🌲الفصل الثالث🌲

980 20 0
                                    

الفصل الثالث :

وقفت امام مرآة الحمام الملحق بغرفتها .. فحسب ما علمت هي الآن تقيم في الغرفة السابقة الخاصة بإبن عمها الأكبر ذاك الذي يُدعى امين !
تذكرت جزاء تحيته الهادئه التي استقبلها بها و ابتسامته الوقورة التي لم تفارق وجهه للحظه .
لا تعلم لماذا لم تبغضه رغم أنها وضعت معظم من قابلتهم بالأمس في قائمتها السوداء ؟!!
هل لأنه الوحيد بعد جدها الذي أظهر لها ترحيب حقيقي بعودتها دون أي نظرات حذره أو فضوليه كالتي رمقها بها جميع أهل المنزل ؟!.. ام أن كلام امها حول زوجة السيد عبد الحميد التي كانت تحنو عليها عكس معظم سكان المنزل و عن ابنها الذي كان يتسلل دائما ً إلى غرفتها ليحملها ما زال يؤثر بها ؟! .. ام لأنه و بكل بساطة جسد لها امين بالأمس دون قصد الصورة التي تخيلتها دائما ً عن الاب و احتوائه حين رأت تعامله مع ابنه و الذي علمت أنها تكون خالته !
تلك الصورة التي كانت تؤرقها دائما ً و تبكيها في طفولتها حين كانت تشعر بالمعنى الحقيقي لكلمة اليُتم في كل مره ترى فيها اب يدلل صغاره بينما تقف هي بمفردها على قارعة الطريق لا تجد حتى من تستند عليه أو تختبئ خلفه !
أزاحت مشاعرها جانباً ثم تحركت و فتحت الخزانة لتجد أمامها مجموعة لا بأس بها من الملابس فمن الواضح أن جدها بعث من يجلب لها تلك الاثواب من قبل حتى أن تأتي نظراً لتلك القياسات المختلفة التي تراها أمامها .
ابتسمت بسخريه و هي تحدق في قوامها الهزيل الذي كان يظهر انعكاسه في المرآه المقابله لها و الذي سيتيح لها ارتداء اي ثوب لكن المشكلة الحقيقية تكمن في طول قامتها و الذي من الواضح أنه سيحصرها في اختيارات محدودة !!
بعد عدة دقائق كانت تنزل إلى الردهة لتجد مهرج ليلة الأمس في انتظارها ليبادرها بابتسامته المستفزة مثله :
" صباح الخير جارتي العزيزة .. لم نكمل تعارفنا الكريم بعد انا ...... "
" بكر "
جاء النداء من خلفه بصوت حاد مزعج ربطته ذاكرتها بتلك الفتاه اخت جاسم ليتأفف بكر متمتماً بغيظ :
" ليس وقتك يا عنزة المنزل "
بالكاد أخفت جزاء ضحكتها على نعته للفتاه بالعنزة فهي للتو كانت تفكر أنه اقرب وصف لصوتها لتقترب منهم رغده فيما تقول بنبرة محتده و قد ضايقها وقوف بكر مع تلك الفتاه الغريبة التي سقطت فوق رؤوسهم فجأه :
" جدي يبحث عنك كالعادة "
قالتها و هي تحشر جسدها بينهما محاولة ً اخفاء قامة جزاء خلفها بوقاحه ليلتقط بكر حركتها فيقول بتوبيخ جرئ :
" لا تحاولي يا رغده .. انها اطول منكِ بالكثير "
ثم نظر إلى جزاء التي كانت تراقب الموقف بتسليه ليغمزها فيما يكمل دون خجل :
" لا تستطيعين تهميش ( الصاروخ ) مهما حاولتِ "
حسناً من الواضح أن هذا هو الفرد العابث في هذه العائلة و من الواضح أيضاً أن هذه الفتاه مرتبطة به بعلاقة ٍ ما ..
سترى لاحقاً كيف ستستفيد من زوج الحمقى لكن أولا ً لتهتم بمسألة السيد جاسم الذي لم يخجل و طرق غرفتها ليلاً حتى يعطيها بقية أوراقها الثبوتيه ( المزيفة ) .
" هلا تحركتما قليلاً ! .. انتما تغلقان الطريق أمامي "
حاولت اصباغ جملتها بالبرود متجاهله تماماً نظرة الفتاه التي كانت تبدو أكثر من مستعدة لخنقها حتى تبعدها عن الاحمق الآخر الذي انحنى بطريقه استعراضيه فاتحاً لها الطريق مشيراً بذراعه بشكل ملوكي اثار جنون الأخرى لتتحرك من أمامها فيما يصلها صوته بنفس النبرة المستفزة مجيباً على شيء قالته الفتاه :
" و انتي توقفي عن التحرش بي "
دخلت الى غرفة الطعام ليصمت الجميع مره واحده فنقلت نظرها بينهم بتسليه ثم تحركت و سحبت اول كرسي قابلها لتجلس عليه فيبادرها الجد و الذي يبدو و كأنه الفرد الوحيد الذي تقبل عودتها :
" صباح الخير يا ابنتي .. هل نمتِ جيداً ؟! "
ابتسمت له بتكلف لتجيبه بهدوء :
" اجل .. شكراً لك ، الغرفة كانت أكثر من جيده "
ابتسم لها جدها بهدوء ليصدح صوت مديحه اخيراً فيما تقول بخبث :
" حظك جيد .. لقد اعد لك عمي غرفة امين القديمة فكما ترين المنزل كان مكتفي بساكنيه و لم نجد مكاناً آخر نضعك به "
" مديحه "
هتف بها الحاج صفوان محذرا ً فيما ينظر إليها بغضب واضح بينما تولت جزاء مهمة تعكير صباحها حين قالت ببرود و استهانه موجهه حديثها الى الجد فيما تلوح بكفها باستهانه :
" لا تكترث لها جدي "
كانت تشعر بنظرات مديحه المسلطة عليها لكنها لم تعرها اي انتباه و قد قررت انها ستصبح لتلك المرأة كالشوكة في الخاصرة ..
دخل بعد لحظات بكر تتبعه رغدة و جاسم الذي قرر البدء في مسرحيته إذ ابتسم لها قائلاً باهتمام واضح للأعين :
" صباح الخير يا جزاء .. كيف مرت ليلتك الاولى في بيت عائلتك ؟! "
نظرت اليه فوجدته كعادته واثقاً من نفسه حد الغباء و الغرور فبادلته الابتسامة بلمحة سخريه خفيه ثم اجابته بنبره محايدة :
" جيده .. كانت ليله جيده "
ابتسم لها ثم قال بعد لحظات مما جعل الجالسين حولهم ينظرون إليه معتقدين انه قد جن :
" ممتاز .. اه بالمناسبة إذا احتجتِ الى اي مستلزمات اخبريني "
ابتسمت له لكن قبل أن تجيب قاطعها صوت المهرج الذي علق ساخراً :
" سبحان مغير الاحوال "
نظر له جاسم بلا اهتمام ثم بدأ في تناول إفطاره ليصدح صوت مديحه من جديد و قد قررت القيام بهجماتها مبكراً فسألت جزاء بخبث :
" صحيح اخبرينا كيف كانت حياتك قبل أن يعثر عليكِ جاسم ؟! .. هل اكملتِ تعليمك ام ورثتِ عمل امك ؟! "
كاد جدها يثور غضباً لكنها وضعت كفها على يده مما فاجئه لكنها كانت حركة مدروسة منها فهي تريد أن تصبح اقرب حفيداته إليه فتحاول التقرب منه بهدوء و في نفس الوقت تريد أن ترد إهانة امها بنفسها لتنظر بعدها إلى تلك الشمطاء التي يبدو أنها ستكون شغلها الشاغل الفترة القادمة فتقول بهدوء جامد :
" و ما به عمل امي ؟! .. انا لا أرى به مشكلة ، عمل شريف مثل أي عمل "
أوشكت مديحة على التحدث مجدداً ليأتي صوت الجد قاطعاً :
" كفى "
لينهض بعدها موجهاً حديثه لجزاء برفق ناقض ذلك الغضب المرسوم فوق ملامحه :
" اتبعيني الى غرفة المكتب فور أن تنهين طعامك يا ابنتي "
اومأت له جزاء بهدوء لينظر الى مديحة التي انكمشت قليلاً في مكانها ثم قال :
" اما انتي يا ابنة اخي حسابي معك بعيداً عن الصغار "
تابعته مديحة بعينيها و ما أن اختفى عن الأنظار حتى هتفت بحده غير مبالية بإظهار عدائها لجزاء :
" لا تظنِ أن جلوسك على طاولة واحدة معنا سينسينا حقيقة مكانتك يا ابنة صباح "
أوشكت جزاء على تحجيمها لكنها صمتت بصدمه حين هتف معظم الجالسين حولها في نفس الوقت تقريبا ً بإسم المرأة حتى اختها البيولوجية كانت تنظر الى امها بغير رضا وحدها رغده التي كانت تنظر لها بشماته في البداية لتفاجئ مثلها فيما بعد بدفاع الجميع عنها !
نظرت لهم جزاء دون أن تخفي صدمتها خاصة ً حين هتف بكر بغضب ووقاحة موبخاً زوجة عمه دون اهتمام :
"و لا تظنِ انتي أن وجود جدي سيكون الحاجز الوحيد أمام كراهيتك لذا لا تحاولي التنمر عليها من جديد حتى لا تتسببِ لنفسك بالإحراج "
هدرت مديحة مجدداً و كأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ سنوات :
" هل تهددني يا بكر ؟! .. و من أجل من ؟! .. من أجل ابنة الخاطئة ! "
تعالت الشهقات بينما صمتت جزاء كلياً تنظر للأخرى بوجه جامد كالرخام دون أن يهزها ما قيل للحظه لتقول بعد لحظات وهي تنهض من مكانها بهدوء فيما بنبره بارده .. مخيفه :
" سأنهض لأرى جدي .. لا اعتقد ان جلوسي هنا اكثر من هذا سيكون أمراً جيداً "
نهضت مديحة هاتفه بعلو صوتها و قد استفزها برود الأخرى حد الجنون :
" هل تهدديني يا ابنة الـ........ "
اوقفها صوت عبد الحميد الذي ارتفع لأول مرة هاتفاً :
" مديحه .. لأخر مره احترمي نفسك و احترمي وجودنا و الا قسماً بالله لن يكون ابي الوحيد الذي سيقف لكِ "
و كأنها تعويذه ألقيت عليها إذ صمتت تماماً فهي تعلم جيداً نتيجة الوقوف أمام وجه السيد عبد الحميد الغاضب الذي يقابلها الان !
فهو رغم صمته الدائم و سلبيته الظاهرة بعد تخليه عن منصبه عقب مقتل زوجته إلا أنه له وجه اخر ما زال يحتفظ به و يظهره فقط حين يرغب بذلك كما الان و هي تعلم جيداً انها ليست نداً له على الاطلاق فآثرت الصمت و تركت المكان تضرب الأرض بقدميها غضباً في حين التفت عبد الحميد لتلك الفتاة التي يرى في نظراتها ما لا يطمئنه ثم قال مهادناً بصوت هادئ :
" و انتي يا ابنتي .. اجلسي و تناولي فطورك ، انتي لم تأكلي اي شيء الى الان "
نظرت له جزاء بصمت مطبق دون أن تفوتها نظرته الغير مطمئنه لها فابتسمت لها رغماً عنها فيما تتحرك هي الأخرى و تقول ببرود يناقض تماماً اشتعالها في هذه اللحظة الذي تخفيه بشق الأنفس :
" لقد شبعت .. سأذهب الى جدي "
تابع الجميع تحركها بضيق لتتمتم رغدة بحقد :
" بداية مبشرة للخير .. واضح أن هذه الفتاة ستكون وجه السعد على عائلتنا "
نظرة جاسم الناهره اخرستها بينما رد بكر كيدها قائلاً بدفاع :
" اسمها جزاء كما أنها فرد من هذه العائلة من قبلك إن كنتِ لا تعلمين "
" كفى يا بكر "
تمتم بها امين لأخيه الذي كان يواجه الجميع اليوم بتحفز لا يعلم له سبباً ليزفر بكر و يرمي ملعقته فوق المائدة ثم ينهض هو الآخر و يغادرهم .
..........................
" هل فقدت ِ عقلك ؟! ... كيف توافقين على هذا الهراء ؟! "
هتفت بها ناهد بجنون فور أن أعلنت عهد عن موافقتها على الزواج من أنس لتسألها عهد بهدوء ميت تردد ما اسمعها إياه أبيها :
" لماذا امي ؟! ... السيد انس رجل ناجح و من عائلة كبيرة و ليس به عيب "
كادت ناهد تشد شعرها فيما تهدر :
" و أمين ؟!! .. هل ستتركينه للغبيه وصال ؟! .. هل ستتركين كل هذا يضيع من بين يديكِ ؟! "
تنهدت عهد بتعب فأمها مصره على حصر رؤيتها لعلاقتها بأمين من منظور واحد لتهمس بعدها بصوت مرهق :
" امي انتي تعلمين جيداً انني خارج كل مخططاتك منذ البداية فلا تحمليني الان مسؤولية فشل مساعيكِ الخاصة "
تحركت ناهد ناحيتها تشد مرفقها لتواجهها فيما تقول بتحدي غاضب :
" انظري لي واخبريني انكِ لا تريدين امين "
دمعت عيناها بعجز لتبرق عينا ناهد بانتصار فيما تقول بتوبيخ :
" انتظري قليلا ً ايتها الحمقاء و كل شيء سيكون لكِ .. ملكك ، فقط لا تبالي بحديث ابيكِ و ضغطته .. ماذا يكون أنس هذا بجوار امين و مكانة أمين "
" ناهد "
فزعت ناهد من صوت زوجها الغاضب فهي لم تشعر بدخوله فالتفتت له بسرعه ليهدر هو :
" كم مره اخبرتك ان تتركِ عهد خارج خططك المثيرة للشفقة ؟! .. ابتعدي عنها يا ناهد و اترك ِ الفتاه تعيش حياتها مع من يقدرها و يحبها "
هدرت ناهد في المقابل تقابل نظرات زوجها الغاضبة بمثلها :
" و ما به امين ؟! .. سيحبها و سيقدرها و يجعلها فوق الجميع "
هتف إمام بحده مشيراً بسبابته :
" انا لن ازوج ابنتي زواج مصلحة ، الفتاة اقتربت من سن الثلاثين و لم تنشئ عائلتها الخاصة بعد بسببك و بسبب مخططاتك "
أوشكت ناهد على الهتاف مجدداً لكن صوت عهد الباكي اوقفها حين صرخت بانهيار :
" توقفا ... ارجوكما كفى .. كفى "
نظر إمام الى زوجته قائلاً بخفوت اخافها اكثر من هتافه :
" اتركينا بمفردنا "
أوشكت ناهد على الاعتراض و هي ترى هيئة ابنتها الباكيه لكن إمام ردد مجدداً بصرامة :
" الان يا ناهد "
خرجت تؤخر قدم و تقدم الأخرى بينما اقترب إمام من ابنته التي كانت شهقاتها تقتله في تلك اللحظة ليضمها إليه قائلاً بحنان فيما يربت على ظهرها :
" انتي تعلمين جيدا ً انني ابحث عن صالحك .. أليس كذلك ؟! "
اخفت عهد وجهها في صدره بينما تهز رأسها دون أن تتوقف عن البكاء ليربت هو على ظهرها من جديد قائلاً بشفقة :
" الحب من طرف واحد لا يؤذي الا صاحبه يا ابنتي .. انا اعلم انكِ تحبينه لكنه هائم في دنياه ، لا يشغله سوى عمله و ابنه .. امين لا يراكِ يا عهد "
بكت عهد اكثر فيما تفضي لأبيها بصوت يقطع نياط القلب :
" ساعدني يا ابي .. انا اريد ان اشفى منه ، انا تعبت .. و الله تعبت "
ضمها إمام اكثر يغمض عينيه بألم فيما يقول بوعد :
" ستشفين حبيبتي .. اقسم أن ابعد امك و سمومها عنكِ ، فقط ظلِ على موقفك و سترين "
" حاضر يا ابي .. حاضر لكن اسمح لي فقط بالعمل مؤقتاً هذه الفترة "
اوشك إمام على الرفض لكنها سبقته شارحه موقفها :
" انا اعتدت على العمل يا ابي .. لا استطيع الجلوس في المنزل بعد كل هذه السنوات "
" تعالي و اعملي معي انا .. انا أيضا ً بحاجتك "
ابتسمت له عهد فيما تمسح دموعها :
" و ماذا افهم انا في مجال الشاحنات يا ابي ؟! .. فقط اتركني لبعض الوقت ارتب اموري قبل أن مغادرة الشركة و بعدها اعدك أن أخرج امين من حياتي نهائيا ً "
ربت إمام على كتف ابنته مجدداً قائلاً بحنان و هو يمسح ما تبقى من دموعها :
" حسنا ً كما تريدين .. لكن ..... "
صمت قليلا ً فنظرت له عهد منتظره إياه أن يكمل حديثه ليزفر هو ثم يكمل بتأني :
" أنس و عائلته يرغبون في طلب يدك بشكل رسمي و انا سأذهب لأخبر جدك و عمك حتى نحدد موعد الزيارة "
اومأت له عهد بهدوء و كأنها تطلق على قلبها رصاصة الرحمة فقبل إمام جبهتها قائلاً بشفقة لا تنتهي :
" كل وجع في هذه الدنيا ينهيه مرور الوقت .. اعطي لنفسك فرصة واحدة و سترين أن أنس هو الأنسب لك ِ "
جلب اسم الآخر الدموع لعينيها مجدداً لكنها مسحتها بحزم يشبه حزم من يقابلها ثم قالت بعدها بصوت مرتعش :
" أخبرني فور أن تحددوا الموعد .. اريد ان انهي الأمر في اقرب وقت "
................................
" اقتربي يا جزاء .. لا تخافِ "
القاها الحاج صفوان بنبرته الوقورة عندما رأى توقف جزاء عند باب مكتبه للحظات و كأنها تناقش نفسها قبل حديثها معه لتدلف هي بثقه غريبه على فتاه في وضعها فيما تقول بابتسامه دبلوماسيه :
" انا لا اخافك يا جدي "
سطحياً قولها يبدو مطمئن لكنه لا يعلم لماذا يشعر انها تكيل كل جملها بمكيالين و كأنها قاصده إصابته بالحيرة فيما يخصها !
أشار لها فجلست تنتظر منه أن يبدأ استجوابه المتوقع ليسألها هو قد عاد الرفق الى نبرته :
" إذاً .. كيف استطعتِ الصمود كل تلك الأعوام بمفردك ؟! "
لا تهابه ..
هي لا تهابه مثل بقية أحفاده .. حتى احترامها له نابع من كونه رجل كبير في العمر و ليس لكونه جدها و انها من دمه !
رأى ذلك جلياً في عينيها التي كانت تقابله بتحدي و صمود غريب لتسأله هي في المقابل و إن كانت نبرتها تحمل بعض السخريه الدفينه :
" ماذا تعتقد انت ؟! "
وجهها الصلب حد الجمود أحيانا ً .. نظراتها الناقمة التي نقلت منها نحو الجميع جعلته يقر بضيق :
" كانت صعبه .. بل أكثر من صعبه "
اتسعت ابتسامتها الدبلوماسيه التي تستفزه فيما تجيب :
" على العكس .. لن انكر انها كانت تحمل الكثير من الصعوبات لكن كما يقولون في كل شر يكمن خير "
لم ينزل عينه من عليها و لم يعقب بشيء تاركاً لها مساحه حتى تفضي بمفردها و لم يخب ظنه حين أكملت بهدوء و اختصار و كأنها تتخير اي التفاصيل يستحق أن يعرفها و ايها لا :
" عانيت الفقر لا أنكر لكن الله وضع بعض الأشخاص في طريقي مما وفر علّي الكثير و الكثير مما كان يمكن أن اتعرض له "
" أكملت ِ تعليمك ؟! "
قطبت قليلاً لتقول بعد لحظات :
" لقد توفى الشيخ صالح الذي كان متكفلاً بمصاريف تعليمي عندما كنت في الفرقة الثانية من كلية التجارة و امي وقتها كان قد اشتد عليها المرض فللأسف لم استطع اكمال تعليمي وبحثت عن عمل حتى اتكفل بمصاريف علاج امي "
ترحم صفوان على روح امها ليسأل بعدها :
" و كيف انتهى بكِ الحال في ذلك المقهى ؟! "
ضحكت جزاء بسخريه فيما توضح :
" انت تعلم جيداً يا جدي أن ايجاد فرصة عمل هذه الأيام يتطلب اكثر من مجرد شهاده لم احصل عليها حتى ، امي توفيت من الفقر و انا لا املك لا مال يكفيني قوت يومي كما أن صاحب الغرفة اخرجني منها بعد أن توقفت عن دفع الإيجار لبضعة أشهر بعدها تعرفت على فتاه بسيطة عرضت علي أن تتحدث مع صاحبة المقهى الذي تعمل به عني وهكذا تم الأمر "
تنهد صفوان و قلبه ينغزه على حالها كما يدرك جيداً أن في جعبتها المزيد لكنه قال بحزم :
" اسمعي جيدا ً يا ابنتي هذه كانت حياتك السابقه و قد ولت و انتهت .. اليوم انتي ببيتك ، عدتِ إلى أهلك و عائلتك و سنبدأ معاً من جديد و لن تعاني من أي شيء بإذن الله لكن لي عندك طلبين "
نظرت له تنتظر بقية حديثه فتنهد و قال بغم :
" أولاً اباكِ .. انا اعلم جيدا ً انكِ ترينه شيطان قد دمر حياتك و حياة امك لكن صدقيني يا ابنتي مهما حدث ستظل حقيقه واحدة راسخة و هي أن اباكِ يحبك مثل اختيكِ بالضبط حاولي فقط التقرب منه و اعطيه فرصة أخرى ليتقرب هو الآخر منكِ ، صدقيني لقد بحث عنكِ كثيرا ً لكن امك اجادت اخفائك عن الجميع "
انتظر منها أي تعليق فلم تعقب بأي شيء على حديثه رغم أنها تدرك جيداً أنه يكذب فيما يخص بحث أبيها عنها و ان كان صادق فهو بحث عنها ليأخذها قهراً من امها و يحرق قلبها عليها .
ابتلعت أفكارها ثم سألت بعد لحظات مما أصابه بالإحباط :
" والأمر الثاني ! "
تعكرت ملامح وجهه قليلاً ليقول باختصار :
" زوجة اباكِ .. لا تأخذي هذرها على محمل الجد و انا من ناحيتي اضمن لك ِ أن ابعد لسانها الطويل عنكِ .. فقط حاولي تجنبها "
ابتسمت جزاء بهدوء ثم نهضت قائله ببساطه :
" لا تقلق يا جدي فكما قلت انت منذ لحظات انا هنا لأبدأ معكم من جديد "
استأذنت بعدها ليوقفها صوته حين قال مجدداً :
" انا لا أريد الضغط عليكِ الان لكن اعلمي أن لحديثنا بقيه "
اومأت دون أن تهتم لحديثه كثيراً و خرجت من المكتب متوجهه نحو غرفتها لتجد المهرج من جديد يقف أمام غرفتها كما يبدو و كأنه بانتظارها لكن لفت نظرها ملامحه التي كانت مختلفة في تلك اللحظة !
كانت صلبه و جاده ذكرتها بوجه أباه الآخر الذي ظهر أمام تلك الشمطاء مديحه ..
اقتربت منه فلمحت طبق يحتوي على بعض الشطائر مما جعل معدتها تعلن استسلامها فهي لم تأكل شيئاً منذ الامس حتى عشاء ليلة البارحة لم تقربه .
بادرها بجدية حين وقفت أمامه و كأنه يوجه طفل بينما يمد يده لها بطبق الشطائر :
" لا تتركِ طعامك مجدداً لأي سبب كان و تذكري دائماً انكِ صاحبة حق في هذا المنزل اكثر من اي شخص آخر "
فاجئها تصرفه !! .. حقاً يفاجئها هذا الشاب بتصرفاته !
فتارةً هو عابث غير مبالي ووقح و تارةً أخرى له وجه جاد مخيف كالذي حدث به زوجة أبيها في الأسفل و الآن ها هو يظهر لها وجه مهتم جعله يُحضر لها طعاماً بدلاً من الذي تركته !
اخذت منه الطبق فيما تشكره بهدوء و تنسحب لغرفتها ليوقفها صوته المهتز :
" لقد بحثت عنكِ دائما ً "
التفتت له ليكمل هو غير مبالياً بنظرتها الباردة التي لا يعلم لها سبباً :
" بحثت عنكِ في كل مكان على مر السنين دون أن أفقد الأمل للحظه "
تصدعت النظرة الباردة لأقل من ثانيه لتحل محلها أخرى مهتزة جعلته يشفق عليها ليقترب بعدها خطوه واحده متجنباً دخول غرفتها لتخرج بعدها الكلمات دون أن يفكر :
" أعواما ً كثيرة مرت لم انساكِ فيها .. لم اطوي صفحتك و لم اتخلى عنك ِ مثلما فعلوا "
كان يحاول أن يوصل لها الصورة الحقيقية من حياته بعيداً عن العبث و المزاح بينما كانت هي بعالم اخر ..
كانت تكتشف حقيقه اخرى صدمتها !
أن تدرك أن كان هناك من يبحث عنها دون أن يكون هدفه الطمع أو الربح من ورائها ..
أن تدرك أن كان هناك من كان يهتم بغيابها حقاً و لم ينبذها مثلما فعل جميع أهل هذا المنزل ..
أن تدرك حقيقة أنها كانت تحتل و لو جزءا ً صغيراً من حياة و اهتمام أحدهم جعلها تبدو و كأن عقلها و كيانها بالكامل يعاني من حالة هذيان !
فما بين حديثه و الذي ترى مدى صدقه محفوراً فوق صفحة وجهه و ما بين أكثر من عشرين عاما ً عاشتهم متوحدة .. ممتزجه مع فكرة نبذها و يتمها و هوانها على عائلتها كل هذا تركها متخبطة بين طيات أفكارها المتنافرة !
اجل متنافرة فهي ليست غبيه حتى لا تدرك أن جدها و أبناء عمومتها قد استفاضوا في البحث عنها في الفترة الأخيرة بالأخص فقط من أجل أن يريح جدها ضمير ابنه المريض و بالطبع من أجل ان يستولى جاسم على نصيبها ليزيد من أسهمه !
و كأنه في حوار مع أفكارها إذ عقب على اخر خاطر مر ببالها :
" انا لست مثلهم يا جزاء "
ليتركها بعدها و يرحل دون أن يضغط عليها بالمزيد و رغماً عنه يؤلمه منظرها الذي رآه لحظة دخولها للبيت !
كانت ترسم الشموخ و اللامبالاة رغم أن عينيها كانت تفضح جزع حاولت هي مداراته خلف برودها و ثقتها الكاملة بنفسها ..
هي لم تراه لكنه رآها منذ حطت قدمها من تلك السيارة برفقة جاسم لكنه حتى هذه اللحظة لا يعلم ما الذي جعله يجبن و يهرب من استقبالها رغم كل غضبه الذي لم يهدأ يوماً لأجلها .. رغم ضيقه و خزيه من عائلته و الذي استمر لأعوام و رغم أنه بحث عنها في كل فرصه إلا أنه حين جاءت لحظة اللقاء هرب تاركاً المنزل بعد أن رأى وجهها مباشرة ً !
خرج بكر من المنزل ثم وقف أمام سيارته ليتكئ عليها فيأتيه صوت امين من ورائه قائلاً بقلق :
" ماذا بك يا بكر؟! .. حالك غريب منذ بضعة أيام "
تنهد بخفوت ثم التفت لأخيه راسماً وجه المرح الذي بات يرهقه هذه الأيام فيما يجيب :
" ماذا بي ؟!! .. أقلق انت على نفسك يا مسكين "
" مسكين ! "
ضحك بكر فيما يهز رأسه مردداً من جديد قاصداً أن يغير دفة الحوار تماماً :
" اجل مسكين .. ألم تعلم أن مؤتمر النساء القومي سيقام الليلة هنا و انت ادرى بما سيحدث لك من عمتك و حماتك "
ابتسم امين ساخراً و عقله يعيد له تصرفات نساء عائلته التي لا تغفل على أحد و التي تجعله يهرب من المنزل برمته فور أن يجتمعن ثم قال بنبره مشفقة :
" سيجتمعن الليله أجل .. لكن لن اكون انا بطل حديثهن بل الوافدة الجديدة ، أكاد اشم رائحة الحريق الذي سيشب مساءاً من الان "
التمعت فجأه نظرات بكر بالغضب ليهتف بحده :
" من ستتعرض منهن لها لن احترم لها سناً ولا مقاما ً "
قطب امين مستغرباً من ردود فعل أخيه المتطرفة ليصيغ سؤاله بحذر واضح :
" هل ستقف لهن لأنك و كما يعلم الجميع لا تطيق أياً من نساء العائلة ام هناك أمرا ً اخر لا أعلمه ؟!! "
كتم بكر دواخله محاولاً قدر استطاعته الهرب من نظرات امين الثاقبة فيجيبه بعد لحظات بمراوغة :
" انا لا اطيق الظلم و انت تعلم هذا جيدا ً "
ضحك امين بخفه فيما يقول بسخرية :
" ظلم ؟! .. ما بك بت تتحدث كالأطفال ؟! "
لم يتجاوب بكر مع مزحة اخيه ليقول بعدها و هو يفتح باب سيارته مستعداً للرحيل :
" انت تعلم جيداً أننا جميعاً شاركنا في الظلم الذي وقع عليها .. حتى جدك الفاضل لم يبحث عنها بصدق الا حين وقع ابنه و شعر بدنو أجله ففعلها من أجله لا من أجلها "
" لكن انت بحثت دائما ً.. ام انك تعتقد انني غافل و لا اعلم سر اختفائك كل فتره ؟! "
توقف بكر للحظه ثم قال بغم :
" لقد ضاعت من كنت ابحث عنها .. و لن اجدها أبداً "
ليتحرك بعدها تاركاً امين لحيرته بينما يكمل هو حديثه الناقص فيما يضرب المقود مفرغاً غضبه :
" تلك التي وجدناها تكرهنا جميعاً .. ليست من بحثت عنها ابدا ً .. ليست هي "
من الناحية الأخرى ظل امين واقفاً مكانه يحدق بسيارة أخيه متعجباً من هجومه على الجميع بما فيهم نفسه !
هو يعلم جيداً أن بكر كان متعلقاً بها في صغره و يعلم أيضاً أن تلك الأوقات التي كان يختفي فيها و يصيب جده بالجنون كان يبحث فيها عن اي خيط يساعده في الوصول إليها لكن ما لا يفهمه هو سر هجومه على الجميع .. بل سر تمسكه بها منذ صغره !
امها هي من اخذتها و هربت بعد فضيحتها فماذا كانوا سيفعلون ؟!!
قاطع أفكاره وصول سيارة زوج عمته ليقترب مستقبلاً اياه مخفياّ تساؤله عن سبب مجيئه في الصباح الباكر بينما ابتسم له إمام بتحفظ فيما يقول :
" صباح الخير يا ولدي .. اين جدك ؟!! "
ابتسم امين في المقابل ليرد تحية زوج عمته ثم يجيب :
" في مكتبه يا عمي "
ثم استطرد دون أن يستطيع أن يكبح فضوله اكثر من ذلك:
" خير .. هل هناك مشكله ؟! "
تحرك إمام معه للداخل فيما يقول ممازحاً :
" و هل يجب أن يكون هناك مشكلة حتى ازور الحاج ؟! .. عامةً لا تقلق إن أريده في أمر خاص سيجلب الخير للجميع "
لم يخفى على امين تعمد زوج عمته بزج كلمة خاص وسط حديثه ليقصيه من الأمر فابتسم متفهماً رغبة الرجل في الحديث بخصوصيه ليتركه أمام غرفة المكتب ثم ذهب منادياً على وصال ليأخذها معه إلى الشركة كما العادة داعياً الله أن تصلح سيارتها في اقرب وقت.
.........................................
تجلس على حافة فراشها تنظر الى طبق الشطائر الموضوع أمامها و الذي لم تمسه و قد ذهبت شهيتها ادراج الرياح ليُطرق بعدها الباب فنهضت بتثاقل لتفتحه فتجد أمامها جاسم الذي حدق فيها بغموض دام للحظات قبل أن يقول بهدوء لا يخلو من نبرة الأمر :
" اريد التحدث معك قليلاً .. سأسبقك الى الحديقة ، و اسرعي لأنني ذاهب إلى الشركة "
ثم تحرك بعدها دون أن ينتظر منها الرد لتتنهد هي بثقل بعد أن ذهب لتعاهد نفسها أنه أول من ستتخلص منه فور أن يساعدها في خطتها .
" يا حظ من بات مظلوم و لا بات ظالم "
ازداد شعورها بالضيق فور أن تذكرت حديث الشيخ صالح مجدداً فحينما كانت تريد امها اقناعها بشيء كانت تأخذها له فيهذب هو طباعها و يحجم تمردها الناتج عن احتراقها بالظلم ..
" انتي لا تدرين شيئاً عن الدنيا بعد يا صبيه ، الزمن يلف و يدور و يرد لكل ظالم صفعته ، الظلم عمره قصير للغاية يا ابنتي .. لكن إن سولت لكِ نفسك يوماً قلب الأدوار و تحولتِ من مظلومه الى ظالمه فلا تلومي غير نفسك على عقاب الله تبارك وتعالى ، الظلم ظلمات يا جزاء .. الظلم ظلمات و نيران الغضب و. الانتقام لن تحرق سواكِ "
اغمضت عينيها بعنف و كأنها تصرف عنها روحه الطاهرة لتتنفس بعدها بعمق تشحن إرادتها فالأمر بالنسبة ِ لها انتهى .. لقد بدأت طريقها و ستكمله للنهاية .
بعد عدة دقائق نزلت الى الحديقة حيث ينتظرها ثم اقتربت منه دون أن تفوتها نظراته التي مازالت يكللها الغموض لتبادره هي بابتسامه حلوه فيما تقول بمزاح :
" هل اعجبك أدائي اليوم ؟! ... اعتقد بعد الغضب البارد الذي مثلته اليوم لن يشك أحد في انتمائي "
التوت شفتي جاسم بابتسامه غريبه لم تطمئنها ليقول بعدها :
" معك حق .. انا نفسي صدقتك لوهله "
عقبت هي بفكاهه زائفه تحمل بين طياتها الكثير من السخرية دون أن تفقد تركيزها على ردود أفعاله :
" لطالما كان التمثيل أحد أهم هواياتي "
اتسعت ابتسامته فتغيرت ملامحه ليسألها فيما يقترب منها بشكل مريب :
" و ماذا عن بقية الهوايات ؟!! .. اخبريني عن نفسك، اريد ان اعرف عنكِ كل شيء "
حدقت فيه بتحدي ثم قالت باختصار :
" ليس هناك الكثير في حياتي لتعرفه .. لم تكن حياه حافله على كل حال "
مازالت ابتسامته مرسومه باحتراف فيما يعقب :
" لكنها حياه .. مثلاً اين نشأتِ و كيف اهتممتِ بأمورك بعد موت والدتك ؟! .. اذكر انكِ قلتِ أنها توفيت عندما كنتِ انتي في عامك الثاني من الجامعة ! "
لماذا يحدثها بصفتها جزاء ؟!!
تطلعت جزاء تنظر الى ما ينظر إليه لتجد امين و وصال متابعين لحديثهما!
إذاً هذا هو سبب ابتسامته و قربه !!
لثانيه لمحت في عين وصال ضيق تحاول مداراته فابتسمت بانتصار خفي و قد علمت من اين ستبدأ ضربتها الاولى لها ..
ستكسر قلب ابنة مديحة كمهمه اولى بادعائها حب جاسم ثم ستلتفت بعدها إلى سبب عودتها الرئيسي لكنها بحاجه الى إيجاد شخص معين قبل كل شيء .. شخص اسمه ما زال منقوشاً في ذاكرتها و لن يُمحى أبداً ..
نوح !!
و حتى تجده هي بحاجة إلى مساعده من شخص موثوق لا تعلم كيف ستعثر عليه وسط عش الدبابير الذي تقيم فيه الآن !
" انتي بخير ؟! "
أعادها صوت جاسم لحاضرها بعد أن كانت تحدق في وجه وصال و امين بشكل مطول لتدارك نفسها فابتسمت لهما بتكلف ثم التفتت الى جاسم مجدداً فيما تقول بدلال :
" انت متسرع للغاية .. تريد أن تعرف الكثير عني و في فترة وجيزة ، لا تسبق الأحداث سنتعرف اكثر مع الوقت .. صدقني "
اومأ لها جاسم دون أن يبتعد عنها بل تمادى و مد يده يعيد خصله شارده من شعرها خلف اذنها فيما يقول هامساً بقصد :
" سنكمل حديثنا الممتع في وقت لاحق .. لقد تأخرت "
ليتحرك بعدها يحضر محفظته و هاتفه غير مبالياً بمن يقفون و يتابعون الموقف منذ بدايته .
اوشك امين على قول شيء لكن قاطعه صوت جده الضاحك و الذي كان يودع الحاج إمام فيما يقول مستبشراً :
" بارك للعروس حتى اراها "
ثم لاحظ وقفة امين و وصال التي كانت عيناها تنذر بالدموع فسأل دون أن يغادره الابتهاج :
" لما تقفان كأمناء الشرطة هكذا ؟!! .. و انتي ماذا بكِ ؟! "
لم ترد وصال و لم يعطيها هو فرصة للرد حين فجر قنبلته في وجهها و في وجه امين قائلاً بسعادة غامرة :
" انا لا اريد ان ارى احدكم عابس اليوم او غداً .. لأننا سنقابل عائلة "فخر" و قريباً جداً سنحتفل بخطبة عهد و انس ابنهم "
نظرت وصال الى امين بصدمه وودت لو تصفعه حتى يفيق قبل أن تضيع عهد من بين يده نهائيا ً ليواجها هو بنظرات جامده ذكرتها بنظراته يوم وفاة علياء .
" الف مبروك يا عمي "
لم يكن امين قائلها بل جاسم الذي خرج هو الآخر في تلك اللحظة ثم نظر بعدها ناحية جزاء التي كانت تقف بالقرب منهم فيما يقول :
" العقبى للجميع "
ثم تحرك بعدها مبتعداً يمسك بهاتفه متصلاً بصدقي الذي ما أن وصله صوته حتى أمره بقسوه :
" تلك الفتاه التي اسمها ندى .. اريدك ان تعرف لي ادق تفاصيل حياتها "
" سيدي لقد جلبت لك ملفها بالكامل ! "
ازداد انعقاد حاجبيه فيما يرد :
" ما بين السطور .. اريدك ان تجلب لي ما بين السطور، هذه الفتاة خلفها أمر ما و يجب أن أعرفه و في أسرع وقت "

نهاية الفصل الثالث

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن