🌲الفصل الثالث عشر🌲

700 18 0
                                    



الفصل الثالث عشر :


( بعد فترة )

تقف في شرفة غرفتها تغلي قهراً مما تمر به ..
من يراها لا يصدق أبداً أن اليوم عقد قرانها !
تنفست بعمق تحاول تهدئة نفسها لكن لا سبيل لذلك فبعد اقل من ساعه ستصبح زوجته !
حتى هذه اللحظة لا تفهم كيف حدث معها كل هذا في وقت وجيز !
الأمر بدأ حين دخلت لترى جدها بعد أن اجهده المرض في الفترة الأخيرة و اصبح لا يفارق غرفته الا نادراً لتجد وجهه يحمل لها نظرة عتاب صامته و عندما سألته عن ما حدث و أغضبه منها أجابها قائلاً باختصار :
" لقد علمت انكِ توقفتِ عن زيارة اباكِ "
وقتها ابتلعت هي ريقها و بررت له موقفها بنصف الحقيقة فقالت برزانه محاولة ً السيطرة على تعابير وجهها :
" لقد منعتني زوجته من زيارته منذ آخر مره عندما نقلناه الى المستشفى "
لم تكن تكذب عليه ففعلاً مديحه ترفض دخولها إلى غرفة زوجها منذ أن سقط بعد حديثها إليه الذي اودعته كل مقتها يومها لكن للحق لو كانت أرادت هي الدخول الى غرفته لم يكن سيمنعها و لو ألف مديحه لكن هي من فضلت الابتعاد عنه حتى لا تحمل وزر موته يوماً ما !
فهي اعلم بنفسها و تدرك جيداً أن في كل مره ستراه بها لن تتوانى عن قهره و إيذائه عساها ترد إليه بعضاً من افضاله عليها !
لاحظ صفوان شرودها فربت على خدها بحنان خالف نبرته التي خرجت حازمه :
" ليس من حق أي أحد أن يمنعك من زيارة اباكِ و يحرمه من رؤياكِ "
ابتلعت جزاء طعماً مراً في حلقها و امتنعت عن الرد عليه ليقول هو بعد لحظات بصوت هادئ :
" حسناً بما اننا انتهينا من اول أمر ننتقل للثاني "
رفعت له وجهها بترقب و انتباه فقال :
" اسمعي يا ابنتي لقد طال أمر خطبتك من بكر و... "
قاطعته جزاء فيما تقول بصوت قلق :
" اي خطبه التي طالت يا جدي ؟! .. لقد خطبني منذ اسبوعين فقط "
تغصن وجه جدها بينما يقول بنبرة هادئة يتخللها الحزم :
" لا تقاطعيني و افهمي .. أنتِ و بكر تقطنان في نفس المنزل بل لا يفصل بينكما سوى حائط و هذا لا يريحني لأنني استطيع تخمين و لو نصف تصرفاته المتهورة لهذا انا ارى انه لا يصح أن يطول أمر خطبتكما و يجب أن يتم عقد قرانكما على الأقل حتى اطمئن قليلاً و يرتاح قلبي "
قطبت جزاء فيما تجزعلى أسنانها تسأل جدها بخفوت شديد :
" هل هو من طلب منك عقد القران ؟! "
تذكر صفوان رجاء بكر بأن لا يخبرها أن هذه رغبته حتى لا تشعر بأنه يضغط عليها فقال كاذباً :
" لا .. هذه رغبتي انا ، كما انني لا اجد ما يمنع أو يؤخر الأمر .. كل شيء جاهز و النواقص نستطيع اكمالها في أيام معدودة "
تأففت جزاء فيما تقول بجزع دفين وهي ترى الى اين يتطرف بها الأمر :
" لكن يا جدي ....... "
قاطعها صفوان هذه المرة قائلاً بصرامه يستخدمها معها لأول مره :
" لا لكن و لا حيثما ، انتهى الأمر .. انا لن أترك شيء بسيط كإقامتكما متجاورين يجعل من اسم العائلة علكه في فم الناس ، لن اعطي لأحد فرصه يقول فيها أن الحاج صفوان ترك شابين متحابين يسكنا نفس المنزل دون رباط شرعي "
لتمر الايام بعدها بسرعه غريبه حيث كان الجميع يعمل على قدم وساق لأنهاء ترتيبات عقد القران و كأن الجميع اتفق عليها فجأة و هي تقف في المنتصف مثل الغبية لا تفقه شيئاً !
حتى بكر الذي كان يقفز لها في كل مكان كالمترصدين اختفى عن عينيها تماماً حين احتاجته كأنه يهرب من مواجهتها و اصبح مثل الزئبق يركض من هنا لهناك دون أن تستطيع هي اللحاق به أبداً !
لتجد نفسها الآن تقف و تعد اخر دقائق حريتها قبل أن يرتبط اسمها باسمه للأبد !
" يا الله ما الذي أوقعت نفسي به ؟! "
تمتمت بها جزاء بعجز تتمنى في قرارة نفسها لو أن امها هنا معها الان تطمئنها و تأخذ بيدها ...
عادت إلى الداخل على صوت طرقات على باب غرفتها بعد أن أدركت أن المزعجة الأخرى وصال عادت من جديد !
وصال التي قررت أن تعيش دور اخت العروس على حسابها هي و اتخذت مهمة تعذيبها على عاتقها لتفرض عليها التسوق بشكل شبه يومي
و كم بدت مستمتعة بالأمر و كأنها تمارس احب الهوايات الى قلبها بينما كان الأمر بالنسبة لها أشبه بضغط نفسي زائد تم فرضه عليها .
" ربااااااااه .. رويدا رويدا يا فتاه ، بكر هكذا سيفقد ما تبقى من عقله "
قالتها وصال ضاحكه لتهتف بعدها و هي تتفحص زينة وجهها و تقطب بغيظ :
" مهلاً .. اين الكحل ؟! "
" لا اريد وضع كحل "
همست بها جزاء ببرود فهي لا ترغب بالتزين من أجله من الأساس فأخذت ردها متمثلاً في قرصه جعلتها تئن ألما ً و تغصن وجهها فقالت وصال باستحسان :
" اجل هكذا .. اظهري شعورك بأي شيء بدلاً من وجه الخشب الذي تصدرينه لنا معظم الوقت و الآن اجلسي لأضع لك الكحل حتى نظهر جمال عينيك ِ "
هتفت جزاء بعفوية وقحه :
" لا اعلم لما لم تشاركِ امك فترة الحداد التي أقامتها منذ تم تحديد مناسبة اليوم ؟! .. على الأقل كنت سأرتاح من ثرثرتك "
ابتسمت لها وصال بسماحة و اجلستها غصباً تضع لها الكحل فيما تقول ضاحكة بلا مبالاة :
" انا اخت العروس و يجب أن أمارس مهامي كاملة اما امي فهي زوجة اباكِ و على حسب ما تربينا لا توجد زوجة اب تحب ابنة زوجها "
أنهت وصال مهمتها لتنهض جزاء تحدق في المرآة بغير رضا عما يحدث كله فلكزتها وصال مجدداً فيما تقول بغيظ منها :
" ابتسمي قليلاً لوجه الله .. من يراك ِ يظن الشاب اجبرك على الزواج "
تنهدت جزاء دون أن ترد عليها لتمسك وصال بهاتفها فيما تقول بشقاوة محببه و إن كانت جزاء تشعر بأن شيئاً ما تغير في هذه الفتاه عن قبل :
" تعالي أولاً نأخذ صوره سوياً قبل أن ننزل "
وقفت جزاء جوارها لتفاجئها وصال حين لفت ذراعها حولها تقربها منها بحميميه لتخرج الصورة اخيرا ً بابتسامتين أحدهما بمرح كسير و الأخرى بصدق متردد !
.............................
قفزت من الشرفة و فرت ..
تسللت وسط الزحام و فرت ..
احرقت غرفته و فرت ..
افتعلت اي كارثة ستنفجر في وجهه قريباً و فرت ..
هل كان عليه أن يقيدها ؟!
تباً .. تباً .. تباً ، لم تأخرت هكذا ؟!
الوقت يمر و عقله لا يتوقف عن اختلاق آلاف السيناريوهات المتوقعة منها بعد أن هرب من كل فرصة قد تجمعه بها من بعد ما اخبرها جده بما يخطط له !
لتمر الايام بعدها بطيئة مستفزه و كأنها ترد له غيظه المستمر لجزاء !
نظر في ساعته مجدداً يعد الثواني لتتعالى بعدها اصوات الزغاريد فارتفع رأسه مثل الطلقة يكاد لا يصدق نفسه أن موعده معها اخيراً قد حان و انها ستصبح بعد دقائق بسيطة زوجته !
اجل ببعض الحيل ..
اجل ببعض الضغط و الكثير من الدهاء و المكر لكنها في النهاية ستكون زوجته !
تلك المرأة التي فتنت قلبه و سلبت لبه منذ ابد الابدين تجلس الان أمامه بثوب احمر غامق مبهر زادته هي جمالاً وجاذبية .. تطلق شعرها فتثير به جنونه و كأنها تطلق له تحد غير معلن إن كنت قادراً فاقترب !
حبيبته التي تجلس وتبتسم برسميه لمن يبارك لها و توكل أبيه هو عنها .. لم تهرب ، لم تفر ..
بل هي أمامه الان ابهى من اي وقت مضى و بعد لحظات معدودة ستصبح خاصته و حلاله .
" الله اكبر "
اجفل بكر و التفت الى ادم بحده فجلجلت ضحكة الآخر فيما يقول بسخرية :
" اجل هكذا استفق .. الحمد لله على السلامة ، لقد ظننت أنك رأيت شبحاً فقلت لا ضير من التكبير في اذنك "
لوى بكر شفتيه بامتعاض فقال ادم مشاكساً إياه من جديد :
" قلبي عليك يا بكر ، كنت زينة الرجال حتى جاءت هذه الطويلة فشقلبت حالك و جعلتك خاتم في اصبعها و الأدهى ... إنها لا تعلم هذا الشيء "
" ستعلم .. ستعلم كل شيء "
ألقاها بكر بحزم ممتزج بالمكر فغمز له ادم و بعث له نظرة تقدير مضحكه ليقاطعهم صوت عبد الحميد الذي أعلن عن بدأ مراسم عقد القران .
.................................................. ..
و على الناحية الأخرى كان هو .....
يقف و يراقب من بعيد بفضول شديد ، يرى كيف انتصرت على ألمها منه في وقت قياسي و تألقت الليلة بثوبها الكحلي الذي يلتصق بجسدها و الذي عكس بياض بشرتها بشكل لافت بينما جمعت شعرها على شكل ذيل فرس انيق لائمها كما أظهر له نحول وجهها واشياً له عن ما مرت به.
تتألم .. لكنها بعكسه قررت أن تقهر ألمها باكراً ولا تقع فريسة له بل استغلت كل وجع و جعلت منه حافزاً قوياً لها لتخرج في النهاية بتلك الصورة الرائعة .
قطب جاسم قليلاً مستغربا ً نفسه !
كيف يستطيع تحليلها بهذا الشكل السلس من مجرد نظرات ؟!
وصال الغامضة دوماً .. الضاحكة دوماً .. القريبة دوماً تقف الان أمامه في نهاية الغرفة دون أن يستطيع رفع عينه لعينها و دون أيضاً أن يستطيع رفع عينه عنها !
واجه جاسم نفسه بأنه جاء اليوم خصيصا ً رغم حرج موقفه بعد رفض جزاء له و اختيارها لبكر متخذاً مكالمة جده السابقة و الحاحه ذريعة حتى يراها و يعلم ما آل إليه حالها خاصةً بعد أن أعلنت منذ فترة انها ترغب بمكتب خاص بها لأنها اكتفت من التدريب ليكون المكتب الذي وقع اختيارها عليه في ابعد نقطه عن مكتبه و كأنها تخبره ضمنياً بأنها نفته من كل ما له علاقة بها و كل ما يخصها .
ألم يكن هذا ما يريده دائما ً ؟! .. أن يرتاح من قربها المزعج !
إذا ً لما أصبح اختفائها التام عن عينيه الان مغيظاً له ؟!
هل خلقت له معرفته بحقيقة علياء حاله من عدم التوازن فبات يتخبط بهذا الشكل القميء أم أنه ببساطه أدرك متأخراً أنه يشتاق لعفويتها و مرحها حوله ؟!
لا .. لن يستمر الأمر بهذه الطريقة !
يجب أن تفهم هذه المستفزة صغيرة التكوين انها .........
تباً .. انها لا تخضع لوصف ولا لمكانه !
كل ما يعرفه الان أنه يجب أن يتحدث معها و يوضح لها ما حدث يومها .
بحق الله أليس من حقه أن يُصدم حين يكتشف أن من كان يعتبرها رغده أخرى تراه هي ابعد ما يكون عن الأخوة ؟!
اتخذ جاسم قراره و تحرك تجاهها لا يحيد بعينه عن هدفه لا يبالي حتى بنظرة جزاء الساخرة من وجوده في مثل هذا اليوم ليقف خلفها قائلاً بهدوء معاكس تماماً لما يشعره الان من توتر :
" مرحبا يا وصال "
للحظه توترت لكنها تمالكت نفسها و التفتت له ترد تحيته ببساطه شديده فقال هو من جديد محاولاً رأب الصدع :
" هل سنظل متخاصمين ؟! "
رفعت وصال حاجبيها باستخفاف ماهر فيما ترد عليه بشيء من السخرية :
" متخاصمين ؟! .. انا لم اخاصمك أبداً يا ابن العم ، انت من اختفيت فجأة و دون سبب ، وقفت اخذ بيدك بعد أن رفضتك جزاء فتركتني كالمجنون و ركضت "
تنحنح جاسم بحرج وقد أدرك انها تتجنب ذكر الأمر بالطريقة الصحيحة فجاراها فيما تفعل قائلاً بهدوء :
" إذاً نحن لسنا متخاصمين "
راقب وجهها الذي كان مثال للصلابة و الاباء وهي ترد عليه بقوة :
" لم نعد اطفال لنتشاجر و نتخاصم .. لقد كبرنا و انتهى الأمر "
لم يستطع جاسم السيطرة على لسانه فقال ما كان يراه أمر واقع حتى وقت قريب :
" لكني ما زلت ارى انكِ طفله "
شتم جاسم نفسه سراً على ما يقول بينما ابتسمت له وصال ابتسامه صفراء فيما ترد بنبرة بارده توازي برودة نظراتها :
" على العموم هذه مشكلتك انت ، على الأغلب أن ترى ذلك لأن فرق السن بيننا كبير "
فرق السن بيننا كبير !!
لا يعلم لما شعر بالغبطة من إجابتها !
هل فرق السن بينهم كبير الى هذه الدرجة حقاً ؟!
مهلاً مهلاً .. إنهم مجرد ثمان سنوات !
ما بال هذه المستفزة تشعره بأنه كهل ؟!
اجل هو في منتصف الثلاثينات تقريباً لكنه لا يزال في عز شبابه كما يقولون !
تباً لكِ يا وصال تستطيعين بكلمةٍ واحده أن تجعلي المرء يشد شعره غيظاً منكِ !
تنفس جاسم بعمق كاتماً غيظه بداخله من اسلوبها المستحدث معه ليقول بعد عدة لحظات منهياً حواره معها :
" حسناً .. اعتقد اننا تصافينا "
رفعت له حاجبها و اهدت له اجمل ابتسامه لديها فيما ترد له بضاعته بشكل غير مباشر قائله بعفويه و بساطه :
" لم يعكر صفو علاقتنا شيء من الأساس ، مهما حدث انت ابن عمي و اخي الكبير كما انني لا افهم سبب هذا العتب من الأساس .. لكن إن كان هذا سيريحك فأنا لست غاضبة منك في شيء "
نظر لها جاسم لعدة لحظات ثم اومئ لها متفهماً فيما يقول بسخرية مبطنه و هو يتحرك في الاتجاه الآخر عائداً الى مكانه السابق :
" ربنا يديم الود يا ابنة عمي "
لترد هي عليه بنفس السخرية و إن كانت أكثر حتى تجعل الكلمة الأخيرة من نصيبها هي :
" آمين يا ابن العم .. امين "
.................................................
هل يمكن أن تكون وسط احتفال لكنك تأن وجعاً بمفردك ولا يشعر بك احد؟!
هل عندما نكسر قلب أحدهم نتألم بهذه القسوة ؟!
انطفاء لمعة عين ..
ابتسامه بارده تناقض أخرى أكثر شغفاً قد عاشت قديماً بين نفس الشفتين و كأنها تسخر منها ..
كل هذا عاشته اليوم !
او بالأحرى تعيشه منذ أكثر من أسبوعين
رباه كم أصبحت تمقت نفسها !
لم تتخيل يوماً أن تكون سبب مباشر في تغير انسان للأسوأ !
لقد أصبحت متأكدة بأن انس سيفسخ خطبتهما في اي لحظه بعد أن شعر بأنها استغلته كمسكن وبديل لحب مستحيل وسيبحث عن غيرها لتعالج ما كسرته هي به !
لكنها متأكدة أيضاً من أنه لن يكون أبداً نفس الرجل ..
لن يكون نفس المعطاء ، نفس المتفهم .. باختصار لن يكون أبداً نفس الشخص الذي قابلته اول مره !
تباً لها و لضعفها ..
لو لم تورطه منذ بداية الأمر ، لو لم تكن انسانه انانية استغلالية لما تطور الأمر إلى كل ما تعيشه هي الآن !
نظرت حولها تبتسم بزيف لمن يحيطون بها ، تبني بينها و بينهم سد ثقه زائف بأن كل شيء على ما يرام بينما عقلها يومض بذكريات و مواقف متتابعة و كأنه يهوى جلدها بذنب الآخر !
( اذهبِ لأبن خالك يا ابنة الناس و افعلي ما ترينه مناسباً .. أنتِ حره )
هكذا ختم حديثه معها اليوم بعد أن أصر فجأة ً بشكل غير منطقي على أن يذهبا و يشاهدا منزل تم عرضه للبيع فاعتذرت هي منه و أخبرته بأن اليوم عقد قران بكر و جزاء ليفاجئها هو بصمت بارد دام للحظات أو دقائق ثم قال بعدها بتقرير اكثر منه سؤال مستخدماً نبرةٍ خافته تحمل من الحدة ما تحمله :
" عقد قرانهما اليوم و لم تخبريني الا الان ! "
لتغلق هي عينيها بصدمه تشتم نفسها لأنها نسيت أن تخبره بالأمر في المكالمة السابقة أو بالأحرى كانت مشغولة بالشجار معه حول سبب نكبتها الأكبر امين و الذي أصبح أنس لا يطيق حتى سيرته !
كما أن امها لم تتنازل و تدعوه هي بصفتها عمة العروسين فبدا الأمر كإهانة شديدة
همست عهد تسترضيه بضعف و قد أصبحت تستنزفها مجادلاتها اليومية معه :
" أنس .. انا حقاً أسفه ، لقد تم الأمر بشكل مفاجئ و نسيت تماماً اقسم بالله .. انا كنت ... "
ليقاطعها هو محتداً بغضب عارم :
" نسيتِ ! .. هل تمزحين معي يا عهد ؟! .. أنتِ لم يكن بنيتك اخباري عن الأمر من الأساس و لو انني حددت وقت رؤيتنا للمنزل اليوم ما كنتِ ستخبرينني أصلاً عن الأمر "
وقتها ابعدت الهاتف عن اذنها و تنهدت بتعب لتحاول معه بعدها بصبر لأنها تعلم أنها تمادت هذه المرة حين نسيت أخباره فبدا الأمر و كأنها تنحيه عما يخصها :
" و الله نسيت يا أنس .. و بالتأكيد كنت سأتحدث معك حتى ترافقنا ليلاً "
ليطلق هو ضحكة متهكمة فيما يرد عليها بفظاظة تستحقها :
" حقا ً ؟! .. و أنس تحت امر سيادتك ، تتصلين ليلاً و تطلبين منه مرافقتك فيركض ركضاً من أجل رضاكِ ! "
تذكرت عهد كم وترها الأمر لتجد نفسها تقول بصوت اكثر بروداً بعد أن سأمت من الأمر برمته :
" لا داعي لهذا الأسلوب يا أنس .. اخبرتك انني نسيت و لم اقصد تجاهل وجودك "
ليقابل هو وقاحتها بالصمت ثم يقول بعدها بلحظات بصوت لا حياة فيه :
" اذهبِ لأبن خالك يا ابنة الناس و افعلي ما ترينه مناسباً .. أنتِ حره "
صمتت هي الأخرى و شعرت بأنه لا يقصد بكر بحديثه لكنه لم يعطيها اي فرصه لسؤاله عما يقصد و اغلق الخط منهياً المكالمة بأسوأ شكل ممكن .
تنهدت عهد بضيق و قد سأمت من دور السعادة الذي تقدمه اليوم أمام الجميع فغادرت الغرفة التي يتم عقد القران فيها و خرجت إلى المنطقة الأمامية التي تشبه الحديقة تتنفس الصعداء بعد أن هربت أخيراً من هذا الاجتماع الخانق !
" لماذا تقفين بمفردك ؟! "
رباه ..أليس من المفترض أنه يخاصمها ؟!
اذاً لماذا أتى خلفها الآن ؟!
هي الآن في اسوء حالاتها العصبية خاصة ً و أن ضميرها في أوج يقظته و ينغزها كل دقيقه بما فعلته مع أنس !
عضت شفتيها بحنق ثم التفتت له مرغمه و اجابته بصبر بينما تعربد بداخلها رغبة قويه للصراخ فيه و ربما ضربه لأنه سبب كل ما تمر به :
" لقد اختنقت قليلاً ، كما تعلم انا لا احب التجمعات و لا الزحام "
اومئ لها بتفهم ثم سألها بنبرةٍ عادية اكثر من اللازم رفعت لها ضغطها :
" اين خطيبك ؟! .. ألم تدعينه ؟! "
جزت على أسنانها للحظات ثم ردت عليه ببرود :
" بالطبع دعوته لكنه اعتذر عن الحضور لأن لديه عمل مهم "
( تكلم يا حائط .. تكلم يا لوح )
( او لا .. لا تتكلم ، سأشعر بالذنب اكثر )
( ربااااااااه .. ما الذي يحدث لي بالضبط ؟! )
كل هذا يدور بداخلها بينما تحافظ هي على ملامحها المحايدة لينطق رجل الثلج اخيراً بسؤاله المعهود :
" هل أنتِ سعيدة مع هذا الشاب يا عهد ؟! "
ودت لو تلكمه لكن بدلاً من ذلك ردت إليه سؤاله بغيظ لم يظهر في صوتها الهادئ :
" ما رأيك انت ؟! .. كيف ترى الأمر من جهتك ؟! "
صمت امين قليلاً ثم أجابها بما يراه هو و ( بمنتهى الامانة ) :
" لا .. لا اظن انكِ سعيدة معه .. منذ خطبتك له وانتِ اكثر تحفزاً .. أشبه بقطه تسير على صفيح ساخن .. سريعة الغضب و دائمة الشرود "
رفعت له حاجبها باستهانة مغتاظه فيما ترد عليه دون أن تستطيع التحكم في نفسها اكثر من ذلك :
" سبحان الله ! .. منذ متى أصبحت ترى ابعد من انفك يا امين ؟! "
فيقطب هو شاعراً ببوادر اهانه ليعتدل في وقفته أمامها ويطرد استرخائه فيما يسألها بحذر خافت :
" ماذا تقصدين بالضبط ؟! "
ضغطت عهد على أسنانها للمرة الثانية تحاول استعادة السيطرة على اعصابها التالفة ثم ردت ببرود مستفز :
" و لا اي شيء "
تحركت بعدها تنوي العودة إلى الداخل ليمسك هو بذراعها قائلاً باستفزاز شديد :
" ما مشكلتك معي بالضبط ؟! "
ابعدت عهد يده بعنف فيما ترد عليه باستفزاز مماثل و هي تبتعد عدة خطوات تتخذ طريقها نحو الداخل :
" انا ليس لدي مشكلة .. هل لديك انت ؟! "
" بلى .. لدي "
تسمرت عهد مكانها ثم التفتت له لتجد وجهه قد احمر فجأة ً من الغيظ غالبا ً فقالت بتوتر حاولت إخفاءه عنه لكنه التقطه :
" ما هي مشكلتك ؟! "
لتأتي الإجابة على سؤالها بصوت أنس الساخر الذي فاجئها بدخول درامي لم تتوقعه أبداً و كأنها تشهد فيلم سخيف :
" أنا .... "
لينظر بعدها إلى امين من اسفل الى اعلى ثم يستطرد بقية جملته و هو يقترب منها أمام نظراتها المتوجسة مما يحدث كله :
" وصلت "
.................................................. ...........
" لم تخبرني انك ستأتي ! "
التفت أنس الى عهد بعد أن تجاهلها للحظات طويله ثم قال بعدها بنبرةٍ بارده .. مستهزئة :
" ألم تعجبك المفاجأة ام ماذا ؟! "
بادلته عهد التحديق بضيق لتهمس بعدها وهي تحاول السيطرة على غضبها :
" بالتأكيد لم اقصد هذا ، لكنك كنت في أوج غضبك و اغلقت بعدها الهاتف في وجهي "
نظر لها أنس باستهزاء فيما يقول بسخرية مبطنه :
" هل جرحت احساسك ؟! .. انا آسف "
لتجز هي على أسنانها فيما تقول بصوت حاد :
" أنس .. كفى ، توقف عن هذا "
اشاح بوجهه عنها يداري غضبه الذي لم يهدأ للحظه منذ أن عرف انها قررت إقصائه عن حياتها لهذه الدرجة !
تباً هل كانت تخطط لقضاء الأمسية مع ابن خالها لذلك لم تدعوه ؟!
لأول مره يخطئ في قراءة شخص !
لقد كان دائماً يتشدق بحسن تقديره للأمور و ذكائه الحاد ليكتشف في النهاية انه اخطئ في قراره حين استمع الى والدته و ارتبط بعهد دون أن يكون على معرفة وثيقه بها .
كم كان غبياً و هو يظن برودها خجل و صمتها حياء !
و كم كان غبياً حين ظن أن حب ذلك الابله الذي يُدعي امين حب من طرف واحد !
لتظهر بعدها الحقائق تباعاً و يكتشف أنه لم يكن سوى نغمة شاذة وسط الحان عشق يشدو بها كلاً منهما للآخر ...
كلاهما عاشقان و هو الغبي الوحيد في القصة !
لكن لما وافقت عليه إذا كانت تحب الآخر ؟!
هل كانت تحاول إثارة غيرته ام أنه جرحها بشكل ما فقررت مداواة جرحها به هو ؟!
تباً لك ِ يا عهد ...
لقد أوضحت له دون أن تقصد انه مهما كان معطاء و حنون لن يصل يوماً إلى قلبها
لن تلمع النجوم في عينيها مثلما يحدث حين ترى امين
لن تتحدث بعفويه مثلما تفعل مع أمين
لن تركض نظراتها خلفه مثلما تركض خلف أمين
امين .. امين .. امين
ألا لعنة الله عليها و على امين !
انتبه من أفكاره على صوت وصال التي تقدم له مشروب غازي فأخذه منها شاكراً ليتابعها بعد ذلك بعينيه فيجدها قد ذهبت ووقفت جوار الآخر تتحدث معه و تمازحه بينما كان هو يتابع بعينيه عهد التي تجلس منكمشة بعض الشيء جواره !
نهض أنس بعد دقائق سأم فيها من متابعة ما يحدث حوله رغم أن هيئة العروس التي توحي انها على وشك قتل عريسها قد أثارت اهتمامه لبعض اللحظات ليتحرك بعدها قائلاً لعهد بهدوء :
" اتبعيني من فضلك .. اريد التحدث معك "
نهضت عهد و اتبعت خطواته تلاحقها عينيّ امين الذي كاد يتحرك خلفهما لتمسك به وصال فيما تهمس بغيظ :
" انتظر قليلاً .. اذا تحركت الان سيعلم الجميع انك ستذهب خلفهما ، كما أنني أعتقد والله اعلم أن آدم اكتشف امرك فهو لا ينزل عينه من عليك منذ حضر أنس الى هنا "
تجاهل امين نظرات ادم المسلطة عليه بهدوء مؤقت لينظر إلى وصال قائلاً باعتراف عاجز :
" ماذا افعل ؟! .. كيف اعيدها لي من جديد ؟! "
ضحكت وصال بخفه فيما تقول بشقاوتها المعهودة :
" اذا اردت رأيي كرجل فسأقول لك انتظر حتى تنتهي تلك الخطبة البائسة ثم ارتبط بها "
كاد امين يتحدث فقاطعته هي تكمل كلامها :
" اما اذا اردت رأيي كأنثى فسأقول لك اذهب الان و اضرب أنس لكمتين ثم اجلب عهد من شعرها و قبلها في منتصف الحديقة "
اتسعت عينا امين بصدمه من وقاحتها ليقول بعد لحظات بصوت مُحرَج :
" انتِ قليلة الحياء "
فرقعت ضحكة وصال لترد عليه و هي تدفعه حتى يذهب خلف من خرجا :
" تدعوني انا بقليلة الحياء يا شقيق بكر ! ، رحم الله اياماً كنا نركض فيها إلى غرفنا فور أن يستيقظ اخاك ثم نعود بعد أن نتأكد أنه خرج بكامل ملابسه "
ضحك امين هو الآخر ثم قرص خدها و تحرك الى الخارج يتبع عهد و أنس بينما التفتت وصال فوجدت ادم أمامها يسألها غامزاً بمكر :
" هل لدينا عرس جديد ؟! "
ضحكت وصال ثم قالت ممازحة إياه بنفس المكر :
" قل يا رب "
ابتسم ادم ثم سأل بمشاكسة طفولية :
" فيما كنتما تتحدثان ؟! "
اسبلت وصال اهدابها ثم قالت بغرور مضحك و هي تكتف ذراعيها :
" ستعطيني كم لأخبرك ؟! "
تعالت ضحكته فلفت أنظار من يحيطون بهما ثم مال برأسه قائلاً بخفوت :
" سأراقصك هنا و الآن و ليعينني الله على المجزرة التي ستحدث بعدها "
نظرت وصال له بتحدي و قد لمعت الفكرة في عقلها فقالت باستهزاء قصدت به استفزازه :
" ابحث عن شيء اسهل فأنت لن تقدر على فعلها ثم من قال لك انني اريد الرقص معك ؟! "
رفع لها ادم حاجبه ناظراً إليها بتحدي ليمسك بعدها بيدها دون أن ينطق بحرف و يسحبها أمام الجميع فيلفتا الأنظار إليهم اكثر لتسحب هي يدها في اللحظة الأخيرة من بين يديه و قد وصلت لما أرادت في نفسها ثم عادت إلى مكانها السابق فيما تقول بصوت متخاذل باصطناع :
" حسناً .. لقد ربحت "
ابتسم ادم بغرور مصطنع ثم قال :
" و الان اخبريني "
نظرت له وصال بمكر ثم قالت بتمويه :
" نفس ما تفكر به "
فالتمعت عينه بظفر لتقول هي من جديد بمشاكسة :
" ماذا ؟! .. ألن تذهب و تثأر منه ؟! "
ضحك ادم مجدداً ليقول بعدها غامزاً بثقه :
" سأترك أمر الثأر لصاحبته "
كادت وصال تتحدث لكنه قاطعها مستطردا ً :
" كما أن خطيبها معها لكن هذا لا ينفي انني سأذهب و اراقب و أتدخل اذا اقتضى الأمر "
هزت كتفيها بلا مبالاة ليقول هو مشاكساً و هو يحرك خطواته للخلف :
" سأذهب الآن قبل أن تتضخم الظنون و نجد أنفسنا نجلس على نفس الأريكة ليستروا فضيحتنا نحن أيضاً "
ضحكت وصال ثم قالت بتكبر :
" في أحلامك يا دكتور"
ليضحك هو الاخر قائلاً :
" حسناً يا صعبة المنال "
عادت وصال بنظرها إلى بكر وجزاء فوجدتهم على حالهما ثم اصطدمت عيناها به من جديد و لمحت فضوله الذي يغشي عينيه خاصةً بعد وقفتها المريبة مع ادم لكنها اشاحت بوجهها عنه ببرود فيما تتمتم بسرها :
" اصبر على رزقك معي يا جاسم والله لأرينك النجوم في عز الظهر "
.......................................
" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير "
يحاول السيطرة على نظراته الذاهلة لكن رغماً عنه تفلت منه الأمور و في النهاية هو بشر !
بشر ظن يوماً أن حلم اجتماعه بمن يهوى بات مستحيلاً !
بشر كان رغماً عنه يتملكه اليأس يوماً بعد يوم و هو يرى أن عودتها إليه ضرب من الخيال !
ليجد نفسه اليوم يجلس بين عائلته التي تشهد كما يشهد العالم أجمع انتمائها إليه !
هل يحلم ام يتخيل ام أن و بكل بساطة شاء القدر أن يضحك في وجهه أخيراً ؟!!
التقت عيناه بعينها فبهتت فرحته قليلاً وهو يرى عدم الرضا يظلل حدقتيها .. إنها لا تشاركه فرحته ، لم تحلم به يوماً واحداً و هو عاش عمره كله ينتمي بعقله و خياله و كيانه كله إليها !
غبية أنتِ يا جزاء ..
تتشبثين بماضي سيسحقك يوماً ما تحته و تفرطين فيما هو ملك يدك !
آه لو تعلم كم يهواها ..
آه لو تعلم قدرها و قيمتها عنده ..
لبادلته عشقاً بعشق و جنوناً بجنون و لقدمت له مفتاح قلبها بكل رضا على طبق من فضه !
لكن لا بأس ...
مع الايام ستشعر و تفهم و تنتمي و تعشق .
" الف مبروك يا بني .. هيا أذهب و هنئ عروسك "
يكاد لا يشعر بعناق أبيه و لكن كلماته شحنت طاقة عبثه الذي اختفى طوال الدقائق الأخيرة فتحرك أخيراً تجاهها لا يبالي بنظرات ادم الساخرة و لا وصال المترقبة و لا عمته و زوجة عمه الممتعضة و لا رغدة المكتئبة و لا حتى نظرات جزاء نفسها الناقمة على كل ما يحدث ...
لا يرى أمامه إلا طفلته التي رفعت إليه ذراعيها ذات يوم باستغاثة و لم يقدر هو على حمايتها ..
طفلته الأولى التي كبرت بعيدا ً عن عينيه ..
طفلته الاغلى التي تركها يوماً رغماً عنه لكنها لم تتركه أبداً و لو للحظة !
كانت معه في كل وقت ..
صحوته و منامه ، ضيقه و سعادته ، صمته و حديثه
كانت و لا تزال مليكة قلبه الاولى و الاخيرة !
وقف أمامها يخبئ ضعفه و سعادته و شوقه إليها خلف قناعه العابث ثم سحبها ناحيته مره واحده فشهقت هي ووصال في آن واحد و اتسعت عينا الجميع ظناً أنه سيقبلها أمامهم خاصةً و عيناه لا تفارق شفتيها لتقسم هي سراً في نفسها أن تصفعه اذا تجاسر و فعلها لتجد شفتيه قد حطت رحالها فوق جبينها ليزفر بعدها نفساً ساخناً مرتجف وسط ضحكات الجميع هامساً لها بخشونة :
" مبروك غزالتي ، و الله و اقترب أوان الصيد "
جزت على أسنانها فيما تهمس له بقهر دون أن تبالي نظرات الجميع الفضولية :
" يوماً ما سأقتلك "
فابتسم لها بدفء و عذوبة قائلاً باستفزاز :
" يسعدني الموت على يديكِ "
تحركا بعدها حيث جدهما حتى يبارك لهما ثم تحركا حيث اباه الذي عانقه بسعادة و قبل رأس جزاء ليتحركا بعدها مجدداً نحو مقعد حامد الذي كان يجلس جوار زوجته و يلتمع الدمع بعينيه فتلكأت جزاء قليلاً لا تريد مباركته بل تشعر كما لو أنها تخون امها الان و هي تقف أمام ذلك اللعين ليشد بكر على يديها و يتخلل أصابع يديها بأصابعه فتقترب من حامد على مضض بل و تركع هي و بكر أمام كرسيه المتحرك لتضغط هي هذه المرة على يد بكر تجز على أسنانها و تحارب رجفتها و نفورها حين امتدت يد حامد ببطء شديد و ربت على رأسها لتنهض بسرعه و كأنها لا تطيق أن تظل أمامه اكثر من ذلك فينهض بكر هو الآخر يراقب ملامحها المغلقة و يرى ما خلفها من غضب و قهر فقال مازحاً بصوت مرتفع راغباً في الانفراد بها ولو للحظات :
" بعد اذنك يا جدي .. و يا ابي بالطبع "
فاسترعى انتباههما و التفت له صفوان فاستطرد و هو يجذب جزاء خلفه دون أن يبالي باعتراضها و حيائها الذي خدشه الان وسط ضحكات أصدقائه الشباب و تصفير ادم :
" فاصل ونعود لكم "
كادت تتعثر جزاء اكثر من مرة أثناء سحبه لها فيزداد جنونها أكثر و تسبه ليتوقف للحظه عند درج ما يفتحه و يسحب منه ملف ثم عاد يسحبها خلفه من جديد كعنزة عرجاء فتشتمه هي من جديد ليوقفها اخيراً في نهاية الحديقة فزمجرت بجنون و هي تخلص ذراعها منه بحده فيما تهتف بغضب مجنون يلازمها منذ الصباح لكن فجره ركوعها امام كرسي حامد وعلى مرأى من الجميع و كأنها تعلن استسلامها و هزيمتها بل وولائها له :
" هل تراني عنزه امامك حتى تسحبني خلفك هكذا ؟! "
نظر لها بكر يملئ عينه منها دون شبع و قد اختفى اي أثر للمزاح و الهزل من فوق صفحة وجهه ليتجلى الاهتمام الصادق فوق محياه فيما يقول بغموض :
" أحياناً يجب أن تتنازلي عن جولة حتى تربحي غيرها "
كادت أن تتحدث فقاطعها مستطردا ً بهدوء و مهادنة يثيرا ما تبقى من اعصابها :
" اعتبري ما حدث في الداخل ناتج عن تربية امك الحسنة لكِ ، ذكري نفسك دائما ً انكِ كنتِ تقفين امام رجل عاجز لا يقوى على فعل شيء أو حتى التعبير عن نفسه "
فلتت اعصابها فقالت بقهر لا ينتهي :
" ليحترق في قعر جهنم .. هذا الرجل دمر حياة امي ووصمها بالعار لذا أنا لا أدين له بأي رحمة أو شفقة لمجرد أن القدر قد سلبه اساس قوته و جبروته "
صمت بكر ينتظر منها أن تفرغ ما في جعبتها فأكملت بعد لحظات نظمت فيها أنفاسها :
" هل رحم هو ضعفها و أشفق عليها ؟! .. هل حاول يوم أن يفهم حقيقة ما حدث ؟! .. تتشدقون جميعاً بأنه ظل يبحث عني لكن انا فقط من ادرك أنه لم يفعلها الا ليحرق قلب امي اكثر لأنه تزوج منها رغماً عنه و لن اتعجب حتى اذا علمت في النهاية أنه كان ضليعاً في تلك التهمة القذرة التي رموا بها امي بالباطل "
ظل بكر على صمته لبعض الوقت ثم اقترب منها اخيراً يلمس وجنتها بحنو قائلاً بوعد :
" سأكشف للجميع كل ما حدث في تلك الليله .. اعدك ، و كل ما أريده منكِ في المقابل هو أن تثقِ بي "
ابعدت جزاء يده لحظه ثم ابتسمت له باستهزاء فيما تقول بصوت أجوف :
" اثق بك ! .. بعد ما اجبرتني على هذا الزواج تطلب مني أن اثق بك ؟! .. ثم من اين لك ان تعلم بحقيقة ما حدث مع امي ؟! "
تنهد بكر مدركاً أن طريقه معها لن يكون سهلا ً أبداً فقال بصبر :
" اما عن أمر امك فأنا اعلم و هذا يكفي حتى الآن ، و اما عن أمر الزواج فهذا كان شيئاً خارجاً عن ارادتي و لكني لست آسفاً عليه "
كادت جزاء تصرخ فيه مجدداً لكنها شهقت و عينيها اتسعت بارتياع حين اقترب منها بغته و الصق شفتيه بزاوية فمها فيما يقول بهمس ساخن وقد انتهى صبره :
" انا بكر ... و يوماً ما ستعلمين من يكون بكر لجزاء "
حاولت التراجع و الابتعاد لكن كفه الذي وجد مكانه على ظهرها كان لها بالمرصاد ليلتقط من زاوية فمها قبلة صغيره ثم انتقلت شفتيه بعدها الى وجنتها و انتقل معها همسه الى هناك :
" قد تظنين الان انكِ مجبره لكن ستعلمين مع الوقت أن هذا قدرنا "
فينهي همسته و يسرق قبلته الثانية مستغلاً تجمدها بين يديه بينما كفه الأخر وجد طريقه حيث قلبها يستشعر جنون نبضاته فيتبع هو إحساسه و يقبل طرف أنفها هامساً بشوق يتجدد ذاتياً :
" بكر هو نصف جزاء و جزاء هي كل بكر "
تختض بين ذراعيه و تحاول السيطرة على جسدها لكن قدمها أصبحت رخوة لا سبيل للتحكم فيها فيبادر هو بكل اخلاص و يلف ذراعه حولها يأسرها اليه و يدعمها ثم يسرق قبلته من الوجنة الثانية دون أن ينسى همسته :
" أنتِ لستِ ابنته .. أنتِ ابنتي انا ، جميلتي انا ، لا تنتمين لغيري "
تهمس بصعوبة تطالبه بالابتعاد فيزيد هو من قربه فتحاول التملص فيلتصق أكثر تنطق اسمه تنبهه و تطالبه مجددا بالابتعاد فلا فتزيد الا من سكرة حبه لها ليهمس اخيراً أمام شفتيها بعد ان انتهى الصبر و اختفى المكر و لم يسطع غير نور العشق الذي غشى حدقتيه فلم يعد يرى أمامه إلا شفتيها :
" بل انا إليكِ المنتمي "
ليسحبها معه في لجة عشق لم تختبر مثلها أبداً !
سألته و سألت نفسها مراراً عن سر تمسكه بهذا الارتباط فلم تسعفها اي إجابة شافية لكنه الآن يجيب و يجيب بل يسترسل و يوفي كل سؤال حقه دون أن ينطق بحرف بواحد !
بينما كان هو مستسلماً تماماً لطوفان مشاعره معها تاركاً لقلبه القيادة و الحكم ...
شوق ، جنون ، ارتواء
كل المشاعر تهاجمه و تستفحل في عروقه و كل هذا من مجرد قبله !
لا .. هذه ليست قبله !!
هذا التحام بين قلبه و قلبها ..
ميثاق عشق يوقعه باسمه و اسمها ..
عشق اصبح يدرك جيداً أن شعلته لن تخبو مهما طالت بينهما السنون !
ابعدها مرغماً فشهقت هي تطالب بالهواء ثم تأمره من جديد بصوت مهتز أن يبتعد فيهمس ضاحكاً بلهاث :
" اخاف ان افلتك فتسقطين ارضاً غزالتي .. وقتها اقسم بالله لن استطيع التحكم بنفسي مطلقاً "
استطاعت اخيراً التملص من بين ذراعيه لكن قبل أن تفر من أمامه كما توقع منها امسك يدها مجدداً مجبراً إياها على البقاء و مال ارضاً يمسك بما وقع منه وسط غرقه بها لينهض بعدها قائلاً بصوت خشن لا يزال يحمل تأثير قبلتها عليه و هو يناولها الملف :
" لقد حضّرت هذه المفاجأة لكِ لتكون هدية زواج "
يصلها صوته لكنها تكاد لا تميز ما يحدث و ما تمر به !
هل استسلمت له حقاً بل و غرقت في قبلته ؟!
كيف انقشع من عقلها أن من يقبلها فرد من تلك العائلة التي حطمتها ؟!
كيف تركته ..... ؟!
" جزاء ... افتحي هديتك لأن وقوفك معي في هذه اللحظة خطراً عليكِ "
انتزعها صوته المشحون بعاطفته من لجة أفكارها فتناولت منه ما يعطيها دون أن ترفع عيناها إليه خوفاً من أن ترى نظرة ظفر أو انتصار تقضي على ما تبقى من قوتها فهمس هو مجدداً :
" افتحيه و اقرأِ ما به "
فتحته جزاء باضطراب تأمل أن تتخلص من تلك الوقفة التي يقيدها بها و بدأت تقرأ بعينيها باضطراب تحول تدريجيا ً إلى شهقة صدمة لترفع عيناها إليه تحدق فيه بلا نطق !
ما هذا الرجل ؟!
لا تصدقه و لا تفهمه !
كيف يهدّها بيد ثم يعود و يبنيها بالأخرى ؟!
كيف يوصلها لأقصى درجات الغضب و الجنون ثم و في ثانية ينزل كالبلسم فوق غضبها فيطفئه ؟!
ابتسم بكر بدفء اغدقه عليها بلا تحفظ فيما يقول هامساً :
" لم اجد هدية زواج افضل من وعد ببداية جديدة ، و لا اجد بداية افضل من عودتك لجامعتك حتى تنهي ما تبقى لكِ هناك و تنهي دراستك بشكل كامل "
ظلت جزاء تحدق في وجهه بخرس و كأنها تراه لأول لتدمع عيناها رغماً عنها و تطرق برأسها ارضاً فيرفع هو رأسها يحدق في عينيها و يهمس بوعد آخر :
" سأقضي على كل الأمور التي تؤذيكِ و سأحارب كل اشباحك .. فقط ثقِ بي "
لم تكن بكل عقلها معه بل كان عقلها يدور بدواماته الخاصة و حلمها الذي لا تزال تذكر مقتطفات منه يعود و يغزوها فتراه مجدداً وهو يسحبها من بئر الظلمة فتجد نفسها تستسلم طواعية له حين جذبها في عناق لم تذق في حلاوته و دفئه من قبل !
بل لم تتخيل أن تذقه أبداً !
كان يخبئها حرفياً بين ذراعيه بقوة شديدة يكاد يطبعها على صدره ، يتنفس اريج شعرها بثمل عاشق قد اضناه فراق معشوقته ..
اغمضت جزاء عينيها و ذاب جليد قلبها بين ضلوعه للحظات طويلة قبل أن يبعدها هو ببطء شديد فتهمس هي باضطراب لا ينتهي :
" انا .... اريد ... "
فيقاطعها هو متفهماً و مشفقاً عليها مما تعانيه :
" اذهبِ إلى غرفتك وارتاحي قليلاً ، لقد مررتِ بالكثير حتى هذه اللحظة "
ابتعدت جزاء عنه و أسرعت تهرب من أمامه تفر من نفسها و من احساسها المخيف الذي ولد في هذه الدقائق الأخيرة !
وصلت إلى غرفتها واغلقت بابها بتشوش تختبئ من كل ما مرت به اليوم خلف ابواب غرفتها بينما همس هو في إثرها بعاطفة متقده :
" ما اشهى مذاق عشقك يا غزاله "
تنحنح بعد لحظات محاولاً استعادة سيطرته على نفسه ثم أخرج هاتفه و بعث لها رساله يشاكسها بها عسى أن يخرجها من تلك الحالة التي المت بها :
( لأمانك يستحسن أن توصدي باب غرفتك و شرفتك الليلة )
ليتبع رسالته بوجه يغمز و اخر يبعث قبله
ليتنهد بكر ثم يتحرك بعدها بوجه يحمل كل انواع السعادة يذكر نفسه مرة بعد أخرى بأنها باتت زوجته و يدعو الله ان يصبره إلى أن تنتهي كل التحضيرات حتى يجتمع بها في اسرع وقت ممكن كما تمنى دائما ً تحت سقف واحد .

نهاية الفصل الثالث عشر


ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن