🌲الفصل الثالث والعشرون🌲

577 15 0
                                    


الفصل الثالث والعشرون:

سكون ..
كل شيء حولها يسبح في سكون تام ..
حتى عقلها ساكن اكثر من اللازم !
أليس عليها أن تفكر مرارا فيما سيحدث فور عودتهما للمنزل ؟!
أليس من المفترض أن يخط خيالها آلاف السيناريوهات و يضع اكثر من نهاية هذه القصة ؟!!
أليس من المفترض أن تتوتر .. ان تقلق .. أو حتى تخاف ؟!!
إذا لما تشعر أنها نائمة في بئر عميق بعيدة كل البعد عما يحدث !
فتحت عينيها بهدوء تحدق في وجهه المسترخي الذي يبعد عنها بإنشات قليلة و ظلت تنظر إليه و كأنها تسأله عما ألم بها !
اليوم ستتخلص من آخر و أهم تبعات الماضي ..
ستتخلص من وصمة العار التي بُليت بها منذ صغرها و التصقت بأمها دون أي ذنب ..
اليوم سترفع رأسها عاليا وسط تلك العائلة التي رأتها دائما ناقصة ..
ابنة خاطئة .. لا تليق بأن تكون فردا منهم .
" هل تشردين في وجهي يا غزال ؟!! .. لكِ حق ، تزوجتي اكثر رجال العالم وسامة "
انتبهت له جزاء فابتسمت بهدوء ثم قالت بصوت خافت :
" كيف تشعر الآن ؟! .. هل اصبحت افضل ؟! "
مال بكر يقبل شفتيها بحنان ثم رفع رأسه و قبل أنفها بمشاغبة ليتبعها بقبلة أخرى دافئة لجبينها ثم همس بخفوت :
" حاليا .. انا افضل من اي وقت سابق "
تنهدت جزاء ثم سألته بقلق :
" هل يؤلمك ذراعك ؟! "
قرص وجنتها بخفة ثم ابتعد عنها ونهض مجيبا :
" قليلا .. لكن لا تقلقِ "
اومأت دون رد لتأتيها نبرته عابثة بعد عدة لحظات و إن كانت تظن انه يتصنع المرح من أجلها :
" أتعلمين ما الذي يؤلمني بحق .. أن ابن الـ.... ذاك مختفي منذ بداية الخليقة و لم يحلو له الظهور الا وسط شهر عسلي ، بت اشعر ان هناك من نظر لنا في زيجتنا يا زوزو "
ضحكت بخفة دون تعقيب و جلست على الفراش بصمت مطبق فاقترب منها بكر ثم امسك بوجهها بين يديه قائلا بيقين :
" سيكون كل شيء على ما يرام ... اعدك "
تلونت نظراتها بالقلق فاستطرد بقوله الواثق :
" أنتِ لستِ بمفردك .. سيقف خلفك ثلاثة رجال يسدون عين الشمس و اذا اراد الاخ جاسم الانضمام إلينا مرة قبل وفاته لن امانع و بهذا لن يجرؤ أحد على المساس بكِ .. جميعنا حولك حبيبتي ، أتركِ الرعب لأهله "
رفعت له جزاء عينين خائفتين ثم سألته بآخر ما أتى بباله :
" هل تظن أن امي قد تسامحني على ما فعلته سابقا ؟! "
جلس بكر جوارها ثم ابعد خصلاتها الثائرة عن وجهها مجيبا إياها بأقصى ما يملك من هدوء :
" أنتِ لم تخطئِ بشيء يا جزاء .. أجل انحرفتِ قليلا عن الطريق الصحيح لكن في كل مرة كنت أرى ضميرك ينبض حيا في عينيكِ .. كنتِ تنظرين بأسى ، بذنب و ضيق ، انا متأكد أن كل خطأ وقعتِ فيه جلدك عليه ضميرك الف مرة "
اغتم وجهها فأكمل هو مداعبا وجهها بلمساته الحانية :
" انا رأيت بنفسي دموعك الحبيسة يوم سقط اباكِ و اتهمتك فيه زوجته ، رأيت وجعك الصادق على جدك بعد أن امرضه إحتمال خسارته للمزرعة تلك المزرعة التي أصبحت ِ سبب اساسي في استعادتها ، كما رأيت ألمك على وصال و استعدادك التام لمساعدتها دون لحظة تردد أو تفكير "
دمعت عينا جزاء بينما ينهي بكر حديثه قائلا :
" لقد وفيت كل ديونك يا جزاء و انا متأكد أن امك كانت لتكون فخورة لما أصبحت ِ عليه .. أنتِ لستِ سيئة على الاطلاق ، أنتِ فقط ..... ماذا اقول ! .. لم تعتادي على إظهار مشاعرك للعلن لكنها تغافلك و تظهر في المواقف "
اقتربت جزاء منه ببطء ثم عانقته تستمد منه بعض القوة التي ستحتاج إليها اليوم بالتأكيد ولم يبخل هو عليها كعادته و منحها كل الدعم الذي يقدر عليه لكن طبعه المشاغب تغلب عليه فقال فجأة بجدية مفتعلة و هو يبتعد عنها :
" تبا لقد نسيت .. نحن لم ننهي كل الأمور العالقة ، بقى دين اخير "
نظرت له بتساؤل فأكمل بنفس النبرة :
" لدينا ليلة ضُربت .. هذا دين كبير ان كنتِ لا تعلمين و يجب أن نوفيه في أسرع وقت ، يُستحسن الآن "
قالها و هو يقترب منها فابتعدت عنه فيما تقول بغيظ :
" انت حقا اكثر شخص مستفز و مريب قد يقابله المرء في حياته .. تلف و تدور ثم تعود لطبع الوقاحة حتى في أكثر المواقف جدية ... ثم أخبرني الا تتعب ؟! "
اتسعت عينا بكر بجزع مضحك ثم فرد كفه أمام وجهها عدة مرات هاتفا :
" لا اله الا الله .. ماذا بكِ يا ابنة الناس ؟! .. هل تحسدينني هكذا عيني عينك ؟!! .. ستدمرين امجادي بعينك الصفراء هذه و انا مازلت عريس لم انهي شهر العسل حتى "
لوت جزاء شفتيها بسخرية ثم جارته في تصنع المرح قائلة :
" لا انهيته يا حبيبي .. اليوم انتهى شهر العسل الذي تغني لي أغنيته منذ أكثر من أسبوع "
كتف لها بكر ذراعيه و رد ببؤس :
" ها انتِ قلتيها بنفسك .. اكثر من اسبوع بقليل ، لا يزال أمامنا الكثير على نهاية الشهر .. و الله حرام ما يحدث معي هذا "
تكلمت جزاء بجدية مفاجئة :
" أتعرف .. انا لا اريد العودة إلى العاصمة ، ليتنا ننتقل و نعيش هنا بعيدا عن الصخب و الزحام "
نظر لها بكر مفكرا ثم قال بعدها آسفا :
" صعب .. يجب أن أكون قريبا من العمل "
هزت جزاء رأسها بتفهم لكنه استطرد بعد لحظات :
" لكن سأبحث عن حل .. اعدك "
ابتسمت له بخفة ثم اقتربت منه تلف ذراعيها حوله فيما تقول بشقاوة محببة :
" هل اخبرتك من قبل انني أحبك ؟! "
فيضمها بكر الى جسده و يقبل رأسها :
" قلتِ .. لكني لا امانع ترديدك لها طوال الوقت ، احب سماعها "
" احبك .. احبك .. احبك .. احبك "
ظلت ترددها له بلا توقف فمال عليها فجأة و حملها من خصرها ليضعها بعدها على كتفه السليم فتضحك هي و تسأله باستمتاع :
" ماذا تفعل ؟!! "
" لدي مهمة أخيرة عليّ إنجازها قبل العودة إلى بيت الزواحف "
.............................
نفس الجلسة الصباحية المعتادة في المنزل لكن هذه المرة هناك شيء مختلف في الأجواء .. شيء سوداوي !
هكذا فكرت وصال و هي تتطلع بفضول الى من يجلسون على نفس المائدة بأجسادهم فقط بينما عقل كل واحد فيهم يسبح في أفقه الخاص ..
جدها صامت لم ينطق بحرف منذ استيقاظه و حتى طعامه لم يمسه بعد !
أما عمها فيجلس بنفس الهدوء المعتاد و إن كانت عيناه تحوم بقلق حول والده كل دقيقتين ..
حتى جاسم و امين لم يتشاحنا كالمعتاد و لو بنظرة واحدة !
صمت مطبق يحل على الجميع و كأنهم يشعرون مثلها أن شيئا ما حدث مع جدهم لهذا يلتزمون الصمت الحذر .
نظرت وصال الى امها تسألها بعينيها عما يحدث فهزت لها كتفيها بجهل تام ثم نظرت الى رغدة فبادلتها الاخرى النظر بعدم فهم لما يحدث فتنحنحت هي و سألت عمها بصوت حذر :
" عماه .. ألم يخبرك بكر متى سيعودان بالضبط ؟! "
اخيرا ظهر الاهتمام على وجه جدها فيما يجببها عبد الحميد :
" سيصلا بعد الظهر بإذن الله "
اومأت وصال بتفهم ثم عادت باهتمامها الى جدها تسأله بشكل مباشر :
" هل انت بخير يا جدي ؟! .. لما لا تأكل ؟! "
حدق فيها صفوان للحظات طويلة فدققت النظر في ملامح وجهه التي يغطيها الإرهاق بعينيه المجهدتين و كأنه لم يحظى بدقيقة نوم و ارتعاش يده الممسكة بالعكاز ليكمل صوته المكتوم تلك الصورة الواهنة التي جعلت الكل ينظر إليه بقلق :
" لست جائع لكني بخير و الحمد لله "
نظرت له وصال بقلق ممزوج باستغراب من تلك النظرة التي يرمقها بها !
هل حدث شيء يخصها وهي لا تعلم ؟!
لماذا ينظر لها هكذا و كأنه .... يأسف لحالها ؟؟!
هل هناك جديد ما يخص مرضها و هي لا تدري عنه شيئا ؟!
هل حدثه ادم عن شيء لا تعلمه هي ؟!!
اللعنة ما هذه الدوامة !
" جاسم تعال اريدك "
قاطع جدها أفكارها المتلاطمة فنظرت في إثرهما بفضول قلق ثم سألت مرة واحدة :
" ما الذي يحدث بالضبط ؟!! .. ما هذا الحال الذي أصبح عليه جدي ؟! "
وافقها امين بالقول :
" فعلا .. حاله يبدو غريبا "
هزت رغدة كتفيها بعدم فهم فيما تقول بتخمين :
" لقد كان بخير البارحة .. يبدو أنه رأى كابوسا جعله يستيقظ بهذا الحال "
تدخلت مديحة تسأل بفضول عارم :
" ترى ماذا يريد من جاسم ؟!! "
ألقى عبد الحميد نظرة مزدرية نحوها ثم وجه كلامه الى امين و رغدة :
" اتركوه سيصبح بخير بعد قليل و الان هيا انت لعملك و أنتِ الى جامعتك "
نهض كلا منهما بينما نظر هو إلى وصال سائلا برفق :
" هل ستذهبين الى العمل اليوم ؟!! "
هزت وصال رأسها نفيا فيما تجيب بحنق :
" لا .. لقد أصدر السيد جاسم قرار قاطع بعدم ذهابي إلى الشركة من جديد فقط لأنني شعرت ببعض الدوار "
هز عبد الحميد رأسه متفهما و عاد لصمته من جديد حتى عاد جاسم الذي أعلن أن جده قد عاد إلى غرفته ليستريح قليلا ثم نظر إلى وصال و قال :
" استعدي سنذهب معا إلى الشركة "
نظرت له وصال بتعجب بينما هتفت مديحة :
" اي شركة و اي هراء ؟! .. ابتعد عنها و اتركها ترتاح "
نظرت وصال الى امها بحنق بسبب اسلوبها الهجومي الذي لا تفهم له سبب بينما تجاهلها جاسم تماما و استطرد بصبر يُحسد عليه :
" ستأتين معي لكن لا عمل اليوم .. مفهوم ! "
اتسعت عينا وصال بسعادة لكنها شاكسته قائلة بحنق مفتعل :
" و لما سأذهب اذا كنت لن أعمل ؟! "
هز جاسم كتفيه بلا مبالاة و اجاب ببساطة :
" اعتبريها نزهة .. و الآن هيا حتى لا نتأخر "
نهضت وصال بحماس حاولت إخفاءه فيما تقول بتبرم :
" نزهة في الشركة ! ... و نعم النزهات "
انتظرت مديحة حتى اختفت وصال ثم هتفت بعصبية :
" هل تريد قتلها ؟!! .. اي شركة و أي جنون ! ... قلت لك ألف مرة ابتعد عن ابنتي نهائيا .. ألا تفهم ؟! "
قبل أن يرد عليها جاسم بشيء ظهر صوت عبد الحميد قاصفا و كأنه كان ينتظر اللحظة التي سينفجر فيها بوجهها :
" اخرسي .. و إياك أن ترفعي صوتك من جديد "
اتسعت عينا جاسم بصدمة لا تقل عن صدمة مديحة التي نظرت لعبد الحميد بذهول دام لعدة لحظات من تلك الإهانة الصريحة ثم قالت بعدها بصوت متوتر .. مُحرج :
" انت كيف تتحدث معي هكذا ؟! "
ألقى لها عبد الحميد نظرة سوداء ثم قال من بين أسنانه :
" انا لم اقل شيئا بعد .. احمدي ربك انني اضع صلة قرابتنا البائسة بعين الاعتبار و إلا و الله كان ليكون لي معك تصرف آخر "
لينهض بعدها و ينصرف من المنزل تحت أنظار جاسم المستغربة من احوال الجميع اليوم بدئاً من جده الذي طلب منه إبقاء وصال خارج المنزل لأطول فترة ممكنة دون إبداء أسباب و وصولا إلى عمه الذي يراه لأول مرة غاضبا بهذا الشكل !
ترى ما الذي حدث و قلب أحوال الجميع ؟!!
................................
بعد عدة دقائق في سيارة جاسم كانت وصال تجلس شاردة مما أثار انتباهه لكن قبل أن يسألها بادرت هي وسألته بتوجس و فضول :
" ماذا أراد منك جدي ؟! .. لماذا طلبك ؟! "
هز جاسم كتفيه بلا مبالاة ثم أجابها بتمهل :
" لا شيء .. كان يسألني عن شيء خاص بالعمل "
اعتدلت له وصال في جلستها ثم عقبت بسخرية ذات مغزى :
" آه .. شيء له علاقة بالعمل ، ألهذا غيرت رأيك فورا بشأن خروجي من المنزل بعد أن كنت رافض الأمر رفضا قاطعا ! "
ابتسم جاسم رغما عنه ثم نظر لها و قال غامزا :
" وصال .. ماذا تريدين ؟!! "
كتفت وصال ذراعيها بطفولية مضحكة ثم قالت بصراحة :
" اريد ان اعرف ماذا يحدث اليوم و لماذا يرسلني جدي من المنزل معك كالنعجة ؟!! "
ضحك جاسم بخفة ثم علق :
" لا حول و لا قوة إلا بالله .. ألم تتحمسي وتركضي حين طلبت منكِ أن تأتي معي ؟! .. ثم هل توجد نعجة بكل هذا الجمال ؟! "
يتعمد احراجها ..
إنه يفعل ذلك بتعمد حتى يلهي عقلها عن التفكير ..
لكن لا.. لن تنطلي عليها تلك الخدع الـ.... لذيذة ..
لذيذة !
احترمي نفسك يا وصال و كُفي عن البلاهة و الحمق ..
إنه تلاعب بك يا حمقاء و أنتِ بكل غباء تستجيبين له !
حمقاء ..
" من الحمقاء ؟!! "
انتبهت له وصال تنظر بجزع مضحك فرفع جاسم حاجبيه باستغراب و قال موضحا :
" لقد شردتِ و قلتِ حمقاء .. من ؟! "
تنحنحت وصال ثم لوحت بكفها فيما تقول :
" لا شيء .. انسى الأمر "
كتم جاسم ضحكة سعادة تهدد بالانفلات منه و هو يلاحظ أنها بدأت تعود لسابق عهدها من الشقاوة و الحمق الممتزج ببراءة غير معقولة ..
لقد نفضت أخيرا دور الاكتئاب عنها و بدأت تعود لطبيعتها المنطلقة التي اشتاق اليها حد الموت ..
امسك جاسم بكفها المجاور له فجأة ثم ناداها بخفوت :
" سندريلا "
" أترك يدي "
قالتها وصال بحزم مضحك لا يتناسب إطلاقا مع احمرار خديها فشدد هو على كفها قائلا :
" مستحيل .. لقد أمسكت بها بصعوبة و لن اتركها ابدا "
أرادت وصال أن تسحبها منه لكنه فاجئها من جديد حين سألها على حين غفلة :
" هل اخترتِ يوما لعقد القران ؟!! "
اعتلت إبتسامة مرة شفتيها لم تحاول إخفائها عنه ..
فهي لم تنجح !
في كل مرة حاولت فيها تخطي أزمتها لم تنجح ..
لهذا لا ضير من مصارحته بما يدور في عقلها عله يساعدها او يُفهمها او حتى توضح له هي ما هو مقبل عليه :
" ماذا تريد أن تتزوج بي يا جاسم ؟!! "
القتها هكذا دون سابق إنذار فقطب بعدم فهم ثم تمتم :
" عفوا لم افهم .. ماذا تقصدين بماذا ؟!!! "
تنهدت وصال بعمق ثم اغمضت عينيها و وضعت أمامه حقيقتها التي يتجاهلها هو عن عمد :
" اقصد ماذا تنتظر مني ؟! .. انا لم أعد املك ما اقدمه لك ، لما كل هذا التمسك لا افهم ؟! .. انت مؤكد بت تعلم أنني أصبحت ناقصة بشكل ما ، و قد لا استطيع ان انجب أبدا .. كما أن علاجي اضعف مناعتي للغاية ، نسمة هواء زائدة قد تتكفل بإبقائي في الفراش لعدة أيام ، ماذا ستتزوج بي بحق الله ؟! .. ولا ترفع لي شعارات الحب من فضلك ، أنا لست صغيرة و اعلم جيدا أن الحب لا يكفي لإنشاء حياة مستقرة "
تركها جاسم تلقي ما بجعبتها ثم تكلم بعد لحظات منتقيا كلماته بعناية شديدة :
" رغم أننا تحدثنا في هذا الأمر أكثر من مرة لكن لا مشكلة لنجعل هذه المرة الأخيرة في الخوض في هذا الموضوع لكن أولا وقبل كل شيء انا لا اسمح لكِ ابدا بنعت نفسك بالناقصة .. أنتِ تكادِ تكونين افضل شخصية قابلتها و انا لا اقول ذلك لأنني احبك أو لأرضيكِ لكني تعرضت بشكل ما لتجربة جعلتني أعيد النظر في كل ما يحيط بي .. بت ارى الأمور من منظور آخر أكثر عمقا لهذا اول شيء فعلته بعد أن استفقت من تلك الغيبوبة الإجبارية التي أغرقت فيها نفسي لسنوات طويلة هو أنني ركضت اليكِ و صارحتك بمشاعري ، وصال قد لا تصدقين الأمر لكنك بشكل ما اعدتِ هيكلة تفكيري بالكامل "
نظرت له وصال بعدم فهم فأكمل هو متنهدا :
" لولا شجاعتك و اعترافك بمشاعرك لم اكن لأترك المنزل و لم اكن سأفهم و اقدر أهمية ما كان بيدي .. لولاكِ يا صغيرة لم اكن سأعرف الفرق بين الذهب و التراب "
تمتمت وصال :
" لا افهم "
رفع جاسم كفها و قبله بدفء ثم قال :
" لا يهم .. ما اريدك ان تفهميه هو أنه لولاكِ أنتِ لم اكن سأتصالح مع نفسي أبدا لهذا لا شيء في هذه الدنيا كلها قد يعادل وجودك حولي ، أنتِ جعلتني احب نفسي و اتقبلها كما هي فماذا قد اريد اكثر من هذا ؟! "
نظر لها جاسم فوجد عدم الاقتناع لا يزال يعكر نظراتها فقال من جديد دون يأس :
" اما عن مرضك فأختك ستعود اليوم و بعدها ستتبرع لكِ و ينتهي الأمر و اذا لم ينتهي لا قدر الله لا مشكلة سنحاول معا من جديد "
حين وجدها على حالها رمى جاسم رميته الأخيرة سائلا بنبرة حادة :
" بحق الله يا وصال .. لو كنت أنا من مرضت هل كنتِ ستتركين يدي من اجل اطفال في علم الغيب أو كل هذا الهراء الذي تفوهت به ؟! .. اجيبي .. انا اريد رد الان "
همست وصال بصدق :
" كنت سأفديك بنفسي إذا تطلب الأمر يا جاسم"
ألجمته إجابتها بحرارتها للحظات ثم قال بعدها بصوت متأثر :
" و لا تتوقعي مني أقل من هذا يا قلب جاسم "
صمتت وصال ثم مسحت دمعة هربت منها و رآها هو فقال بحزم :
" من اليوم لن نفتح هذا الموضوع من جديد ، لا مزيد من الدراما .. لنرمي كل شيء وراء ظهرنا و نعيش سويا اليوم بيومه و سنبدأ من الآن "
أنهى كلامه و هو يزيد من سرعته فضحكت وصال بخفة ثم شاكسته :
" جاسم "
" امرك "
" اريد بيتزا على العشاء "
ضحك ثم قال بصدر رحب :
" كما تشائين "
" جاسم "
" ماذاااا ؟!! "
" اريدها بالجبنة فقط "
هز لها رأسه بطاعة :
" تحت امرك يا مدللة "
" جاسم "
" همممممم "
" انا أحبك جدا "
هل توقف قلبه عن الخفقان للتو ؟!!
توقف عقله للحظة كانت كفيلة لتعريض حياتهما للخطر فصرخت وصال تحذره برعب حين اوشكا على الاصطدام بسيارة أخرى لكن جاسم تدارك الأمر بسرعة قياسية مثيرة للاعجاب ثم صف السيارة عند أول فرصة و التفت لها قائلا بقلق عارم :
" هل أنتِ بخير ؟! .. لا تخافي لقد مر الأمر الحمد لله "
دمعت عيناها بخوف فسحبها جاسم الى صدره مربتا على رأسها فيما يقول باعتذار :
" انا آسف حبيبتي .. اهدأي "
زفرت وصال ثم سألته هي الأخرى :
" هل انت بخير ؟! .. هل شردت ام ماذا ؟! "
رغما عنه غافلته ضحكة خافتة ثم قال معترفا :
" انه تأثير اعترافك المفاجئ "
اتسعت عينا وصال بصدمة ثم قالت ببراءة قاتلة :
" انا آسفة لم اقصد "
ضحك جاسم من جديد ثم ضمها لصدره مرة أخرى فيما يقول بخفوت :
" لا عليكِ حبيبتي .. فقط لا ترميها في وجهي هكذا المرة القادمة .. هل خفتِ كثيرا ؟!! "
اومأت ببطء فقبل جاسم رأسها معتذرا من جديد ثم تنحنح قائلا بهدوء مخالف تماما لما يشعر به الان :
" لقد تأخرنا بما يكفي .. آه بالمناسبة لقد نقلت مكتبك الى مكتبي حتى تبقين تحت عيني "
اتسعت عيناها بمفاجأة لكنها لم تنطق بحرف آخر حتى تضمن وصولهما سالمين ليعيد هو تشغيل السيارة فيما يقول :
" على فكرة .. انا ايضا احبك جداااااا "
اومأت له وصال بصمت تخبره بعينيها أن رسالته قد وصلت فلم يتمالك نفسه هذه المرة و ضحك بعلو صوته على تلك المجنونة التي بُلي بها
و ما أجملها من بلوة !
.............................
أهذه النهاية ؟!!
أتخطو الان حقا نحو امنيتها و هدفها الذي تشعر أحيانا انها خُلقت فقط من اجل ان تصل إليه ؟!!
ليت أمها كانت على قيد الحياة لتشهد معها تلك اللحظات !
ليتها كانت هنا لترى بنفسها عودة حقها المسلوب ..
شرفها الذي اُريق على يد من لا يعرفون معنى الشرف ..
بل ليتها هنا ..
تقف خلفها ، تؤازرها ... تطمئن قلبها الذي يرتج بين ضلوعها ترقبا و قلقا مما هو آت !
استغفرت جزاء ربها بخفوت شديد ثم نظرت إلى السماء و همست بخفوت شديد :
" اقتربنا يا أماه "
نظر إليها بكر لكنه التزم الصمت تماما تاركا لها مساحة الهدوء التي ترغب بها ..
قلبه كعادته يشاطرها ما تشعر به ..
هي الآن قلقة ، مترقبة و خائفة !
عالقة ما بين رغبتها في الطيران الى هناك حتى تبرئ سمعة امها و ما بين خوفها مما ستسمعه !
عالقة ما بين شعورها بقرب انتصارها و بين قلقها من الثمن الذي قد تضطر لدفعه ..
الثمن الذي يتمثل في اسم واحد ..
وصال .. اختها التي عثرت عليها بعد عناء !
يعرف جيدا انها مرتعبة من خسارتها بعد أن توصلت معها إلى نقطة التقاء ..
أما عنه هو ..
فهو الآخر لا يستطيع وضع أي توقعات لما هما مقبلين عليه !
إنه نصرها الكبير .. أو خيبة أملها الكبرى ..
قد يدعمها جده .. و قد يختار صف ابنته !
و إن فعلها لا يدري ماذا قد يفعل هو وقتها ؟!!
فهذا ثأرها الذي عادت من أجله .... و ثأره هو الآخر !
ثأره ممن حرموه منها لأكثر من عشرين عاما ..
حرموه من أن يرى اول خطواتها ..
من أن يسمع اول كلماتها ..
من أن يراها تكبر أمامه فيحميها و يحاوطها برعايته !
حين وصلا إلى المنزل سألها بكر كاسرا حاجز الصمت بينهما :
" هل أنتِ جاهزة ؟!! "
اومأت له جزاء دون رد فأمسك بكفها و صف السيارة لينزلا بعدها فلاحظا بضعة سيارات مصفوفة الى جوار المنزل ..
تشبثت جزاء بكفه تستمد منه دعمها و هما يخطوان الى المنزل ليجدا الجميع في انتظارهما ما عدا وصال و جاسم و رغدة !
" حمدا لله على السلامة يا عريس .. كيف كانت الرحلة ؟!! "
كان هذا صوت ادم المهلل الذي نهض و عانق صاحبه فبادله بكر العناق بصمت مما زاد من توجس الآخر الذي يكاد يعد الدقائق ليفهم لماذا ارسل الجد في طلبهم بهذه الطريقة منذ الصباح !
ألقت جزاء نظرة على الوجوه أمامها فأدركت بذكائها أن لا أحد يعرف بعد ما عادا لأجله ..
فعمتها المصونة تنظر لها باستعلاء كعادتها و زوجة أبيها لم تنظر ناحيتها من الأساس !
" ادم .. امين ، اصعدا و احضرا حامد "
ألقى الجد أوامره فنظر الجميع لبعضهم بتعجب فحامد لا يشاركهم الجلسة في العادة !
" هل كل شيء على ما يرام يا ابي ؟! .. تبدو غريبا منذ أتينا "
سألته ناهد حين استشعرت توتر الأجواء فلم يعيرها صفوان انتباها بينما جلس بكر دون أن يتخلى عن امساكه بجزاء التي بلغ توترها أوجه ..
بعد دقائق كان ادم و امين قد جلبا حامد الذي نظر إلى جزاء فأبعدت هي عيناها عنه ليدوي صوت صفوان قائلا :
" بما أن الجميع هنا .. لدينا ضيف ، بعضكم يعرفه حق المعرفة و البعض الاخر لا "
" ما الذي يحدث بالضبط يا ابي ؟! .. ما كل هذا الغموض ؟!! "
سألته ناهد بتوتر خاصة و أن مديحة لا تبدو على طبيعتها هي الأخرى
" انتظري و ستعرفين "
قالها صفوان بهدوء تام ثم نظر إلى عبد الحميد و أشار له فنهض عبد الحميد و خرج ثم عاد بصحبة ..... نوح !
نهضت مديحة مجفلة تنظر الى زوجها بقلق و رعب بعد أن أصدر زمجرة غاضبة بينما ظلت ناهد على جلستها و إن كان وجهها قد شحب قليلا ..
إذا هذا هو الحقير الذي افترى على امها ووصمها بالعار !
نظرت اليه جزاء بشر و همت بالنهوض لكن بكر لف ذراعه حول خصرها يسحبها إليه فيما يهمس بخفوت :
" اياكِ .. ليس الآن "
تبادلا النظرات المتحفزة فهي كانت على أتم استعداد لقتل هذا الحقير و هو كان على أتم الاستعداد للوقوف بوجهها من أجل حمايتها و استرداد حقها المهدور ..
تكلم إمام لأول مرة منذ بداية الجلسة سائلا بتعجب :
" ماذا يفعل هذا الرجل هنا يا حاج ؟!! "
" هل تعرفه يا بني ؟!! "
سأله صفوان مستغربا فكل ما حدث لم يشهده إمام لتأتي إجابة الأخير مفسرة :
" أجل .. لقد رأيته مرة طالبا صدقة و ناهد أعطته ما به النصيب "
اومئ صفوان بسخرية واضحة ثم قال بعدها بصوت قوي :
" أخبرني ما لديك .. و قسما بالله إن شعرت للحظة انك تكذب في حرف لن تخرج من هنا حيا "
" ماذا تريد أن تعرف يا حاج صفوان ؟!! "
نظر له صفوان بازدراء دون يساوره أي شعور بالشفقة على هيئته المزرية التي يقف بها أمامه ..
فعلى حسب ما أخبره عبد الحميد هذا الرجل ابتلاه الله بفشل كلوي و بات لا يقوى على الوقوف دون علاج !
" أخبرني بكل ما يخص تلك الليلة "
ابتلعت ناهد ريقها بتوتر شديد بينما بكت مديحة بصوت مكتوم ليتكلم نوح أخيرا بصوت واهن :
" بدأ الأمر حين رغبت بها و رفضتني ، كنت مستعد اتزوجها لو أرادت لكنها نهرتني و لم توافق أبدا فكرهتها و امتزجت رغبتي بها برغبة اقوى في الانتقام منها .. بعدها حدث ما حدث و قمتم بتزويجها من الباشا الصغير و أنجبت منه .. و بعد أن كانت ضعيفة و مسألة الحصول عليها مسألة وقت أصبح مجرد النظر إليها مهمة مستحيلة لهذا عندما عرضت عليّ السيدة ناهد عرضها وافقت على الفور فهي من البداية كان يجب أن تكون لي كما أنني سأحصل على مبلغ لا يُستهان به .. كانت صفقة لا تُرد بالنسبة لي "
التفتت الأنظار ناحية ناهد التي نهضت هاتفة بغضب اسود :
" اي عرض أيها الرجل المخبول ؟!! .. عما تتحدث أنت ؟! "
هتف صفوان فجأة بعلو صوته و افزعها :
" لا اريد مقاطعات .. من ستنطق منكن لن ارحمها "
ظلت ناهد على وقفتها تتجنب النظر إلى زوجها بينما استطرد نوح :
" في تلك الليلة طلبت مني السيدة ناهد و السيدة مديحة أن انتظر صباح عند نهاية سور الإسطبل القديم على أن يجلبوها لي فأحصل عليها حتى و لو بالقوة مستغلين بُعد المنطقة عن المنزل تماما و بهذا لن يسمع لها أحد صوتا لو صرخت او استغاثت "
نهضت جزاء بعنف و كادت أن تهجم عليه وهي تصرخ و تسبه فهتف صفوان من جديد :
" سيطر على زوجتك يا بكر "
امسك بكر بها و قيدها إليه فيما يهمس جوار اذنها محاولا إختراق فورة غضبها :
" على ماذا اتفقنا ؟! .. اهدأي و اتركيه ينهي حديثه حتى نصل لنهاية هذا الأمر "
لكن جزاء كانت في عالم آخر خاصة ً بعد أن هتفت كلا من مديحة و ناهد :
" لم يحدث .. هذا الرجل يكذب "
" افتراء .. هذا كذب ، اقسم بالله لم يحدث أيا من ذلك "
" اخرسن جميعا "
هتف بها صفوان فحل الصمت عليهن ليهدر صفوان مشيرا إلى نوح و هو يضرب الأرض بعصاه بغضب شديد :
" وانت .. لا تتوقف عن الكلام دون أن اذن لك "
كان نوح يبدو و كأنه يصارع للوقوف بثبات .. بدا كرجل يحتضر فأخذ نفس عميق ثم أكمل حديثه قائلا بصوت يظهر الندم فيه جليا :
" لا اعرف كيف اقنعنها بالنزول في تلك الساعة المتأخرة و حين وصلت إلى المكان المنشود تهجمت عليها فحاولت هي مقاومتي فاضررت لضرب رأسها بالحائط حتى يستكين جسدها قليلا فتقل مقاومتها و هذا بالفعل ما حدث لكن بعد ذلـ...... "
قاطعته جزاء من جديد و هي تصرخ بحرقة بعد أن فشلت في السيطرة على اعصابها و هي تسمع تلك التفاصيل القاتلة :
" كفى .. كفى لعنك الله ، ماذا فعلت لك امي حتى تفعل بها ذلك ؟! "
" خذها من هنا يا بكر "
قالها صفوان بحسم فصرخت جزاء من جديد :
" لا .. لن اتحرك من هنا "
هدر صفوان بتعب واضح :
" اذا اصمتِ و دعينا ننهي هذا الأمر "
ضم بكر رأسها إلى صدره يحاول تهدئتها لينهي نوح ما بجعبته قائلا :
" لم أدرك وقتها أنهن ينوين على جلب السيد حامد ليراها بين ذراعي ّ .. فجأة وجدت من ازاحني عنها لينفجر الوضع بعدها و لم ادري بنفسي إلا و انا مقيد و محتجز في الإسطبل و بجواري صباح تئن و تبكي من الألم لتأتي في النهاية السيدة ناهد وهي تحمل ابنة صباح و تهربهن من المكان كله "
" و لما لم تفضحها وقتها ؟!! "
سأله صفوان بنفور ليرد عليه نوح بعد لحظات :
" لم أكن أملك القوة حتى لرفع رأسي يا حاج فما بالك بالصراخ "
هز صفوان رأسه ثم قال :
" حسنا .. الى هنا انتهت حاجتي إليك "
لينظر بعدها إلى عبد الحميد آمرا بجبروت:
" خذه الى رجالنا ، هم يعرفون جيدا المطلوب منهم "
اومئ عبد الحميد بطاعة بينما رافقه نوح باستسلام تام لمصيره ليلتفت بعدها صفوان إلى مديحة التي هتفت ببكاء مخزي و هي تجلس القرفصاء أمام كرسي زوجها :
" لم يحدث .. و الله العظيم لم يحدث ، كل هذا كذب و افتراء "
أبعد حامد يده بضعف رافضا لمستها المتوسلة بينما نهض بكر و فتح هاتفه قائلا بسخرية قاسية :
" كذب و افتراء ! .. و ماذا عن هذا ؟! "
ليضغط بعدها على هاتفه فيصدح صوتها الباكي باعترافها الذي سجله لها دون أن تعلم في ذلك اليوم الذي فاوضتها فيه جزاء ظاهريا حتى تتبرع لوصال ...
ذلك اليوم الذي تم استدراجها فيه و تحدثت عن سبب كره ناهد لصباح و عن اتفاقهن الشيطاني عليها حتى يتخلصن من وجودها !
ارتدت مديحة الى الخلف بصدمة جلية ثم لطمت وجهها دون أن ترفع نظراتها عن زوجها الذي كان ينظر إليها بنفور رهيب منها و من نفسه التي اطاع هواها دائما حتى انتهى به الأمر إلى ما هو عليه .
اما ناهد كادت أن تتحدث فقاطعها صوت إمام الذي خرج حازما بعد أن سمع قصة إبراهيم خطيبها السابق و الذي بسببه فعلت ما فعلت :
" بعد اذنك يا حاج .. لقد سمعت ما أردت مني سماعه ، ابنتك الآن لديك و انت حر بها .. عهد ، ادم هيا بنا "
كادا آدم و عهد أن يعترضا على ترك امهما بمفردها لكن نظرة واحدة من أبيهم اخرستهم تماما فلحقا به بتردد أمام نظرات ناهد الذاهلة مما يحدث !
هل تركها إمام لمصيرها بحق ؟!!
لن يغفر .. من عشرتها له تدرك جيدا أنه لن يغفر لها ابدا ..
إمام لا يتهاون ابدا في مثل هذه الأمور ..
و مؤكد لن تجازف و تعود إلى منزله فيطردها أشد طردة أمام الجميع !
إمام سيطلقها ..
لن يشفع لها عنده عِشرة و لا أولاد و لا اي شيء !
لكن ماذا يعني هذا ؟!!
هل يعني انها خسرت الآن كل شيء ؟!!
و لصالح من ؟!!
الخادمة الحقيرة و ابنتها !
ألقت نظرة حارقة تجاه جزاء فيما تردد بهذيان :
" ابي انت لن تفعل ذلك .. لن تنصرها على ابنتك ، مستحيل "
لم يرد احد عليها بينما امسك صفوان ببعض الملفات التي كان يضعها جواره فيما يقول بصوت حازم موجهاً حديثه لناهد و مديحة :
" و الآن لديكن خياران .. اما أن تتنازلن الان عن نصيبكن في كل شيء لأبنة صباح أو ........ "
قبل أن يكمل جملته صرخت ناهد بجنون مطلق :
" مستحيل .. على جثتي أن اتنازل لها عن فلسا واحدا من مالي "
نظر لها صفوان بلا تعبير ثم التفت إلى مديحة التي تراقب الوضع برعب سائلا :
" و أنتِ ! "
مسحت مديحة وجهها ثم قالت بسرعة :
" سأفعل اي شيء لكن أرجوك اتركني ابقى هنا جوار ابنتي "
قست نظرة صفوان ثم كرر سؤاله لها مشددا على كل حرف :
" ستتنازلين عن نصيبك و ستمنحينها نصف ارثك من ابيك .. ماذا قلتِ ؟! "
بكت مديحة و هزت رأسها باستسلام فأشار لها صفوان أن توقع فتحركت بانكسار تام و فعلت ما أمرها به ثم ابتعدت لتقف من جديد جوار زوجها الذي كان ينظر إلى ابنته لاعنا عجزه الذي يقيده بعيدا عنها !
اما ناهد فألتقطت عيناها بعيني جزاء التي لم تتوانى عن اهدائها نظرة انتصار و شماتة ففقدت الاخرى التحكم في أعصابها تماما و هجمت فجأة على جزاء فيما تصرخ بجنون :
" أيتها الشيطانة ابنة الشيطانة .. يا ابنة الساقطة ، لا تنسي أبدا انها كانت ساقطة و أنتِ مثلها "
امسك بها امين يبعدها بينما وقف بكر حائلا بينها و بين جزاء لينهض صفوان فجأة و يقف أمامها ثم يصفعها لأول مرة و أمام الجميع فيما يهدر بخيبة أمل :
" لم ابخل عليكِ يوما بشيء .. دللتك و أجبت كل طلباتك ، لم أكن أدري انني اربي حية في بيتي .. ابنتي انا .. ابنة صفوان الغانم تفضح شرف أخاها و تريقه علنا و تدمر حياة امرأة ضعيفة و ابنتها فقط لأنها تغار ! .. ما الذي قصرت به معكِ حتى تفعلين ذلك ؟!! .. كيف تخونين اهلك و تستبيحي شرف اخيكِ بهذا الشكل المخزي ؟!! "
بكت ناهد بخزي من الموقف البشع الذي تتعرض له الآن على مرأى من الجميع ..
لقد صُفعت و هي امرأة في الخمسين من عمرها !
حمدا لله أن إمام اخذ ولديها معه فلا يشهدا تلك اللحظات المُذلة التي تحياها ..
" اخرجي من هنا .. انا برئ منك ليوم الدين ، لا اريدك في بيتي من جديد "
اتسعت عينا ناهد بصدمة بينما اغمضت جزاء عيناها تزفر براحة و هي ترى تلك الحية تشرب من نفس الكأس الذي شربت منه امها !
انتشاء عجيب يداعب كل خلية منها و هي تسمعها تهمهم بغير تصديق و كأنها على وشك الإصابة بالجنون :
" ماذا تقول يا ابي ؟!! .. هل سترمي ابنتك في الشارع ؟! "
نظر لها صفوان قائلا بلا رحمة :
" و أنتِ رميتِ ابنة اخيك في الشارع دون أن يرف لكِ جفن .. فلما لا افعلها انا الان ؟!! "
احمر وجه ناهد فيما تقول بنبرة من على وشك الانهيار :
" مستحيل .. انت لن تفعل هذا بابنتك ، مستحيل "
حدق صفوان في عينيها آمرا و هو يشير إلى الاوراق :
" إذاً .. وقعي "
ظلت ناهد تنظر الى الوجوه حولها بنظرات ذاهلة ثم تحركت بخطوات بطيئة .. ذليلة و وقعت على ما يريد بيد مرتجفة ليأخذ صفوان مكانه السابق ثم ينادي على عبد الحميد الذي عاد قبل دقائق قائلا بجبروت :
" خذهن .. و مثلما قلت ، لا قرش زائد يصلهن عما حددت "
تعالت اصواتهن المعترضة بينما قال صفوان :
" طعامكن و شرابكن سيصلكن لكن .. ممنوع الخروج من تلك الشقة منعاً باتا و إياك ثم إياك ثم إياك أن تفكر اي واحدة منكن في التلاعب وقتها قسما بالله العلي العظيم لن اتهاون و سأقتلكن و اتخلص من عاركن "
صرخت مديحة و هي تركض ناحيته فيما تهتف بتوسل :
" لا يا عماه أرجوك .. لقد فعلت كل أمرت به حتى لا تبعدني عن ابنتي ، أرجوك يا عمي "
أبعدها صفوان قائلا بلا ذرة شفقة :
" ابنتك وقت ما تريد رؤيتك ستزورك .. و لولا خوفي على صحتها لفضحتك أمامها مثلما فعلت مع التي تقف خلفك و منعتها عنك ، لهذا لا تطمعي بأكثر من ذلك "
ليهدر بعد ذلك بصوت مرتفع حتى يسمع الجميع :
" من هذه اللحظة لا انتِ و لا ناهد تربطكن اي علاقة بهذا البيت و لا بتلك العائلة .. انا برئ منكن "

نهاية الفصل الثالث و العشرون

قراءة سعيدة 💚💙💙💚

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن