🌲الفصل الثامن🌲

658 21 0
                                    

الفصل الثامن :

( قبل عدة دقائق .... غرفة حامد )

" يا الله ! .. ماذا يحدث له ؟! "
هتفت بها مديحه بجزع و هي تنظر الى هيئة زوجها الذي كان يبدو و كأنه يحتضر دون أن تفهم هي ما يحدث معه بالضبط !
فقد ارتفع ضغط دمه فجأة و فشلت كل محاولاتها هي و الممرض الخاص به في السيطرة على الوضع ....
" يجب ان ننقله الى المستشفى في الحال "
ارتدت الى الخلف قليلاً تحدق في وجه زوجها و الرعب قد شل حركتها ليهتف بها الممرض مجدداً محاولاً افاقتها مما تغرق به :
" سيدتي .. ايقظِ أحدهم و انا سأجهزه ، يجب أن نذهب الان "
فتحت مديحه باب غرفتها و ركضت دون تمييز الى غرفة امين و دقت على الباب بسرعه تحاول إيقاظه دون أن يصلها رد ففتحت الباب لتجد الغرفة خاليه من صاحبها !
ركضت مجدداً و قد غيرت وجهتها إلى غرفة بكر و فتحتها دون استئذان لتجدها هي الأخرى فارغه فكادت تصرخ عجزاً .. تحركت تنوي الذهاب الى جاسم ليوقفها صوت بكر الذي يأتي من الغرفة المجاورة لها .. غرفة اللعينة !
لتتسمر و كأن سكينة العالم كله نزلت عليها ثم تحركت ببطء مقصود تسترق السمع دون فائدة .. لا يصلها الا همهمات بسيطة ففتحت باب الغرفة عليهم فجأة فيما تهتف بعلو صوتها و هي تحدق في هيئتهم المريبة وقد أتى المشهد على هواها :
" ليلتكم سوداء .. ماذا تفعلان هذه الساعة لحالكما في الغرفة ؟! "
تمالك بكر نفسه بسرعه ليقف أمام جزاء في اعلان واضح انها تحت حمايته ليرد على سؤال زوجة عمه بسؤال آخر بنبرة مغلقه كملامح وجهه في تلك اللحظة :
" ماذا تفعلين أنتِ هنا ؟! "
أوشكت مديحه على افتعال فضيحه ليوقفها هتاف الممرض :
" اسرعي سيده مديحه .. هيا يجب أن نذهب الان "
التفتت مديحه الى الخلف برعب عاد يهاجمها من جديد ليقطب بكر و قد استشف وجود أمر غير طبيعي ليسألها بسرعه :
" ما الذي يحدث ؟! .. هل عمي بخير ؟! "
خرجت مديحه تركض عائدة إلى غرفتها يتبعها بكر و جزاء التي لملمت شتات نفسها بمعجزه ليدخلوا جميعاً غرفة حامد ليفهم بكر حقيقة ما يجري فقال مخاطباً جزاء التي كانت تحدق فيما يحدث بصدمه و شبح حديثها الأخير معه يحاوطها :
" اذهبِ و خذي مفاتيح سيارتي و انزلي شغليها بسرعه كما علمتك حتى احضر عمي ثم ايقظِ ابي أو جاسم "
ركضت جزاء تنفذ ما أمرها به بينما حمل هو و الممرض حامد ووضعوه فوق كرسيه المتحرك ليحملاه سويا ً و ينزلا به الى الأسفل حيث السيارة .
بعد عدة دقائق دقت جزاء على باب غرفة جاسم تحاول إيقاظه بينما خوفها من أن تكون السبب في موت أحدهم يسيطر عليها ليفتح جاسم الباب بعد لحظات ينظر إليها بلا تركيز لتقول هي بدون مقدمات :
" عمك مريض جدا و بكر أخذه الى المستشفى و طلب مني ايقاظك "
" أيهما ؟! "
سألها جاسم و هو يبتعد للداخل حتى يبدل ملابسه لتجيبه هي بلا حذر :
" ابي "
توقفت خطواته للحظه ثم التفت إليها لتستوعب هي ما تفوهت به ثم قالت محاولة ً السيطرة على ارتباكها :
" اقصد حامد "
تركها جاسم و عاد إلى الداخل ثم خرج بعد عدة دقائق يحمل مفاتيحه و هاتفه فيما يسألها بغموض اقلقها :
" و انتِ ماذا بك ؟! .. تبدين و كأنك كنتِ تبكين ؟! .. لا تقولي لي انكِ تبكين خوفاً عليه ! "
حاولت جزاء تمالك نفسها حتى لا تخطئ اكثر من ذلك ثم اجابته :
" لا لقد كنت نائمه و استيقظت لتوي "
لم يعقب جاسم ثم نزلا سوياً ليقول هو حينما توقفت خطواتها :
" تعالي .. أنتِ سترافقينني الى المستشفى ، لا تنسي أنه من المفترض أنه اباكِ "
اومأت له جزاء بهدوء متجنبه مناقشته فيما تسأله بتشوش مما يحدث حولها :
" ماذا عن وصال ؟! .. ألن نوقظها ؟! "
أجابها جاسم محاولاً تجاهل ضيقه و قد تذكر ما فعله معها و ما فعلت هي معه في الحفل :
" اتركيها نائمه .. سنخبرها في الصباح "
تبعته جزاء ليصلا الى المستشفى بعد وقت لا بأس به فيقابلهما بكر الذي كان يتجنب الاحتكاك بجزاء بشكل مؤقت ثم قال لزوجة عمه التي تطأطأ رأسها بحزن و قلق :
" لقد اتصلت بأدم و سيأتي الان وأبي و امين سيصلان في اي لحظه .. لا تقلقِ سيكون بخير "
لكن ما أن رفعت مديحه رأسها و رأت جزاء حتى نهضت تحاول التهجم عليها فيما تقول بكراهية غير طبيعية :
" ماذا فعلتِ به يا ابنة الـ........ ؟! .. لقد أخبرني الممرض انكِ كنت معه قبل أن تنتكس حالته ، ماذا قلتِ له يا وجه النحس ؟! "
ابعد بكر زوجة عمه بحزم بينما ظلت جزاء مكانها وراء جاسم دون أن يظهر على وجهها اي انفعال فيما ترد ببرود :
" جدي هو من طلب مني مجالسته كل يوم .. انا لم أفعل له شيء "
التفت لها جاسم برأسه و أمرها ببرود مشابه لبرودها :
" اصمتِ الان "
تعجب بكر وكاد أن يردع جاسم بسبب أسلوبه لكن صمتها هي جعله يصمت ليصل بعد لحظات عبدالحميد يتبعه امين الذي سأل بتوتر بينما وجهه يحكي كل حكايات الإرهاق و التعب :
" كيف حاله الآن ؟! "
أجابه بكر متنهداً :
" سنعرف بعد قليل .. لقد ارتفع ضغطه بشكل مفاجئ "
هتفت مديحه مجدداً و هي تنظر لجزاء بنفور :
" كله منكِ يا وجه النحس ، تريدين قتله "
" اصمتِ "
هتف بها عبد الحميد فانكمشت مديحه تلقائياً ليحذرها عبد الحميد بخفوت حاد :
" نحن لسنا في المنزل .. لا ترفعِ صوتك ولا تفتعلِ اي مشاكل هنا ، لا اريد اي فضائح .. هل فهمت ؟! "
جلست مديحه فوق المقعد تغلي من الغيظ بينما حاول بكر إبعاد جزاء عنها فقال موجهاً حديثه لجزاء :
" تعالي معي اذا سمحت ِ "
فقالت مديحه بكيد و هي تكاد تصرخ غيظاً من برود الأخرى :
" اجل .. أجل اذهبا و اكملا ما كنتما تفعلا في الغرفة "
أوشك بكر على تحجيمها لكن سبقه أباه الذي قال بنبرة التحذير الأخير :
" قسماً بالله إن لم تصمتِ الان سأعيدك الى المنزل و لن ابه لتوسلاتك "
تحرك بكر متجاهلا ً نظرات امين المستفهمة و جاسم الذي كان يبدو و كأنه يصمت مجبراً لكنه يخطط الى أمرا ً ما ثم وجه حديثه لمن تخصه مجدداً :
" لو سمحتِ .. هيا لنجلس في الأسفل لبعض الوقت "
" لا اريد "
قالتها جزاء ببرود قاطع أصبح يحفظه ليقاطعهم صوت عبد الحميد الذي قال بحزم :
" اتركها على راحتها يا بكر .. هل اتصلت بأدم ؟! "
اومأ له بكر ليخرج الطبيب بعد لحظات و يطمئنهم على استقرار وضع حامد لكنه أقر بضرورة بقاءه تحت الملاحظة لعدة أيام ليستغفر عبد الحميد ربه ثم يوجه حديثه إلى امين :
" خذ زوجة عمك و أعدها الى المنزل "
أوشكت مديحه على الاعتراض ليوقفها عبدالحميد قائلاً بضيق :
" تستطيعين العودة في الصباح يا مديحه ، عودي الان الى المنزل من أجل ابنتك ثم تعالي معها غداً من جديد "
التفت بعدها إلى جاسم و استطرد :
" و انت يا بني ، اوصل ابنة عمك في طريقك "
استشف بكر من حديث أبيه بأنه هو من سيمكث هنا بجوار عمه ليلوي شفتيه بضيق شديد فهو لا يضمن ما ستفعله زوجة عمه وما ستقوله فور أن تعود إلى المنزل ، قد تتهم جزاء في اخلاقها أو حتى تدبر لها فضيحه لكن يبدو أنه و رغماً عنه سيصمت الان فلا هو يستطيع الاعتماد على بقاء امين بدلاً منه خاصة ً بعد ما عانى منه اليوم على يد جده و لا حتى يستطيع التملص من قرار أبيه والا سيكون شكله سيئاً للغاية في نظر الجميع !
تابع بكر اختفائها بصحبة جاسم بعينين قلقتين لينتبه بعدها إلى أبيه حين سأله بشكل مباشر :
" ما قصة الغرفة التي تتحدث عنها زوجة عمك ؟! "
ابتلع بكر ريقه ثم التفت إلى أبيه مجيباً إياه بتوتر نادر :
" لا يوجد قصص يا أبي ، زوجة عمي كعادتها تتوهم "
رفع عبدالحميد حاجبيه بسخريه فيما يقول بتحذير مختصر متجنباً الغوص اكثر في الأمر بعد رؤيته لتوتر ابنه :
" لا تنسى أنها ابنة عمك يا بكر، إياك أن تتجاوز حدودك معها أو حتى تتطاول عليها ولو من باب المزاح .. ها انت ترى بنفسك أن هناك ألف عين تترصد لها هي بالأخص "
تنهد بكر بضيق يزداد اكثر مع مرور الوقت ليرد على أبيه بعد لحظات :
" لا تقلق "
ثم استطرد هامسا ً :
" سأحميها من نفسي لو اضطررت "
جلسا سويا ً بعد ذلك ليظل بكر على شروده بينما يراقبه عبدالحميد خاصة ً حركة رجله العصبية و كأنه يعد كل ثانيه ليطير خلف الفتاه فقال بعد عدة دقائق بطريقه متلاعبه ليرفع عن ابنه الحرج :
" آه .. لقد نسيت هاتفي في البيت "
نظر له بكر مقطباً دون استيعاب فقال عبد الحميد مجدداً بنبرة آمره بينما عيناه تلمع بتسليه :
" اذهب و احضر لي هاتفي من المنزل ولا تتأخر .. ها .. لا تتأخر و بالمرة احضر بعض المستلزمات لعمك و لا تعتمد على أن آدم قادم و سيبقى معي "
التقط بكر حركة أبيه و حديثه فنهض بسرعه مقبلاً كتفه فيما يقول مبتسماً :
" حبيبي اقسم بالله .. سأحضر لك ما تشاء "
ليرحل بعدها بخطوات شبه راكضه جلبت الابتسامة الى وجه عبد الحميد الذي همس ساخراً :
" ابنك وقع يا امل .. ليتك كنتِ معي الآن لتشاهدي تلك اللحظات النادرة "
..............................
( قبل وقت قصير )
تجلس في غرفتها تضم ركبتيها الى صدرها بقلق و الأرق يداهمها بلا رحمه !
عقلها الغبي لا يفكر الا به فبعد الكارثة التي حدثت !
بالتأكيد جدها انزل كل غضبه فوق رأسه هو قبل اي شخص لأن المعلومات خرجت من مكتبه الخاص ...
أمسكت هاتفها تنوي الاتصال به لتطمئن عليه لتتراجع بعدها توبخ نفسها وهي ترى تأخر الوقت فطأطأت رأسها بعجز تام و اغمضت عينيها لتضيع رغماً عنها في غياهب تلك الذكرى التي اختارت ذلك الوقت تحديداً لتؤرقها أكثر و كأنها تضعها أمام ما عرضّها له امين في لحظه كتلك التي تعيشها الان حين رن جرس هاتفها في وقت شبه متأخر فاستقبلت المكالمة بقلق بالغ خوفاً من أن يكون هناك مكروهاً قد أصاب أحدهم دون أن تدري ان المكروه لن يصيب غير قلبها هذه المرة !
حاربت عهد دموعها و صوته المبتهج يعود و يبدو و كأنه حقيقه و تُعاد على مسامعها من جديد :
" مساء الورد صديقي العزيز .. كيف حالك ؟! "
يومها توترت عهد و شعرت بالتشوش الشديد بسبب نبرة السعادة التي تطل من صوته فسألته دون أن يخفى توترها عنه :
" ماذا حدث يا امين ؟! .. هل كل شيء على ما يرام ؟! "
نسفت ضحكته المنطلقة قلقها لكن ظل استغرابها و تشوشها على حاله ليرد عليها بعد عدة لحظات :
" بالطبع كل شيء على ما يرام ، ما بالك لما كل هذا القلق ؟! "
اجابته بعفويه لطالما اعتادت عليها معه :
" لست معتادة على اتصالك بي في مثل هذا الوقت "
أجلى حلقه ليقول بعدها بإحراج بسيط :
" انا آسف لكني لم استطع الصبر حتى الصباح لأراكِ و اخبرك "
" تخبرني بماذا ؟! "
ألقت سؤالها بترقب ليصمت هو قليلاً ثم يغرس خنجره في قلبها بكل سعادة و فرح :
" لقد طلبت يد علياء منذ قليل ووافقت "
صمت قاتل احتل المكان .. حتى صوت أنفاسها لا تسمعه !
هل توقف قلبها عن الخفقان ؟! .. لما لا تستطيع التنفس ؟!
وضعت يدها على قلبها تستشعر نبضاته فوجدتها صفراً و تحجرت الدموع في عينيها تشعر كما لو أنها تعيش كابوساً بشع لا سبيل للاستيقاظ منه و الدنيا تميد بها و هي بمفردها تماماً ليأتيها صوته مجدداً حين لم يصدر عنها أي صوت :
" عهد ! .. اين انت ِ ؟! .. هل سمعتِ ما قلت ؟! .. الو ! .. الو ! "
يومها أنهى اصبعها المكالمة لا ارادياً و اغلقت بعدها الهاتف تماماً تنظر إليه كمن ينظر إلى عقرب لعين لتظل نظراتها شاخصه أمامها بلا هدف و كأن كل جزء فيها قد توقف عن العمل تماماً ، حتى عقلها لم يستوعب ما يجري حوله لتظل بعد ذلك جالسه فوق فراشها بلا حراك بينما قلبها يحتضر و يترنح بين اضلعها بنزيف لم يتوقف للحظة الى الان !
اجفلت عهد على صوت رنين هاتفها فرفعت وجهها الغارق بدموعه و أمسكت به لتجدها مكالمه أخرى منه و كأن الزمن يعيد نفسه فمسحت دموعها بسرعه و أجلت صوتها ثم استقبلت المكالمة لكنها لم تستطع النطق بحرف إلى أن جاءها صوته المرهق التي يذبحها ذبحاً بهمسه القاتل :
" عهد "
لم ينطق بأكثر من ذلك و كأنه يتوسلها الفهم و لم تحتاج هي لأكثر من ذلك لتهتف بقلق عارم :
" ماذا بك يا امين ؟! .. هل انت بخير ؟! "
لم يجيبها بشيء مما ارعبها لتسمع بعدها اصوات سيارات فهتفت بخوف :
" امين اين انت ؟! .. الى اين انت ذاهب في هذا الوقت ؟! .. الو .. امين قل شيئاً بحق الله "
كان يشتم نفسه في تلك اللحظة .. لما اتصل بها ؟!
لم يعد من حقه !
لم يكن يوماً من حقه ...
لكنه عاجز ، متألم .. يشعر كما لو أن كل أحمال الدنيا سقطت فوق كتفيه !
" انا بخير لا تقلقِ "
قالها ليطمئنها لكن صوته لا ينبئها الا بالعكس فعادت تسأله من جديد و الرعب يشل أطرافها :
" أين أنت ؟! .. ما هذه الأصوات ؟! "
تنحنح امين قليلاً يحاول السيطرة على أعصابه التالفة ليرد عليها بعد لحظات من الترقب من ناحيتها :
" انا ذاهب الى المستشفى .. عمي حامد تعب و نقلناه الى هناك "
" ماذا ؟! .. ماذا حدث له ؟! .. هل هو بخير ؟! "
خرجت التساؤلات منها بشكل متتالي مما جعله يبتسم بحزن ليهمس مجدداً و كأن طاقته قد نضبت حتى عن الحديث :
" اهدأي قليلاً .. لقد ارتفع ضغطه و بكر أخذه الى المستشفى و ها أنا ذاهب اليهم "
حوقلت عهد لتساله بعدها بخفوت :
" هل اوقظ ابي أو امي ؟! .. ماذا افعل ؟! .. هل ارسل لكم ادم ؟! "
اللعنة على غباءه .. لقد ارعبها تماماً !
تنفس امين بعمق محاولاً استعادة تركيزه بينما كادت هي أن تتحدث مجدداً فقاطعها هذه المرة قائلاً بنبرة اكثر تماسكاً :
" اسمعيني أولاً .. لا توقظِ احداً وغدا ً في الصباح اخبريهم بشكل هادئ ، لا داعي لأن تصيبِ عمتي بالذعر .. اتفقنا ؟! "
اومأت عهد يرأسها فيما تردد خلفه :
" اتفقنا .. اتفقنا "
أوشك على إنهاء الاتصال لتوقفه هي حين نادته لينتظر ما سوف تقول فيأتيه صوتها الهامس بعد لحظات :
" لا تنسى أن تطمئني و....... اعتني بنفسك "
صمت مغلقاً عينيه يلعن تأخره في فهم ما يدور حوله ليرد عليها بعد لحظات بهمس خافت متألم :
" و انتِ أيضاً اعتني بنفسك .... و كوني سعيدة "
لينهي بعدها المكالمة و يصف سيارته أمام المستشفى زافراً بضغط بينما غرقت هي في بركة دموعها التي يبدو أنها لن تنتهي أبدا ً !
....................................
نزلت جزاء من سيارة جاسم تزفر بارتياح كبير و تحمد ربها بأن تلك الدقائق الثقيلة على روحها قد انتهت أخيرا ً تتمنى في قرارة نفسها أن تنتهي هذه الليلة العصيبة دون خسائر اكثر !
نظرت له جزاء باستغراب فرغم انها ظنت بأنه سيخضعها الى تحقيق مفصل عن علاقتها بالغبي بكر خاصة ً بعد حديث زوجة أبيها إلا أنه فاجئها بصمته التام طوال طريق العودة مما أصابها بالتوتر و ها هو لا يزال على صمته متلاعباً أكثر و أكثر بأعصابها .
دخلا سويا ً الى المنزل ليجدا الجميع يجلسون في صالة البيت فألقت جزاء نظره سريعة لترى وصال تربت على ظهر أمها و امين يجلس منزوياً مغمضاً عينيه بإرهاق بينما كان جدها يستند على عصاه ليقول بلهفة فور أن لمح جاسم :
" تعال يا بني و أخبرني بما حدث فزوجة عمك لا تستطيع تكوين جمله مفيدة ببكائها هذا "
استنتجت جزاء أن جدها لا يزال يعاقب امين و يقاطعه و استغربت ذلك منه في تلك الظروف ليقترب جاسم شارحاً لجده ما حدث باختصار بينما جلست جزاء بصمت مطبق تقاوم النعاس الذي يهاجمها ليهمس لها جاسم على حين غفله فيطير بعدها نعاسها تماماً :
" بالمناسبة .. لقد طلبتك من جدي صباح اليوم و لولا احداث الليلة لكان اخبرك "
التفتت له جزاء تحدق فيه بصدمه بينما عينا وصال لا تغفل عنهما و إن كانت لا تسمع ما يهمس لها به !
بعد وقت قصير دخل بكر ينظر إليهم بترقب محاولاً استشفاف الوضع فبادره الجد موبخاً بينما نظر الجميع إليه بتعجب :
" انت لما عدت ؟! "
أجابه بكر دون أن تفوته نظرة زوجة عمه النارية التي القتها نحوه حين نظر إلى جزاء التي تجلس شاحبة الوجه و تتجنب النظر إليه :
" جئت أخذ بعض المستلزمات لعمي "
تمتم صفوان بضيق :
" ألن تنتهي هذه الليلة ؟! .. ليتني كنت بصحتي كنت ذهبت معكم بدلاً من جلستي هكذا في المنزل كالنساء "
تنهد بكر ثم قال مطمئنا ً :
" لا تقلق يا جدي .. وضع عمي مستقر ، هم فقط يبقونه تحت الملاحظة "
هز صفوان رأسه بغير رضا دون أن يغادر القلق وجهه ليوجه بكر بعدها حديثه إلى زوجة عمه التي تبدو لعينيه كطفله بلهاء أمسكت على زميلها ذله :
" حضري لي ما قد يحتاجه من فضلك "
ليستطرد بعدها و هو يتجه إلى الأعلى و قد اطمئن قلبه على الوضع لكن شحوب وجهها يخبره بأن هناك ما لا يعرفه :
" سأصعد لأجلب هاتف ابي "
قالها مخرجاً نفسه عنوة من أفكاره ليوجه بعدها صفوان حديثه إلى جزاء :
" اصعدي إلى غرفتك و ارتاحي قليلاً يا ابنتي ... وجهك يبدو مرهق للغاية "
اومأت جزاء ثم نهضت تفكر في حل لهذا المأزق الذي اوقعها فيه ذلك الغبي جاسم ، فهي ليست مستعدة بعد لتلك التعقيدات كما أن هناك أيضاً السيد بكر الذي يلوي ذراعها بذلك التسجيل الذي يجب أن تحصل عليه في اسرع وقت ممكن حتى تتخلص من تهديده لها .
تباً كل الامور تفلت تباعاً من تحت سيطرتها !
دخلت غرفتها لاهيه عن عينيه التي تتبع كل سكناتها بحذر يجب أن يخطو به بعد ذلك حتى لا يعرضها لما تعرضت إليه اليوم مره اخرى ، فتاريخ امها مع هذا البيت لن يجعل إتهام زوجة عمه لها الذي سيأتي لا محاله هيناً عليها !
تباً له و لغبائه و لانجذابه ناحيتها الذي يحركه بلا تحكم !
نزل الى الأسفل ينتظر زوجة عمه ليسأل جده بعد لحظات من الصمت الخانق :
" ماذا سنفعل في مشكلة الشركة يا جدي ؟! ... يجب أن نتصرف في اسرع وقت "
تغصن وجه صفوان بضيق ليجيبه بعد لحظات بما خمنه هو سابقاً :
" ماذا سنفعل برأيك ؟! .. سأعرض المزرعة للبيع ، يجب أن نحل مشكلة السيولة قبل اي شيء "
صمت صفوان قليلاً ثم قال بتهكم :
" صحيح .. الهانم ابنة عمتكم .. اريدها هنا في الصباح "
هنا نطق امين اخيرا ً قائلاً بدفاع :
" عهد لا ذنب لها يا جدي "
التفت له صفوان قائلاً بملامح مغلقه :
" ما حدث مسؤوليتك انت و هي يا محترم ، أليست هذه حافظة اسرارك ؟! .. لن اتعجب حتى اذا علمت انك اعطيتها ارقام الخزينة لهذا هي أيضاً مسؤوله مثلها مثلك عن ما حدث "
تكلم بكر بضيق محاولاً تهدئة الوضع :
" يا جدي هذا ليس وقت توبيخ .. لنحل أمر المزرعة و ننهي الموقف بأقل الخسائر "
ضرب الحاج صفوان الارض بعصاه هاتفاً بحده :
" انتهينا .. لا أريد أن أسمع صوت احد منكم "
في تلك اللحظة نزلت مديحه تحمل حقيبة صغيره بينما تأفف امين محاولاً السيطرة على أعصابه لينهض بعدها يأخذ منها الحقيبة معلناً أنه من سيذهب إلى المستشفى بدلاً من بكر ثم غادرهم جميعاً دون انتظار رداً من احد فنهضت وصال تتبعه لتخفف عنه قليلاً فهي أكثر من يفهم ما يعانيه اليوم من ضغط على أعصابه و لن تتعجب إذا انفجر بوجه جده يوماً ما !
ركضت خلفه و استوقفته أمام سيارته فيما تقول بتهور :
" لم يفت الأوان بعد يا امين ، اخبرها و استعدها "
التفتت لها مقطباً بعدم فهم لتزفر هي بتوتر بسيط ثم اقتربت منه بعدها فيما تقول بنبرة خفيضه :
" انت تحب عهد يا امين .. استطيع ان ارى ذلك ، اذهب و اخبرها بحقيقة مشاعرك و انفض هذا الحمل من فوق ظهرك "
قاطعها امين ناكراً :
" انا لا ...... "
قاطعته هي الأخرى تحاول تضييق الخناق عليه حتى ينهي تلك الفوضى التي تعربد بداخله و تظهر جلية ً في تصرفاته و ردود أفعاله خاصةً في الفترة الأخيرة :
" انا اختك و اكثر من يفهمك ، لا داعي لأن تنكر الأمر أمامي .. صدقني يا امين هذا الأمر لن يحله إلا البوح ، اذهب و اخبرها قبل أن تضيع من بين يديك بحق "
حدقت وصال به بإشفاق وقد بدا لعينيها في تلك اللحظة و كأنه غريق تعلق بقشه !
بينما استسلم هو لها تماماً متخلياً عن دور الجاهل الذي يلعبه .. فأن يدرك أحدهم بما يعانيه و يشاركه فيه بل ويقدم له العون حتى و إن كانت أخته الصغيرة جعل لسانه يعترف لا ارادياً و هو يتنهد بغم :
" ليت الأمر كان بمثل هذه السهولة ، لقد خسرت فرصتي معها من قبل أن اكتشف وجودها حتى يا وصال "
هتفت به وصال و قد استفزها رده السلبي :
" بحق الله يا امين انفض هذا الدور عنك .. ما بالك منذ متى و انت ضعيف هكذا ؟! .. ما الذي تغير بك منذ وفاة علياء .. هل ستظل على ذكراها لما تبقى من عمرك ؟! .. هذا ليس وفاء يا امين هذا اشهر أنواع الغباء البشري .. انا وانت نعلم جيدا ً أن الحياه لا تقف عند احد .. و برغم حزني على اختي ها أنا من اطلب منك أن تذهب و تخبرها و حتى إذا رفضتك رغم أني اشك بذلك ستكون فعلت ما عليك .. لكن بقائك هكذا لن يزيد الأمر إلا سوءاً "
اغمض امين عينيه متجنباً التعليق على أمر علياء و ( وفاءه ) المفترض لها ليرد على من تقابله بصبر يُحسد عليه :
" لن يصح يا وصال .. لقد خُطبت و انتهى الأمر "
تمنت وصال أن تصفعه في تلك اللحظة ليفيق من غيبوبته المستفزة لأعصابها بينما تهتف بغيظ :
" و هل قلت لك اذهب و انزع الخاتم عنوةً من اصبعها ؟! .. انا كل ما اطلبه منك أن تتحدث معها فقط لا غير حتى لا تندم فيما بعد و تقول ليتني فعلت و ليتني قلت "
ربت امين على رأسها بحنان فيما ينهي حديثه قائلاً :
" حالياً لا استطيع الاقتراب منها بأي شكل ، انا لا اقبلها عليها .. الان سأنتظر و اراقب ما ستأتي به الايام "
تركها و ركب سيارته لينطلق بها فيما تعيد هي حديثه من بين أسنانها بغضب و تهكم :
" سأنتظر و اراقب ما ستأتي به الايام ! .. انتظر يا حلو و راقب حتى تطل للآخر بالأبيض .. تباً لك و لبرودة اعصابك يا شيخ "
و في الداخل كان بكر يجلس متراخياً على مقعده يقابل نظرات زوجة عمه المريبة ببرود تام لا يعلم من الأساس ما فائدة جلستهم تلك و كأنهم في حداد !
آه .. كم يتمنى أن يصل الان إلى فراشه و يريح رأسه ببضعة ساعات من النوم بعد كل المجهود الذي بذله اليوم مع ادم بدلاً من جلسة الحزانى التي بُلي بها و يا عالم متى ستنتهي ؟!
اغلق عيناه متجاهلاً بعض الأحاديث الجانبية التي تدور بين جاسم و جده حول ما حدث في الشركة ليعود ذهنه مجدداً إلى تلك اللحظة التي ضم فيها جزاء إليه !
هل سيصدقه أحد إذا وصف شعوره وقتها بشعور اب التقى بابنته اخيراً بعد طول غياب ؟!
كم يتمنى أن يعرف سر تعلقه بها هي بالأخص و الذي ازداد لأضعاف مضاعفه بعودتها !
تنهد و استرخى جسده ثم داهمه النعاس لعدة دقائق قبل أن يفتح عينيه بإجفال و صوت زوجة عمه يصل إلى مسامعه كمنبه سخيف يرن في السابعة صباحاً :
" هل تشاغل الشابين في نفس الوقت ؟! .. ليس غريبا ً على ابنة صباح ، و من اين ستأتيها التربية ؟! "
قطب بكر محاولاً فهم الجزء الذي سقط منه بينما وقعت عيناه على وجه وصال الممتقع و ملامح وجه جده التي لا تنبئ بالخير بينما السيد جاسم كان ينظر له و كأنه يفكر بالطريقة الأمثل للتخلص منه و التمثيل بجثته !
اللعنه هل كان يجب أن يسقط في غفوته الان ؟!
هل فجرت زوجة عمه قنبلتها و هو نائم ؟!
جاءته الإجابة على سؤاله الاخير تتمثل في سؤال جاسم :
" ماذا كنت تفعل في غرفة جزاء ؟! .. ما علاقتك بها ؟! "
آه .. لقد أطلقت لسانها
إنا لله وانا اليه راجعون !
تمالك بكر نفسه بسرعه قياسيه ليرد على ابن عمه ببرود تام معاكس تماماً للقلق الذي يشعر به :
" لا دخل لك .. سأخبر جدي فيما بعد "
كاد جاسم أن ينهض و يلكمه ليتدخل الجد ناهراً بكر :
" رد على ابن عمك .. جاسم سيكون له دخل بكل ما يخص جزاء "
ارتجف قلبه للحظه قبل أن يسأل جده بخفوت :
" ماذا تقصد ؟! .. لا افهم "
جاءه الرد من جاسم الذي يمسك نفسه بشق الأنفس و هو يرى هذا الحقير يهدد خطته :
" يقصد انني خطبتها منه في الصباح و الان ماذا كنت تفعل معها في الغرفة ؟! "
تجاهل بكر سؤال جاسم مجدداً ليسأل جده بريبه :
" و هل جزاء تعلم بالأمر ؟! .. هل وافقت ؟! "
نهض جاسم هاتفاً و قد فاض كيله :
" تعلم أو لا تعلم ما دخلك انت ؟! "
اوقفه الجد ليرد على بكر مجدداً فهو اعلمهم بطريقة تفكير حفيده و يدرك جيداً أن خلف أسئلته يوجد أمر ما :
" لا لم نتحدث معها بعد "
هنا نطق بكر بثقه لا يعلم من اين حطت عليه :
" لا تتحدث معها عن جاسم يا جدي حتى لا تحرجه ولا تحرجها ، لأنني حين كنت معها في الغرفة كنت اطلبها للزواج ووافقت "
كاد جاسم يفقد عقله مما يسمعه ليهتف بعدها بدون تصديق و هو يكاد يتهجم عليه :
" ماذا ؟! .. وافقت عليك انت ؟! .. مستحيل "
هز بكر كتفيه دون أن يهزه جنون من يقابله و ظل يراقب ردود أفعال من يحيطون به ليجد جده التزم الصمت مفضلاً المراقبة بينما لوت مديحه شفتيها بغير رضا مما يحدث كله اما وصال فكانت تراقب ما يحدث بوجه هادئ خالي تماما ً من التعبير ليهتف جاسم مجدداً فيجذب انتباه بكر :
" انت كاذب .. جزاء مستحيل توافق على الزواج بك "
كان يعلم أنه يجازف لكنه لا يملك من أمره حيله !
هي له !
و تلك هي الحقيقة المجردة التي تجلت أمام عينه حين سمع برغبة جاسم في الارتباط بها !
ثم ما بال البقية صامتين بترقب هكذا ؟!
هل يظن أحدهم أنه قد يجن و يضحي و يتركها من أجل إبقاء الود مع جاسم ؟!
لا و حق الله ! .. لتبقى هي له و ليذهب ودهم الى قعر الجحيم !
حتى تخيلها برفقة جاسم تبدو فكرة شاذة لعقله !
جزاء نصفه هو الآخر .. رفيقة دربه حتى و إن لم تكن حاضره .
هذه فتاته .. خاصته !
تكلم بكر بثقة لا يدري من اين جاءته و كأنه صدق ما لفقه بنفسه منذ لحظات :
" اسألها إن كنت لا تصدق ، دعنا نحضرها الى هنا و نخيرها بيننا لترى بنفسك من منا ستختار "
فاجأه جاسم حين ابتسم قائلاً بثقه غريبه :
" سأحضرها ... و الآن "
لينادي بعدها على أحد العاملات ثم أمرها بفظاظة أن تذهب و تنادي جزاء فهرولت الفتاة إلى الأعلى بينما صرخت مديحه بغيظ و هي تنهض من مكانها لتترك المكان و تصعد الى غرفتها :
" ما هذه المسخرة ؟! .. هل ستتشاجران من أجل ابنة الخادمة ؟! .. هل تتشاجران على الزواج منها و عمكما يرقد في المستشفى بين الحياه والموت ؟! "
نادت بعدها وصال لتصعد معها لكن وصال خرج صوتها بحزم و قوه لا جدال فيها :
" انا سأنتظر .. لن اصعد الآن "
بعد عدة لحظات نزلت جزاء بقلق بالغ وقد وصلتها اصواتهم العالية دون أن تفهم شيئاً ليناديها الجد لتقف بجواره فيما يقول برفق خاصة ً بعد أن رأى شحوب وجهها و نظراتها المتسائلة لما يحدث :
" تعالي يا ابنتي .. هو سؤال واحد لننهي هذا الأمر هنا و الآن و لن يفتحه اي شخص من جديد "
ارتفع حاجبيها بقلق فيما تقول بصوت خافت و قلبها تقرع فيه الطبول :
" اي امر يا جدي ؟! .. ماذا يحدث ؟! "
ألقى صفوان ما في جعبته مره واحده تاركاً الكرة في ملعبها :
" جاسم ابن عمك طلبك للزواج لكن بكر يقول بأنه سبق و عرض عليكِ الأمر قبله و انكِ وافقتِ على طلبه "
انسحب الدم من وجهها و مادت الأرض بها !
تباً اي مصيبه هذه أوقعت نفسها بها ؟!
إذا رفضت بكر و كذبّته سيعلن للجميع ما يخبئه و اذا رفضت جاسم سيجن جنونه و قد يروي لجده ما حدث !
تباً .. تباً .. تباً
كل خيوط اللعبة فلتت من بين أصابعها و يجب أن تختار اقل الضررين و الآن !
" لا تخافِ يا ابنتي و اخبرينا رأيك بكل صراحه حتى نحسم هذه المسألة الان "
ابتلعت جزاء ريقها و اغمضت عيناها للحظات تذكر نفسها بأن جاسم ليس غبي لدرجة أن يضر نفسه و يخبر جده بأنه جلب فتاة من الشارع لتحل محل ابنة عمه ليستولي على ارثها .. سيكون الأمر بالنسبة له بمثابة انتحار !
فتحت عينيها أخيرا ً و اخذت نفساً عميقاً و هي تعد نفسها بأنها ستأخذ من بكر التسجيل ثم تنهي هذه المهزلة تماماً لهذا نطقت اخيراً بثقه دون أن يرف لها جفن :
" بكر صادق يا جدي ، هو فعلا عرض عليّ الزواج و انا وافقت "
انهت جزاء كلماتها بهدوء لتغشى الراحة عين أحدهم و يلتمع الجنون في الأخرى .

نهاية الفصل الثامن



ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن