الفصل الثاني :
دخلت وصال غرفتها بتعب واضح بعد أن أمضت يوم اخر بجواره دون أن يهتم بوجودها مجدداً !
ابتسمت لنفسها بسخرية مريرة فهو من الأساس رفض عملها معهم بل و نعتها بـ" العالة " فأي اهتمام أو حتى ملاحظه تنتظرها منه !
رمت حقيبتها فوق الفراش بعصبيه ثم ألقت نفسها فيما بعد تغمض عينيها بتعب فتهمس له كأنه يسمعها :
" ترى كيف ستكون نهاية حكايتي معك ؟! .. امضيت نصف عمري أحاول الاقتراب منك و انت غبي يدور في دنيا أخرى "
انتفضت من فوق فراشها برعب حين فُتح باب غرفتها فجأة ً لتجد امها أمامها بتقطيبتها التي أصبحت جزء لا يتجزأ من ملامح وجهها فيما تقول بلا رضا و هي تحدق في ملامح وجه ابنتها :
" و نهايتها معك يا وصال !! .. متى ستفيقِ من غفوتك ؟! "
تنهدت وصال بضيق و قد أصبح هذا الحوار المعتاد اكبر من قدرتها على التحمل لترد على امها بعيون نصف مغلقه :
" اي نهاية امي و اي غفوه ؟! .. لقد عدت للتو من الشركة .. اتركيني احظى ببعض الراحة و بعدها ابدأي بحديثك اليومي كما تشائين "
لوت مديحة شفتيها بنزق لتكمل حديثها بسخريه وهي تقترب منها :
" اجل .. احظِ انتي بالراحه حتى تأتي ابنة ناهد و تسرق امين منك و تتربع هي فوق الرؤوس "
تأففت وصال لتسأل امها بعدها ببعض الحدة و كأنها تذكرت شيئا ً :
" هل انتي سبب عدم قدومها الى هنا يا امي ؟!! "
لم تجيبها مديحة ففهمت وصال سر ابتعاد ابنة عمتها فهتفت و قد فاض كيلها من تصرفات امها الغير مسؤوله :
" بحق الله يا امي كم مرة عليّ أن اخبرك أن امين اخي .. اخــــي و لن يكون سوى اخي ثم تعالي الى هنا .. الا تخافين من أن تعلم عمتي ناهد صديقة العمر بما تفعلينه مع ابنتها فتنقلب عليكِ ؟! .. هذه صديقة طفولتك امي كيف تجازفين بخسارتها هكذا ؟! "
هتفت مديحة بمنطقها الذي تراه عين العقل :
" صديقة طفولتي ليست اغلى عندي من ابنتي .. ثم ما الذي فعلته انا لابنتها ؟! .. إن كانت تلك الفتاة قد قالت لكم اي شيء ضدي فتأكدوا انها كاذبه و مدعيه "
استغفرت وصال ثم جلست مجدداً فيما تقول محاولةً التزام الهدوء :
" عهد لا تقول شيء يا امي .. لا تشتكي و لا تحكي عن اي احد بسوء لكن ارجوكِ من أجل خاطري انا توقفي عن ما تفعلينه لأنكِ تؤذين الجميع دون أن تدري و لن تجني من خلفه الا المشاكل "
نظرت مديحة لابنتها بغير رضا لتهتف بعدها بتحدي وقد ملت من مهادنتها طوال تلك المدة :
" سنرى يا وصال من منا ستنفذ كلمتها في النهايه .. و اعلمي جيداً انكِ إن لم تتوقف ِ عن الغباء و إن لم تتممي زواجك بأمين فتأخذين مكان اختك رحمها الله لن ارضى عنكِ ابداً و سأموت و انا غاضبه عليكِ "
أنهت مديحة حديثها ثم خرجت لتترك وصال فريسة لغضبها من الجميع فهي لا تبالي بكلام امها حيث أنها تسمعه كل يوم لكن الأمر بدأ يغضبها لأنها تضطر معظم الوقت إلى دفع ثمن تصرفات امها المكشوفة فتكون على غير راحتها في تعاملها مع أمين و هناك أيضاً عهد التي أصبحت هي الأخرى تظن أنها تنافسها على جذب اهتمام امين وتتعامل معها بحذر يضايقها .
تأففت وصال بنزق لتغمض عينيها بإرهاق فيما تتمتم بغيظ :
" تباً لك يا جاسم .. اين انت من كل ما أمر به ؟! .. صحيح اعمى القلب و النظر "
.............................
تجلس في مكانها المفضل .. راحتها في تلك الحياة كما تحب ان تطلق عليه رغم أن ذلك المكان ليس سوى مساحة خارجية أمام غرفتها التي تقع فوق سطح أحد المباني لكن و لحظها الجيد المنطقة المقابلة للبناية لا تحتوي الا على عدد قليل من المباني الأخرى و التي تبدو أقل ارتفاعاً من المبنى الذي تسكن به لهذا تتمتع كل يوم بمنظر الأفق الخالي أمامها فمهما كان ارهاقها بعد نهار عمل طويل تجلس في كل مساء على نفس الأريكة المهترئة تنظر الى الفراغ الممتد أمامها فيهدأ الليل بنسماته المنعشة من ضيق روحها و يقلل منظر السماء من وجع قلبها على حالها !
كم تتمنى الآن لو أن تعود طفله صغيره لا تحمل على كاهلها اي هموم فتعود أقصى امنياتها ان تنال قطعة من الحلوى الجيلاتينية التي كانت تتباهى بها ابنة الجيران أمامها !
ابتسمت بضعف قلما ينتابها حين عادت تلك الذكريات الى خيالها فتجسد أمامها كل انواع الحرمان التي تعرضت إليها ...
حرمان من العائلة، حرمان من المال لسد الحاجة و اصعبهم حرمان من السند و آه من هذا النوع إذ يجد الإنسان نفسه مجبراً على مواجهة اعاصير الدنيا وحيداً دون أن يجد من يميل عليه وقت ضعفه .. لا عزيز تشكو إليه وجعك و لا حتى كبير تلجئ إليه وقت حاجتك ..
اما الدنيا فلا تراعي لك عمر و تضغط عليك بضرباتها التي لا تنتهي و رغماً عن انفك ستتحمل او فلتضرب رأسك في أول حائط تقابله !
استغفرت ربها ثم تذكرت ذلك اليوم الذي اخذتها فيه امها لتجد نفسها واقفه أمام شيخاً كبير عرفت فيما بعد أنه إمام مسجد المنطقة التي ستقطن فيها بعد أن هربت بها امها من منطقة أخرى لو كانتا ظلتا فيها لضاعتا معاً خاصة ً مع جمال امها اللافت و الذي ورثته هي عنها !
يومها نظر الرجل الكبير إليها مبتسماً بسماحة لينحني بعدها سائلاً إياها بحبور :
" ما اسمك ايتها الجميلة ؟! "
يومها اختبأت خلف عباءة امها خوفاً منه فقد اعتادت أن تختبئ من الرجال خوفاً من أن يطالها الأذى كما كانت ترى في تلك الحارة التي جاءت منها لتدفعها امها ناحيته فيما تقول بصوت مطمئن :
" اجيبِ معلمك يا جزاء .. لا تخافِ حبيبتي هذا الشيخ صالح و هو من سيعلمك القراءة والكتابة و القران الكريم .. هيا اقتربِ منه و لا تخافِ "
" اسمك جميل للغاية يا ابنتي "
اقتربت منه بحذر ثم التفتت لأمها تهمس بوجل :
" انا اريد ان اذهب الى المدرسة مثل هند جارتنا .. اريد ان اتعلم هناك معها "
ليجيبها الشيخ بدلاً من امها هذه المرة قائلاً بابتسامه مشفقه :
" هل هذا ما تريدينه ؟! .. غاليه و الطلب رخيص سأرسلك الى المدرسة و اتكفل بتعليمك أيضاً و الان اخبريني ماذا تريدين أن تكونِ حين تكبرين ؟! .. طبيبه ام معلمه ؟! "
" اريد ان اصبح قويه للغاية حتى ادافع عن امي و ابعد الرجال السيئين عنا "
ليضحك الشيخ بحبور قائلاً بحكمه :
" يا الله على الرد .. حسناً يا صغيره اول شيء سأعلمه لكِ أن القوة الحقيقية مكانها الصحيح في عقلك ، حسن تقدير الأمور و حسن التصرف هما أساس القوه .. و أيضا ً إياك ِ أن تنسي أن كلما ازدادت قوتك كلما ازدادت مسؤوليتك التي سيسألك الله عنها يوم القيامة فرسولنا الكريم عليه افضل الصلاة و السلام قد قال أن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "
عادت من ذكرياتها التي لا تنتهي تمسح دموع عينيها التي غافلتها ثم رفعت رأسها إلى السماء متمتمه :
" رحمك الله يا شيخي و معلمي و اكرم مثواك مثلما اكرمتني "
بعد عدة دقائق تبددت لحظتها تماماً حين سمعت صوت خطوات تعرف صاحبها جيداً تصعد الدرج فركضت إلى غرفتها تختبئ خلف بابها تحمل بيدها سكين المطبخ لتحمي نفسها و بالفعل بعد لحظات جاءها صوته المنفر بلسانه الثقيل اثر الخمر فيما يهتف بفجور و هو يدق على باب غرفتها :
" الى متى ستختبئين مني يا صاروخ المنطقة ؟! .. هيا اخرجِ لي و دعينا نستمتع سوياً بتلك الليلة و هوائها .. هيا .. هيا يا صاروووووووخ و لا تتعبيني معك "
بينما كان يدق هو الباب مغيباً عما حوله كانت يدها هي ترتجف بالسكين و لسانها يهلج بالدعاء دون توقف أن يحميها الله من هذا القذر الذي يلاحقها منذ أن سكنت في تلك الغرفة !
" خلف " اقذر رجال الحي .. عابث و سكير، مسجل خطر كما سمعت عنه يأتي كل ليله الى باب غرفتها يدقه بقوه فيما يعلن للجميع انها ستكون امرأته دون أن يتجرأ أحد على مواجهته و الوقوف أمام جبروته !
عادت طرقاته تهز الباب من جديد بينما يصلها هذيانه بوضوح اقل و كأنه يغفو أمام باب غرفتها :
" الى اين ستهربين مني ؟! .. مصيرك لي يا ذات العيون الكحيلة "
نزلت دموعها بقهر بينما تتساءل في نفسها عما ستفعله حين يأتي اليوم الذي سينتهي فيه صبر هذا الحقير فيأخذها عنوه ، فهو الى الان يعلنها بكل عنجهيه أنه صابر عليها لأنه يريدها في الحلال لكن حين ينتهي صبره لن يرحمها منه احداً !
................................
( اليوم التالي )
تجمعت العائلة بأكملها كما العادة على طاولة الطعام بعد ان انضمت إليهم ناهد و ابنتها عهد التي كانت تجلس في تلك اللحظة بجوار أخاها ادم و الذي قلما يحضر التجمعات العائليه لكن اليوم مختلف !
فقد أمر الحاج صفوان بضرورة حضور الجميع لإخبارهم عن أمر مهم أو بالأحرى يخبرهم عن حفيدته المفقودة التي وجدها بعد سنوات !
فهو قد ابقى الامر بينه و بين حفيديه اولاً حتى يتأكد من هوية الفتاة موفراً على نفسه و الجميع إعصار مبكر من الامتعاض و الرفض من ابنته و زوجة ابنه ففضل أن يخبر بقية العائلة قبل إحضارها بقليل تجنباً لأي صدامات قد تحدث بين أفراد عائلته .
لاحظ غياب جاسم فسأل عنه لتخبره ام رمزي بأنه خرج في الصباح الباكر.. فهز رأسه بلا معنى ففي كل الاحوال جاسم يعلم بالأمر !
اجلى حنجرته ملفتا ً انتباه الجميع ثم بدأ حديثه قائلاً بصوت قوي :
" بالتأكيد تتساءلون عن سبب احضاري لكم في بكرة الصباح .. حسناً لأبدأ حديثي بلا مقدمات .. لقد عثرنا على جزاء ابنة حامد اخيراً "
تعالت الهمهمات ليقيّم هو الوضع بعينيه و كما توقع ابنته ممتعضة الملامح بجوارها مديحة تبدو كقط على صفيح ساخن تستعر عيناها بالغضب ، ابنه عبد الحميد كعادته صامت لا يظهر على ملامحه شيئاً بينما ظهر التساؤل و التعجب على ملامح أحفاده باستثناء امين بالطبع و بكر الذي و لأول مرة يجلس بصمت مطبق بينما كانت عيناه تطوف بفضول فوق ملامح كلاً من ناهد و مديحة !
" و اين وجدتموها هذه ؟! "
كان هذا سؤال ناهد التي ابتلعت صدمتها ليجيبها صفوان بحزم بعد رؤيته لردة فعلها :
" لا يهم .. لم اجمعكم لأخبركم بتفاصيل ، انا جمعتكم لسبب واحد و هو تحذيركم من غضبي الذي سينال كل من سيحاول التقليل منها أو اذيتها بأي شكل "
عم الصمت على الأفواه فيما ظلت ملامح الوجوه على ثرثرتها المفضوحة ليكمل الحاج صفوان حديثه ببعض الغم :
" الله اعلم ماذا تعرضت إليه الفتاه طوال تلك السنوات بمفردها خاصة ً بعد وفاة أمها لذا أنا كنت قد قررت منذ فترة أن أكتب لها جزء خاص من اموالي كتعويض عن كل ما مرت به "
تنهيدة ارتياح خرجت من مديحة بعد أن أعلن عن وفاة صباح تبعها ابتسامه مستهزئه لمحها فوق ملامح بكر جعلته يصمت قليلاً ثم أنهى حديثه قائلاً بوضوح بينما يشير لأبنته و مديحة يخصهن بالحديث :
" حديثي موجه لكن انتن الاثنتين بالأخص .. انا الى الان لا اعلم طبيعة الفتاة لكن اعلم طبيعتكن لذا سأقولها واضحة من ستتعرض اليها منكن أو حتى من بناتكن بأي بسوء ستجد نفسها في مواجهة غضبي انا .. مفهوم ؟!! "
هتفت ناهد بضيق و قد احرجها حديث أباها :
" ابي نحن لسنا اطفال حتى تسمعنا مثل هذا الكلام في حضرة الاولاد"
نظر إليها صفوان بقوه ثم أعاد سؤاله بحزم اكبر :
" هل فهمتِ ما قلت ؟! "
عضت على نواجدها ثم قالت من بين أسنانها بضيق واضح :
" فهمت أبي فهمت .. لن نتعرض للأميره ابنة الخا........ "
" ناهد .. هذا اخر تحذير لكِ "
هتف بها صفوان بغضب ثم نهض بعدها متوجهاً الى مكتبه فيما يقول لأمين بضيق :
" اطلب لي ابن عمك لنرى اين اختفى السيد جاسم في الصباح هو الآخر"
ثم هتف بعدها منادياً ام رمزي ليقول بسطوه :
" نظفي غرفة امين القديمة و حضريها جيداً حتى تقيم فيها ابنة عمه حين تأتي "
............................
" انسه ندى "
توقفت جزاء تنظر ببعض الرهبه الى ذلك الرجل الذي بالتأكيد يقصدها هي بندائه حيث يقف خلفه ذلك الاخر الذي طردته حرفياً بالأمس !
اللعنة هل عرفوا بهويتها و يسخرون منها ؟!!
حاولت اخفاء تأثرها السلبي بهالة الرجل المخيفة إذ يبدو و كأنه تجاوز الثلاثين ببضعة أعوام كما تظهر عليه هالة الثراء رغم أنه يرتدي قميص اسود يظهر عرض كتفيه و عضلاته المخيفة لعينيها .. تباً الرجل يبدو كحارس خاص او مصارع !
" ماذا تريد ايها السيد ؟! "
هتفت بسؤالها محاولةً اخفاء رعشة صوتها ليجيبها هو بابتسامه ملتويه اخبرتها بأنه التقط خوفها :
" لا تقلقِ .. انا هنا من أجل مصلحتك ، سأعرض عليكِ عرض سينقلك من تلك الحياة البائسة نهائياً "
رفعت رأسها بشموخ أعجبه ثم قالت ساخرة بكبر :
" و من اين استنتجت انني لست مرتاحة بحياتي و أنني بحاجة إلى عرضك الكريم أياً كان ؟! "
ضحك جاسم بغرور واضح ثم أجابها مشيراً حوله باشمئزاز واضح :
" و من الذي قد يعجبه حياه في هذا المكان المقفر ؟! .. انا متأكد أن كل قاطني هذه المنطقة يبحثون عن اي فرصة للهروب منها قبل أن تنهار مبانيها فوق رؤوسهم "
نظرت جزاء حولها بضجر مصطنع لتقع عيناها على شقة " خلف " فتوافقه بعقلها على ما يقول و قد تذكرت مجدداً التهديد الذي تعيش فيه .. لكنها أبت أن تظهر في هيئة الضعيفه فقالت بضيق اجادت رسمه:
" لقد سألتك من اول لحظه عما تريد ايها السيد لكنك لم تجيبني حتى الآن .. هلا تخبرني بعرضك حتى لا اتأخر على عملي اكثر من هذا "
كان يقيّم هيئتها بعينيه و كأنه يدرسها مثلما كانت تفعل هي بالضبط ليقول بعد لحظات :
" هل سنتكلم هنا ؟! .. تفضلي معي اوصلك الى المقهى الذي تعملين به و اخبرك بعرضي في الطريق "
رفعت حاجبيها باستنكار من كم الثقة التي يتحدث بها لتسأله بعدها :
" انت من تكون من الأساس؟! "
ضحك بخفه ليجيبها بنفس الثقة و الغرور المزعجين :
" جاسم فاروق الغانم "
ابتلعت ريقها و قطبت لتعقب بعدها بدون ثقه :
" ابن عم جزاء ؟!! "
هز رأسه متنهداً بفراغ صبر ثم فتح باب سيارته داعياً إياها دون حديث للركوب لتحدق هي في وجهه الأسمر الغامض بضعة لحظات ثم حسمت قرارها و تحركت لتدخل إلى سيارته تنتظر بهدوء مثير للإعجاب معرفة ما يريده منها ابن العم الغامض !
و بعد وقت ليس قصير همست بخفوت مرتعب :
" انت مجنون .. كيف تطلب مني القيام بمثل هذا الأمر ؟! "
نظر لها جاسم بغضب اخافها منه ليهمس من بين أسنانه بطريقه ارعبتها :
" لا تتخطي حدودك معي من جديد .. انتي لستِ أهلاً لغضبي "
انكمشت قليلاً في مكانها لتسأله بعيون تحارب حتى تخفي دمعها:
" هل تبحثون عن جزاء من أجل الإرث ؟! "
تنهد جاسم بنفاذ صبر ليعيد حديثه مجدداً :
" اسمعي يا انسه ندى .. بغض النظر عن سبب بحثي عن جزاء كل ما اطلبه منك ِ أن تأتي معي فأقدمك لجدي كجزاء حامد صفوان الغانم فتقيمين بعدها في منزل العائلة و الذي ستشعرين فيه و كأنكِ ملكه إثر المعاملة التي ستلقيها هناك ليمر بعض الوقت نمثل فيه اننا نتقارب من بعضنا و بعدها اعلن انا رغبتي في الزواج منكِ فتعطيني انتي نصيب جزاء من الإرث أو بالأحرى نصيبها من أسهم الشركة و اعطيكِ انا عمولتك و بهذا يربح كلاً منا "
ما زالت على صدمتها التي تخللها الغضب فهي بكل حماقه ظنت أن تلك العائلة تبحث عنها لتعوضها عن ما حل بها و بأمها بسببهم لتكتشف أن من يبحث عنها هو فرد واحد .. فرد طامع في إرث مجهول و أسهم شركات .. مهلاً .. مهلاً هل تمتلك هي كل هذا دون أن تدري ؟!
سألته بخفوت دون أن يفارقها التشوش :
" و ماذا بعد أن يعلم الجميع بهويتي الحقيقة ؟! .. ماذا سأفعل وقتها ؟! "
ضحك بخفه فيما يجيب بثقة منفره لها :
" وقتها سأكون انا قد أصبحت كبير العائلة و انتي ستكونين تحت حمايتي .. بمعنى آخر لن يستطيع أحد المساس بكِ كما انني سبق و حضرت كل الاوراق التي ستجعل منكِ جزاء حامد الغانم "
اخذت نفساً عميقاً و قد استحضر هذا الحقير كل شياطين انتقامها القديمة و التي كانت قد احرقتهم غصباً عنها لتحافظ على وعدها يوم وفاة أمها فسألت اخر سؤال و قد عقدت نيتها على استرجاع ما كان لها و على أخذ ما يجب أن يكون ملكها :
" متى تحتاج ظهوري بالضبط ؟! "
ابتسم جاسم و قد استشف موافقتها ليجيبها قائلاً:
" اليوم إن أمكن.. احتاج ظهورك في اسرع وقت .. فالجميع يعلم انني وجدت اثر جزاء أخيراً و يتوقعون ظهورها في اي وقت و لا تقلقِ الأمر كله لن يطول .. عام واحد على الاكثر و بعدها ينتهي الأمر ، جدي لن يصمد اكثر من هذا على كل حال و اعدك أن يكون المبلغ مجزي للغايه"
اومأت له بصمت مطبق ثم اغمضت عينيها و كأنها تدفن ذاتها القديمة ..
لقد كانت محقة منذ البداية .. لا مكان ولا رحمه للضعفاء في هذه الدنيا !
لكن هي لم تكن ضعيفه يوماً بإراداتها بل اضعفها ذلك الوعد اللعين الذي انتزعته منها امها انتزاعاً و كأنها كانت ترى تلك النيران التي كانت تشتعل في قلبها كلما شعرت بقهر الدنيا لهن بسبب الوحدة و الفقر ليأتي في النهايه هذا الغبي الذي يظن نفسه اذكى من خلق الله حتى أن غروره منعه من البحث خلفها ليشعل فتيل انتقامها من جديد دون مجهود يُذكر .
فتحت عينيها من جديد بنظره كانت لترعبه لو لم يكن الطمع يغشي عينيه ثم قالت بغموض :
" حسناً .. انا موافقه .. يكفيني عام لإنهاء الأمر "
.................................
" عهد .. انا ذاهب الى الشركة ، تعالي آخذك في طريقي "
اومأت عهد لأمين بهدوء فيما لكزت مديحة ابنتها بضيق و هي ترى ابنة ناهد تنجح فيما فشلت فيه ابنتها الغبيه !
" وصال .. ألن تأتي أم أن الكسل بدأ عندك من اليوم الثاني ؟! "
قالها مبتسماً فكادت مديحة أن تبتسم بارتياح لكن إجابة ابنتها زادتها قتلتها كمداً حيث قالت ببعد نظر :
" لا .. لا تقلق انا في قمة نشاطي فقط اسبقاني انتما فأنا لم اجهز بعد .. سأحصلكما في اسرع وقت "
تحرك بعدها امين مصطحباً عهد معه ليصدح بعدها صوت بكر الذي كان يتابع الأمر برمته بعدما رأى الغيظ مرسوماً على وجه زوجة عمه و ملامح الانتصار على وجه عمته :
" الرحمة حلوه .. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء "
التفتن إليه ليرفع هاتفه فيما يقول مبتسماً بمكر :
" هذا تطبيق الهاتف يرسل لي حكمة اليوم "
ضحكه مكتومه صدرت عن ادم الذي يتابع الموقف بتسلي فتبادل معه بكر النظرات لينهض بعدها بكر فيتبع خطوات أخيه المسكين الذي لا يدري بالحرب النسائية و التي سيكون هو غنيمتها .
................
( في السيارة )
" هل انتي بخير ؟! "
القى امين سؤاله بعد ملاحظته لشرود عهد و ذلك الحزن الذي يطل من بين حدقتيها لتهمس هي بخفوت و رتابه :
" بخير امين لا تقلق "
حاول هو مجدداً انتزاع سبب ضيقها فيقول بموده اخويه تذبح قلبها :
" هل ستخفين اسرارك عني بعد عِشرة عمل سبع سنوات و صلة قرابة اكثر من عشرين عاما ً ؟! .. لقد كنت اعتقد ان العلاقة بيننا اقوى من هذا"
لم ترد عهد بشيء فسألها بحذر :
" هل ضايقك حديث جدي مع عمتي حول جزاء ؟! "
تنهدت عهد بإرهاق واضح لتجيبه بصدق اثار إعجابه :
" بالعكس جدي محق .. فكما قال نحن لا ندري عما تعرضت له طوال عمرها لذا من المفترض أن نعوضها بعد كل تلك الأعوام عن وحدتها لا أن نتحول لحمل آخر فوق كاهلها ، أتعلم انا استطيع أن أتفهم شعور الخاله مديحه فهي في النهايه ابنة غريمتها لكن امي لا افهمها و لا افهم سر مقتها لفتاه لم تعرفها من الأساس .. انا ..... لماذا تبتسم ؟! "
لم تتغير ابتسامته للحظه ثم قال بعد لحظات بحنانه الذي أصبح يؤذيها :
" اكملِ .. أنا أحب حديثك "
" و انا احب كل ما فيك و انت لا تدري ولا تبالي "
همست بها سراً لتتذكر من جديد حديث أباها في الليلة الماضية و الذي أسفر عنه شجار يحدث لأول مرة بينهما فتدمع عيناها رغماً عنها ليوقف امين السيارة قائلاً بقلق واضح و ضيق انتابه لرؤيتها تبكي :
" عهد .. فقط اخبريني ماذا بكِ ؟! .. هل ازعجك أحدهم ؟! "
هزت رأسها نفياً فيما تقول بصوت متهدج :
" اخبرتك انني بخير يا أمين "
صمت قليلا ً مفكراً ثم قال بعدها مستنتجاً :
" العم إمام لم يأتي اليوم لمقابلة جدي .. هل تشاجرتما ؟! "
زادت دموعها فأدرك أنه أصاب الهدف ليجدها بعدها تبوح بمفردها دون أن يزيد من أسئلته هامسه وسط دموعها :
" هذه اول مره ارفع صوتي فوق صوته .. لم اتخيل يوماً أن تصل بيننا الأمور إلى هذه الدرجة .. لكنني أيضاً معذورة ففي أي زمن نحن حتى يضغط عليّ للزواج من رجل لا ارغب به و لا حتى أعرفه جيداً ! "
" ماذا ؟! "
هتف بها امين بحدة فاجأتها ليستطرد بعدها باستنكار :
" يزوجك رغماً عنكِ ؟! .. لماذا ؟! .. أليس لديكِ اهل ؟! .. ثم منذ متى و العم إمام يجبركم على ما لا ترغبوه ؟! .. على حد علمي هو هادئ للغاية و يميل للمناقشة و اخذ الرأي و لم يقف أمام حلم ادم و تركه يدخل كلية الإعلام رغم حاجته له في العمل ! "
هزت رأسها بقلة حيلة اصابته بالضيق لتقول بعد ذلك بإرهاق تام :
" لا اعلم ماذا حدث له و لما هذه المرة بالأخص مصراً لهذه الدرجة ؟! "
هذه المرة !! .. و هل كان هناك مرات سابقة ؟!
اوشك أن يسألها عن تلك المرات الأخرى لكنه صمت موبخاً نفسه و ناعتاً إياها بالغباء .. فتلك التي تجلس بجواره تعد قِبلةً للنظر حين يتعلق الأمر باختيار العروس المناسبة .
هادئه .. مهذبه .. جميله و مثقفه و قادرة على لفت انتباه اي رجل دون أن تبذل اي مجهود يُذكر !
وأد امين أفكاره التي ولدت داخله ضيق شديد لا يعلم له سبباً ليقول بعدها بهدوئه المعتاد :
" لا تقلقِ سأحدثه انا و سأنهي الأمر "
التفتت إليه تهتف بقلق و رجاء :
" لا ارجوك يا امين لا تتدخل انت ، انا سأحل معه الأمر لكن إذا تدخلت قد يصر على موقفه أكثر "
" لكن ... "
قاطعته هاتفه بضعف انثوي لأول مره يراه جلياً هكذا فوق ملامح وجهها:
" ارجوك يا امين .. عدني انك لن تتدخل "
نظر إليها بضيق لتكرر مجدداً دون أن تجرؤ على رفع عينيها لعينيه :
" عدني "
تأفف بحنق واضح ثم اذعن لرغبتها قائلاً بضيق :
" حسناً اعدك يا عهد .. لن اتدخل طالما انتي قادرة على حل هذا الوضع .. لكني تأكدي انني خلفك دائما ً و سأدعمك الى النهايه "
ابتسمت له بامتنان حزين مس قلبه ثم همست بصوت يكاد يُسمع :
" شكراً لك "
انطلقا مجدداً نحو الشركة لتغوص هي بأفكارها من جديد و إتهام أبيها لها بأنها أصبحت تملك نفس مساعي امها و انها تسعى لإسقاط امين في شباكها يقتلها بحق رغم علمها أنه يقول كل هذا كنوع من الضغط حتى ترضخ لما يريد لكن حتى مجرد سماع تلك الترهات يؤذيها فهي فقط أحبته دون غايه ، دون شروط و دون حتى أن يتدخل عقلها و لو لمره واحدة في الأمر فهي قد تركت لقلبها القيادة منذ البدايه و ها هي الان تحصد نتيجة ذلك .
قلبها عليل بحب من لا يراها و عقلها ثائر ضد تلك الفكرة التي زرعتها امها عنها في أنفس الجميع .. تلك الفكرة التي تراها في أعينهم عن كونها الطامعه التي تسعى إلى الزواج من ابن خالها لتحظى بلقب زوجة كبير العائلة .
دمعه أخرى فرت منها مسحتها بحزم و هي تسترجع تصرفات و نظرات امين الاخوية لها و لمزات الجميع عنها لتغمض عينيها كمحارب سقط بعد طول قتال فيما تهمس لنفسها باستسلام تام :
" نهاية طريقك يا عهد .. ركضتِ طويلا ً دون أن تصلِ و الان جاء وقت الاستسلام "
....................................
( مساءاً )
تجاوره في سيارته التي انطلقت منذ عدة دقائق تبعدها آلاف المسافات بين نفسها القديمه التي اجهزت هي عليها اليوم بنفسها لتقرب بينها و بين فتاه أخرى حرصت فيما مضى على وأدها من أجل امها لكن حان وقت نبش القبور لتُخرج شيطانها الذي كبلته بنفسها
فمن قال اننا جميعا ً نخضع لنفس فطرة البراءة ؟!!
جميعنا اثنان !!
واحد ظاهر بين الجموع يسير بوجهه السمح و ابتسامته البشوش و الاخر يقبع في داخلنا ينتظر فقط اللحظة المناسبة ليُعلن عن وجوده !
قد يخرج لعدة لحظات يدعوها الناس باللحظات الشيطانية لكنه حين يتحرر بحق من قيوده يعيث فسادا ً في قلب صاحبه و يمتزج بدمه فيصبح ذاك الاول السمح البشوش محض ذكرى تافهه لا تمثل للآخر سوى لحظة ضعف و قد استيقظ منها .
و هي اخيراً فاقت و استيقظت و ستفعل المستحيل حتى تُبقى تلك الخانعة الراضية التي كانت جزء منها طي النسيان !
" لقد اقتربنا .. هل انتي جاهزة يا ندى ؟!! "
التفتت لمن يجاورها يجلس كأسد يستعد لفرض هيمنته على الغابة لتلوي شفتيها له بابتسامه ثعلبيه فيما تقول بإقرار :
" انا جزاء ... لست ندى "
نظر إليها مبتسماً و قد وصله المعنى السطحي للجملة فيعقب برضا شيطاني :
" بالضبط .. هكذا اريدك واثقه يا ..... جزاء "
اتسعت ابتسامتها بسخريه وهي تفكر أن وحدها الثعالب من لا تخضع لقانون الغاب !
...................
بعدها بقليل وصلت السيارة الى منزل أشبه بالقصر إن لم يكن كذلك بالفعل!
تطلعت حولها دون ذرة انبهار و هي تفكر انها ستكون أكثر من سعيدة حين تهدم هذا القصر فوق رؤوس ساكنيه و أولهم حامد الغانم و ذلك الغبي الذي يصاحبها !
" تفضلِ "
دخلت للبهو تمشي بهدوء و عقلها يسجل كل انش في المكان !
ابتسمت باستهزاء و هي تقر أن تلك العائله تقدس الفن نظراً لكم اللوحات المعلقه فوق الجدران و تلك التحف التي تزين أطراف المكان .
وقفت أخيرا ً تتطلع إلى من يقفون في الاتجاه المعاكس لها و علامات الترقب والحذر مرسومه فوق وجوههم !
أدركت بحدسها أنهم بالطبع لا يقفون استقبالاً لها .. بل يقفون لأن ذلك الرجل المهيب و الذي بالطبع هو جدها يقف متأهباً لأجلها .
" مرحباً يا ابنتي .. اقتربِ لا تخافِ"
لم تكلف نفسها عناء النظر الى وجه اخر غير وجه محدثها تمنع بمعجزة رعدة هاجمت جسدها إثر نداءه اللين لها لتتقدم منه ببطء واضح لا يخلو من بعض الثقه التي رسمتها هي قهراً فوق لغة جسدها لتقف أمامه في النهايه فيما تقول بنبرة صوت اهدأ بكثير مما يحتمله الموقف :
" مرحباً بك يا جدي "
ربت بكفه على خدها فلم تبقى رعشة جسدها مخفيةً عنه هذه المرة فابتسم لها مطمئنا ً فيما يقول مشيراً إلى الجميع :
" هذه عائلتك ستتعرفين عليهم بعد أن آخذك ليراكِ اباكِ أولاً ، فهو اكثرنا شوقاً لرؤياكِ "
اكثركم شوقاً !! .. لهذا لم يكلف نفسه عناء البحث عني أو حتى استقبالي !
و بعد عدة لحظات وجدت جزاء نفسها تقف متفاجئه أمام فراش رجل تبدو علامات المرض محفورة فوق صفحة وجهه و يصاحبه ممرض خرج منذ لحظات ثم رأت في زاوية الغرفة كرسي متحرك فأدركت ما أصابه !
هل تشعر بأي شفقه أو حزن عليه ؟!
لا و الله .. أمثاله يستحقون الموت رجماً و الرقص فوق أجسادهم المتعفنه!
أخفت شماتتها ببراعة شديدة و ظلت تحدق في وجه الرجل الذي من المفترض أنها تحمل دماءه بلا أي شعور ليتنحنح جدها و قد فهم صمتها بشكل خاطئ :
" اباكِ أصيب في حادث سيارة يا ابنتي و من وقتها و هو غير قادر على تحريك ساقيه أو الكلام "
هزت رأسها بتفهم مزيف و قد فهمت أنه يريد منها أن تتحدث هي معه لكنها ظلت تنظر الى الجالس أمامها دون تعبير لتلفت بعدها إلى جدها قائله بهدوء بدا إليه مريباً :
" ألن اتعرف على بقية العائلة ؟! "
أدرك انها تريد الخروج فأومئ لها ناظراً بحزن الى ابنه الذي كان ينظر بدوره إلى أكبر بناته بألم شديد من تباعدها الواضح عنه و برودها الذي لم تخفيه عيناها !
خرجت بعدها بصحبة جدها لتتعرف الى بقية العائلة كما طلبت ..
لم تهتم كثيرا ً بهم لكنها توقفت عند أربعة أشخاص ....
( مديحه و ابنتها و ناهد و ابنتها )
هؤلاء هن مهمتها الاولى .. فلعنتها لن تصيب الجاني فقط !
بل الجاني و ذويه !!
طلب جدها تجهيز العشاء فجلست بعدها دون أن تشارك في الحديث مما نشر التوتر في الأجواء نتيجة صمتها المطبق حيث تحفظت بشكل واضح في ردودها على اي أسئله تخص حياتها السابقه لينتهي اخيراً عشاءها و قد علمت أن هناك المزيد من العائله لم تقابلهم بعد !
هم ابن ناهد و زوجها و ابن عمها ذاك الذي يجلس هو الآخر صامتاً منذ بداية الجلسة !
" اين سأنام ؟!! "
سألت جدها بهدوء و قد أوضحت للجميع بما يكفي انها حصرت التعامل معه هو فنادى جدها على مدبرة المنزل التي صحبتها إلى غرفتها الجديده و التي كانت تبدو كجناح فندق سبع نجوم مقارنةً بغرفتها السابقة !
أخرجها صوت المرأة من أفكارها حين قالت بفرحه جليه :
" انرت ِ منزلك يا ابنة الغالية "
التفت لها جزاء بانتباه فهي لم يفوتها تجنب جميع أهل المنزل لذكر امها و حتى لم تستغرب الأمر لكن تلك المرأة المُسنه تبدو وكأنها تعرف امها عن قرب فسألتها بهدوء تخفي وراءه طوفان من الحنين :
" هل كنتِ تعرفين امي ؟! "
لم يخفى على جزاء انخفاض صوت المرأة و كأنه من المحرم ذكر اسم أمها في هذا المنزل و كأن مجرد حتى ذكرها سيلوث المنزل :
" بالطبع اعرفها .. رحمها الله كانت نعم النساء و انتِ يا ابنتي قد ولدتِ على يدي "
اومأت لها جزاء بشرود لتتحرك بعدها ام رمزي تغادر الغرفة تاركةً إياها فريسه سهله لأفكارها التي لا تنضب ليمر عليها الوقت ببطء شديد حتى عم الصمت كامل أرجاء المنزل فعلمت أن موعد نومهم قد حان لكن من اين يأتيها هي ذلك السكون الذي أحاط بالمكان دونها ؟!
خرجت إلى الشرفة تبحث عن نسمة هواء ترطب روحها لتجد هواء الليل العليل في استقبالها ليريح اعصابها المشدودة خاصة ً مع ذلك المنظر الرائع لحديقة القصر فتغمض هي عينيها سامحه للهواء بالعبث في شعرها الاسود الغجري الذي أطلقته منذ دقائق و لعبير اشجار الفاكهة برسم صوره خياليه لجنه مثل هذه تكون هي اميرتها وسيدتها الوحيدة !
ابتسمت بحزن و رغماً عنها عقلها عاد ليرسم صورته أمام عينيها !!
" راضي "
همست اسمه بخفوت شديد و دمعه شارده غافلتها لتهرب من سجن عينيها..
اول رجل دخل حياتها .. كان يخبرها دائما ً أنه سيحضر الدنيا إليها لو طلبت و كان يتفنن في إظهار حبه و اهتمامه رغم ضيق حاله !
كان اسماً على مسمى ...
كان راضي و هو بكل شيء راضي ، كان امانها الذي لطالما افتقدته ، مسكن روحها المتهتكة بالألم و الضيق .. كان جزئها المضيء ببساطة مطالبه في الحياه وسط عتمة نقمتها المتزايدة يوماً بعد يوم .
لكن و كالعادة استكثرته الدنيا عليها فسرقته منها مبكراً ككل شيء و الاسم قضاء و قدر برصاص مجهولين أثاروا الشغب في البلاد في تلك الفترة ليكن هو أحد ضحاياهم بلا ذنب سوى وجوده في المكان غير المناسب!
احبته ! .. بالطبع فمن تجد كتفاً يسندها و ترفضه خاصةً و ان كانت بنفس ظروفها ؟!
" مرحباً جارتي العزيزة "
شهقت برعب و فتحت عينيها لتجد شاباً يقف متكئاً في الشرفة المجاورة لها يحدق فيها بلا خجل و ابتسامه عابثه مرسومه بمهارة فوق صفحة وجهه ناقضت تماماً تلك النظرة المتأملة التي يرمقها بها و كأنه يملي عينه منها !
تباً لقد كانت تذكر تلك النظرة بالضبط لكن من عينا راضي !
تماسكت و في ثانيه كانت تكبت كل انفعالاتها السابقه ، دافنةً إياها في أعماق روحها من جديد لتسأل بعدها بجمود هادئ :
" من انت ؟! "
سألته لأنها لم تراه على مائدة العشاء ليظل هو على صمته وتأمله قليلا ً ثم يجيبها بمكر و صبيانية و هو يشعل سيجاره :
" أحقاً لا تعرفين من انا ؟! "
رفعت حاجبها إليه باستخفاف ليقترب منها هو مجيباً على سؤاله بنبره خافته اصابتها بالتوجس منه :
" انا .... زوجك المستقبلي يا حلوه "
كادت أن تردعه برد يناسبه تماماً ليقطع تواصلهما البسيط طرقات على باب غرفتها تعرف هي صاحبها جيداً بينما قطب هو بريبه واضحة فمن الذي سيطرق باب غرفتها بعد منتصف الليل ؟!نهاية الفصل الثاني
أنت تقرأ
ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملة
Romanceرواية للجميلة الكاتبة هاجر حليم أرجو أن تستمتعوا بقراءتها.. حقوق الملكية محفوظة للكاتبة "هاجر حليم"