمقتني بنظرة، مهما حاولت لن أستطيع محوها من ذاكرتي...من خلالها عرفت أن سيرين لم يَعد لها وجودٌ في حياتها...و كمعروفٍ أخير ... بعثتني عند خالي... مع توصية أن يهتم بي...و يقوم بالّلازم تجاهي..و معروفه أن يُعلمني مكانتي بعدما لطخت سمعة عائلتي في الوحل...و ذلك بالضرب و التجويع... استمر الأمر لثلاث شهورٍ أخرَى....لم أكن أستطيع الخروج... محبوسة في عليَّةٍ ...في منزله الريفي في منطقةٍ نائية...لم أستحمل أكثر فهربت بمساعدة أحد عماله ... ليكون مصيري معاقرة المشردين ...." سكتت ...ليعم السكوت...جلست بإعياء...نظراتها المشتتة لم تُغادر طفلتها " لم أكن أريدها أن تولد بجانب القمامة المحيطة بي...أنيني كان يزداد دون أن يهتم أحدٌ بذلك... صورة امرأة تلد كانت مكرّرة في ذلك المكان القذر... لا تتصور كيف كان صعباً أن تُنادي و ترجو الّله أن يُساعدكَ و أنت غارقٌ في خطيئك... لم أشعر بالوحدة كما شعرتُ تلك الّليلة... كنتُ أعلمُ أن الّله يُعاقبني على ما اقترفته في حقك و حق عائلتي... كنتُ وحيدة هناك...لكنني لم أستطع إلا أن أطلب مساعدته... هو خالقي و يعرف أنّني نادمة على كل ما اقترفته....في تلك الّلحظة كنتُ مستعدة و مُتقبلة أن أموت دون أن يدري أحد بي...كنكرة كما أستحق... دون أن أطلب منك أن تُسامحني ... فكرت في الكثير...لأدرِكَ أنّني لا أريد أن أموت..و ذنبك في رقبتي.. في تلك الّلحظة طلبت الّله كثيراً...أن يمنحني فرصةً أخرَى...كدتُ أفقد الأمل.. لأحس بأصوات حولي...لم أتمعن أبداً في معنَى " الّله رحيم " إلى عندما أحسستُ بنفسي بالأمان و أنا أُحمل ... و أفتحُ عيوني في المستشفَى...كان هو من..."
-" من يكون؟!" قاطعها
-" حمزة العياشي..." استدار يُحدق بها بصدمة ليهمس بعدم تصديق
-" المحامي...!!!"
" نعم ..." ساد الصمت لتقطعه و هي تقول...لا تُريد أن تفقد الجرأة في البوح و قد سنحت لها الفرصة أخيراً " تعرفت عليه قبل الحفلة بشهور... تدربتُ بشركته ..."
قاطعها بسخط...
" أعلم جيداً ذلك...فأنا من دبر لك على ذلك التدريب..."
" أجل...صحيح!" قالت بهمسٍ... " كنتُ ألمحه من بعيد...بغطرسته و تكبره... لم يتنازل يوماً و يُلقي السلام على من لا شأن له في تلك الشركة...كان غامضاً...عكسك... أنت شفَّافٌ جدّاً، طيب و متسامح بطريقة مستفزة...بينما هو كان عكسك تماماً... أنت الملاك و هو الشيطان... أنت كل شئ جميل و هو كل شئ قبيح... و أنا كنتُ كالفراشة بينكمَا... غباءها قادها نحو نيرانه... و هي تثق أنه لن تنحرق...حتَى لو حدث و أصابتها إحدَى لسعاته...كانت ستعود إليك...و تُنسيها..." ضحكت بخفة..."يا إلهي كم كنتُ مغامرة..."
" بل مقامرة..." أجابها قاسم....رفعت نظراتها إليه
" و ما الفرق؟!"
" كنتِ قامرتي بي... تلهين على أساس أنّ نهايتكِ معي... و مع كل مقامرة كان تزداد ثقتك بنفسك و المخاطر بالكاد تُرََى ...ما يجعلكِ تزيدين الرهان في كل ... بداية بأخلاقكِ، ثم تربية والديكِ .... لتنتهين بأصعبها..."
" نفسي..." أكملت عنه..
" نعم سيرين...يا ترَى على ماذا ستراهنين المرة المقبلة؟...إبنتكِ " لم يكن سؤالاً بقدرِ ما كان حقيقة... سيرين تعتقد أن الأمر مجرد لهوٍ......لكنه أكبر من الّلعب في نظره...كانت تُعيد ما كان والدها الذي رغم حبها الشديد له...إلّا أن في قرارة نفسها تمقُثه لتصرفاته مع والدتهَا... التي كانت دائماً الجزء الضعيف المتسامح في علاقتهما..... قصد البَاب خارجاً...عيونها تنظر إلَى ظهره... ترفض أن تدع الحقيقة التي صفعها بها للتو تغوص داخلها...و هي تعلم أنها الحقيقة..." خذي راحتكِ في المنزل...لكن لا أريد رؤيتكِ بعد عودتي..."...
مازالت عيونها عليه و هو يُغادر المنزل...ليرتد جسده للخلف قليلا و زوجته تُعانقه بقوة....لكن السحر اختفَى سريعاً و زهرة تختار ذلك التوقيت لتُظهر وجودها... و قد عرفت أن رهانها الأخير قد خسَّر الشخص الوحيد الذي اهتم فعلاً لها...من يُحب!.
أنت تقرأ
تناقضات عشقك(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المتألقة ملاك علي حقوق الملكية محفوظة للمبدعة ملاك علي