🌲الفصل التاسع🌲

672 15 0
                                    


الفصل التاسع :

دخلت الى غرفتها بهدوء ميت غمر روحها التي تهاوت اليوم من أعالي السماء إلى سابع أرض !
غبيه .. غبيه
كيف وصل بها الوضع إلى هذه النقطة ؟!
بعد أن منت نفسها بنجاح اول ضرباتها وجدت نفسها محشورة بين أفضل الضررين !
تبا ً لها كيف لم تكون أكثر حرصاً ؟!
لقد جعلها الحقير بكر تختاره بنفسها و بملء إرادتها دون أن ينبس ببنت شفه !
فقط نظره واحده لعينيه جعلتها تدرك أنها وقعت في فخه وهي تنصب لجاسم الفخ الآخر ....
جاسم الذي بتسرعه و غباؤه قضى على كل ما كانت تخطط له !
كيف ستخرج من هذا المأزق الآن خاصة ً بعد أن اسهبت زوجة أباها في شرح ما رأته بعينيها بل و أضافت له ؟!
جلست على حافة فراشها تحدق في الفراغ أمامها بعد أن انقلب السحر عليها ووقعت في فخ بكر !
ترى اين يخبئ ذلك التسجيل الذي يمسكه عليها ؟!
اذا حصلت عليه او على تلك المشاهد التي احتفظ بها لنفسه ستتمكن وقتها من الإفلات منه و إنهاء تلك المهزلة .
عاد عقلها يعمل في الجهة الأخرى مجدداً و فكرت في أن جاسم سيسعى الان للانتقام منها و سيعرف في اقرب وقت من تكون لكنه لن يجرؤ على التلفظ بحرف مما سيغذي غضبه عليها الذي يعلم الله وحده كيف ستكون نتائجه !
رن هاتفها فأجفلها لتجد نفسها تحدق في اسم بكر تود لو أن تمحوه من على وجه الارض فأغلقت المكالمة ليأتيها بعد قليل رساله منه
( ردي يا جزاء .. ردي لدقيقه واحده فقط .. ردي بدلاً من أن تجديني في غرفتك الان )
هل له وجه يهددها ايضاً ؟!
تباً له و لحقارته !
اتصل بها مجدداً ففتحت الخط دون أن تنطق بحرف و لم يقل شيئا ً هو الآخر لعدة لحظات أوشكت فيهم أن تغلق الهاتف في وجهه لينطق هو اخيراً قائلا ً بصوت خافت :
" لقد فعلتها لأجلك "
كادت أن تسبه لكنها صمتت حين استطرد بنبرة غريبه :
" أنتِ لا تحبين جاسم و لا هو يحبك ، انا أعرفه جيداً .. جاسم يريد نصيبك في الشركة لا اكثر "
تنهدت جزاء و تكلمت من بين أسنانها بغضب لم يخفى عليه :
" وما دخلك انت ؟! .. كنت اتركني أرفضه إذا شئت .. انت بأي حق تتصرف كما لو انك تملك الحق بي تهددني بعينيك أن أنكر كذبتك القذرة مثلك وإلا ستعطي لجدك ما وجدت "
ظل صامتاً قليلاً يصلها صوت أنفاسه العنيفة ليقول بعدها بنفس الخفوت و كأنه لا يصدق ما آل إليه الوضع :
" لم يكن الأمر هكذا .. لقد اخبرتهم زوجة اباكِ بما رأت و أضافت له من خيالها الخصب .. كان يجب أن اتصرف و لم اجد طريقاً آخر "
شتمت جزاء حظها ثم قالت بغيظ تداري به خجلها من الموقف السابق :
" انت السبب .. كيف سمحت لنفسك أن تعانقني ؟! .. من اعطاك الحق في الاقتراب مني من الأساس ؟! "
تغيرت نبرته كطفل مذنب فيما يسألها في المقابل بتبرم :
" و هل هذا وقته ؟! .. هل ستتركين كل ما تمر به من كوارث و تركزين بهذا الأمر ؟! "
اتسعت عينا جزاء و كادت تصرخ حنقاً لترد عليه و قد استسلمت لغضبها اخيراً فخرج صوتها مرتفعاً :
" انت مجنون ؟! .. يا غبي ، يا متخلف .. لولا فعلتك و دخولك إلى غرفتي ما وصلنا الى هذا الوضع "
لا تختفي نبرته المتبرمة بل أضاف اليها البرود المتأصل في كينونته وكأنه عاد طفل في العاشرة توبخه امه و لا يدري بماذا يرد :
" جزاء لا تشتمي لو سمحتِ .. انا لا احب ذلك "
اخرسها بروده كلياً و شعرت و كأنها تمر ببوادر شلل من ردود أفعاله التي لا علاقة لها بالعقلاء لتجد لسانها يردد بلا توقف حتى بعد أن أغلقت الهاتف بوجهه :
" حسبي الله ونعم الوكيل "
حاول الاتصال بها مجدداً لكنها أغلقت الهاتف كلياً هذه المرة لترقد بعدها فوق فراشها تحدق في سقف غرفتها بضياع تام دون أن يسعفها عقلها بأي حل سريع يخرجها مما سقطت فيه .
.............................
و على مسافةٍ غير بعيدة كانت وصال تجلس أمام المرآه تحدق في ملامح وجهها بجمود و كأنها تبحث عن الخطأ الموجود بها و الذي يمنعه من رؤيتها !
مسحت حبات العرق المتجمعة فوق جبهتها و سألت نفسها من جديد إلى متى ؟!
إلى متى ستنتظره و تتحمل عماه عن رؤيتها ؟!
الى متى ستتحمل خناجره التي يغرسها بكل غباء و لا مبالاه في قلبها ؟!
لقد رفعها اليوم إلى أقصى السماء حين اوقفها في الحفل و اعتذر منها عما فعله معها في المكتب لكنها لم ترد عليه و بقيت على موقفها البارد تجاهه ترفض اعتذاره الجاف مثله لتتسع عيناها وقتها حتى كادت تخرج من محجريها عندما اخرج لها من جيبه حلواها المفضلة التي اعتاد شرائها من أجلها في طفولتهم و التي ظنت انها توقف صنعها من زمن إلى أن رأتها بين يديه فطار غضبها فوراً و سألته و هي تهم بمد يدها لتخطفها من بين يديه بسعادة بالغة :
" من اين حصلت عليها ؟! .. انا ابحث عنها منذ سنوات "
لكنه رفع كفيه في اخر لحظه لتقطب هي بطفوليه و تنظر له فيقول هو بمودة قلما تظهر منه فجعلت قلبها يرجف تأثراً :
" هل تصافينا أولاً ؟! "
لوت له شفتيها ليتنهد هو باضطراب و كأنه لا يعرف ماذا عليه أن يقول ليهمس في النهاية بنبرة جافه لكنها بدت لاذنيها اجمل من اجمل اغنيه عاطفيه :
" اسمعِ يا وصال .. انا لم اعتاد الاعتذار من احد لكني بالتأكيد لم اقصد أن أمد يدي عليكِ بسوء ، أنتِ مهما كنتِ مستفزه و ثرثارة كان يجب أن اتحكم في غضبي ولا اقول لك ِ ما قلت .. لهذا خذي حلواكِ و دعينا ننهي هذا الموقف السخيف "
رغم سعادتها بل رقصها الداخلي مما يقول إلا أنها حافظت على تخشب ملامحها و لا كأنها نفس الفتاه التي كادت تطير من السعادة من أجل قطعة حلوى منذ لحظات لتهمس بعد لحظات بعنجهية تبدو مضحكه رغم جدية حديثها :
" لم يكن يصح أن تتهمني هذا الاتهام و تنعتني بـ....... "
قاطعها قائلاً بفظاظته التي تحفظها :
" انا اعلم جيدا ً ماذا قلت ؟! .. و قلت لك ِ انني آسف و لم اقصد "
تصنعت التفكير لعدة لحظات بينما رفع هو حاجبيه بذهول ليمسك بعدها بكفها عنوة مما ارسل الرجفة الى أوصالها ووضع الحلوى في يديها بجلافة فيما يقول بغضب بدا لعينيها ممتعاً للغاية :
" لم يبقى الا اتوسل لكِ أنتِ أيضاً يا شبر و نصف "
وقتها أخفت ضحكتها بمهاره و رسمت دور الغضب لتطيل وقفته معها اكثر فيما تقول :
" لا تقل عليّ شبر و نصف انا لست قصيره "
رفع لها حاجباً مستهجناً فيما يقول بسخريه :
" دعينا ننزع عنكِ هذا الحذاء و بعدها لنرى كيف سيظهر لكِ صوتاً ! "
أدارت عينيها بعيداً عنه بدلال تجيده ثم نظرت اليه مجدداً لتسأله وهي تنظر لكنزها الذي وضعه بين كفيها منذ لحظات بهيام :
" من أين جلبتها ؟! .. لقد بحثت عنها كثيرا ً و لم اجدها أبداً "
رد عليها ببساطه و هو يدير نظره في الارجاء :
" لقد رأيتها عند رجل بسيط وقفت لأشتري منه مناديل فتذكرت مدى حبك لها و جلبتها لكِ "
ابتسمت له عينيها قبل شفتيها لتهمس له بسعادة بالغة :
" شكرا ً يا جاسم .. لقد اسعدتني جدا "
لتستطرد بعد لحظات بغرور مضحك :
" حسناً .. لقد سامحتك ، تستحق العفو "
كتم جاسم ابتسامته التي تهدد بالانفلات فيما يقول :
" نشكر كرم اخلاقك يا وصال هانم "
لتمضي بعدها بقية الأمسية بجواره دون أن تطيل في الحديث معه كثيرا ً حتى لا تظهر بشكل ( الواقعة ) بينما تبادل هو معها بعض الأحاديث بشكل لطيف لم تحظى به معه منذ وقت طويل مما جعلها تحلق في أعالي السماء بسعادة لكنه اوقعها أرضا ً بأفظع الطرق حين عرفت في نهاية المطاف أنه طلب يد جزاء في الصباح و حتى مشاجرته مع بكر كانت تذبحها ذبحا ً لكنها صمدت حتى النهاية لترى بعد ذلك وجهه المكفهر و تشمت به بعدما اختارت جزاء الزواج من بكر و رفضته هو .
وقتها بالكاد أخفت ضحكتها المريرة لتنهض بعد رحيله الغاضب تجرجر ذيل خيبتها ورائها و تعد نفسها مثل كل ليله بأنها ستكون اقوى و افضل في الغد !
كل وجع يمر و كل ألم ينتهي و كل انسان يُجزى بما صبر و هي ستصبر و تنتظر و تعود فتشن هجومها من جديد على قلبه و ستفوز به في النهاية .
لا يهم كم ستصبر إذا كانت نتيجة صبرها تتمثل فيه هو !
في قلبه التي تدرك جيداً مدى طهره ونقاءه رغم تصرفاته في الفترة الأخيرة التي تشي بعكس ذلك لكنها تعلم أن كل ذلك ما هو الا غشاء مغبر و سقط فوق قلبه الذي ستعمل جاهدة ً على تنفيض هذا الغبار عنه ليعود كما كان !
فرغم أنه كان أكبرهم و اضخمهم إلا أنه كان دائما ً احنهم !
كان يحميهم جميعاً في صغرهم و لا يتحمل بكاء أياً منهن و هي كانت تستغل تلك النقطة دائماً و تذهب إليه كل فتره تبكي بعد أن تخترع اي سبب فيحاول هو محايلتها لكنها لا تتنازل ولا تصمت إلا بعد أن يضعها فوق كتفيه و يركض بها في الحديقة لبعض الوقت مما كان يثير غضب علياء لأنها كانت أكبر منها ولا يصح أن يحملها جاسم بهذا الشكل على حسب كلام امها فكانت تستمتع هي معه بتلك اللحظات بمفردها إلى أن كبرت هي الأخرى واصبحت ممنوعه من التأرجح و اللعب بهذه الطريقة مع أبناء عمومتها !
وضعت قطعه من الحلوى بفمها تمضغها بغيظ لتتعكر ملامحها بعد لحظات حينما التقطت طعماً سيئاً بفمها فنهضت و بصقت ما تأكله لتحدق بعدها في تلك الدماء التي تغطي أسنانها فتمضمضت بسرعه ثم غسلت وجهها متأففة من تعرقها الذي لا ينتهي هذه الفترة حتى في عز البرد القارس !
لا تعلم ماذا يحدث معها هذه الفترة ؟!
شهيتها لم تعد مثل قبل مما أفقدها بعض الوزن لكنها سعيدة بهذا الشيء للغاية لأنها في كل مره حاولت تقليل وزنها فشلت فشلاً ذريعاً و ها هي الان تُقدم لها الرشاقة على طبق من ذهب !
عادت ذكرى ما حدث اليوم تعكر صفوها فهتفت بغيظ و هي تنشف وجهها بعنف :
" منك لله يا جاسم ستجلب لي المرض مبكرا ً "
عادت بعد ذلك إلى فراشها تتمنى أن تحظى ببضعة ساعات من الراحة حتى تستطيع الاستيقاظ غداً و الذهاب الى المستشفى بينما عقلها يؤهل نفسه لمخاطرة جديدة لم يحسب نتائجها بعد !
...................................
( بعد عدة أيام )
تحركت بترقب و قلق شديد يداهم قلبها فبعد تلك الليلة السوداء التي خُطبت فيها لبكر أمام عين جاسم و الصمت المطبق حل على الجميع !
فجاسم اختفى تماماً و بكر تتجنبه هي لأقصى درجة حتى تجد حلاً لورطتها معه وهو نفسه اصبح لا يعود إلى المنزل الا لماماً متجنباً هو الآخر أباه الذي صُدم كما الجميع بما حدث بينهما .
اما البقية فكانوا يتناوبون على المستشفى لزيارة حامد الذي سيخرج اليوم على الأغلب بعد أن استقرت حالته تماماً .
توقفت تنظر باستغراب الى رغده التي كانت تقف أمام غرفتها بملامح غريبه تحدق فيها بشيء من... الجنون !
آه .. بالطبع .. كيف نسيت حبها المستحيل للسيد بكر ؟!
و هي في نظرها الان سارقة الرجال التي استولت على فتى أحلامها !
تحركت جزاء بخطوات مدروسة فعلى كلٌ جاسم سيعرف حقيقتها في اي لحظه لذا لتتعامل مع أخته كما ترغب :
" لما تقفين هكذا ؟! .. هل تريدين شيئاً ؟! "
كانت عيناها تنفث النيران فبدت اكثر شبهاً بأخيها لتهمس بعد لحظات بفحيح بدا مضحك للأخرى :
" ألم احذرك سابقاً من الاقتراب من بكر ؟! "
اقتربت منها جزاء متفوقه عليها بطول قامتها ثم اجابتها ببرود مستفز :
" فعلتِ .. لكنك لم تحذريه هو على الأغلب ، فهو من أتى إلى غرفتي و هو من عرض عليّ الزواج "
هتفت رغده بغضب و كأنها ترفض التصديق :
" أنتِ كاذبه .. بكر يحبني انا ، انتِ بالتأكيد فعلتِ شيئاً ما أجبره على الزواج بك "
ضحكت جزاء بسخرية ثم ازاحتها باستخفاف من أمام باب غرفتها فيما تقول بنبرة ثلجيه :
" انا لا املك وقت لهذا الهراء "
في لحظةٍ خاطفه فلتت أعصاب رغده فدفعت جزاء بقوه وهي تصرخ ببكاء :
" اغربِ عن حياتنا .. من اين ظهرتِ لنا ؟! "
اختل توازن جزاء فضربت جبهتها بقوه في حافة الباب الخشبية مما جعلها تطلق صرخة ألم ظهر على إثرها صوت عبد الحميد الذي وصلت إليه اصواتهن العالية و صراخ رغده ليهتف في رغده و هو يتحرك ناحية جزاء التي سقطت ارضاً ممسكه بجبينها :
" أيتها الغبيه .. ماذا فعلت ؟! .. هل جننتِ ؟! "
تركتهم رغده وهرولت باكيه إلى غرفتها تختبئ بها بينما ساعد عبد الحميد جزاء لتقف مجدداً فأصدرت هي صوت اخر متألم بينما دمعت عينها اليسرى بشده و احمرت فساعدها عبد الحميد على الجلوس فيما يقول بتأني :
" اهدأي و ابعدي يدك حتى ارى جبهتك "
همست جزاء بخفوت :
" عيني تؤلمني جدا "
ذهب عبد الحميد و نادى على أحد العاملات لتجلب له ثلج ثم عاد إليها من جديد قائلاً بهدوء دون أن يقترب منها مجدداً :
" لا بأس .. جرح بسيط في جبهتك و عينك سنعتني بها الآن .. توقفي عن العبث بها فقط "
تبرمت جزاء بطفوليه :
" لا استطيع .. تؤلمني للغاية "
تنهد عبد الحميد قائلا ً :
" هل اتصل لكِ بأدم نسأله عما يجب فعله ؟! "
" ادم من ؟! "
قالتها وهي تكاد تضع يدها على عينها مره اخرى ليبعدها هو هذه المرة بحزم فيما يجيبها :
" ادم ابن عمتك "
علقت جزاء و قد بدأ الصداع يهاجم رأسها إثر الضربة :
" لا افهم "
قطب عبد الحميد قليلاً ثم سألها باستغراب :
" ألا تعلمين أن آدم طبيب ؟! "
هزت له رأسها نفياً ثم علقت :
" لا يظهر عليه أنه طبيب "
ضحك بخفه يوافقها في الرأي لتدخل بعدها ام رمزي تحمل قطع الثلج لتضعهم برفق على الجزء الذي بدأ بالتورم لتطلق جزاء انين وجع بسيط ثم تحكمت بعد ذلك في نفسها بينما ظل عبد الحميد واقفاً يراقبها لبعض الوقت إلى أن اكتفى ثم تحرك بعدها مغادراً الغرفة ليوقفه صوتها الذي خرج هذه المرة صادقاً :
" سيد عبد الحميد ... شكرا ً لك "
التفت لها مجدداً فوجدها مازالت على اغماضها و للحظه انتابته الشفقة على يتمها فقال بهدوء :
" لا تناديني بسيد يا ابنة حامد .. انا لست سيد أحد "
صمتت جزاء و لم تقل اي شيء اخر بينما خرجت ام رمزي تجلب لها مسكن لرأسها و دهان للتورم فقال هو قبل رحيله مستغلاً بقاءها معه بمفردها :
" على الأغلب بيننا حديث طويل يا عروس ابني لكن ليس الآن .. فكما ترين الظروف ليست مناسبه حالياً "
اومأت له جزاء دون أن تقوى على النطق بحرف من الوجع أو حتى على فتح عينيها ليتحرك هو اخيراً و يغادر غرفتها متجهاً الى غرفة الغبيه الأخرى التي كادت تتسبب في كارثة أخرى و كأن ما بهم لا يكفيهم !
دخل عليها الغرفة فوجدها تبكي بصوت مرتفع بينما تحتضن ركبتيها ببؤس فاقترب منها محاولاً التحكم في أعصابه :
" هلا تخبريني ماذا الذي كان يدور في عقلك بالضبط لتدفعي ابنة عمك بهذا الشكل ؟! .. لقد اصيبت عينها و جرحت جبهتها "
رفعت له رأسها تهتف دون خجل من أن تبدأ هذا الحديث مع عمها :
" لقد سرقت بكر مني .. انا احبه و أعرفه اكثر منها "
اتسعت عينا عبد الحميد بتعجب فهو كان يتخيل أن تضع وجهها في الأرض و تعتذر و تنهي الأمر بسرعه لا أن تحدثه بكل هذه الجرأة عن مشاعرها ناحية ابنه !
تمالك نفسه ثم قال موبخاً :
" و هل بكر طفل صغير حتى تسرقه ؟! .. أليس لدى بكر عقل يميز به و يختار الافضل له ؟! "
ضربت رغدة بقبضتيها فوق فراشها فيما تردد ببكاء لا ينتهي :
" لكن انا من تحبه "
لم يجد عبد الحميد ما يقوله لهذه المتخلفة المصرة على احراجه بإجراء هذا الحديث معه فهتف بها مما افزعها :
" احترم ِ نفسك يا ابنة فاروق و اخجلِ قليلاً .. ما هذه الوقاحة التي نزلت عليكِ ؟! "
صمتت رغده دون أن تتوقف عن البكاء فأشفق عبد الحميد عليها لأنه يدرك جيداً أن يُتم هذه الفتاه المبكر و فقدها لأبيها و أمها في حادث واحد و ابتعاد أخيها عنها السبب الرئيسي لتخبط مشاعرها التي أصابها الحول في نهاية المطاف و ذهبت إلى بكر فأقترب منها قائلاً ببعض اللين عل وعسى يأتي الأمر بنتيجة ايجابيه هذه المرة :
" اسمعِ يا رغده .. انا اكبر منكِ و افهم عنكِ ، بكر لا ينفعك يا ابنتي .. لن يسعدك "
نظرت له رغده كقطه صغيره تبحث عن الأمان فجلس جوارها لتسأله هي بعدم تصديق :
" لماذا ؟! "
تنهد عبد الحميد لا يعلم من اين عليه أن يبدأ حديثه فقالت هي مجدداً بنبرةٍ مست قلبه لأنه شعر بأنها ما صدقت أن وجدت من تتحدث معه عن مشاعرها :
" في اليوم الذي تعرض فيه ابي و امي للحادث و توفيا سقط جدي بعد أن أصيب بالجلطة فركضتم جميعاً الى المستشفى و نسيتموني هنا ،حتى جاسم الهاه الخبر عني و بقى ينعي فاجعته بمفرده .. وقتها وجدت انا نفسي فجأة بمفردي "
ابتعلت ريقها ثم التفتت تنظر له و استطردت :
" كنت لا أفقه شيئاً عن ماهية الموت .. كيف يعني لن توقظني امي كل صباح مثلما اعتدت ؟! .. كيف لن يدخل ابي من الباب مرةً أخرى ؟! .. لمن سأركض إذاً و من سأعانق ؟! .. كان الأمر كله كالمزحة السيئة بالنسبة لي و كنت دائماً أظل جالسه في مكاني انظر الى الباب و كأنه سيُفتح في اي لحظه و اجدهما أمامي عائدين "
ربت عبد الحميد على كتفها و قلبه رغماً عنه ينغزه و هو يذكر بأنه مر تقريباً بنفس الشيء عندما ماتت زوجته !
الأمر يبدو و كأن مطرقه بحجم الكون كله قد نزلت على رأسك و قصمت ظهرك خاصة ً حين يحدث الأمر فجأة ..
مسحت رغده دموعها ثم قالت بخفوت بعينين لامعتين :
" و في مره كنت اجلس كعادتي انتظرهما جلس بكر بجواري و ظل يربت على ظهري و كأنه كان يعلم ما كنت أشعر به تحديداً في تلك اللحظة ، لم يقل شيئاً و لم يفعل شيء غير تربيته على ظهري .. لم يفعل هذا الأمر معي مره او مرتين بل في كل مره كنت اجلس و انتظرهم كان يجلس جواري صامتاً مربتاً على وجعي حتى تبدلت الأمور بداخلي و بت انظر الى الباب دائما ً انتظر مجيئه هو لكنه تغير مع الوقت و اصبح لا يجلس معي ولا يساندني "
قاطعها عبد الحميد موضحاً :
" بكر احبك كأخته ليس أكثر وحين وجد الأمر يتخذ شكلاً آخر بداخلك قرر الانسحاب لأنه ليس مستعداً على الاطلاق لمبادلتك مشاعرك "
دمعت عيناها مجدداً فقرر عبد الحميد أن يجازف و يخبرها بما يظن بكر أنه لا يعرفه :
" هل أخبرك شيئاً و تحتفظين به لنفسك دون أن يخرج إلى خارج هذه الغرفة ؟! "
اومأت رغدة بطفوليه فقال عبد الحميد مختصراً قدر الإمكان :
" تلك الأوقات التي كان يختفي فيها و يوبخه جدك عليها دائما ً كان يبحث فيها عن جزاء أو عن اي خيط يدله على طريقتها "
اتسعت عيناها و كادت تهتف بتهور لكنه قاطعها مستطرد ً :
" هذا يعني أن الوقت الذي جلس فيه جوارك يشاركك النظر إلى الباب كان ينتظر عودتها هو الآخر "
مسحت رغدة وجهها و اعتدلت تسأله ببراءة :
" هل تقصد أنه كان يحبها من وهي طفله ؟! "
ضحك عبد الحميد بخفه على نظرتها الوردية للأمور ليجيبها بعد ذلك :
" لم اقصد ذلك .. لكنه اعتاد وجودها دائما ً معه و فجأة اختفت من حياته مما اربك طفولته و ربط بينه و بينها اكثر لأن الاشياء الناقصة من حياتنا تظل عالقة بداخلنا و تشكل فجوه لا يسدها اي شيء عداها "
صمتت رغده قليلاً تقلب حديثه برأسها ثم قالت بعد ذلك بترقب :
" هل تقصد انني ..... "
اكمل هو جملتها قائلاً بهدوء :
" ربطتِ طفولتك بعودة والديكِ و حين سلّمتِ بالأمر الواقع و يئست من انتظارك لهما ربطتِ الأمر ببكر و اصبح هو هاجسك الجديد و لو كان أي شخص غيره قدم لكِ هذا الدعم الذي لم نقدمه نحن إليكِ وقتها كنتِ ستتعلقين به بنفس الشكل أيضاً "
" هل تقصد انني لم احبه ؟! "
سألته باستنكار مضحك فأجابها بصبر يُحسد عليه :
" حسناً لنقل انكِ لا تحبينه بالمعنى الحرفي للكلمة .. هو فقط ظهر في فترة حرجه من حياتك كنتِ تعانين فيها من الوحدة و بعدها رفضت ِ أنتِ إخراجه من دائرة تفكيرك حتى لا تعودين لوحدتك مجدداً "
نهض عبد الحميد بعد ذلك تاركاً لها الفرصة حتى تفكر في كلامه و تعقل الأمر ليقول بعد لحظات بصوت مهادن جداً .. حنون و كأنه يخاطب طفله و هو فعلاً لا يراها غير ذلك في تلك اللحظة :
" لا تفتعلِ اي مشكله اخرى تخص هذا الأمر .. أنتِ اغلى بكثير من أن تفرضِ وجودك على أحد ، أنتِ تستحقين أن يحارب الرجل من أجل أن يفوز بكِ ... هل فهمتِ ؟! "
اومأت له بتشوش لكنها نادت عليه قبل أن يخرج من الغرفة ثم نهضت بعد ذلك و عانقته فجأة فيما تقول بطفوليه :
" شكراً لك عماه .. انا احبك جدا ً "
تفاجئ عبد الحميد من تصرفها لكنه تمالك نفسه و ربت على ظهرها قائلاً بلين فاجئه هو شخصيا ً :
" و انا ايضا ً احبك يا صغيره .. كلنا نحبك و حولك و سنحميكِ دائما ً "
ابتسمت له رغدة بعينين دامعتين فآلمه قلبه اكثر على وضعها فربت على خدها بحنان يعلم جيداً انها تحتاجه ثم تركها وخرج تاركاً إياها تعيد النظر في حديثه معها .
......................................
في اليوم التالي كانت جزاء تراقب انشغال معظم اهل البيت حيث كان امين و بكر يحملان عمهما ليضعاه في غرفته بينما كانت وصال تساعد جدها المرهق بعد أن اُستنزفت طاقته البسيطة في الأيام السابقة ما بين حزنه على بيع المزرعة لحل ازمتهم و ما بين قلقه على ابنه خاصة ً و أنه لم يتمكن من زيارته بسبب تعبه هو الآخر !
تحركت جزاء تنوي النزول الى الأسفل لتجد جاسم ظهر لها من تحت الارض و سحبها فجأة و الصقها في الحائط ينظر إليها كمختل فيما يقول من بين أسنانه مما أوضح لها أنه عرف بحقيقتها اخيرا ً :
" مرحباً يا ....... جزاء "
حاولت جزاء أن تتملص من كفه التي كانت تعتصر كفها في تلك اللحظة ليسحبها هو عنوة و يبتعد عن مرمى الرؤية محذراً إياها من النطق بحرف فتحركت معه رغماً عنها ليقفا متواجهين اخيراً دون اقنعه أو تخفي ليبدأ هو حديثه قائلاً بسخريه شيطانيه :
" ندى عبد الحي ! .. جزاء ماتت ! .. قبلت صفقتك ! ... هل كنتِ تظنين انكِ ستستطيعين خداعي الى الأبد ؟! .. الى ماذا كنتِ تخططين أيتها الحقيرة القذرة ؟! "
ابتسمت له جزاء باستفزاز فيما ترد ببرود :
" انا حقيرة و قذرة ؟! .. إذا ً بما نصف سعادتك ؟! .. يا من كنت تخطط لسرقة إرث ابنة عمك و النصب على عائلتك "
طحن جاسم أسنانه فيما يهدر فيها بخفوت يود لو يقتلها و يمثل بجثتها في التو و اللحظة :
" الى ماذا كنتِ تخططين ؟! "
" الى تربيتك "
فجأة طار تماسكه بإجابتها الوقحة فامتدت يده الى عنقها يعتصره بين أصابعه لاصقاً جسدها في الحائط فيما يهدر من بين أسنانه مستغلا ً انشغال الجميع عنهما :
" أيتها الحقيرة .. انتِ تلعبِ بي أنا ! .. قسماً بالله سأحيل نهارك لليل أسود لن يرى النور أبدا ً ، انتِ لا تعرفين بعد من هو جاسم الغانم "
ابتسمت رغم اختناقها و عروق وجهها النافرة لتجيبه بتحدي مستفز يثير جنونه اكثر :
" بل أعلم ، جاسم الغانم ليس إلا مجرد غبي طامع يعتقد أنه اذكى من خلق ربه ..... "
قاطعها بضغطه على عنقها اكثر و الجنون يعتلي حدقتيه لتكمل هي بخفوت بعد لحظات مستمتعة رغم عدم قدرتها على التنفس برؤية وجهه المكفهر :
" لا يعلم المسكين أنه كان أحد ادواتي التي ما أن ينتهي نفعها .. تُلقى في اول سلة قمامه "
زمجر بجنون ليخبط رأسها بالحائط عدة مرات بينما تسعل هي بقوه و قد قاربت قدرتها على التحمل على الانتهاء لتُفاجئ بعد لحظات بقوتين أحدهما تسحبه بعيداً عنها و الأخرى تسحبها هي لكنها لم تستطع المقاومة فسقطت أرضا ً تسعل بشده و تتنفس بعنف لتفتح عينيها بعدها فترى وجه امين القلق يطمئن عليها و يضرب على خدها برفق بينما كان بكر ملهياً يكيل اللكمات الى جاسم و قد بدى في قمة جنونه يسب و يشتم ليتركها امين بعد أن عاجل جاسم بكر بعدة ضربات مستغلاً ضخامته فيتدخل امين مدافعاً عن أخيه ضد الآخر !
نهضت بصعوبة يهاجمها الدوار و تطن اذنها تحاول ابعاد بكر و امين ففي اكثر أحلامها جموحاً لم تتخيل أن يتصعد الموقف لهذه الدرجة لتنال بعدها لكمه غاشمه من أحدهم فصرخت حين كادت تقع من فوق الدرج لولا ذراع بكر الذي حاوطها كالكماشة لاصقاً جسدها بصدره و حين هم بإبعادها مجدداً تمسكت به وهي تسمع أصوات السباب والشتائم الصادرة من أمين و جاسم و قد اتخذ العراك منحنى اخر فيحاول بكر الفكاك منها لتشده هي تلصق نفسها به و قد تجمعت الدموع بعينيها من الألم فيتسمر هو أمامها قليلاً ثم ينتفضا معاً على صوت جاسم الهادر :
" ماذا ؟! .. هل تريد ضمها هي الأخرى لقائمة مكاسبكم ؟! .. ألا تشبع ؟! .. ألا تشبع ؟! "
فيصرخ امين بجنون و قد التقط ما يود الآخر قوله و كأن شياطين الدنيا أمامه :
" ايااااااااااااااااك ... إياك أن تأتي بسيرتها "
جلبت اصوات العراك بقية اهل المنزل ليحاول عبدالحميد الفصل بينهما و حين حاول بكر الاقتراب مجدداً حذره أباه و هو يرى وجهه الدامي فعلم أنه لا ينوي على خير ليستفيقوا جميعاً على صرخات جزعه من الأسفل فالتفتوا ليطالعهم جسد جدهم ممدداً على الأرض بينما اختفى اي أثر للحياة من على صفحة وجهه .

نهاية الفصل التاسع

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن