رسالة حب صغيرة(١)

1.4K 44 1
                                    

رسالة حب صغيرة(١)

حبيبتي، لدي شئٌ كثير أقوله، لدي شئٌ كثير
من أين يا غاليتي أبتدي؟ وكل ما فيك أميرٌ أمير!
هذي أحاسيسي و هذا أنا، يضمنا هذا الكتاب الصغير
غداً إذا قلّبتِ أوراقه، و اشتاق مصباحٌ و غنّى سرير
فلا تقولي يا لهذا الفتى
أخبر عني الورد والعبير، والطير والسحاب
حتى أنا تسير بي الدنيا إذا ما أسير
******
ليس بهذه البساطة ستختفي....و كأن قلبه توقف عن ضخ الدماء لجميع جسده... يُحس بالخدر، و ببرودة في الأطراف.... هي لم تدخل حياته بسهولة لتخرج منها بهذه السهولة....ما زال هناك الكثير لم يعشه معها....
هي لا تستحق هذه الموتة....يا إلهي لطفك!.. لم يستطع أن يأتي بزفير قوي...عسى أن يُخرج كل ما يعتمل صدره من ألم....كان فعليًّا يختنق...و جسده يتراخى ليستند على الخزانة الحديدية المثقلة بآلاف الملفات الغير مرتبة جانبه... يحاول صديقه اسناده... في جزء من الثانية...كان يُفكر أنه ربما الحل....أن تضع حدًّا لحياتها كان الحل...فالألم لا يُحتمل لقلبه الذي أدمته الجراح و خدرته من كل صدمات قادمة.... فما بالك بقلبها النقي الطاهر... صوت كريم يصله كصدًى بعيد.... يحاول أن يستجمع كل حواسه لكنه لم يستطع.... كان كله يتهاوى... ربما حانت ساعته أيضاً... سيلحق بهما، فلك و إبراهيم.... لكن روح تحتاجه... هي أمانتها كيف يستسلم و يتركها...فتح عيونه باتساعها...يُحاول ارجاع حواسه التي أخرستها صدمة فقدان فلك
- " قاسم.....قاسم....ليست هي....قاسم.... فلك حية....لم تمت"
تحرك بؤبؤ عيونه فقط ما دل على استجابته للخبر.... يركز في شفتا كريم اللتان تتحركان ببطئٍ شديد....كل شئٍ كان بطيئًا...
- " فلك بخير...انظر إلي....فلك بخير..." أجلسه كريم في الكرسي الخشبي الوحيد في ذلك المكتب المهترئ.... ليستند على ركبتيه أمامه... ينظر بقوة في عيونه الذابلة...التي استعادت القليل من ارتباكه وهو يعيد للمرة التي توقف عن عدها " فلك بخير قاسم... فلك بخير أخي"
- " بخير؟!!" أعاد بهمس...صوته لا حياة فيه
- " نعم بخير... " أكد كريم وهو يضغط على ساعديه بقوة... أحس ببرودة جسده تصله أسفل قميصه الأسود.
- " فلك بخير... فلك بخير... ف..." يُعيدها و يُكررها....و كأنه يُحاول اقناع نفسه بأنه لم تمت... لم تتركه رغم أنه يستحق ذلك...." فلك بخير..." أعاد أخيراً بصوتٍ مخنوق...ذقنه تتحرك بتأثر... كان يريد البكاء، كطفلٍ صغير يريد البكاء... بكاء سعادةٍ و حزن...
- " أنظر... ليست هي...أنظر للصورة...." خلف عيونه المختفية اسفل دموع رغم كل شئ استطاع أن يلجمها ولا يُطلق سراحها...كان ينظر للصورة المعلقة في الملف، لامرأة شديدة السمرة، بشعرٍ ملتوي كثيفٍ منكوشٍ... تتدلى من السرير العلوي.... كان ينظر للصورة....و لبشاعة الحادثة.... المرأة كانت مصممة على قتلِ نفسها.... فرجليها على السرير الآخر...و جسدها يمتد نحو للخارج و كل ما يمنعه عن السقوط... طرحتها التي تلتف على عنقها....أمال رأسه يدقق في الصورة أكثر....حتى خُيِّل إليه أنها هي.... فلك!
كان وجهه شاحباً حتى الإبيضاض..تساءل إذا كان سيأتي ذلك اليوم الذي سينسيه هذه اللحظات يوماً...كانت عيناه الغامقة متسعتين و البؤبؤان الأسودان جاحظين...شفته العليا مبتلة بقطرات عرقٍ باردٍ.
- " أريد رؤيتها... " صاح بقوة و هو يندفع واقفًا دون أن ينتظر موافقة المرأة المسؤولة عن المرضى...كان يخرج من المكتب و حدسه يقوده نحو ممرٍّ طويل...الليل قد أسدل ستاره، و الإنارة بالكاد تضئ المرر الذي تملأه عدة قناني بلاستيكية...و أغلفة لمأكولات جاهزة... يبدو أن الزوار المغادرون منذ ساعة قد أضناهم الجوع و هم ينتظرون زيارة أحد أقاربهم.... ليُخلفوا ما يجعلهم لا يختلفون عمن يُغلق المستشفى أبوابه عليهم...!
باغث إحدى النساء التي تحمل مكنسة بدائية الصنع خارجة من الباب الحديدي الذي يفصل الممر عن حيث يوجد الموضى....ليدخل دافعًا إياها بخشونة غير مكترث لاعتراضها....و خلفه كريم و المسؤولة...التي تصيح حتى بح صوتها...
- " لا يحق لك الدخول... ايها السيد... لا تُجبرني على أن أستدعي الشرطة"
لكنه لم يهتم....يُريد لنبضه أن يعود....أن يتأكد أنها لم تنهي حياتها....مازالت هنا معه....توقف فجأة!!
لم يستطع التحرك...فقد تشنج جسده و سجنه التعب...بدا له أن زمناً طويلاً قد مر...لكنها لم تكن سوى لحظات فقط...استطاع بعدها رفع رأسه بحثاً عنها...الإكتظاظ كان قاهراً...رائحة العرق تزكم الأنفس...و آنات بعض المرضى تصله بقوة و كأن جميع حواسه توقفت فجأة لتقوى حاسة سمعه...يبحث عن آناتها بين كل الآنات... يستطيع أن يُميّزها ...هو يعرفها ليُّمزها....نعم هو كذلك!
لكنه لم تصله... عيونه تمر على كل النساء، بعضهن يرقد بخوفٍ... و البعض الآخر يصيح يُحاولن أن يُخرجن ايديهن من ذلك اللباس الأبيض الذي يكثف أيديهن....كان ذلك حلًّا للعنيفات...مرر عيونه دون أن يراها... لكن قلبُه يُخبره أنها هنا...
تقدم بصعوبة.... يبحث بينهن...يدقق في ملامحهن، لم يكن يُشبهنها سوى في النظرة التي تحتل عيونهن....كانت نفس نظرتها التي زينت عيونها في الأيام الأخيرة...
وجدها!!...
ما إن لمحها....حتى عادت حواسه...نبضه....و تنفسه لروتينها، هاجمته رائحة العفونة و البول.... و آلمت عيونه شكل الحيطان السوداء من العفونة.... لكن نظرتها الخائفة المرتعبة زلزلت كل حصونه... كانت تنزوي في الزاوية التي يُشكلها السرير مع الحائط.... جسدها يهتز، و عيونها تُحدق أمامها... أسرع يجلس في البلاط البارد بجانبها....ليرفعها و يُجلسها في حجره.... بلل ملابسها وصله...لكنه لم يهتم و هو يغرسها أكثر بين أضلعه...و لصدمته عرفته....لتندس أكثر في حضنه و تهمس في تجويف عنقه
- " أنا خائفة ...."
حضنها بقوة....و الضجيج حولهما يختفي.... لم تصله رائحتها الكريهة، كل استنشقه و هو يُغرق أنفه في شعرها كان رائحة الياسمين التي عرفها بها....
- " أنا هنا....حبيبتي.... سآخرجك من هنا....أعدكِ"
رفعت رأسها تنظر إليه....و كأنها تتأكد من صدق كلماته....لتُعاود دس رأسها في حضنه.
- " سيدي انهض..."
رفع قاسم عيونه نحو مخاطبه...كان رجلًا عريض المنكبين، يرتدي نظارة طبية صغيرة مضحكة مقارنةً بشكل وجهه العريض....ملامحه مستاءة..... ابعد نظراته عنه نحو الجموع الواقف ينظر إليه، ليُعيدها لطفلته التي غلبها النُّعاس في حضنه.... أحاط خصرها بيده بقوة....ثم استند على اليد الأخرى ليقف... لكن الطبيب و عاملين وقفا أمامه
- " أنظر...." همس كي لا يوقظ فلك... " سآخذها معي....و أخرج....غير ذلك لن أفعل"
- " المريضة مسؤولية المستشفى... ولن تخرج إلا بأمرٍ مني" أجابه الطبيب مستفزًّا
- " أنا لا أريد أي صراع هنا....سآخذ زوجتي و نخرج...."
رفع الطبيب سبابته في وجهه...محركا اياها يمينًا و بسارًا.... لم يستطع قاسم تمالك نفسه أكثر.... يُحاول أن يذكر نفسه أنه في مستشفًا....و فلك بين ذراعيه...لكن الطبيب لم يسمح له بذلك.... ليضعها أرضًا برفق رغم اعتراضها و تشبثها بعُنقه.... يحيل بينها و بين الرجال الثلاث بجسده.... مواجهًا الطبيب، يتمنى فقط أن يمحي نظرة و ملامحه المنفرة من أمامه.... تقدم بتحدٍّ حتى لم يعد يفصل بين عيونهما إلا مسافةً ضئيلة...
- " سأخرجها من هنا....حاول أن تردعني...."
ابتسم و الطبيب يدفع كتفه...ليرفع قبضته و يهوي بها على فكه.... ليُصبح المكان ساحة قتالهما.... كانت حرب إرادات... الأول يحاول كسبها لينقذ أميرته....و الثاني يسعى للإطاحة به لأنه اقتحم مملكته و تحداه...دون وجه حق!
دقائق مرت و اللكمات تتطاير بينهما... حدسه أخبره أن رائحتها لم تعد تُحيط به... إلتفت للوراء يبحث عنها...كانت قد اختفت.... أعاد وجهه لخصمه ليغفله بلكمة جعلت نظراته ضبابية....
****
- " أين أخذتموها....أيها الأوغاد....سأهدم المكان على رؤسكم....فلاااااك.... "
يقتاده رجال الشرطة بصعوبة...يُحاول التملص من قبضاتهم، كان غاضبًا بشدة و قد خذلها من جديد... نظراتها لم تستطع مغادرته... لتزيد ثورته هيجانًا...
- " أخرجوني من هنا...." يضرب القضبان الحديدية بكل ما اوتي من قوة....
- " لا تتعب نفسك... فلن يصلهم صراخك...." وصله صوت أحدهم من الجانب المظلم للحجز...ليلتفت نحوه ينظر إليه بغضب....و كأنه السبب في دخوله للحجز.... لكنه عاد للإلتفاف و الباب الخارجي يُفتح ليدخل منه أحد رجال الشرطة.... يُمسك بأحدهم...
- " لماذا أنا هنا....أنا لم افعل شيئًا" سأله قاسم بانفعال
- " لا سئ سوى اقتحام مستشفى... و الإعتداء على أطره....و محاولة تهريب مريضة... هل هذا يكفي أم أضيف؟!" و عندما لم يجب أضاف الشرطي " لا تتعب نفسك صديقي....فنحن ستستضيفك لثلاثة أيام..."
سقط قاسم جالسًا.....فاغرًا فاهه.... يحدق في الفراغ....ماذا عن روح و فلك؟!
**********
- " زهرة....زهرة...."
مررت مليكة يدها على جبين ابنتها المحموم ،و التي مرت ساعات و هي غائبة عن الوعي.... بين حين وآخر تهمس باسم ابنتها.... مسحت دموعها و قد آلمها ما آلت إليه حالتها....جزء منها يُخبرها أنها السبب في ما حدث لابنتها....اعطتها من الحرية أكثر مما تستطيع مراهقة احتواءه، أرادتها أن تعيش بعيداً عن القيود التي فُرضت عليها من عائلتها و أخيها...كانت تُريدها أن تعيش ما حُرمت منه هي....و مالذي حدث؟!... تصل لحد لم تكن تتوقع أنه سيكون ثمن دلالها... سيرين... فرحتها الأولى، صديقتها و فخرها..تلك الطفلة الجميلة، العنيدة التي جعلتها تفخر بها و هي توقف كل من يقف عتبةً أمام حلمها عن حده....كانت لتكون كل ما تمنته لو لم تُلطخ نفسها!
مررت يدها على يدها الباردة جدا...لترفع عيونها إثر همستها....و تتلاقى بعيونهما
- " أمي... ابنتي زهرة...ما زالت طفلة على أن تبتعد عني..."
هربت..... لم تقوى على مواجهة عيونها...تضغط بقوة على فمها تمنع شهقتها من الخروج....و سيرين تتبعها بضعف و قد خذلها ايضًا صوتها.... لم يستطع الصراخ مطالبًا بابنتها....
***
-" مالذي يفعله هنا؟!".. خاطب نفسه و عيونه على شرفتها، حيث مازالت الإنارة مضاءة... يتكئ على السيارة ينتظر....و لا يعرف ما ينتظره حقًّا؟!!
منذ ساعات وهو مسمر أمام منزلها... منذ وضعها في ذلك السرير دو الملآت الوردية... التي تعكس الطفلة سيرين... مشاعره ملبدة، لا يعرف ماذا يريد؟!! و كيف يشعر تجاه كل ما يحدث....
فتح باب سيارته الرباعية الدفع...ليستقر على الكرسي... عيونه لم تفارق ذلك المنزل العائلي....الحميمي لعيونه!
أعاد رأسه للوراء يتذكر تلك الليلة المشؤومة حيث لبى دعوة أحد موكليه الأجانب، الذي جعله يربح أهم صفقاته و كانت مناسبةً تستحق الإحتفال...ليراها تدخل، عيونها تلتفت في الحفل باحثًا عن أحدهم حتى التقت عيونهما....لتبتسم بظفرٍ... ثم تشيح بوجهها بعيداً عنه...و كأنها قد ألقت الطعم و تنتظر أن تأتي الضحية ناحيته....و لم تكن اية ضحية.... بل كان هو!!
كمحامي مرموق يمثل أغلب الشركات الكبرى في البلاد... سمعته كانت دائمًا تحتاج أن تكون ناصعة البياض... فمن أكثر نصائح جده فائدة....
- " إحذر من اثنين....امرأة جميلة و كلام الوسائد.... فإن حذرت الأولى سلمت من الثانية"
نصيحة ظلت معلقة في عنقه لسنوات.... و كم رأى اكبر المستثمرين يفقدون شركاتهم في حديث ودي سبقته فورة الأدرينالين مع امرأة جميلة.... ليبوحوا بأكبر مخاوفهم و أعمق أسرارهم....دون أن يفطنوا أن الجميلة لم تكن إلا جاسوسة....دسها عدو في السوق، صديق...أو حتى زوجة غاضبة!
عمل بنصيحة جده لأعوام.... إلا تلك الليلة، كمغناطيس كانت تجذبه لمداره، بفستان أحمر، يظهر بياض جيدها المتناقض مع سواد شعرها القصير المقصوص بعناية فائقة....ثم شفتيها الحمراء.... كانت لوحةً مغرية....من الأحمر، و الأبيض مع لمسة من السواد...
ارتعاشة جسدها وهو يُمرر اصبعه على ظهرها العاري فضح تماسكها السابق....لم تكن محنكةً كما تدعي... أحس بالنشوة و هو يلمح ارتباكها من حضوره الطاغي على كل حواسها...
- " سبق و التقينا....أليس كذلك؟! " همس بجانب أذنها، لتتراقص خصلات شعرها من قوة انفاسه
- " لا أظن...." قالت و هي تستدير تُقابله....تُحاول أن تكون نظراتها واثقة، و مغرورة و هي تنفي معرفتها المسبقة به...مالت شفتاه بابتسامة تفكهٍ و كلاهما يعرفان أن كاذبة... كاذبة و لكنها مثيرة..
- " إن كنتِ مصرة....لكنني أذكر جيدا أنني لمحتك في شركتي....أنتِ متدربة هناك؟!"
- " كنتُ..." أجابت عن سؤاله و عيونها على كتفه.... تنظر لشخصٍ ما خلفه.... التفت ليلمح رفيقتها....يبدو أنها تُقدم لها الدعم الذي غدرها منذ قدومه نحوها...رافعةً كأسها نحوهما بتحيةٍ كانت تودعها و هي تنطق اسمها " سيرين" و كأنها تقي صديقتها احراج تقديم نفسها له
- " إذن كنتِ...ها؟؟!" أعاد نظراته تجاهها...و هو يرفع كأس عصيره نحو فمه.... يقيم إطلالتها الشيطانية المثيرة....و التي صُمِّمت للإطاحة بأي رجلٍ.... و لم يكن أي رجلٍ...!
*****
لم تستطع أن تُركز أكثر على كلماته.... اصابعها ترتعش حول الكأس.... كانت تتمسك به و كأن حياتها تعتمد عليه....و كأنها ليست من تُخطط لأشهر و تتخيل كيف سيكون لقاءهما.... يقينها أن لن تصل يومًا له كان يجعلها تتمادى و هي تقص على عفراء ما يُمكن أن تقوم به.... لكنه هو أمامها...أكثر شموخًا، كان ضخمًا بعيون واثقة....و كأنها تعلم بكل ما يجول في خاطرها....رفعت الكأس الذي وضعته عفراء في يدها، و لشدة ارتباكٍها....كانت تدفع بالمحلول و تشربه دُفعةً واحدة.... ليجرح كالأسيد حنجرتها... ثم تبدأ في الإسترخاء و حرارة لذيذة تتسلل إليها....لتشمل كل جسدها....كانت خفيفة جداً.... كأنها تطوف!.... اغلقت عيونها لثواني....لتفتحهما و المحلول يُعطيها طاقة جديدة....أنها تستطيع أن تفعل أي شئٍ تريده....
- " اقترب... " همست له بصوتٍ أجش...لكنه لم يتحرك....و كأنه لم يسمع همستها....اقتربت منه بعدما لم يأتي بخطوة.... لتتعثر و تكاد تسقط، لكنه تلقفها...
- " إن كنتِ ِ غير معتادة على شرب الكحول....فلماذا تشربين؟!" همس بتوبيخ....و ضعت أصبعها على شفتيه
- " شششش...أنت تبدو جميلاً.... في الواقع أجمل....صور المجلات تعطيها هالة البرود....لكنك لست كذلك...." قالت و هي تتأمل تقاسيمه....و تمرر اصبعه عليها...
حاول أن يُسيطر على انفعال جسده.... لكنها لم تُساعده و هي تقترب منه أكثر... لتهمس بجرأة
- " هل تعلم بما أضحي لأكون معك اليوم؟!.... أنا أغامر بالكثير... فقط لأراك... كل ما كنت أطمحه هو أن ادقق في تفاصيلك من بعيد.... لكن هذا اروع بكثير... " صمتت قليلاً لتقول " خذني من هنا..."
-" إلى أين؟!" سأل باستمتاع
- " إلى أي مكان تريد....المهم أن أكون معك.... فبعد أيام لن يحق لي حتى تمني رؤيتك.... أرجوك؟!" اقتربت بعيونها من عيونه... لتُرفرف بأهذابها ما جعله يضحك لطفولتيها....
- " ما الذي سيحدث بعد أيام؟!!" سألها بفضول
- " سأتز...." بثرت كلمتها و هي تستطرد " لا يهم....هل نذهب؟!"
- " حسناً.... لنذهب..." قال وهو يدفعها امامه...يتسللان من الجموع، كل ما يُفكر به أنه يريدها...و ستكون له الليلة.
*****
- " و الآن إلى أين؟!... " قال بعد جلسا في سيارته...ينمر إليها تستند رأسها إلى الوراء مغلقةً عيونها باسترخاء... فتحت عيونها... لتبتسم له وهي تهمس بإغواء
- " لا يهم....خذني إلى أي مكان تريد "
-" سيرين... من الأفضل أن تنزلي..." قاطعت استرساله لتندفع تقبله بتخبط أمتعه....أنَّت برفضٍ وهو يقطع قُبلتهما
- " إلى المنزل... " أمر سائقه و هو يُغلق الفاصل الزجاجي بينهما...
لم يستطع أن يمنع يديه عنها وهما في المصعد باتجاه شقته.... و هي كانت تزداد جرأة كلما مرت الدقائق...
تخبطها أعلمه أنها كانت بدون خبرة.... لكنه لم يستطع أن يبتعد عنها.... كانت خطيئةً لذيذة....تذوقها ليُدمنها.....اكتشف انه أرادها....منذ اللحظة الأولى التي سقطت عيونه عليها في شركته.... و عيونها تُحاصره.... بطريقةٍ ما كانت مختلفة....لكنها تظل انثى!
- " مالذي سيحدث بعد أيام؟!" قال و أنفاسه لاهثة....وهو يرفع رأسه بعيدًا عنها.... كانت لا ترتدي إلا ملابسها الداخلية....لم يعلم متى خلصها من ثوبها الأحمر.... أجابته بعفوية وهي تُحيط عنقه بذراعيه....تُحاول إعادته حيث كان.... فقدت أحست بالبرد بابتعاده...
- " سأتزوج..."
تسمر... و جحظت عيونه وهو ينظر إليها....ستنتمي لرجلٍ آخر و تلهو معه....
- " هل أنتِ جدية؟!.... " لم يصدق أن تصل بها الحقارة إلى هذه الدرجة.
- " لم أعد أعلم ماذا أريد.... لكن ما أنا موقنةٌ به أنني لن أرى الأمور من نفس النظور بعد الآن...." سكتت لتسطرد و هي تقترب بجرأة أكبر " لأنني اكتشفت أنني احبك أنت... لا قاسم و لا آخر يجعلني أحس بما أحس به عند مرآك...."
لم يستيقظ من مفاجأة اعترافها... إلا بأصابعها تنغرز بعنف في مؤخرة رأسه أصابعها تتخلل شعره....و تقربه منه.... عند تلك اللحظة....ضعُفَ و سلم مقاليده لامرأة جميلة!.
رنين هاتفه جعله يستيقظ.... لم يكن وحيدًا في سريره.... ليُعاد إلى ذهنه شريط ما حدث في الساعات السابقة... ارتدى سرواله بعجالة و بارتباك....يا إلهي مالذي اقترفه؟!
وقف ينظر إليها....تستغرق في نوم عميق... قرب يده لكتفها لكنه أبعده بسرعة....كأن نارها ستحرقه أكثر....
- " سيرين.... سيرين... استيقظي...." همس
فتح عيونها....لتجعد بين حاجبيها وهي تنظر حولها....صرخت بقوة و هي تفطن أنها عارية في سرير أحدهم..... لتصرخ أكثر و عيونها تلتقي بعيونه...عار الجدع ينظر إليها بارتباك....
و كأن صرختها تُعاد في مسامعه من جديد...أدار المحرك بانفعال...لينطلق مخلفًا هديرًا مزعجًا....منذ دخولها لحياته و هو يتخبط....
*******
بعد ثلاثة أيام...
- " مازالت صغيرة ستنسى مع الأيام...." سمعت نبرة صوة والدها...
- " هي أم...و صعب أن يأتي يوم و تنسى فلذة كبدها....أرجوك....أعد لها طفلتها..."
- " و ماذا سنقول للناس؟!... ها؟! عندما يسألونك كيف أصبحت اما لطفلة في اشهر و لم تتزوج إلا منذ أيام.....اسمعي مليكة....أنا وضعتُ حياتي بين يدي ذلك المحامي الحقير.... قدمتُ له كل الأوراق التي يحتاجها للضغط عليها....كشفتُ له كل نقط ضعفي فقط كي يُخلصني مما اغرقتني به ابنتك من عار...و الآن تطبين مني أن أرحمها؟!.... و من سيرحمني أنا؟!"
شهقة سيرين جعلتهما يلتفتان نحو مكان وقوفها.... كانت تهتز كورقة في مهب الريح....و دموعها تجري بقوة....و هي التي كادت أن تتقبل فراق ابنتها من أجل عائلتها.
- " سيرين... ابنتي!" همست والدتها بلوعة....لكنها استدارت.... رغم الليل الذي اسدل ستاره كانت تخرج صافقةً الباب خلفها....ترتدي فقط ملابس منزلية مريحة... و كل ما تفكر به... هو الجرح الجديد الذي غرسته في قلبها عائلتها.... و كأن الكل كان ينتظر زلتها.... ليستمتعوا بإذلالها....و كانت قد اكتفت....اكتفت حقًّا!
تمشت لساعة او أكثر.... دون أن تعرف إلى أين تقودها رجلاها....توقف فجأة و هي تلمح منزل رفيقتها عفراء... لتتجه إليه دون تفكير....دقت الجرس ووقفت تنتظر لدقائق....و لم تحسب حساب تلك القوة التي اصطدمت بصدرها....تعانقها و دموعها تسيل بقوة....كانت عفراء تحضنها و تشكي أشواقها لها....ابتسمت سيرين...لطالما كانت صديقتها مختلفة... دائماً تبحث عن ابسط الأشياء لتفرح و تنشر البهجة في الأرجاء...
- " آسفة...لكنني اشتقت جدا لكِ...." امسكت بيدها تقودها نحو الداخل....كدمية لا حول لها ولا قوة كانت تنساق وراء صديقتها " أمي صديقتي سيرين أتت لزيارتي....سنكون بالأعلى في غرفتي...."
- " حسناً حبيبتي... " اجابتها والدتها من مكان ما في المنزل....دون أن تنتظر ظهورها كانت عفراء تقودها نحو غرفتها...
-" يا إلهي سيرين...." همست عفراء وهي تحدق في صديقتها " ذهبت كثيراً لشقتك في المدينة لكنني لم أجد لك أي أثر....و عندما اتصلت بوالدتك اخبرتني انك سافرت....اعتقدت بعد الغاءك للزواج انك سافرت للخارج لتدرسي الكتوراه...لم أرك منذ تلك الليلة في الحفل.....مالذي حدث؟! "
- " أريد أن أنام عفراء.... هل أستطيع النوم معك لليلة فقط؟!... غداً سأغادر اقسم لكِ..." قالت سيرين بإعياء
- " أيتها الغبية....أنتِ صديقتي....تستطيعين البقاء وقتما تشائين...." ابتسمت لها سيرين بامتنان...وهي تتمدد على السرير....عيونها تحدق بعزمٍ في إحدى صور عفراء ووالدتها... كانتا تبتسمان بعفوية في احدى سفراتهما لديزني لاند..
*******
في الصباح الباكر....دلفت لمكتب حمزة...الذي ارتبكت ملامحه وهو يُحدق بها...لتقول بقوة دون أن تهتز ملامحها....عيونها ببرودة و قسوة الصقيع..
- " أتيت لأقبض ثمن ابنتي...لآخر مليم"
............


قراءة ممتعة..
يتبع...

تناقضات عشقك(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن