الفصل العاشر :
تجلس أرضا ً في شرفة غرفتها تناجي هدوء الليل ، تبحث عن راحه نفسيه تقر انها تجدها في تجنبها و بعدها عن أهل هذا المنزل ..
فهي جوارهم اما ساخطه و ساعيه للانتقام أو مشتتة ضعيفة الهمه !
اصبحت لا تعلم من هي حقاً ..
أليست هي من اقسمت ان تضرم النيران في قلوب الجميع و قد حققت ما تشاء اليوم ! .. إذا ً لما تكاد تبكي الان بعد أن سقط جدها ؟!
هل هو الخوف من أن تتسبب في موت شخص ما ام انها اصبحت تألفه و تخاف عليه ؟!
ربما انقلبت موازين لعبتها عليها !
ربما لم تعد نفس الفتاة التي اقسمت منذ دخلت الى هذا البيت أن تجعل عالية سافله !
رباااااااه كيف ؟!!
كيف تنقم و في نفس الوقت تحن ؟!
كيف تأذي و في نفس الوقت تتوجع لألمهم ؟!
اصبحت حقاً كمن يقتل القتيل ويمشي بجنازته !
تنهدت بتعب تضم ساقيها إليها فبدت اكثر هشاشة في عين نفسها و كادت تبكي من تلاطم أفكارها لتفاجئ بصوته النشاز يخترق وحدتها مجدداً و كأنه اقسم الا يتركها الليلة بمفردها ........
" في هويد الليل ولقيتك
ما أعرف جيتني ولا جيتك
ما أعرف غير إني لقيت روحي
ونجيت من همي ونجيتك
واداري و لا ما اداري
دا هواها داري ومداري
وهواها زهزه خضاري
زرع البداري غوايش
ده الحب مش سهم طايش
الحب زاد اللي عايش
دانا كنت مت انا كنت مت
و حيتني ست الصبايا غوايش
ست الصبايا غوايش "
تهادت الكلمات لسمعها بتلك النغمة البسيطة فابتسمت بضعف أصبح يلازمها الليلة ..
اعترفت لنفسها أن صوته نشاز لكنه دافئ ...... مثله !
قطبت لوهله تستعجب وصفها له بالدفيء خاصة ً بعد تهديده لها ليرد عليها قلبها و كأنها تشاهد مبارزة فكريه بينه و بين عقلها !
هددك و ابتزك لكنه لم يشي بكِ ..
تحداكِ و كسر عنفوانك لكنه شاركك وجعك ..
اهانك و دعاكِ بابنة حامد لكنه دافع عنكِ واوشك على الفتك بجاسم دون لحظة تفكير حين رآه يؤذيكِ ..
يضغط عليكِ بما يحمل ضدك لكنه احتواكِ حين ظهر له ضعفك ..
تنهدت مجدداً تغمض عينيها و تسأله دون صوت " من انت ؟! "
ليأتيها رده و هو يناديها بخفوت فنهضت من جلستها الأرضية باستسلام لتجده كما توقعت يقف في شرفته ينظر لها بنفس الابتسامة العابثة التي قابلها بها اول مره و بنفس نظرته التي تغمرها بحمايه دون شروط و التي تنقلب لأخرى ترعبها وقتما يكتشف أفعالها !
ضحكت رغماً عنها و هي تقارن بين مزاجه الرائق الذي لا تفهم سره في هذه اللحظة وغناءه وبين وجهه المكدوم كحال وجهها بل اكثر بكثير
" كيف حالك يا غوايش ؟!! "
ألقاها مبتسماً بشقاوته التي بدأت تعتاد عليها بينما يناولها بعض الثلج لتضعه فوق وجنتها المتورمة لتسأله هي بتعجب مشيره الى نفسها و قد قررت مجاراته حتى تأخذ منه التسجيل :
" غوايش ؟!! "
فيهز رأسه بتأني قائلاً بصوت هامس و كأنه يفضي لها بسر :
" اجل انتِ هي "
ضحكت مجدداً مستغربه من تقلبه لتسأله بحيره بعد لحظات و كأنها سمحت لعقلها بوقت مستقطع يرتاح به قليلاً :
" لا حقاً .. من غوايش هذه ؟! "
ابتسم متأثراً بضحكتها النادرة و التي يرى خلفها الكثير من التشوش و الضياع ليوضح بعدها :
" هذا اسم الفتاه التي كان يناجيها العاشق في اغنيته "
اومأت بفهم لتقول بعدها بابتسامه ماكره فيما تقلد اسلوبه مما اسر قلبه ككل ما فيها :
" حسناً .. دعنا نعقد اتفاق "
" لكِ ما اردتِ "
قالها دون لحظة تردد فأضعفها ناحيته و اربكها ..
أجلت حنجرتها و ضيقت عينيها ثم قالت بخفوت عابث يشبه نبرته المعتادة :
" لا تغني لي مجدداً .. و ليتك لا تغني مطلقاً "
رمقها بطرف عينه ثم أجابها بحنق طفولي مصطنع :
" انتِ الخاسرة "
ضحكت جزاء من قلبها فيما تقول اول ما خطر ببالها في تلك اللحظة :
" لا تفتعل الحركات بوجهك ، يكفيه المسكين ما ناله اليوم "
شاغبها مجدداً مستمتعاً بسكونها النادر بينما يحاول هو الآخر أن يله عقله عن التفكير بكل الكوارث المتتالية التي تسقط عليهم :
" انظروا من تتحدث ! .. عزيزتي اذا جلبت لك ِ مرآه الان ستصعقين من شكل وجنتك "
ابتسمت فيما تمرر قطعة الثلج على وجهها ليبتلع هو ريقه ويشيح بوجهه شاتماً نفسه على غباءه لتقاطع هي أفكاره التي اتخذت مجرى اخر لو علمته ستكمل على ما تبقى من وجهه :
" على الأقل انا أصبت في وجنتي فقط إنما انت تحتاج إلى خبير للتعرف على ملامحك "
ابتسم بكر بخفه بينما تخطر بباله خيالات مجنونه يرى فيها نفسه يقفز لها من فوق الحاجز الذي يفصل بينهما و يغمرها بين ضلوعه عنوةً حتى تختفي تلك النظرة الضائعة التي تحتل عينيها منذ سقوط جدهم !
كانت تبدو له كطفله مرتعبة ترتجف خوفاً بعد أن اقدمت على كارثة دون أن تحسب عواقبها ...
رآها كيف تسمرت بين يديه و كيف برد جسدها وهي تنظر الى جدها دون أن تجرؤ على النطق أو الحركة حتى بعد أن اسعفوه و اخبرهم الطبيب أنه يعاني من ارتفاع نسبة السكر بالدم ظلت واقفه هي مكانها تراقبهم بوجل وكأنها تنتظر اللحظة التي سيعلن فيها الطبيب عن وفاة جدهم و يتهمها الجميع بأنها السبب !
يسعده جدا ً أن ضميرها حي لكن يقتله بُعدها عنه و ثقتها المعدومة فيهم جميعا ً بل و إنكارها المستميت لانتمائها لهم ..
مجنونه هذه !!
كيف تظن أنها لا تنتمي إليه و كل جزء فيه يستكين حين تكون بالجوار .. و هو يفهمها بالنظرة ، وهو يسمع أنات قلبها فيردها قلبه أنات و كأنهما شخص واحد ؟!
يا الله لو فقط تُرفع الحواجز !
سيخبرها بالكثييييييير و بالكثييييييير مما يحمل لها في قلبه ..
فقط لو يبرأ قلبها و تبرأ روحها من قطرة الانتقام السوداء التي تحملها سيهديها وقتها الدنيا لو أرادت و سيفتك بمن تسول له نفسه المساس بها !
عند الخاطر الأخير توقف عقله فالتفت ناحيتها فجأة لتصبح عينيه اقرب لها من اي وقت سابق ليسألها دون سابق إنذار :
" لما أراد ايذائك ؟! .. ماذا فعلتِ له يا جزاء لتفقديه عقله بهذا الشكل الغير مسبوق ؟! "
و كأنه ايقظها من غفوتها الإجبارية فأسبلت اهدابها و أدركت أن لحظة السلام القصيرة التي رغبت بها جواره قد انتهت !
نظرت إليه بعد لحظات من الترقب فضحك بخفوت قائلاً بنبره ساخرة ذات مغزى :
" الحمد لله على السلامة .. ها قد عادت الروح الشريرة "
صمتت تدير عينيها في الانحاء دون رد على سؤاله ليعيده هو مجدداً بعد لحظات :
" هيا اخبريني .. ماذا فعلتِ هذه المرة ؟! .. اعتقد انكِ بتِ تعلمين انكِ تستطيعين مصارحتي بأي شيء "
ابتسمت جزاء ساخرة دون أن تعي مثله بمن يراقب وقفتهما و الغضب يعربد في قلبه و عقله يود لو يقتلهما معاً في تلك اللحظة :
" توقف عن لعب دور الأب معي .. انا لم أفعل شيء ، هو فقط مجرد مجنون مغتر بنفسه و حين اضطررت بسببك الى رفض عرض الزواج فقد عقله "
رفع حاجبيه متصنعاً التأثر ليتمتم ساخراً :
" حقاً ؟! .. انظروا الى الوغد المتوحش "
لم تعلق جزاء بشيء ليقول هو بعد لحظات وقد انقلب وجهه بعد أن لمح خيال الاخر:
" عودي الى الداخل ، الجو بارد و صاحبك يقف خلف نافذته يراقبنا و قد يستهدفك برشاش آلي هذه المرة "
نظرت جزاء ناحية من يراقبهم بطرف عينيها بلا مبالاة ثم قالت بعدها تتصنع دور فتاة المنطق علها تستطيع إقناعه بالعودة عن قراره الغبي :
" بكر .. ارتباطنا هو امر في قمة السخافة و الغباء ، انت تفعل ذلك فقط حتى تضمن ........ "
قاطعها بكر قائلاً بخفوت بنبرةٍ لا تعلم جدها من عبثها :
" اسمعِ يا زوزو .. سأجعل هذا اقصر نقاش في التاريخ بكل اختصار و بدون لف و دوران أنتِ مصيرك لي لذلك قلت اختصر كل المعوقات والصعوبات التي يمكن أن تواجهنا و اطلبك لي باكراً .. فأنا رغم كل شيء لن يرضيني أن اتركك لجاسم فيسلب اموالك في محاولة بائسة أخرى منه للتغلب على امين أفندي "
جزت على أسنانها بغضب مكتوم و كادت تتحدث مجدداً فقاطعها هو قائلاً بوقاحة حتى يصمتها تماماً :
" اسمعِ يا بنت الناس .. أنتِ الان في مقام خطيبتي لذلك كلمة زائده و سأكون اكثر من سعيد بإسكاتك بطريقتي الخاصة ، و يستحسن أن تذهب ِ من امام عيني الان لأن الفكرة أصبحت تغريني لتنفيذها بحق "
شتمته جزاء ثم نفذت ما أمرها به و اختفت من امام وجهه ليحدق هو في اثرها بجمود و قد اختفى قناع المزاح باختفائها ليتحرك بعدها هو الأخر متجاهلاً ابن عمه تماماً بينما يحدث نفسه بإرهاق عائداً الى غرفته بعد أن عاوده الألم مجدداً نتيجة الشجار :
" ترى ماذا فعلتِ هذه المرة ؟! .. اعني عليها وعلى شيطانها يا الله "
...................................
( اليوم التالي ... الشركة )
" صباح الخير يا امين "
توقف امين مكانه زافراً بضغط محاولاً التحكم في أعصابه ليلتفت بعدها بملامح هادئة فيما يرد تحية أنس ببرود :
" صباح النور "
ليستطرد بعدها بجلافة ليست من طبعه :
" ماذا تفعل هنا ؟! "
تجاهل أنس حدسه الذي يخبره بأن من يقف أمامه لا يبتلعه ليرد عليه بطيب خاطر ممازحاً :
" اريد عهد في امر ما .. لا تقلق لن اعطل لكم سير العمل "
صمت امين مكرهاً ليلتفتا بعدها على صوتها المتفاجئ من وجود أنس فيما تقول بلا مراعاة :
" أنس ! .. ماذا تفعل هنا ؟! "
احرجه سؤالها لتشتم هي نفسها على قلة ذوقها ثم حاولت تلطيف الوضع فقالت اول ما خطر ببالها :
" لا يهم .. من الجيد انك اتيت لقد كنت على وشك الاتصال بك .. تفضل مكتبي من هذا الاتجاه "
وقف امين بملامح صخريه يحدق فيهما بغليان خاصة ً حينما تجرأت يد الآخر و أمسكت بيدها فكاد يحلق وراءهما ليعلّم ذلك الدخيل حدوده التي يبدو أنه يتناساها لولا أن أوقفه بكر الذي خرج له من تحت الارض في تلك اللحظة يحول بينه و بينهما فيما يقول بسخرية :
" اشششششششش ... عيــــــــــب ، هل سنتهجم على ضيوفنا في منتصف الشركة لأننا نغار ؟! "
تفاجئ امين من وجود بكر و حديثه فقال محاولاً إنكار غيرته بينما فضحته نبرة صوته المنفعلة :
" اي غيره و اي هراء ! .. هذا يبدو أنه لا يعرف حدوده جيداً ، ليس من حقه أن يلمسها "
واجهه بكر قائلاً بصوت قوي .. صريح :
" و ليس من حقك أن تتدخل في اي امر يخصهما ، لقد تنازلت عن كل حقوقك حينما التزمت الصمت و تركتها ترتبط بغيرك "
توتر امين و حدق في أخيه بصدمه ليضحك بكر بخفه فيما يقول مازحاً ليحاول التخفيف عن من يقابله :
" ماذا ؟! .. هل تظن انني غافل عنك و عن ما تمر به ؟! .. يا بني انا لدي مجسّات خاصه تلتقط كل فعل و رد فعل صادر عنك "
زفر امين بقنوط مطأطأً رأسه إلى الأسفل باستسلام ليلكزه بكر في كتفه قائلاً بمشاغبة :
" يا اخي تعلم من اخيك الصغير .. فور أن علمت أن جاسم يحوم حول فتاتي هبطت على خطته مثل القضاء المستعجل و اختطفتها لتكون لي "
تحرك امين بضيق عائداً الى مكتبه يتبعه بكر الذي استطرد بنبرة قويه :
" تعلم الأنانية قليلاً يا امين لن يضرك الأمر بشيء .. بل ستجد نفسك كسبت راحة قلبك و لو كانت على حساب غيرك لا يهم فهذه حياتك انت و انت من تعيشها و تتحمل نتيجة اختياراتك بها "
جلس امين على مقعده قائلاً بهم :
" ماذا تريد مني أن افعل ؟! .. هل اترك الدنيا تضرب تقلب و اترك كل شيء لجاسم ؟! .. جاسم سيخربها و يجلس على تلها عند اول فورة غضب و ها انت رأيت جزء من غضبه حينما أوشك على قتل ابنة عمك بعد رفضها له "
أوشك بكر على سب أخيه لأنه حوّل الحديث إلى جهة العمل لكن امين انقذ نفسه من لسان أخيه حينما استطرد مكملاً :
" أما عن عهد فكيف سأقترب منها بعد أن أصبحت ملك لغيري ؟! .. مستحيل أن أقبل عليها مثل هذا الوضع ، عهد اغلى عندي بكثير من أن أضعها في هذا الموقف "
كاد بكر يقذفه بعلبة المناديل الملقاة أمامه فيما يهتف من بين أسنانه بغيظ :
" و هل قلت لك اسحبها من شعرها و قبّلها في بهو الشركة ؟! .. يا ابني .. يا حبيبي لوجه الله ركز معي قليلاً و دعك من زمن حسين صدقي الذي تعيشه هذا "
رفع له امين حاجبه باستياء ليسأله بعدها بلهجة ساخرة :
" إذاً ماذا تقترح يا اينشتاين زمانك ؟! "
جلس بكر على حافة المكتب قائلاً بمكر :
" دعها تراك بشكل جديد بعيداً عن نمطية علاقتكم المقرفة .. أظهر امامها صباح و مساء ، حاصرها بوجودك لكن دون أن تجعلها تلاحظ اهتمامك بها .. اتركها تحتار و تتساءل عن سر تغيرك ، كن موجوداً و غير موجود ، شد الحبل احيانا و ارخيه أحيانا ... هكذا يعني و انت ما شاء الله عليك مال و جمال و صحه و معك طفل جاهز يعني كامل من كل النواحي "
ضحك امين قائلاً :
" لا ينقص إلا أن تقول انك جلبت لي طقم الصيني و الكاسات "
بادله بكر الضحك فيما يقول بوعد وهو ينهض من مكانه :
" افعلها انت فقط و سأجلب لك الصيني و السيراميك و المفارش و كل الاحتياجات .. انا عندي كم امين ؟! "
ليتحرك بعدها عائداً الى مكتبه فيما يقول مازحاً :
" سأعود الى غزالتي .. انت تعلم انها لا تستطيع البقاء من دوني و لو لثواني "
ضحك امين قائلاً بسخرية :
" اجل لقد لاحظت الأمر "
لوى بكر شفتيه بحنق مصطنع فيما يرمي رميته الأخيرة داعياً الله أن تأتي بثمارها :
" لا تنس أن تقفز على الصورة ببراشوت و يستحسن أن تبدأ من الان لأنه و على حسب توقعاتي الطريق الذي يبدأ بمسك الأيدي ينتهي بالقبلات "
في لحظه واحده تبددت ملامح الاسترخاء من على وجه امين لينهض مغادراً بخطوات شبه راكضة الى غرفة عهد دون أن ينسى حجته المتمثلة في بعض الملفات بينما وقف بكر يراقب رحيله ليأتيه صوتها بنبرته الشقية فعلم انها مختبئة كعادتها و تراقب ما يحدث :
" ربنا يجعل الشفاء على يدك يا بكر يا ابن عمي "
التفت إليها بكر ليقول بعدها بصدق يتخلله المزاح :
" شكراً لأنك قمتِ بأخباري عن الأمر .. ألف شكر يا رويتر "
ضحكت وصال ثم رسمت على وجهها الغرور فيما ترد عليه :
" اي خدمه يا كازانوفا "
بادلها الضحك ليلتفت كلاً منهما إلى طريقه بعد أن فعلا ما عليهما .
............................
يقف أمام نافذة مكتبه يحدق في المارة بصمت مطبق بعد أن جاء باكراً قبل الجميع ليهدأ من إعصار أفكاره التي لا تتوقف !
يشعر أنه مرهق .. بل مستنزف و كأنه يركض لمئات الأميال دون اي أمل في الوصول !
تنهد بينما عقله يعمل دون توقف فيشتم نفسه مراراً على غباءه الذي جعله يثق بحديثها ليُصدم في النهاية و يعرف انها استغفلته و سخرت منه !
رباه كل ما احتاجه الأمر هو ذهابه إلى حيث كانت تعمل و بعض الاستفسارات البسيطة جعلته يدرك بأن من ماتت هي ندى و من اختفت بصحبته هي الحقيرة جزاء !
كيف اعطاها الفرصة للسخرية منه ؟! .. كيف لم يبحث خلفها ؟!
و الأهم ما الذي كانت تخطط له ؟!
هل كانت تريد الاستيلاء على نصيبه ؟!
رباااااااه .. ملايين الأسئلة تعربد داخل عقله دون اجابه واحده !
طرقات على الباب جعلته يستدير هاتفاً بعصبية :
" لا اريد رؤية احد "
" لا اله الا الله .. وحد الله في قلبك يا رجل فأنت لست أول رجل يُرفض "
حدق فيها جاسم و عينيه تقدح شرار ليهتف من بين أسنانه محاولاً التحكم في غضبه حتى لا يصور قتيل :
" وصال انا حقاً على وشك الانفجار .. ابتعدِ عن طريقي اليوم قدر الإمكان احسن لكِ "
لم يخيفها تهديده و لم ترهبها هيئته المخيفة في العادة ....
اقتربت منه ببطء مدروس ثم وقفت أمامه تحدق فيه و في هيئته المريعة لتقول دون سابق إنذار ما فاجئها هي شخصياً :
" انفجر ..... بي "
كان عقل جاسم تقريبا ً متوقف عند نقطة واحدة لذلك هتف بها دون تفكير :
" ماذا تريدين ؟! .. قلت لك ِ ابتعدي عني هذه الساعة "
اقتربت منه أكثر تجازف بكل شيء فيما تقول بصوت جدي قلما يخرج منها :
" و إن لم ابتعد ؟! "
كانت عيناه تلمع بجنون مطلق و عروقه نافره و وجهه مرهق و كأنه بقى مستيقظ لعدة أيام متواصلة لكن كل هذا لم يعني لها شيئاً و لم تلتفت له و هي تقترب خطوتها الاخيرة فيما تقول بغموض و قد فاض كيلها مما يفعله بها :
" أتعلم ما هي مشكلتك ؟! "
لم تنتظر رده و لم تلتفت لتأففه الفظ لتجيب نفسها و هي تحدق في عينيه تضع يدها فوق قلبه لأول مرة بجسارة لم تنقصها يوماً :
" مشكلتك انك اعفيت هذا من الخدمة و تركت العمل كله على عقلك فأرهقته .. ارح عقلك قليلاً و انظر بقلبك عساك ترى الأمور من زوايا مختلفة اكثر راحة لك "
أبعد جاسم يدها قائلاً باستنكار وقد فاجأته جرأتها عليه :
" ماذا تفعلين ؟! .. هل جننت ِ ؟! "
ابتسمت له وصال دون أن تصل الابتسامة الى عينيها فيما تقول بنبرة خفيضه :
" اعتبرني جننت و تحمل جنوني لدقيقتين اضافيتين لعل جنوني ينفعك "
تحرك جاسم بغضب ناوياً المغادرة لتصدمه هي مجدداً حين تشبثت بيده فيما تكمل كلامها :
" ماذا ستخسر اذا استمعت لي ؟! .. انت لم تكن هكذا أبداً ، ما الذي تغير بك ؟! .. انا لم اراك من قبل تتهاوى مثل هذه الأيام ! .. لطالما رأيتك صخرة عظيمة استند إليها وقت تعبي فلا اقع "
حاول جاسم الإفلات منها متهرباً من الرد عليها فتشبثت به أكثر تود لو تلقي نفسها عليه و تعانقه و هي ترى معاناته التي لا تفهم سببها جليةً فوق صفحة وجهه لتهمس بعدها بنبرة مختنقة :
" ما الذي حدث لك ؟! .. ما الذي جعلك تتغير و تخرج قلبك من حساباتك بشكل تام ؟! .. أخبرني "
" ابتعدِ يا وصال .. انا لا اريد دفعك حتى لا اؤذيكِ .. ابتعدِ "
و كأنه يأمرها بالعكس إذ تشبثت به أكثر تهمس له بعناد :
" لن ابتعد "
" قلت ابتعدِ "
" لن ابتعد قبل أن تتحدث معي ، قبل أن تخبرني بما قلَب حياتك و جعلك تهوى إيذاء من حولك "
في لحظة خاطفة وجدته التفت ليمسكها من ذراعيها قائلاً بصوت مكتوم :
" لأخر مره سأقولها لك ِ .. توقفِ عن الحوم حولي ، انا لست امين "
اهانها ذكره لأمين ففقدت وصال سيطرتها لتهتف دون سابق إنذار بينما دمعت عينيها بألم شديد :
" بالطبع لست امين .. لو كنت امين كنت نصحتك و تركتك لحالك و لم اكن سأتوجع لوجعك بهذا الشكل "
توقف كل شيء حوله فجأة ينظر لها لا يريد أن يصدق ما يشير به عقله !
لا .. مستحيل أن يكون ما يفكر فيه صحيح !
وصال !
تركها جاسم كالملسوع يحدق فيها بصدمه ليسأل بعدها بصوت لم يستطع التحكم في رجفته :
" أنتِ .......... "
لم يقدر حتى أن يكمل سؤاله ليختفي بعدها من أمامها بخطوات هاربه تاركاً وصال تقف مكانها تستوعب حقيقة ما حدث ببطء ...
لقد لمحت له عن مشاعرها ....... و رفض !
.................................
دخل بكر مكتبه فوجدها تجلس و تنتظره على أحد المقاعد المقابلة لمكتبه فشاكسها قائلاً :
" يا ألف أهلاً وسهلاً .. ما هذا الرضا ؟! .. الغزال بنفسه ينير مكتبي "
تجاهلت جزاء اسلوبه الذي يستفزها لأبعد حد ثم قالت بأدب تتخذه منهجاً في التعامل معه هذه الفترة و لا ينطلي عليه :
" اريد ان اتحدث معك "
جلس خلف مكتبه قائلاً بابتسامته المستفزة لأعصابها :
" امرك يا حلوه .. هل تريدين ان نذهب لاختيار محابس الخطبة ؟! "
زفرت جزاء بقلة صبر ثم نظرت إليه بيأس فيما تفكر انها لم يعد أمامها أي حل إلا أن تأخذه على قدر عقله كما يقولون فقالت بتروي وهي تمسك بالقلم بينما تتجاهل نظرات التسلية التي يوجهها لها و التي تفجر فيها براكين الغضب :
" حسناً دعني اوضح لك الأمر من وجهة نظري كمعادله "
اعتدل على كرسي مكتبه بتركيز ساخر بينما أمسكت هي بورقه موضوعه أمامها و هي تستغبى ما تفعله لكنها مجبره فقالت بنفس الصبر و كأنها تشرح لطفل معادلة رياضية :
" أنظر يا بكر ... أولاً انا لا احبك "
قاطعها قائلاً بتهذيب مضحك بينما نظراته معاكسه له تماماً :
" ممكن القلم بعد اذنك "
أعطته القلم بتشوش فقلب الورقة تجاهه قائلا ً بنفس نبرتها :
" وانا ايضا ً لا احبك "
سحبت القلم منه بغيظ ثم أدارت الورقة ناحيتها من جديد فيما تكمل و رغبه عارمه في الضحك تهاجمها على وضعهما الان و تحاربها هي باستماته:
" انا لا احبك و لن اتحمل الحياه معك "
اوشك على تكرار فعلته فسحبت الورقة اكثر ناحيتها فيما استطردت بسرعة تقطع عليه الحديث :
" و انت لا تحبني و لا تريد الزواج بي إذاً ..... "
قاطعها بصلافة يسحب منها الورقة و القلم مجدداً فيما يقول :
" لا .. لا زال الوقت باكراً على إذاً .. نحن لم ننهي المعطيات بعد ، انظرِ و تعلمِ من الخبرة "
تحكمت في ابتسامتها بصعوبة ليقول هو بتركيز تام فيما يحدق في الورقة التي أمامه و ينطق لها كل ما يكتبه و كأنه يسمع لها درس :
" بما أني حذرتك اكثر من مرة بشكل مباشر و اخر غير مباشر و بما اني امسكتك بفعلتك السوداء و بالجرم المشهود و بما اننا تم القبض علينا بوضع مخل لا افهم ملابساته حتى الآن و بما اني طلبتك من جدك ووافق و بما اني ضربت جاسم و تورم وجهي من اجلك إذاً ... ها ... اذاً الحلول المقترحة كالآتي اولاً إما خنق ابنة عمي المصون بيدي العاريتين أو خطفها بشكل غامض و تقييدها في كوخ في منتصف الغابة او أن اضحي بنفسي و أختار ستر كل هذه الفضائح بالزوااااااااااج "
ليضع توقيعه في نهاية الورقة بشكل مسرحي ساخر و يعيدها إليها ثم يعود بظهره مسترخياً على كرسيه فأخذت هي الورقة ثم نظرت لوجهه المبتسم لها باستفزاز و تحدي فمزقت الورقة بغيظ و رمتها في وجهه فيما تقول بغضب عارم لأنها و لثاني مره تفشل في إقناعه بتركها :
" اسمعني جيداً .. لقد حاولت معك مراراً و اخبرتك انني لم أفعل شيء و مع ذلك أنت تهددني بكل وقاحه و تستغل عدم مقدرتي على الرحيل لكن كفى .. انا لن اتزوجك و اضرب رأسك في أول حائط يقابلك و الى هنا و انتهى النقاش "
كانت تلهث بغضب في نهاية حديثها الوقح ليفاجئها هو بضحكاته المستمتعة فيما يقول :
" أنتِ جباره اقسم بالله .. أمسكت عليكِ تسجيل صوتي و ما زلتِ تنكرين بكل صلافة بل وتتبجحين أيضاً و تطيلين لسانك .. أتعلمين لقد راهنت نفسي انكِ لن تتحملين اكثر من خمس دقائق و فزت برهاني و ها انتِ تصرخين كالممسوسة مجدداً ، عموماً يا حلوتي ها أنا اخبرك للمرة الألف تقريبا ً اننا للأسف سنتزوج حتى استطيع السيطرة على جموحك كيفما اشاء و حتى اصلح خطأي الجسيم معك و الى هنا و انتهى النقاش أيضاً "
أوشكت على فقد اعصابها و ضربه لتتمالك نفسها بمعجزه و تنهض لتغادر مكتبه كالعاصفة فيما يهتف هو في إثرها بسخريه ضاحكه يذكرّها بإمساكه بها حينما دخلت لتفتش غرفته :
" لا تنسي تفتيش غرفتي من جديد عل الله يوفقك و تجدين التسجيل هذه المرة "
كادت تصرخ غيظاً منه بعد أن جربت معه كل الطرق دون نتيجة و كأنه حائط لا يشعر لتتحرك ناحية مكتبها و تدخله ثم تغلق بابها بكل قوتها فيما تشتمه بكل ما تعرف من ألفاظ خارجة و غير خارجه بينما ظل هو يحدق في بابها المغلق في وجهه عدة لحظات مدركاً كل الاعيبها التي لا تنطلي عليه ، حتى مهادنتها له و تغير أسلوبها يدرك جيداً أنه خطة منها للحصول على التسجيل و للفرار من قرار جده الذي جعلها تختاره بنفسها !
ابتسم بخبث هامساً لبابها المغلق في وجهه :
" ليس هناك احلى من الصبر ، سأفتح كل اقفالك الصدأة و ابوابك المغلقة لكن كله بالصبر ، فلأجتمع بك ِ اولاً تحت سقف واحد ثم بعدها لكل حادث حديث غزالتي الشاردة "
بعد عدة لحظات لفت انتباهه صوت جلبه قادم من الممر فنهض ليري ما يحدث بينما يسأل نفسه بتوجس :
" هل تغابيت و اعطيت امين جرعة تشجيع زائدة فذهب و ضرب عهد و انس ام ماذا ؟! "
اقترب بحذر ليجد مجموعة من الموظفين يحلقون فوق أحدهم يحاولون إسعافه أو بالأحرى اسعافها فأقترب اكثر محاولاً اختراق التجمع لتقول إحدى الموظفات بخوف فور أن رأته :
" سيد بكر .. انا لا اعلم ماذا حدث لها ! .. لقد كانت تمشي بهدوء و اتزان و فجأة سقطت مغشياً عليها دون أي مقدمات "
قطب بكر ثم نظر أرضا ً لتتسع عيناه بصدمه حينما وقعت عينه على جسد وصال الممدد ارضاً بلا حول ولا قوه "نهاية الفصل العاشر
أنت تقرأ
ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملة
Romanceرواية للجميلة الكاتبة هاجر حليم أرجو أن تستمتعوا بقراءتها.. حقوق الملكية محفوظة للكاتبة "هاجر حليم"