كتاب الحب

3.1K 62 5
                                    

كتاب الحب

حبك يا عميقة العينين
تطرف، تصوف، عبادة
حبك مثل الموت والولادة
صعب بأن يعاد مرتين
****

-" نعم أؤكد لك...الشعور لا يُطاق و عيونك تتبعها لا تعرف ؟!.....هل تنهض و تلحق بها ؟... لكنك تخشى أن تكون سبب انتكاستها...أم تتركها و أنت غير واثق هل ستراها مجددا..." عيون قاسم مُحدقة في الغريب الذي ظهر بجانبه فجأة..ليستطرد بشعورٍ مماثل للذي يعيشه .." شعور العجز قاتل..."
-" من أنت ؟؟!!" سأله باستغراب..ابتسم الغريب ابتسامة كبيرة غير مبالية و كأنه لم يكن منذ قليل يتحدث بتلك النبرة الحزينة و هو يلتفت برأسه نحوه
-" مرحبا ...أنا يوسف العالمي...أنا طبيب في الجهة الأخرى من المستشفى" تراخت تعابير قاسم...و كأنه خاب أمله بعدما اعتقد أنه وجد من يُشاطره تلك المشاعر كمُجرب و ليس كإخصائي يعرف كيف يتلبس حالة مريض بتلك الإحترافية التي ظهر عليها منذ قليل...حتى أنه صدقه !! و كيف لا يكون بارعًا و هو يعمل في هذه المشفى الكبيرة و التي لا نهاية لها...ابعد عيونه عنه...ينظر للمساحات الخضراء أمامه.
-" إذن هل تُكلمني عن شعورٍ اكتسبته من سنين الخبرة و أنت تُشاهد الزوجات يُغادرن تاركات أزواجهن لا حول و لا قوة لهم...أم كونك طبيبا نفسيا يُعطيك القدرة على معرفة فيما يشعر به الآخرين.."
-" لا هذا و لا ذاك...أنا أتكلم عن تجربة..." أعاد قاسم تحديقه به...و تلك اللمعة عادت لعيونه ...ليستطرد يوسف و قد غادرته مجددا جديته " ثم لو كان نصفُ الرجال يهتمون بنسائهم بنصف اهتمامك ... كنتُ سأغلق هذه المصحة...و سأبقى بدون عمل ... و كانت زوجتي ستطردني و أنا أحوم حولها كعاشق أبله...أنا حقا لا أهتم أن أبقى بدون عمل...لكنها..."
ألا يستطيع أن يبقى على جديته لثواني متتالية...فكر قاسم وهو يجيبه مُقاطعا عليه خيالاته العشقية
-" أنت لا تعرفني...و لا تعرف فيما تسببت.."
-" هل تعرفه..." أشار يوسف للرجل الكهل الذي يجلس قريبا...يحمل مصحفا و يقرأ بخشوع...كم أحبه قاسم رغم ان النظرات و إلقاء التحية فقط ما جمعهما طوال الأشهر...إلا أنه يرتاح جدا عندما يلمحه...و كانه يحثه بهيئته على الصبر...
-" السيد عبد الرحمن ..."أجابه قاسم بذهن شارد
-" هو بالتأكيد يُحبك ...لأنه اتصل بي شخصيا بمجرد أن علم بتواجدي في البلاد...قال بأنك تُذكره بي ..." نظر إليه قاسم...و قبل أن يسأل كان ملامح يوسف تتقلص بغضب...و يعود برأسه للخلف و كأنه يُحاول ألا تقوده مشاعره ...لأنه لن يستطيع لجمها " زوجتي تعرضت لاعتداء بشع...من عدة أشخاص..." ازداد تنفس قاسم اضطرابا...عكس الآخر الذي مازال ينظر للسماء... صدره يعلو برتابته..ضايقته!
-" اعتداء..." صرخ قاسم بغضب.." و أين كنت يا رجل؟ ...أي رجلٍ أنت حتى تغفل عن زوجتك.." سكت قاسم و قد استفزه هدوء الآخر االذي أجاب بشرود
-" كنتُ ألهو...على جسد العاهرات ..." وقف قاسم يجذبه معه بعنف...و هو يرفع قبضته عاليًا...يستعد للكمه
-" أيها الحقير... الديوث...تركت زوجتك دون حماية...لتلهو مع مثيلاتك ؟"
بوصات فقط بين لكمته و ملامح يوسف المسترخية..توقف قاسم و هو يلمح ابتسامته...لم تكن ابتسامة استمتاع ...بل كانت غلافا لشئ آخر...أكثر إيلاما و أكثر قسوة و قتامة...عيونهما تلاقت ... ليُطلق قاسم سراحه...دون أن يبتعد
-" لم أكن قد تزوجتها بعد....لم أكن اعرف بوجودها قبل ذلك الحادث"
لم يستطع قاسم ان يأتي بأية حركة و هو ينظر ليوسف أمامه... اطرافه أصابها البرود و هو يتخيل قوة يوسف في مواجهة كل شئ... هو لا يُشبهه...ظلمٌ ليوسف أن يُشبهه ...هو الجبان ... لن يأخذ الفضل بوضعه في نفس الخانة مع يوسف! جلس بضعف على المقعد بجانبه ... وهو مازال يهمس
-" انا لا أشبهك...أنا مجرد حقير أمامك..."
-" اسمعني قاسم...التجربة علمتني أن تأنيب أنفسنا و اتهامهما لن يأتي بأية منفعة علينا...بل يجعلنا محبوسين في قوقعة لن نستطيع الخروج منها... نحن بشر قاسم...و البشر يُخطؤون و خير الخطّاؤون التوابون...يجب أن تترك الماضي للماضي...ابدأ بدايةً جديدة معها...اتركها تُنفس عن غضبها ... اعطها مساحتها الخاصة...لكن لا تبتعد...يجب أن تُشعرها أنك دائما إلا جانبها... و أنك بدونها لست بخير... فلتجعل نفسك منارتها...كما هي منارتك..."
رفع نظراته اليائسة باتجاهه...ليهمس متسائلا
-" كيف؟..."
-" اتبع هذا..." أشار لقلبه ...ثم أشار لعقله " و دع هذا يرتاح قليلا"
و قبل أن يُغادر...التفت ناحيته " أخبرها ما تخشى سماعه...آخر ما تُريد النساء أن يُعاملن كخزفية سهلة الكسر..." ابتسم له مُطمئنا ليقول " لا تُغادر الآن...فربما يحن قلبها عليك أخيرا "
***
-" هل تشعرين بالتحسن..الآن"
-" لا.." همست وهي مازالت تُحدق من خلال النافذة الزجاجية للخارج في مكتب طبيبتها... لحيث يجلس قاسم منكس الرأس " الألم فقط ازداد...هو لم يختفي...فقط ازداد"
-" ربما حان الوقت لتنظري داخلك بعمق...و تواجهي ما تعتقدينه في نفسك" أجابتها الطبيبة بهدوء
-" لا أستطيع..." همست فلك و هي تستند بضعف على الزجاج المطل على الحديقة
-" بلى..من اجلك فلك...و من اجل قاسم و روح" قالت الطبية مُصرة " أنتِ تحتاجين ذلك..."
-" انا غاضبة منه....لكن ...ليس كغضبي من نفسي.... لم يكن يستحق ان أقول ذلك الكلام .." همست بتأنيب ضمير " هو لا يستحق..."
-" إن كنتِ ترين انه لا يستحق...فيجب أن تعتذري منه..." رفعت نحوها فلك نظرات مُرتعبة...لتضيف الطبيبة " الإعتذار يجعل مننا " إنسان" فلك...في كل مرة نعتذر فذلك قيمة مضافة لأنفسنا...و ليس انتقاصا ... يجب أن نتعلم أن نقول أننا آسفون عن أي مُبادرة من شأنها أن تجرح الآخرين..."
أشارت فلك بنعم...و عيونها تفتقد للجرأة ... كانت تخشى النظر إليه بعد ما قالته..
-" أخبري هيثم أن يُرافقه لمكتبي..." أغلقت الطبيبة الهاتف تنظر لفلك التي يبدو عليها الإضطراب...لتبتعد لأبعد نقطة و هي تسمع الباب يُفتح
-" مرحبا مجددا سيد قاسم...تفضل بالجلوس..."
جلس بشرود و عيونه عليها...عيونها تُحدق أمامها...لا تُريد ان تنظر باتجاهه..
-" فلك .." همس و عيونه عليها " هناك الكثير أريد ان اعترف لك به..." تنفس بعمق ليكمل " أنا آسف لأنني تركتك وحيدة عندما كنت صغيرة...لتتعرضي لذلك الحادث..." كانت جامدة تستمع بتركيز لاعترافاته " لو لم أختر مشاهدة مباراة كرة القدم عوض عن مرافقتك للبحر...لم تكوني ستتعرضين لذلك الحادث...انا آسف أنني لم أرافقك لاستلام نتيجة نجاحك...و لم أخبرك أن النتيجة لا تهم..ليس مُهما أن تكوني من الأوائل لتسعدي بنجاحك....انا آسف لأنني غضبتُ منك و قاطعتُك في تلك المرة التي نهاني والدك عن الشلة التي كنتُ أصاحب... لأقاطعه لأيام...لم يكن ذنبك...و أنا آسف أنني عرفتُ إلا أي درجة كنت تُحبينني و اخترت الإبتعاد...لكنني لستُ آسفا يوم اخترتُك لتكوني زوجتي... لأنني كنتُ اعلم أنني سأحبكِ ...و حبكِ الوحيد الذي سيُعيدني قاسم القديم..."
-" ماذا عن أسفك حول إخفاءك خبر وفاة والدي..." همست بخفوت دون أن تلتفت نحوه...اقترب منها يتمنى فقط أن تجود عليه بنظرة..كان مُتعبا...و نظرة منها كفيلة أن تُبدد تعبه
-" أنظري إلي فلك..." همس يترجاها ... و عندما لم تستسلم همس يستطرد " اتصلوا بي من المُستشفى يُخبرونني أن حالته حرجة... بالكاد رأيته...قبل أن توفيه المنية...كنتُ منهارا كيف سأخبركِ...أقسم كنتُ سأخبرك فلك...لكن عندما عدت لم أجدكِ...كانوا قد نقلوكِ من المستشفى... بحثت عنك كالمجنون..."
-"يكفي..." وضعت يديها على اذنيها لا تُريد سماع المزيد...ذكريات ذلك المكان بالكاد غادرتها...لكنه لم يسمح لها...و هو يمسك بيديها ...و يقول بتعب...
-" بلى ...ستسمعينني لآخر كلمة...لأنني لن أسمح للماضي أن يعود مجددا...ستسمعين كل شئ ثم تُقرري ...هل نذخب لبيتنا و نتعلم كيف نداوي جراحنا بأنفسنا...أم تبقي مختبئة هنا...القرار لكِ...أن تخرجي معي ...أو تبقي و أعدكِ أنني لن أزعجكِ إن اخترت الفراق...لكنني لن أتخلى عن امان ابراهيم ...مهما كان قرارك سأكون دائما موجودا لأجلك فلك " كان صدريهما يتحركان بنفس العنف...يديه ارخت قبضتها على راحتي يديها...ليقودها حيث كان جالسا قبلا...و يُجلسها قبالته...ثم استطرد " و عندما وجدتك...أخبروني أنك انتحرت...هل تستطيعين تخيل كيف كانت حالتي و أنا أتخيل عالما لا يحتويكِ...كان الموت أهون فلك...أقسم لكِ... الموت أهون..." أفلت يديها... كان مُستزفا و كأن مشاعره في تلك اللحظات عادت...بنفس القوة و نفس البشاعة عادت تُهاجمه " و عندما اكتشفت انك ما زلت على قيد الحياة اقتحمت المكان..روحي عادت إلي و أنا أحضنك..أعدُكِ الأمان...وسط صخب المريضات...و صراخ الممرضات كنا فقط أنا و أنتِ..."
-" كنت أنت...اعتقدتُ أنني اهذي ؟..." همس بعدم تصديق
-" انا أيضا لم أصدق أنكِ بين ذراعي...حتى وجدتُ نفسي في الزنزانة...لثلاثة أيام...في كل ثانية كنت أعيد حساباتي آلاف المرات...كيف سمحتُ لتلاثتنا أن نبتعد...أنت في المشفى و أنا في السجن...و روح في بيت خالة فارس...و كل ما أفكر به وصية والدك ... أن أهتم بكما..." غامت عيونها بدموع...لكنه لم يتوقف " لو عاد بي الزمن...سأعمل المستحيل أن أوقف أي شئ سيؤول بينك و بين السعادة...لكنني لا أستطيع فلك...كل ما أستطيع هو أن أعدك أنني سأفعل المُستحيل من أجلك و روح...لأنكما حياتي..."
فتحت فلك فمها لتُخبره انها آسفة...و أنها لم تكن تعلم بكل ما مر به...لكنها لم تستطع...
-" أريد أن أنام..." همست و هي تقف بسرعة و تخرج من الغرفة...عيونه اتجهت نحو الطبيبة التي اخبرته بأنه قرار فلك...و لن تستطيع أن تفعل أي شئ آخر سوى توجيهها... بتثاقلٍ اتجه نحو الباب...فربما هذه هي نهاية حبهما...و وجعهما...!

تناقضات عشقك(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن