الفصل السابع عشر :
( بعد فترة )
رفعت كفيها باستسلام تنظر أمامها بعيون متسعة من المفاجأة فيما تقول بصوت ذاهل :
" انا لا افهمك .. في كل مرة اعتقد انني بدأت افهم كيف يدور عقلك تصدمني بشيء جديد "
نظر بكر إليها ثم قال بدراما رخيصة :
" هذا لأنك ترينني بعقلك .. ادخلي قلبك المعادلة و ستفهمين كل شيء "
نظرت له جزاء للحظات و ضحكت بخفة ثم عادت تنظر أمامها فيما تقول بنبرة ضاحكة :
" و الله حتى لو فعلت ما تقول لن أصل بخيالي أبداً إلى أن مفهوم التنزه لديك معناه الذهاب الى مدينة الألعاب "
حدق بكر في ضحكتها برضا فيما هتفت هي مجدداً باستنتاج متأخر :
" ألهذا كنت مصر على أن ابدل ملابسي في الصباح ؟!! "
قطب بحنق ثم رد عليها و هو يحثها على الدخول معه :
" بالطبع .. هل كنت تريدين ان آتي بزوجتي الى مدينة الألعاب و هي ترتدي تنورة و نمتع عيون الشباب المحروم "
" قليل الادب "
عقبت جزاء بمشاغبة فهز بكر كتفيه ببساطة :
" لم تأتي بجديد .. اخبريني شيئاً لا أعرفه "
ضحكت مجدداً فسأل هو بحماس انتقل إليه من عينيها اللامعتين بسعادة كطفلة في العاشرة :
" ها ... ماذا سنركب أولا ً ؟!! "
هزت كتفيها بجهل وقالت :
" لا اعلم .. انا لم ادخل مدينة ألعاب من قبل "
قربها بكر منه يحميها من الزحام فيما يقول بانطلاق متجاهلاً تلك الغصة التي ولدتها إجابتها البسيطة في قلبه :
" حسناً فلنبدأ بقطار الموت ثم نركب الالعاب تباعاً حتى ندخل بيت الرعب في النهاية ... سنظل هنا حتى تملين "
ضحكت جزاء و تداهمها رغبة خفية في معانقته الآن لأنها تدرك جيداً انه يفعل كل هذا حتى يخفف من حزنها على وصال التي رغم أنها تماسكت عما قبل بكثير إلا انها مازالت ترى انكسارها يسطع في عينيها !
ابعدت تلك الفكرة المؤذية من عقلها مؤقتاً ثم قالت بسعادة غامرة جعلت قلب بكر يرفرف في صدره و هي تتحرك بسرعة نحو أول لعبة :
" لن اشعر بالملل أبداً "
و قد كانت تعنيها فلم تشعر بمرور الوقت أبداً و هي تتحرك و تجرب كل لعبة و أخرى عدة مرات و دون أي تعب او ملل بل على العكس كانت تشعر بانطلاق ومرح لم تختبرهما في حياتها من قبل خاصةً حين جربت بعض الألعاب المخيفة أو المرتفعة فكانت تصرخ بحماس شديد وسط من يصرخون برعب بينما كان بكر يراقبها ضاحكاً بسعادة تامة .
" سأركب الـ...... "
قاطعها بكر قبل أن تتم جملتها :
" لا .. تعالي نأكل شيء أولاً و نعود بعدها فنلعب ما تريدين أما الان انا جائع جداً "
لوت شفتيها بحنق رغم احساس الجوع الذي داهمها هي الأخرى فلم يعطيها فرصة للاعتراض و جذبها من كفها ثم تحركا ناحية المطعم يثرثران كمن لا يحمل للدنيا هماً !
بعد عدة دقائق قال بكر مستغلاً انتظارهما تحضير الوجبات :
" جزاء .. تعللِ بأي سبب ولا تجري اختبار تطابق الأنسجة في الغد "
قطبت قليلاً تنظر إليه بعدم فهم فالجميع تقريباً باستثنائهما أجروا التحليل و لم يعد يبقى غيرهما :
" الا تريدني أن اتبرع لها إذا حدث تطابق في الأنسجة ؟! "
هز بكر رأسه نفياً فيما يقول :
" لا .. لا اقصد ذلك ، فقط اريد منكِ تأجيل الأمر قليلاً .. يومين أو ثلاثة على الاكثر "
نظرت له جزاء بقلة صبر و سألته بعدم فهم :
" لماذا ؟! ..الى ماذا تريد أن تصل ؟! "
اقترب منها بكر وحرك كرسيه فجاورها قائلاً بمكر :
" ثقي بي فقط و اعدك أن تأتي لكِ زوجة عمي تسألك الغفران و بعدها نستطيع أن نساومها حتى تعترف بحقيقة ما حدث في تلك الليلة "
اتسعت عينا جزاء للحظات ثم عادت و نظرت له نظرات غير مطمئنة فسألها مستغرباً :
" لما تنظرين إليّ هكذا ؟! "
ردت عليه جزاء بصراحة تامة :
" اتعجب من ولائك الذي تظهره إليّ و أحيانا ً لا أصدقه "
قطب بكر بضيق فاستطردت تتحدث بما تراه عين المنطق :
" لا تنظر لي هكذا .. مهما كان ما ستقوله الان لا انا و لا انت نستطيع أن ننكر اننا لم نتعارف إلا منذ بضعة أشهر ، فكيف اصدق بأنك ستفعل كل هذا لأجلي ؟! .. ثم انت لم تخبرني حتى الآن عن مصدر ثقتك ببراءة امي من ذاك الافتراء "
ابتسم بكر بسخرية ثم قال بخفوت متجاهلاً الرد على الجزء الاخير :
" أنتِ فقط من تعرفتِ عليّ منذ بضعة أشهر أما انا فأعرفك منذ ولادتك .. كبرتِ أمام عيني لعامين و اكثر "
صمتت جزاء قليلاً تحلل كلامه لتتسع عيناها باستنتاج فيما تقول بدهشة :
" هل انت من كانت تتحدث عنه امي في ذلك اليوم ؟! .. كنت انت من تجالسني و تلعب معي كل يوم ؟! "
رفع لها حاجبه يسألها دون أن تختفي السخرية من نبرته :
" من كنتِ تظنين سيادتك ؟! "
لتفقع هي مرارته و هي ترد بتلقائية و بساطة قاتلة :
" أمين "
عم الصمت بينهما قليلاً ثم ارتدت جزاء للخلف حين هتف هو مرة واحدة كالمجنون :
" لماذا ؟! "
نظرت حولها ثم إليه بحذر ليسألها هو مجدداً بنبرة هادئة بينما يضغط على أسنانه محاولاً كبت انفعالاته حتى لا يتسبب بفضيحة :
" هل قالت لك امك بالنص أن امين هو من كان يجالسك ؟! "
هزت جزاء رأسها نفياً فيما تجيبه بشيء من القلق :
" لا .. لقد قالت ابن السيدة امل لكنني ظننتـ...... "
قاطعها بكر مجدداً يهتف بغيرة و ثرثرة :
" و انا ايضا ً ابن السيدة امل .. لماذا هو و ليس أنا ؟! .. بل لماذا كل التصرفات الجيدة لا يكون صاحبها بكر ؟! .. لما عقلك مختص بإرسال الإشارات السيئة فقط عندما يتعلق بي ؟! .. ها ! .. هل لأن امين مهذب يقول للجميع صباح الخير مساء النور و انا اعاند و اغازلك ؟! .... ام لأنه لا .... "
قاطعته هي هذه المرة بضحكةٍ فلتت منها و هي تنظر الى وجهه الذي احمر من الانفعال ليصمت هو قليلاً ثم يقول بضيق و بعض الإحراج :
" لا تضحكِ .. الأمر ليس مسلياً على الاطلاق "
انطلقت ضحكتها هذه المرة دون أن تستطيع التحكم بها اكثر ليقترب هو بغتةً و يوحي لها بقبلة علنية قادمة فتتسمر هي مكانها للحظات بصدمة ثم تبتعد عنه بعدها بسرعة شديدة و وجه متورد فيما تقول بتوبيخ خافت :
" هل جننت ؟!! "
ابتسم بكر مشاغباً ثم همس لها بنبرة دافئة أصبحت تذيب قلبها :
" عمري ثلاثون عاما ً .. ثلاثة وعشرون منهم بحثت فيهم عنكِ دون أن أبالي بصغر سني و تعرضي للخطر و أنتِ الان تقولين امين بكل بساطة يا غبية "
" ابتعد و عد بكرسيك الى مكانك "
همست هي بها دون أن تعنيها حقاً !
فهي تحب قربه ، تستمتع به ... تنهل من كونها مرغوبة بعد سنوات من النبذ !
لكنها في نفس الوقت تخافه ..
تخاف تعلقها المتنامي به .... و تخاف فقده !
ضحك هو دون أن يبالي بطلبها الاخرق فيما يقول ممازحاً :
" سأضرب اخي المهذب بسببك يوماً "
ليعتقل بعد ذلك كفيها بكفيه يحدق في عينيها قائلاً بتملك رهيب :
" أنتِ لي .. كلك على بعضك هكذا لا تخصين أحدا ً غيري و لو كان أبي حتى "
فضاعت جزاء في نظرته التي تعدها بالبقاء و تهديها كل الأمان الذي تحتاج إليه بلا شروط ليقاطع تواصلهما البسيط وصول الطعام لكن قبل أن تمد جزاء يدها هتف بكر مرة واحدة و كأنه تذكر شيئاً مهماً :
" انتظري .. لقد كدت انسى "
" ماذا هناك ؟!! "
فاجئها حين اخرج هاتفه من جيبه ثم اعتدل بجوارها متخذاً وضع التصوير فيما يقول ساخراً :
" لنأخذ صورة حلال سوياً "
قطبت جزاء و ضيقت عينيها ثم سألته بريبة :
" حلال ؟!! "
نظر لها بطرف عينه ثم أجابها ببساطة :
" أنتِ تسممين بدني كلما رأيتِ صورتك التي احتفظ بها و ترددين دائما ً انكِ لم تكوني زوجتي بعد وقت التقطها لهذا سأكون في السليم والتقط الان صورة حلال تجمعنا سوياً "
اتسعت ابتسامة جزاء على منطقه فاستغل بكر الأمر و التقط عدة صور تجمعه بها ثم تناولا الطعام ليمر يومهما بين لعب و مزاح و مشاكسات قلبين أحدهما متمسك حتى الموت و الآخر يتعلق ببطء و حذر !
...................................
( في المستشفى )
تجلس بهدوء احتل جوانب روحها بعد أن اقسمت في ذلك اليوم الذي سقطت فيه أمامه بانهيار أن تكون هذه سقطتها الاخيرة !
فهي لم تُخلق للمذلة و لا لإثارة الشفقة ..
فإن لم يشعر بحبها فيما مضى فما حاجتها له الان بعد أن زهدت فيما يخصه ؟!!
خائفة ؟!! ....
اجل خائفة و جداً !
لكنها أصبحت أكثر تماسكاً عن ما مضى ..
اكثر اتزاناً و اكثر تعقيدا ً !
تدرك جيداً أنه منذ ذلك اليوم الذي علم فيه بسرها و هو يحوم حول كل ما له علاقة بها ..
كانت تشعر بخطواته كل يوم أمام باب غرفتها ..
كان يصلها صوت أنفاسه الغاضبة مثله من قرار إبعاده عنها من خلف باب غرفتها كما كان يصلها صوت لمساته اليائسة لباب غرفتها المغلق في وجهه فيرتعد جسدها و كأنه يلمسها هي !
اغمضت وصال عيناها بوجع يتشعب بين اوردتها ليصلها صوت رغدة الحانق و التي اختارت تلك اللحظة خصيصا ً حتى تصب الزيت على نارها :
" أنتِ غير عادلة على فكرة "
نظرت وصال الى رغدة التي تبادلها النظر بحنق ثم قالت بهدوء :
" الدنيا بشكل عام ليست المكان المناسب للفظ العدل "
تأففت رغدة بضيق فهي تجلس مع وصال منذ وقت استغلت فيه غياب الخالة مديحه حتى تفاتحها مجدداً في أمر جاسم الذي أصبح حاله لا يسر عدو ولا حبيب !
قطبت رغدة و اعتلى الحزن هامتها ثم قالت بشفقة لمست قلب من تجلس أمامها تذوب و تنطفئ رويدا رويدا مثل شمعة تحترق وسط ظلام لا يلف غيرها :
" منذ متى و هو يحاول التواصل معك و أنتِ ترفضين بكل الطرق ؟!! .. لقد أصبح يتسول اخبارك منا بعد أن يأس من الوصول إليكِ "
اطرقت وصال برأسها فيما أكملت رغدة :
" أنتِ تعلمين جيداً إنه يستطيع فرض وجوده عليكِ إن أراد لكنه يحترم رغبتك حتى الآن ويبديها على نفسه ، اخي أدرك خطأه يا وصال و اعتذر من جدي و ادم على ما فعله دون قصد .. لما ترفضين أنتِ مسامحته ؟!! "
تنهدت وصال بإرهاق ثم قالت بخفوت و اختصار :
" انا لست غاضبة من جاسم يا رغدة "
هتفت رغدة دون أن ترحم حالها فتسألها :
" إذاً لما تفعلين به ذلك ؟! .. هل تتخيلين كيف يكون شكله و الكل مرحب به لزيارتك الا هو ؟! .. جميعنا ندخل إليكِ و هو يجلس في الخارج كالمنبوذ سواء هنا او في المنزل "
اغتمت ملامح وصال لكنها رغم ألمها ردت بنبرة حاولت إخفاء رجفتها :
" انا لم اطلب منه المجيء أو الجلوس لذا أنا لست مسؤولة عن أي شيء يتعرض له "
تأففت رغدة و ضربت الارض بقدمها ثم كادت أن تتحدث من جديد لكن وصال قاطعتها هامسة ً بهدوء ميت :
" انا متعبة و اريد ان ارتاح قليلاً "
عوجت الأخرى شفتيها بغير رضا لكن رغماً عنها اومأت بتفهم ثم نهضت و تركتها تمثل دور النائمة كما ترغب في هذه اللحظة .
و خلف الباب كان يجلس هو مثل كل يوم !
فقد أصبح ينظم وقته بين العمل و بينها رغم أنه لم يراها منذ ذلك اليوم لكنه يحوم حول عالمها بلا صوت ..
يخبرها أنه معها و موجود حتى و إن لم تراه !
لكن في نفس الوقت الثمن الذي يدفعه غالي جدا عليه و على أعصابه ..
فكم من ليلة أرغم فيها نفسه على التزام الصمت حين كانت تسوله نفسه على التحدث إليها !
كم من ليلة علّم نفسه فيها الصبر لأجلها مرغماً و هو الذي لم يكن صبوراً من قبل !
و الأقسى كم من ليلة جلس فيها خلف بابها دون أن يحظى منها بمجرد نظرة تهدئ قلقه !!
نظرة واحدة كل ما يرغب به .. نظرة تريح قلبه المرهق
أتبخل بها عليه ؟!!
انها لا تدرك ما تفعله به ..
تجعله يرى بعينيه ان الجميع مرحب به في عالمها إلا هو !
هل اذاها جهله بمشاعرها لهذه الدرجة ؟!!
ام انها نفرت منه بعد فعلته الغبية الاخيرة معها ؟!!
عقله يدور في ألف اتجاه و قلبه أصبح يشعر بخواء لم يشعر بمثله من قبل فهل هناك اشقى منه في هذه اللحظة ؟!
كم يتمنى أن يراها اليوم و لو سراً !!
كم يرغب و لو بمجرد لمحة من بعيد تؤنسه في أيام ابتعادها عنه !
لكنها تقصيه في أقصى أيام احتياجها له و أقصى أيام احتياجه لها !
اميرته الشامخة مجروحة الكبرياء تغرس خنجر كرامتها في موضع قلبه و هو لا حول ولا قوة له .
تنهد جاسم بتعب شديد و عاد برأسه إلى الخلف يسندها على طرف المقعد منتظراً خروج رغدة من غرفتها ليمر عليه الوقت ببطء قاتل حتى خرجت أخته اخيراً بملامح ضائقة فلم يستطع التحكم في لهفته وهو يسألها بقلق بالغ :
" هل هي بخير ؟!! .. هل تتألم ؟!! "
ربتت رغدة على كتفه ثم اجابته و هي تتأمل ملامحه المرهقة :
" ستكون بخير لا تقلق .. لكنها طلبت أن تنام قليلاً فتركتها "
" هل هي بخير حقاً ؟!! "
أعاد سؤاله بنبرة تحمل كل معاني اللوعة فجزت رغدة على أسنانها بغضب مكتوم لأجله ثم قالت بضيق :
" لما لا تدخل و تراها بنفسك ؟!! "
تراجع جاسم للخلف بتخاذل ثم رد عليها بصوت مهموم و هو يعود لجلسته الاولى :
" لا .. لا اريد ان تنتكس حالتها بسببي من جديد ، فمجرد رؤيتي أصبحت تؤذيها "
ربتت على كتفه بمواساة ثم قالت بعدها :
" حسناً .. انتظر قليلاً حتى تنام ثم ادخل و اطمئن عليها "
اومئ جاسم مستحسناً الفكرة و بالفعل بعد نصف ساعة أو أكثر بقليل دخلت رغدة إلى غرفتها من جديد ثم أشارت له بعد لحظات فدخل اليها بخطوات بطيئة مترددة ينظر إلى ذلك الجسد الصغير المتكور على نفسه بوضع الجنين فلم يشعر حتى برغدة التي انسحبت من الغرفة حتى تتركه على حريته ولا تحرجه بوجودها ..
فظل لدقائق طويلة يقف أمام فراشها ينظر إليها بلا شبع و قد صُدم فور أن رآها بمقدار شوقه إليها !
هل للمشاعر قواعد ؟!! .. هل لها مقياس ؟!!
كيف يكون حزنه في ذروته و في نفس الوقت تخرج منه زفرة ارتياح لمرآها ؟!!
كيف تعتلي بسمة حزينة شفتيه مع دمعة تريد أن تغافله و تشق طريقها هربا ً من سجنها القسري في عينه ؟!!
بل ألف كيف و ألف متى أصبح هو المتلهف لها وهي من ترغب بنفيه عن عالمها الصغير ؟!!
احمرت عيناه و هو يرى بعينه التغيرات التي حدثت لها في تلك الفترة التي عزلت فيها نفسها عنه ..
جسدها الذي كانت تشكو من وزنه الزائد دائما ً تشكو الان هزاله و نحافته ..
وجهها المُزين بابتسامته بات شاحب يشققه الألم أثناء نومها ..
حتى شعرها الطويل الذي كانت تتباهى به بكثره قصت منه الكثير فأصبح قصيراً .. خفيفاً بفعل النيران التي تُحقن في اوردتها كل بضعة أيام .
لقد هدم المرض سندريلا و هدم معها قلعة قلبه التي ظن يوماً انها باتت حصينة !
بعد عدة لحظات شعر بأن رؤيتها فقط لم تعد مشبعة فاقترب منها و جلس القرفصاء بجوارها ليصبح أكثر قربا من اي وقت مضى يأخذ أنفاسها الضعيفة الى صدره ..
حتى يده التي لم تتجرأ عليها يوماً تمردت عليه و تجاسرت لأول مرة و لمست شعرها !
اغمض جاسم عينيه يتنهد بإرهاق شديد ثم همس لا ارادياً بصوت يكاد لا يُسمع :
" اشتقت لك ِ.. اشتقت لشقاوتك ، لبراءتك ، لضحكتك و جنونك ... اشتقت لكل ما فيكِ يا وصال "
عادت مشاكساتها القديمة تطفو على سطح ذاكرته فابتسم فخفه فتعود كوارثه معها تحتل أفكاره فتهرب البسمة من بين الشفتين و يحل محلها الألم لتخرج منه الحروف و كأنها في سباق إليها :
" سامحيني يا سندريلا .. سامحي حصانك الأبله الذي لم يدرك أنه الأمير المنشود إلا بعد أعوام و أعوام ، سامحيني على كل مرة آذيتك فيها بقصد أو بدون قصد .. ليتني استطيع البوح لكِ لكن .... "
نهض جاسم من جلسته قاطعاً جملته بزفرة حاول تقليل ضغطه بها ثم داعب شعرها لمرة أخيرة قبل أن يرحل هامساً بندم سطع في نبرته :
" ليتني استطيع التحكم في الوقت صغيرتي ، لكنت عدت به و تعلمت العيش منك في كل لحظة اقضيها بجوارك .. لكنت تركت نفسي و عمري لكِ دون لحظة تردد .. فيصبح ملكك وحدك تنعمين به و تعطينه قيمة "
التفت و اعطاها ظهره بعد أن غافلته دمعة وسقطت منه فأبى أن يبكيها أمام وجهها رغم معرفته بعدم إدراكها لأي شيء يدور حولها فيتحرك بعدها مجرجراً خيبة قلبه ململماً وجعه كمحارب على وشك السقوط دون أن يرى دمعتها التي شاركته ألمه و كأنها تخبره بشكل ما انها مازالت هنا ... معه و تشعر بوجع قلبه رغم كل ما تمر به !
..............................
دخلت جزاء بصحبة بكر الى المنزل لتتوقف خطواتها حين لمحت مديحة التي كانت تحمل حقيبة يد صغيرة و تستعد للعودة إلى المستشفى لكنها توقفت فور أن رأتهم فنظرت إلى جزاء بحقد ثم قالت بعدها بكره لم تهتم بإخفائه :
" لا تظنِ أنكِ أصبحت ِ سيدة المنزل بسبب غيابي انا ووصال ، مهما حدث المقامات ستظل محفوظة يا ابنة صباح "
التزم بكر الصمت تاركاً القيادة لجزاء التي لم تخيب ظنه و ردت عليها ببرود قاتل :
" و الله إذا التفت الجميع الى مسألة المقامات التي تتحدثين عنها لن ينظر أحد في وجهك "
اخفى بكر ابتسامته بينما برقت عينا مديحة بغضب ثم كادت أن تتحدث فيقاطعها بكر قائلا ً لجزاء بهدوء :
" لو سمحت ِ اصعدي انتِ أولا ً و انا دقيقتان و سأتبعك "
نظرت له جزاء بريبة فأهداها نظرة طمأنة يبرع بها لتتحرك بعدها على مضض فيما التفت هو الى مديحة قائلاً بمكر و غموض :
" نصيحة صغيرة مجانية .. انا لو كنت مكانك كنت سأفعل اي شيء لكسب ود جزاء هذه الفترة على الأقل "
نظرت له مديحة بأسف ثم قالت بعدها بسخرية سوداء :
" خسارتك يا بكر .. كنت اظنك اذكى من ذلك بكثير لكن للأسف استطاعت تلك الأفعى اغوائك مثلما فعلت امها سابقاً بعمك و الآن انت تقف أمامي و تطلب مني كسب ود ابنة الـ....... "
نظر لها بكر متأثرا ً بشكل تمثيلي للحظات ثم قال بعدها بخفوت :
" خذي بنصيحتي يا زوجة عمي و اكسبيها بصفك ، فنجاة ابنتك متعلقة بابنة الـ..... بعد أن ظهرت نتيجة تحاليلك أنتِ سلبية "
قطبت مديحة بقلق فأكمل بكر مهمته قائلا ً باستفزاز :
" ماذا ؟!! .. ألم تلاحظِ أن جزاء لم تجري اختبار توافق الأنسجة بعد ؟! .. و هل تنتظرين منها القبول أصلا ً بمعاملتك هذه ؟!! "
انسحب الدم من وجهها تنظر له بتشكيك فرمى آخر رمية و قال :
" لا اخفيك سراً .. حين تحدثت معها عن الأمر بشكل عابر لم ارى نية واضحة في التبرع أو حتى مجرد إجراء الاختبار لهذا انا نصحتك و انتِ حرة "
ليتركها بعد ذلك تقف مكانها تحسب كل كلمة قيلت لها بملامح مبهوتة و كأنها كانت تظن أن تبرع جزاء أمر مفروغ منه بينما الواقع له حسابات اخرى !
حسابات إن صدق ظنها ستفتح في وجهها ابواب جهنم بلا رادع أو رحمة فمن تختار !
نفسها ام حياة صغيرتها ؟!!
......
" خطة ذكية .. لكن ألا ترى أن إقبالك عليها دون التأكد من إمكانية تبرع جزاء ثقة زائدة بالنفس ؟!!! "
التفت بكر الذي كان في طريقه الى غرفتها إلى أبيه الذي لم يمهله فرصة للرد و قال مجدداً :
" هل تعتقد أنها قد تخبرك بأي شيء قبل أن تتأكد بنفسها من نتيجة الاختبار ؟!! "
قطب بكر بغضب مكتوم ثم رد على أبيه بثبات و قسوة نادرة :
" هي من تحتاج إليها لذا هي المجبرة على تنفيذ كل ما نطلبه "
التوت شفتي عبد الحميد بشبه ابتسامة ثم علق ساخراً :
" أحياناً أقلق منك يا فتى "
تنهد بكر دون رد ليقول عبد الحميد بعدها بضحكة خفيفة مقلداً اسلوب ابنه في الترهيب الغير مباشر :
" نصيحة صغيرة مجانية ... لو كنت مكانك لفكرت في الطريقة الأنسب للهرب بعد أن تعرف زوجتك بأنك كنت تعلم الأمر برمته من البداية و لم تتحدث "
ضحك بكر بخفوت فظهر الشبه بينهما اكثر ثم مازح أباه :
" سآتي و اختبئ عندك قبل أن تغتالني "
ابتسم عبد الحميد فسأله بكر بغتةً :
" هل هناك جديد من جهتك ؟!! .. هل وجدت اي أثر له ؟!! "
هز رأسه نفياً لكنه قال بثقة :
" لا تقلق ... مسألة وقت لا اكثر "
ليستطرد بعدها بتحذير مبطن :
" إيجاده ليس مشكلة .. الكارثة الحقيقة ستحدث بعد أن نجده و يعترف .. لا تنسى أن عمتك متورطة في الأمر لذا جدك و عمك إمام سيقيمان الدنيا فوق رؤوس الجميع ، المنزل حرفياً سينقلب رأساً على عقب "
هز بكر كتفيه بلا مبالاة ثم قال بعد لحظات بصوت قاس :
" مهما كلفني الأمر .. يجب أن أرد لها حقها المسلوب يا أبي و سأرده "
هز عبد الحميد كتفيه و كأنه لا يهتم بما هو آت ثم عقب بهدوء فيما يعود إلى غرفته مجدداً :
" فليقدم الله ما به الخير "
أمن بكر وراءه ثم تحرك بعدها إلى غرفة جزاء ليخبرها بما ينوي عليه بشكل كامل داعياً الله أن تكون نتيجة التحاليل في صفه من أجل جزاء ووصال معاً .
................................................
" الحمد لله على سلامتك يا حبيبي .. اصعد و بدل ملابسك و انا سأحضر لك العشاء "
ابتسم ادم ولعب حاجبيه مغيظاً لعهد التي كانت تنظر له بحقد مصطنع لتقول هي من بين أسنانها بسخرية :
" تعال يا مدلل امك .. تعال و أجلس "
ضحك ادم بخفه ثم ألقى السلام على أبيه ثم خلع جاكته و ألقاه إليها فيما يقول مغيظاً إياها اكثر :
" خذي هذا و ضعيه في الغسيل ثم اصنعي لي كوب شاي بخمس ملاعق سكر "
أنهى أوامره المستفزة ضاحكاً و هو يلقي جسده جوارها على الأريكة بإعياء و أسند رأسه على كتفها فربتت عهد على رأسه فيما تقول بحنان :
" هل كان يوماً صعباً ؟!! "
لوى ادم شفتيه ثم أجابها بصدق :
" منذ أن تم حجز وصال و كل يوم اصعب مما قبله "
التفت إليه إمام بانتباه فيما سألته عهد بشفقة :
" أليس هناك اي جديد في حالتها ؟!! "
هز ادم رأسه بضيق فيما يقول :
" جسدياً لا يزال أمامها بضعة جلسات أخرى حتى تتخلص من الخلايا السرطانية قبل عملية الزرع لكن نفسياً .... "
صمت ادم قليلاً يأخذ نفساً عميقاً ثم استطرد بغم :
" تُبكي الحجر .. لم اتخيل انها هشة لهذه الدرجة ! .. انتم جميعا ً تعلمون رعبها من الحقن و مواقفها الكارثية مع هذه الأمور لكنها الآن تفتت قلبي بسكونها في كل مرة تأخذ فيها علاج بالحقن و الأقسى الجلسات ، أحاول إبعاد امها عنها قدر الإمكان و امنع الزيارة عنها بعد الجلسات حتى لا يُفجعوا لكن تبقى هي ....... "
دمعت عينا عهد و حوقل إمام بحزن ليكمل ادم بصوت مخنوق :
" الألم حفر علاماته على ملامحها .. اسمع انينها الذي لا تستطيع كتمانه فيصهر عظامي كمداً عليها .. اما وحدتها التي أشارت لها في انهيارها السابق تكاد تبتلعها فبدأت ترفض أي تقرب من أمها و جاسم فترفض رؤيته من الأساس "
تمتمت ناهد التي قد وصلت بصينية الطعام و سمعت اخر جزء من الحديث :
" شفاها الله و عفاها "
ليتمتم ادم هو الآخر بشرود :
" ليتني استطيع فعل أي شيء لها "
ردت عليه ناهد بتحيز شديد و هي تسحبه ليتناول طعامه :
" وماذا ستفعل اكثر مما تفعله ؟!! .. انت تقف مع الفتاة و مديحة طوال النهار و الليل ، ماذا بيدك و لم تقدمه ؟! "
تحرك ادم و جلس على الكرسي لكن قبل أن يبدأ بتناول طعامه سألته ناهد بخفوت :
" هل يذهب امين لزيارتها كثيراً ؟!! "
توقفت يده قبل أن تصل إلى فمه بالطعام ثم نظر إلى أمه بصدمة فيما يقول بغير تصديق :
" لا اله إلا الله .. فيما نحن و فيما أنتِ يا أماه ؟!! .. هل هذا كل ما يهمك حتى في تلك الظروف ؟!! "
رمشت ناهد عدة مرات بإحراج ثم قالت و هي تتجنب النظر إلى زوجها :
" و ماذا فيها ؟!! .. انا اطمئن على الأحوال لا اكثر "
رأت عهد أن هذه الفرصة المناسبة لمفاتحتهم في أمرها مع أمين فقالت بخفوت و مباشرة :
" ابي هناك أمراً اريد اطلاعك عليه منذ فترة لكن الظروف لم تسعفني "
ترك إمام الكتاب الذي كان يقرأه من يده والتفت لها بانتباه بينما كان ادم ملهياً عنهم بتناول طعامه فقالت عهد بخجل و هي تتحاشى النظر في وجوههم :
" امين منذ فترة عرض عليّ الزواج و كان يريد أن يأتي ليتقدم رسمياً لكن الظروف الأخيرة جعلت تأجيل الأمر حتمياً "
سعل ادم بفزع حين تعالت زغاريد امه بسعادة و انتصار وهي ترى حلم حياتها يتحقق أمامها بينما ظل إمام صامتاً للحظات فقالت عهد بتوجس :
" ما رأيك يا ابي ؟!! "
كادت ناهد أن تتدخل كعادتها لكن عهد أوقفتها بصرامة و عادت بنظرها مجدداً إلى أبيها تنظر إليه بتضرع و رجاء ليتنهد هو ثم يسألها باختصار شديد :
" هل تريدينه ؟!! "
هتفت ناهد بانفعال وسعادة جلية :
" و هل هناك من لا تريد أمين ؟!! "
لم يعيرها إمام اهتماماً وعاد إلى ابنته يسألها مجدداً بعينيه فقالت بتوتر من نظرته :
" اجل يا ابي .. بعد اذنك بالطبع "
تنهد امام مجدداً بينما ظل ادم على صمته يراقب الوضع إلى أن رحمهم إمام في النهاية وقال بهدوء :
" طالما تريدينه انا لن أقف أمام ما ترينه سعادتك "
( ما ترينه سعادتك !! )
توقفت عهد قليلاً أمام الكلمة لتسأله من جديد متجاهلة زغاريد امها التي تعالت مجدداً :
" لما أشعر أنك غير راض ؟!! ... هل لديك اعتراض على امين ؟!! "
أشار ادم إلى أمه حتى تصمت قليلاً بينما زفر إمام ثم قال بحكمة :
" لا بالطبع اعتراضي ليس على شخصه فانا احب امين مثل ابني لكن لا اعلم ... أشعر أنه سيحزنك ، ارى في عينيه دائما ً شيء غامض لا يطمئنني "
" ما هذا الهراء ؟!!! "
القتها ناهد بلا حذر فالتفتوا إليها جميعاً فتداركت نفسها و هتفت بتحيز اعمى :
" امين سيد الشباب يا إمام "
حاول ادم تدارك الموقف قبل اندلاع غضب اباه فقال ساخراً :
" الف شكر يا حاجة ناهد .. امين سيد الشباب و ابنك يجلس على بُعد خطوتين منك ؟! "
" لا اقصد يا حبيبي .. انت من في القلب و الله "
ربت ادم على صدره ثم علق ضاحكاً :
" جبر الله بخاطرك يا امي "
تجاهلتهم عهد و قالت بصوت حزين :
" انا سأكون سعيدة معه يا ابي .. انا متأكدة "
نظر إمام الى حزنها من عدم رضاه التام عن الأمر فاستغفر الله ثم قال بعدها بهدوء :
" حسناً يا عهد .. اسعدك الله مع من ترغبين يا ابنتي "
للمرة الثالثة زغردت ناهد و عاد ادم يكمل طعامه بينما اقتربت عهد من أبيها و وضعت رأسها على صدره متجاهلة ذلك الصوت الذي يحذرها من شيء قادم لا تدرك ماهيته لكنها فقط تشعر بمدى قربه و تخافه .. تخافه بشدة !
.........................................
( بعد عدة أيام )
اتسعت ابتسامة بكر المنتصرة و هو يسمع من ادم نتيجة تحليل دم جزاء و التي أظهرت تطابق انسجتها مع أنسجة وصال ليحمد الله عدة مرات سراً فيما يأتيه صوت ادم الحانق عبر الأثير :
" لا افهم حتى الآن سر تشديدك على ان اقول للخالة مديحه أن زوجتك اجرت الاختبار و نتيجته ايجابية لكنها رفضت التبرع .. الى ماذا تخطط يا بكر ؟!! "
تكلم بكر بعد لحظات معيداً عليه رجاءه السابق من جديد :
" إياك أن تكون أخبرتها أن جزاء مستعدة للتبرع .. لقد اعطيتني كلمتك "
تأفف ادم فيما يقول بغيظ من غموض صاحبه :
" لم أخبر أحد بشيء لكن افهمني ... أليس من المفترض أن تعلن زوجتك عن استعدادها للتبرع كبادرة ود بينها و بين وصال و أمها ؟!! .. انت هكذا توقع بين الفتاتين بشكل رسمي "
ابتسم بكر متخيلاً ما هو قادم ليرد على الحانق بثقة :
" لا تقلق .. جزاء ستتبرع و سيعرف الجميع لكن ليس الآن .. قليلاً من الصبر و ستفهم كل شيء اعدك .. لكن أرجوك اوصل الأمر لزوجة عمي بالصورة التي اخبرتك بها ، جزاء نتيجة تحليلها إيجابية لكنها لم تبدي استعدادها للتبرع "
" حسناً كما تريد لكن إذا حدث شيء انت المسؤول "
ألقاها ادم و أنهى المكالمة بينما اغمض بكر عينيه براحة داهمته بعد أن ظهرت النتائج لصالحهم فالان هو لم يعد مضطراً للخطة البديلة حيث كان سيضطر الى تزوير نتيجة تحليل جزاء حتى تصبح مطابقة و يستطيع أن يساوم زوجة عمه بها حتى تتكلم !
لكن القدر وقف معهم فالان فقط يستطيعون إثبات تورط زوجة عمه و عمته فيما حدث و في نفس الوقت يستطيعون مساعدة وصال في محنتها .
خرج بكر بخطوات شبه راكضة من غرفته ثم طرق باب غرفتها المجاورة له عدة مرات منادياً عليها إلى أن فتحت جزاء الباب تفرك بعينيها من آثار النعاس ثم قالت بغير تركيز دون أن تفتح عينيها :
" اصبحنا واصبح الملك لله .. ماذا تريد هذه الساعة ؟!! "
فتكلم بكر بسعادة تغمره و تغمر الدول المجاورة :
" صباح الورد يا غزال .. هيا لقد تأخرتِ كثيراً اليوم "
مسحت جزاء وجهها بكفيها ثم فتحت عينيها أخيرا ً و كادت أن تتكلم لتتسع عيناها بارتياع و هي تجده واقفاً أمامها بقميص اسود اللون مفتوح الأزرار ..... فقط !
أدارت جزاء وجهها فيما تهتف و هي تغلق الباب في وجهه مرة واحدة بالمزلاج :
" كيف تجرؤ ؟!! .. كيف ؟!!! "
اتسعت عينا بكر بعدم فهم !
ماذا فعل الآن حتى تغضب منه ؟!!
هل هذه الفتاة مجنونة ؟!!
كيف يجرؤ على ماذا ؟!!
طرق بكر على الباب مجدداً فيما يقول بحماقة :
" هل ما زلتِ نائمة ام ماذا ؟!! .. لا افيقي بالله عليكِ انا اريد أن أخبرك بأمر مهم .. هيا افتحِ "
هتفت جزاء من خلف الباب :
" اذهب و ارتدي ثيابك اولاً يا غبي .. كيف تخرج لي هكذا ؟! .. هل انت مجنون ؟!! "
نظر بكر الى رجليه العاريتين بفهم متأخر ثم اغلق ازرار قميصه متأففاً بسرعة حتى يخرجها فيما يقول :
" ارتديت .. افتحِ هيا "
" اذهب الآن يا بكر انا لم استفيق لوقاحتك بعد .. انهي ارتداء ملابسك و نتقابل بعد نصف ساعة "
ليسمع بعدها صوت إغلاق باب الحمام فقال بضيق طفولي وهو يعود إلى غرفته ببؤس :
" قاتلة للحظات السعيدة ... أعوذ بالله "
و بعد نصف ساعة تقابلا على مائدة الإفطار يجلسان متقابلين و ينظران لبعضهما نظرات حانقة مع اختلاف الأسباب !
فهي تكاد لا تصدق المستوى الذي ارتفعت إليه وقاحته و هو يبدو كطفل يحمل نبأ سعيد لكنه مجبر على الصمت ..
انهيا طعامهما و نهضا ينويان الذهاب الى الشركة فمضت جزاء حتى تأتي بحقيبتها في حين اوقف امين بكر ليتحدث معه بعد أن طال الجفاء بينهما في الفترة الأخيرة فقرر أن يبادر بالصلح خاصة ً بعد أن فشل في العثور على اي ثغرة تدين جزاء فأصبح اعتذاره أمرا ً حتمي غافلاً عن كون بكر يرغب في التحدث مع جزاء بأقصى سرعة خصوصا ً مع وجود مديحة التي أتت من أجل جلسة العلاج الطبيعي الاسبوعية التي سيخضع لها زوجها اليوم و بالتأكيد قد اوصل لها ادم الأخبار !
" انتظر .. كنت اريد التحدث معك قليلاً "
تكلم بكر و عينيه على مديحة التي تبعت جزاء الى الأعلى :
" ليس الآن يا امين .. نتكلم في المكتب "
ليظن أمين أن أخيه يفعل ذلك لأنه لا يزال يحتفظ بغضبه فأمسك بمرفق بكر الذي كان يتحرك قائلا ً بصبر :
" انتظر يا بكر .. لقد طال الأمر كثيرا ً "
نظر بكر إلى أبيه باستغاثة فيما يقول :
" و الله سنتكلم كما تشاء .. لكن الان تذكرت شيئاً عاجلاً و يجب أن اذهب "
كاد امين يتحدث مجدداً لكن قاطعه نداء عبدالحميد الذي يتابع ما يحدث بهدوء كعادته فاستغل بكر تشتت أخيه و صعد بسرعة خلف جزاء محاولاً عدم جذب الانتباه إليه ليركض بعد ذلك حين أصبح بمفرده في الممر حتى وصل إلى غرفة جزاء لاهثاً ليصله صوت مديحة الذي خرج منكسراً كما لم يكن من قبل :
" شفائها متعلق بكِ .. ارجوكِ ساعديها و انا مستعدة لأي شيء "نهاية الفصل السابع عشر
قراءة ممتعة 💜💚💗
أنت تقرأ
ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملة
Romanceرواية للجميلة الكاتبة هاجر حليم أرجو أن تستمتعوا بقراءتها.. حقوق الملكية محفوظة للكاتبة "هاجر حليم"