🌲الفصل الخامس🌲

830 16 2
                                    


الفصل الخامس :

" ماذا تفعلين بالضبط ؟! "
التفتت جزاء لتجد وصال أمامها تحدق فيها باستغراب و على الأغلب تنتظر منها اجابه شافيه لتتمالك هي اعصابها فيما تقول بنبره حاولت اصباغ البرود عليها :
" ماذا ترين ؟! "
تنهدت وصال لتقول بعدها بنبره محايده تحاول مد الجسور مع غريبة الأطوار التي تقف أمامها و هي تشير إلى صندوق النفايات :
" ابتعدي عن هذا الشيء أنه ممتلئ بالحشرات دائما ً "
تحركت وصال بعدها لتتحرك معها جزاء بصمت تحاول قراءة افكار التي تجاورها لتتأكد اذا كانت تراقبها ام لا لتثرثر وصال فجأة بعفويه صدمت جزاء فتظل على صمتها البارد حتى وصلن الى مجموعه من المقاعد المريحه فجلست جزاء و تبعتها وصال التي قالت بطفوليه بعد أن وجدت ثرثرتها بلا صدى عند الأخرى :
" اعلم انك ِ تنقمين علينا لأننا لم نبحث عنكِ في وقت أبكر "
أخيراً استطاعت لفت انتباهها فنظرت إليها جزاء بتركيز لتكمل هي :
" و أرى ايضا ً أن امي لا تتعامل معك بشكل جيد لكن .... "
ترددت قليلاً لتنطق جزاء اخيراً تحثها على تكملة كلامها فقالت بعد لحظات قليله :
" انا لا اريدك ان تعتبريني عدوتك ، اعلم انني تأخرت بعض الشيء في التحدث معك لكنك أيضاً لا تشجعين المرء على إتخاذ الخطوة الاولى "
رفعت لها جزاء حاجباً مستغرباً فهتفت وصال و هي تضرب بقبضتها على مسند مقعدها :
" انظري .. ها انتِ لا تساعديني على قول ما اريد قوله و تصيبيني بالتوتر ، تفاعلك يكاد يكون معدوم ، طوال الوقت صامته .. جافه لا تكلمين أحدا ً و لا تبدين اي مشاعر أو اي استعداد لرأب الصدع "
تنهدت جزاء بضجر تنتظر منها توضيحاً لما تريده لكن الأخرى صمتت تماماً بيأس لتسألها جزاء بعدها :
" ماذا تريدين أن تقولي بالضبط ؟! "
اوشكت وصال على الكلام فقاطعتها جزاء تستطرد :
" فكرِ أولاً و لا تثرثرِ فوق رأسي بلا فائده .. بالمناسبة كم عمرك ؟! "
" اربعه و عشرون "
هزت لها جزاء رأسها دون تعقيب فقالت وصال ساخرة :
" أليس شيئاً غريباً أن نكون اخوه ولا نعرف ابسط المعلومات عن بعضنا البعض ؟! "
لوت جزاء شفتيها بما يشبه الابتسامه لتنهض وصال بعد لحظات فيما تقول بسخريه وهي تتثاءب كالأطفال :
" سأعود الى غرفتي ، لقد تأخر الوقت و لدي شركه يجب عليّ إدارتها في الصباح "
ضحكت جزاء بخفه لتعبس الاخرى تمازحها علها تكسر الحاجز الذي تقيمه بينها وبين الجميع :
" تضحكين ! .. هذه الشركة ستغلق أبوابها بدوني ، غدا سأصنع المجد لكن الان سألهو و ارتاح على فراشي قليلاً .. اتمنى فقط ان يكون اجتماع القمة قد انتهى فأنا لا ينقصني صداع "
راقبتها جزاء حتى اختفت عن ناظريها ثم نهضت و تحركت بهدوء عائدةً إلى غرفتها لتخرج بعدها القصاصات و تحاول تجميعهم ليتضح أمامها اخيراً عنوان و رقم هاتف لمحامي يُدعى رفعت صقر !
سجلت الرقم بهاتفها الذي اشتراه لها جدها في الصباح ثم لملمت القصاصات من جديد ووضعتها اسفل مرتبة الفراش لتجلس بعد ذلك تفكر في خطوتها القادمه لتسديد اولى ضرباتها .
.....................................
" صحيح .. هل انهيتِ ترتيبات الخطبة ام تحتاجين الى مساعده ؟! .. أنتِ تعلمين جيداً أن مكانة عهد من مكانة وصال عندي بالضبط "
نظرت لها ناهد بطرف عينيها تعلم جيداً أن مديحه بالتأكيد رقصت فرحا ً بعد ما ابتعدت الغبيه ابنتها عن طريق امين مما سيسهل الأمور على ابنتها هي لتقول بعد لحظات و هي تكاد تخفي غيظها :
" بالطبع يا مديحه ، بناتنا اخوات .. ادام الله الود يا ابنة عمي "
ابتسمت مديحه بشكل مستفز لأعصاب الأخرى فنهضت تقول بصوت مكتوم :
" انا سأذهب الان لدي الكثير من العمل في المنزل بعد أن أصر إمام على أن نحتفل بهم في بيتنا و لم يسمع الى رجاء ابي بإقامة الخطبه هنا .. لا اعلم كيف سنستعد في أربعة أيام ؟! .. لما كل هذه العجله و كأن الفتاه ستطير ؟!! "
" اول فرحته يا ناهد و يريدها أن تتم أمام عينيه و في قلب بيته "
هزت ناهد رأسها دون معنى ثم تحركت لتغادر دون أن تنسى القاء نظره اخيره على جزاء التي كانت تقف في شرفة غرفتها في هذه اللحظة تراقب رحيلها بابتسامة ٍ بارده فتمتمت ناهد بهمس و غضبها من كل شيء يتفاقم و يعمي عينيها :
" سأتفرغ لكِ قريبا ً يا ابنة صباح .. إن لم اركلك من هنا مثلما فعلت مع امك لن اكون ناهد "
ظلت جزاء تراقب طيفها الراحل و نيران غضبها قد وصلت لأوجها فرغم انها قابلت هذه المرأة من قبل في أول يوم دخلت فيه إلى هذا المنزل الا انها لم تستطع وقتها أن تنظر إليها و تدقق في وجهها كما فعلت اليوم !
رباه كم كانت تريد أن تحفظ كل تعبير و كل لمحه !
و اليوم رأت عنجهية نظراتها التي ستتلذذ بكسرها رويدا رويدا
رأت اعترافها المتبجح و كأنها تقول نعم أنا من تسببت في كل ما عانيت ِ منه !
تنفست جزاء بعنف تضغط على أسنانها بشراسه بينما تتمتم بوعد خافت :
" صبراً يا ابنة الغانم .. انتِ بالأخص لن يكون عقابك هيناً "
....................
(اليوم التالي .. صباحاً )
خرجت جزاء من غرفتها بعد أن تجهزت للذهاب إلى الشركة لتجد جاسم في انتظارها بملامح غاضبة فتأففت في سرها ثم اقتربت منه تلقى تحية الصباح ليتجاهل هو الرد عليها فيما يقول من بين أسنانه :
" انتِ من سمح لك ِ بالتصرف من رأسك ؟! .. كيف تذهبين الى جدي و تتفقين معه على العمل في الشركة دون أن تخبريني أولاً ؟! "
ألقت جزاء نظراتها في الانحاء تتأكد من خلو المكان فيما تقول بصبر :
" انا امشي على خطتك ، أليس من المفترض اننا سنتقرب من بعضنا و نتزوج ؟! "
نظر لها مقطباً بعدم فهم فأكملت بسخريه لم تخفيها هذه المرة عنه :
" كيف ستقنع الجميع بارتباطنا اذا كنت انت طوال اليوم في الشركة و انا اجلس هنا بين أربعة جدران ؟! ... يجب أن نكون حول بعضنا في كل مكان حتى يصدقوا الأمر حين نعلن عنه "
ظل على تقطيبه بينما تخللت الريبة والشك نظراته ليقول مهددا بعد لحظات بصوت خافت :
" إذا تصرفتِ على هواكِ من جديد لا تلومي الا نفسك ، و تذكري جيداً انكِ هنا لدور محدد رسمته انا لكِ و اذا تخطيتني مره اخرى سأمحيكِ من على وجه الارض "
ازاحها عن طريقه متوجهاً الى الأسفل بينما تمتمت هي بسخريه وهي تطالع غضبه :
" ابله "
تبعته و دخلت الى غرفة الطعام فيبتسم لها جدها بتشجيع فجلست بجانبه لتسألها وصال بفضول بعدما رأت ثيابها :
" الى اين ستذهبين في هذا الوقت من الصباح ؟! "
" الى حيث ستذهبين "
عبست وصال قليلاً و هي تراقب نظرات الاخرق المسلطة عليها فقاومت رغبة شريرة بداخلها تحثها على قذفه بكوب الشاي عسى تعمي عيناه الزائغه بينما تجاهلت جزاء نظراتها المتسائله ليوضح الجد بعد لحظات باختصار :
" جزاء ستبدأ بالعمل معكم من اليوم .. بكر سيدربها "
نظره حارقه وجهتها إليها مديحه و هي تبحث في عقلها عن اي حل سريع يخرج تلك البلوة من المنزل التي ما أن وضعت قدمها في المنزل حتى قررت أن تضع الأخرى في الشركة بينما هتفت رغدة بتهور فور سمعت اسم بكر :
" هذا ما ينقص "
" و انتِ ما دخلك ؟! .. ما الذي يضايقك في الأمر ؟! "
كان هذا سؤال جاسم الذي يلاحظ كما الجميع ملاحقة أخته للغبي الذي لا يبالي الا بنفسه !
صمتت رغده تنظر الى أخيها بتوتر بينما ظل بكر على صمته لينهض جاسم بعد أن أنهى طعامه منادياً أخته لتتبعه و هي تعلم أن فقرة توبيخها قد حانت فنظرت إلى جزاء بحقد بينما انتهزت جزاء الفرصة و نظرت إلى بكر تحمد ربها سراً أن امين اخذ وصال و رحل اولاً منذ ثوان :
" هل نذهب ؟! "
اومأ لها بكر بهدوء غريب عنه من وجهة نظرها ثم تحركا معاً ليقول هو فجأة بعد لحظات :
" لقد حضرت لكِ مفاجأه "
نظرت له تنتظره يكمل فقال مدعياً الإحباط :
" لا أرى أي ملامح مشجعه ، الكآبة الصباحية غير صحيه بالمره "
لوت جزاء شفتيها بسخرية فيما تسأله :
" حقاً ؟! .. حضرت لي مفاجأه بعد حديثنا الشيق في الامس ! "
ضحك بخفه ليجيبها بنفس الطريقة الملتوية :
" اعتبريها هدية صلح و هدنه ، نحن بالكاد نعرف بعضنا ومع ذلك انتِ تحتدين عليّ معظم الوقت فتجعليني اخطئ في حديثي معك "
تنهدت بضيق لتسأله بعدها :
" الى ماذا تسعى ؟! .. ما هي مفاجأتك ؟! "
ضحك مجدداً ليجيبها و هو يشعل إحدى سجائره :
" أسعى إلى الترفيه عنكِ قليلا ً .. اجل انتِ وصلتِ منذ يومين فقط لكني شعرت أن المنزل قيدك بعض الشيء ، مهما كان انتِ لستِ معتادة علينا بعد "
" ماذا تقصد ؟! "
التفت لها قائلاً بخفوت مضحك :
" تعلمِ الصبر يا ابنة العم "
صمتت جزاء بتأفف بينما صفر هو لحن ما باستفزاز بينما يتابع طريقه ليصف سيارته بعد عدة دقائق في مكان سلب لبها من اول ما لمحته !
ترجلت من السيارة تنظر إلى المساحة الخضراء الواسعة بانبهار و كأنها في حلم ما ليشير هو الى ما خلفها دون أن ينطق فالتفتت لتشهق بعدها بخفوت وهي ترى البحر أمامها من الاتجاه المعاكس .. اجل بعيدا ً بعض الشيء لكنه يشكل منظر خلاب مع ما يحاوطها !
" الحمد لله أن المفاجأة أعجبتك و قضت على سحنتك المقلوبة "
قالها بكر ساخراً يحاول تشتيت عقله عن انجذابه المخيف إليها لتتجاهل هي سخريته تماماً و كأنها لا تسمعه و تتحرك ناحية البحر فيتبعها هو الآخر و كأنه قطعة معدن لا تملك إلا الانجذاب !
تحرك يسبق خطواتها حين اقتربت من الهاوية ثم وقف أمامها يسد الطريق فيما يقول ممازحاً :
" هووووب .. هووووب الى هنا و كفى ، قد تنزلق قدمك لا سمح الله إذا اقتربتِ اكثر من ذلك "
توقفت جزاء تتطلع حولها تشعر أنها في الجنة ، اغمضت عينيها فبات لا يصلها الا صوت الأمواج و الطيور المغردة فابتسمت بانتشاء تعبئ صدرها بتلك النسمات الباردة قليلاً لاهيه تماماً عن الآخر الذي يطالعها بافتتان بثوبها الاسود البسيط لكنها بدت لعينيه و كأنها اميره هربت من حكايات الخيال خاصة ً مع شعرها الكثيف الذي يتطاير حولها ليجد نفسه رغماً عنه يخرج هاتفه ليغلق صوته ثم يلتقط صوراً سريعة لها مستغلاً اغماضها و استمتاعها التام بما حولها .
للحظه شعر نحوها بالشفقة فأي حياه عاشتها جعلت من شيء بسيط للغاية مثل احضارها الى هذا المكان يبهرها بتلك الطريقة لكنه كتم صوت ضميره ليصله ما ينتظره بعد عدة لحظات بسيطة فقرر التشويش على عقله مجدداً بطريقته المعتادة ليهتف ممازحاً بصوت عال قاصداً قطع اللحظة عليها :
" لقد تأخرنا .. سيغلقون باب الشركة و لن نلحق الحصه الاولى "
فتحت عينيها الدامعتين مجفلة و كأنها كانت تحلم بحق فيسألها هو بجديه بعد أن لاحظ دموعها الحبيسة :
" ماذا بكِ ؟! "
تنحنحت تلملم شتاتها ثم قالت بصوت مكتوم وهي تتحرك تجاه سيارته من جديد :
" لا شيء .. هيا .. لقد تأخرنا بالفعل "
فيلحقها هو من جديد برغبة عارمة في اقتحام رأسها لمعرفة ما أفسد متعتها !
اسندت رأسها على نافذة السيارة التي انطلقت منذ ثانيتين و اغمضت عينيها لتعود إلى هناك مجدداً بخيالها ... الى اكثر من خمسة عشر عاماً حين اخذتها امها في رحلةٍ بسيطة الى مكان يشبه ذلك المكان الى حد كبير بارضه الخضراء التي ركضت فوقها تضحك من ملاحقة امها لها !
تكاد تقسم أنها عادت حقاً الى ذلك الوقت حين اغمضت عينيها بل حتى شعرت ان رائحة امها الدافئة قد حاوطتها مثل تلك الأيام قبل أن يهدها المرض و يسقطها في فراش الموت .
ابتلعت ألمها و عادت إلى حاضرها تصّبر نفسها بأن ايام وجعها هي ولت و ايام وجع من اذوها هي القادمة فتنهدت تنهيدةً اخيره توقظ نفسها من موجة الحنين التي سقطت بها سهواً ليأتيها صوت بكر الذي اكتفى من صمتها الغريب الذي اقلقه بشدة:
" أنتِ بخير ؟! "
التفتت له فعلم جيداً أن من كانت معه اولاً واحدة أما من تجلس جواره الان فهي الأخرى .. تلك التي تخطط لتحطيمهم جميعا ً :
" بأفضل حال "
" هل اعجبتك مفاجأتي ؟! "
قالها قاصداً تخفيف التوتر لتجيبه هي :
" جدا .. شكراً لك "
ضحك بخفه ثم قال غامزاً بمكر يجيده :
" على الرحب آنستي .. اعتقد اننا تصافينا اخيراً "
لم ترد عليه و لم يكترث هو ليكملا الطريق و كلاً منهما غارق في أفكاره الخاصة .
.......................
" مرحباً بالعروس .. لماذا اتيتِ ؟! .. ألن تستعدي للحدث السعيد ؟! "
هل تسمع تهكم و سخريه في نبرته ؟!
تجاهلت عهد شعورها بسخريته لتبتسم و ترد عليه بعفويه اجادتها :
" مرحباً بك يا ابن خالي ، لا تقلق كل شيء جاهز .. لست بحاجة إلى أخذ عطله "
عفويتها اغضبته و وغضبه اصابته بالارتباك !
هو ليس غبي حتى لا يدرك ما يحدث بداخله تجاهها لكنه متخبط .. لماذا الان ؟!
لماذا بعد أن ارتبطت بأخر ؟!
إنه حتى لا يفهم نفسه .. ما الذي تغير بعهد من وجهة نظره ؟!
لماذا يشعر أن أمر خطبتها ثقيلاً للغاية على قلبه ؟!
هو متأكد أنه لا يحبها بالمعنى الحرفي للكلمه أو على الأقل مثلما احب علياء فيما مضى !
هل يكون شعوره هو مجرد غيره عليها لأنه اعتاد تواجدها حوله و اهتمامها بأصغر تفاصيله و ادقها طوال تلك السنوات الماضية و هو الشيء الذي سيتبخر كلياً في الهواء فور ارتباطها بأخر سيجد اهتمامها بغيره أمراً شاذاً غير مقبول مما سيجبره هو على التراجع ؟!
رباه لم يتخيل يوماً أنه أناني يبغض سعادتها لتظل حوله لكن هل هي سعيدة حقا ً ؟!
" امين ماذا بك ؟! .. لما تحدق بي هكذا ؟! "
لم يفكر مرتين قبل أن يندفع السؤال منه بترقب :
" هل أنتِ سعيدة ؟!! "
ارتبك وجهها للحظات قبل أن تتمالك نفسها فتسأله بضحكه مصطنعه عما يقصد بسؤاله فيعيد هو سؤاله مجدداً و لا يعلم لما يتمنى أن تخبره بأنها غير سعيدة بما يحدث أو على الأقل متشوشه ... مثله :
" اقصد أمر الخطبه الوشيكة .. انتِ في البداية كنتِ رافضه للأمر تماماً ثم وافقتِ بعدها بشكل محير لنُفاجئ جميعا ً بموعد الخطبه السريع لهذا أسألك هل انت ِ سعيدة بما يحدث حولك ام أن سرعة الأمر تشوشك ؟! "
ابتسمت له بمراره حاولت إخفائها .. فها هو امين كما سيظل دائما ً مراعي و داعم للجميع ، غبية هي كم تتمنى أن يكون مقصده من هذا السؤال شيء آخر لكن لا داعي أن تأمل رؤيته لها على نحو آخر فلتظل صورتها و مكانتها داخله كما هي كأخت وصديقه و لتغير هي موضعه بحياتها و تنقله لخانة الأقارب .
" هل سؤالي صعب لهذه الدرجة ؟! .. اسمعي إن كنتِ غير ....... "
قاطعته بهدوء ميت دون أن تتخلى عن ابتسامتها الدافئة التي يشعر بأنه سيفارقها قريبا ً :
" لا تقلق يا امين ، انا بخير و سعيدة للغاية "
ارتجلت فور أن رأت نظرته المتفحصة فأكملت :
" لقد قابلت انس و جلست معه .. هو انسان خلوق و ذكي للغاية كما أن نظرتنا للأمور متشابهة جداً و آرائنا متفقه معظم الوقت "
ابتلع خيبته التي ستصيبه بالجنون ليسألها متهكماً :
" و هل هذا الشيء كافي للارتباط به ؟! "
" بالطبع .. أن أكون متفقه مع شريك حياتي في معظم الأمور لهو أمر رائع ، لن يكون هناك تضارب كثير في وجهات ولا تشاحن و غضب و انا اجد ذلك أمراً ممتاز "
اصابته رؤيتها للآخر على أنه شريك حياتها بالخرس و زادت من حيرته و ضيقه من نفسه ليهز لها رأسه و يسبل اهدابه قائلاً باختصار و بصوت مكتوم و هو يعيد لها أوراقها التي مدتها له ليوقعها في وقت سابق :
" وفقك الله يا عهد "
اغتصبت ابتسامه أصبحت تتدرب عليها كل يوم ثم قالت و هي تتحرك للخارج :
" شكرا ً يا امين ، انا ممتنه بحق لاهتمامك و سؤالك .. و اوصل سلامي الى قصي لقد اشتقته كثيراً هذا الشقي "
اغلقت الباب ورائها ثم تحركت الى الخارج قليلاً لتتوقف خطواتها تماماً وهي تحدق بصدمه في خطيبها المستقبلي الذي كان قادماً من اول الممر بينما تمتم امين خلفها بضيق :
" نحن من سنشتاق يا ابنة عمتي . نحن من سنشتاق "
...............................
راقبت وصال وقفة عهد المتسمرة حيث كانت تحدق مبهوتة في شاب ما خمنت وصال أنه عريس الهنا لتعطيهما دقيقتين لم تتبين ماذا قالا فيهما بالضبط بينما اعطت الوقت الكافي لنفسها حتى تتفحصه معجبةً بطول قامته و جسده المتناسق لتضحك بعدها بخفه وهي تتخيل وجه امين حين يرى عارض الأزياء الذي هل على العائلة !
اقتربت بعد ذلك تبتسم بشقاوه فيما تقول :
" مرحباً يا عهد .. ألن تعرفينا ؟! "
نظرت عهد خلفها مجفلة ثم قالت بخفوت :
" مرحباً وصال ، هذا استاذ انس "
ثم التفتت ناحية الآخر و أكملت تعريفها :
" وصال ابنة خالي "
لم تعطيه وصال فرصة للترحيب بها إذ قالت بشغب :
" آه .. الاستاذ أنس ، تشرفنا يا استاذ .. كيف حالك ؟! "
ثم لكزت عهد فيما تقول بصوت ضاحك خافت لكنه مسموع للآخر :
" سيكون خطيبك بعد كم يوم و تنادينه بـ أستاذ ! .. هل جاء لكِ ليشرح حصة جغرافيا ؟! "
تخصب وجه عهد و لكزت وصال بينما ضحك أنس قائلاً بابتهاج :
" تشرفت بمعرفتك آنسه وصال "
ابتسمت له بينما تقول في سرها بمكر :
" انتظرني دقيقتين فقط و سأحضر لك الشرف كله "
انتبهت وصال لصمتهما المتوتر فتداركت نفسها و قالت :
" الشرف لي انا .. بعد اذنكما "
انسحبت من بينهما بينما تتمتم :
" يا ابنة المحظوظة يا عهد .. وقعتِ واقفه .. لك الله يا امين "
تجاهلت عن عمد نظرات جاسم الذي مر من جانبها ينظر لها بتعجب و هي تكلم حالها لتدلف بعدها إلى مكتب امين فيما تقول بابتهاج خبيث :
" هل تعلم ماذا رأيت الآن ؟! "
رفع لها امين ناظريه سائلاً بنبره أرادها عفويه لكنه فشل :
" ماذا رأيت ِ يا رويتر ؟! "
ضحكت وصال تكمل بمكر :
" رأيت عارض ازياء وسيم للغاية خرج للتو من مجلة الموضة يقف مع عهد في الممر ينظر لها نظرات ذائبه .. من الواضح أنه خطيبها العتيد ، يا الله لطالما قلت ان هذه الفتاه تمتلك حظ من نار "
اجفلتها نظرة امين الجامدة لأقل من ثانيه لتعود و تتقمص الدور من جديد و تسأله ببراءة :
" ماذا بك يا امين ؟! .. هل تسمعني ؟! "
تدارك امين نفسه و فك قبضته ليسعل قليلاً ثم يقول وهو يسحب بعض الملفات و ينهض :
" معك .. سمعتك ، سأذهب الى مكتب السيد عبد الخالق هناك أمرا ً اريد مناقشته فيه "
تمتمت وصال بعد خروجه ضاحكه :
" السيد عبد الخالق ! .. على ماما ! "
لتنسحب هي الأخرى من المكتب تغني بشقاوه بعد ما أدت مهمتها بنجاح :
" ذهب الليل .. طلع الفجر و امين اتهور "
........................
" سلامٌ عليكم "
ابتلعت عهد ريقها بتوتر دون أن تلتفت بينما نظر أنس بوجه لم تختفي ابتسامته الى امين الذي كان يبدو هادئاً بينما أعماقه تموج بغضب و عقله يسأله دون رحمة عما يفعله هنا !
" وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته .. مرحباً سيد امين "
لم تجرؤ عهد على الالتفات إليه حتى لا تفتعل فضيحه و تلقي نفسها عليه تبكي حالها أو تشكو إليه جهله ليلتف امين من حولها فيما يقول بتحفظ واضح بعد ما تلكئ قليلاً قبل أن يمد يده للأخر :
" مرحباً بك .. لم اتشرف بمعرفتك بعد ! "
" أنس فخر .. صهركم المستقبلي بإذن الله "
قالها انس ضاحكاً دون أن يدري بنيران الآخر الذي يبتسم له مجاملاً محاولاً تجاهل رغبته الدفينة ( الغير مفسره ) بلكمه ليرد بعد لحظات بصوت هادئ قدر الإمكان متجاهلاً ابسط قواعد اللياقة في نطق لفظ مباركه واحد دون أن ينظر إلى عهد نظره واحده طائعاً لأفكاره التي تحذره من النظر إليها خوفاً من يرى السعادة مرسومه على وجهها بينما عقله يشتمه بأقذر الألفاظ على أنانيته التي اكتشفها في نفسه مؤخراً :
" ربنا يقدم ما به الخير .. بعد اذنكما "
ليتحرك ببساطة مغادراً للاتجاه الآخر بينما قالت وصال التي كانت تختبئ في الخلف تراقب الموقف بخيبة أمل كبيرة :
" ربنا يقدم ما به الخير ! .. هذا ما قدرك الله عليه ؟! ، ماذا اقول و ماذا اعيد ؟! .. فوضت امري بك لله يا امين "
" ماذا تفعلين ؟! .. على من تتجسسين ؟! "
شهقت وصال و كادت تسقط للخلف لتسند نفسها على ذراعه ثم أعطت نفسها بعض الوقت تنظم نفسّها لترد بعدها بتحدي بارد :
" الأصح هو ماذا تفعل انت هنا ؟! .. هذه المرة الرابعة تقريبا ً التي تمر بها من هنا رغم أن مكتبك في الاتجاه الآخر ! .. ماذا ؟! .. هل تنتظر وصول أحدهم ؟! "
تجاهل جاسم تساؤلاتها الخبيثة ليرد ساخراً :
" آها .. اذاً أنتِ تراقبين الجميع ! .. من يمر و من يقف و من وصل ، هل هذا ما جئت ِ لتعلمه ؟! "
رفعت له حاجبها باستفزاز لتقول بعد عدة لحظات بتهديد اجفله :
" لا تأكل دماغي يا جاسم ، وإلا قسماً بالله سأذهب و اشكوك الى جدي و أخبره انك تضطهدنِ و تتنمر عليّ لأنك كنت ترفض وجودي من البداية "
ارتفع حاجبيه باستنكار ليقطب بعدها مما اقلقها ليهدر بخفوت وهي تقف أمامه تمثل التحدي و الصمود بينما قلبها يرتجف برعب من كتلة العضلات التي اغضبتها :
" هل تهدديني بجدك ؟! .. حسناً يا وصال ، ما رأيك انني سأنقلك إلى مكتبي لأدربك بنفسي و سأخبر جدك العزيز عن قراري الآن و أريني فقط من سيقف لي "
ابتلعت وصال ريقها بتوتر لتتسع عيناها دون أن ترمش حين اقترب هو منها خطوه اخيره فيما يكمل بوعيد ارعبها :
" و بعد أن تنتقلين لمكتبي سترين كيف سأكل دماغك و سأعلمك كيف تتحدثين معي و كيف تتحديني ! "
تنفست بعمق فور أن تركها و رحل إلى مكتبه لتهم بالركض بعدها إلى امين لتطلب منه انقاذها ثم توقفت في منتصف الطريق تسأل نفسها إن كانت ترغب بالإنقاذ حقاً منه ام عليها أن تستغل فرصتها التي منحها إليها على طبق من فضة !
ثبتت قدمها في الأرض لتتمالك اعصابها فيما تقول بمكر و قد اتخذت قرارها في ثانيه كعادتها :
" انت من سيطلب فرقة إنقاذ بحالها و لن تنجيك مني .. لقد وقعت في الفخ يا أبا الغضب "
........................................
بعد وقت دخل بكر مصطحباً جزاء برفقته ليقابلهم امين في منتصف الطريق فيحاول من جديد إلهاء نفسه عما يحدث بداخله ليقترب منهما قائلاً ببشاشة زائفه :
" مرحباً يا جزاء .. شرفتِ المكان "
ابتسمت له جزاء لترد :
" مرحباً بك يا امين "
ابتسم لها امين ثم تركهم و تحرك هارباً من نظرات أخيه المرتابة ليكمل بعدها بكر طريقه نحو مكتبه تتبعه جزاء ليشاكسها بعد لحظات و قد سأم من صمتها الخانق :
" لقد لاحظت أن أمين الوحيد الذي يحظى بمعامله آدميه منكِ ، لا ادري ماذا فعل هذا الشاب في حياته ليجعل الجميع يودونه من اول لقاء ! "
رمقته جزاء بطرف عينيها لترد باختصار :
" أخاك محترم "
التفت اليها قبل ان يدلف الى المكتب ليتخصر أمامها قائلاً بحنق طفولي :
" و انا أيضا ً محترم ، انتِ فقط لم تجربيني بعد "
رفعت له حاجبها تسأله ببطء :
" لم اجربك في ماذا ؟! "
اخرج علبة سجائره ليشعل واحده ثم يدخل الى مكتبها الذي يلاصق مكتبه مثل غرفتها و كأن القدر يتحين الفرص ليلصقهما ببعضهما :
" في الاحترام .. صدقيني انا محترم احترام ... سيبهرك "
تلكئ في نهاية الجملة مما أرسل إليها شعور غير مريح بالوقاحة لكنها استبعدت الأمر عن تفكيرها حين غير هو مجرى الحديث قائلاً بجديه :
" هذا مكتبك جعلتهم يجهزونه في الصباح "
ثم أشار ناحية مكتبه و استطرد :
" و هذا مكتبي الذي ستكونين شريكتي فيه في كل مره اعلمك فيها شيئاً جديد و لن اقول لكِ الكلام المستهلك و اخبرك بأنكِ اذا احتجتِ شيئاً تأتين لي لأنني سأكون لاجئاً في هذا المكتب اللطيف منذ اليوم حتى ادربك على كل صغيرة وكبيرة في هذه الشركة "
اومأت له جزاء بهدوء و هي تفكر في وسيله حتى تخرجه من المكان ليقول هو بعد لحظات و كأنه يقرأ أفكارها :
" سأتركك الان حتى ارى امين افندي .. وجهه لم يعجبني "
ليتحرك مغادراً إياها لتتنفس هي الصعداء و تخرج بعده بدقائق وعقلها يعيد إليها من جديد مواصفات الملف المطلوب الذي عليها إيجاده في اسرع وقت .
تحركت تتعرف على المكان وهي تعلم جيداً أن الوقت الان غير مناسب بالمره للدخول الى مكتب امين فلا يجب أن تتسرع حتى لا تخسر فرصتها و تنفضح خطتها فهي حتى هذه اللحظة ليس لديها رصيداً كافياً عند جدها يبقيها تحت حمايته على الرغم من أنه عانقها اليوم و نظر إليها بشكل جديد بعد أن مرت على أبيها كما وعدته لكن هذا لا يكفيها .. يجب أن تتقرب إليه اكثر و اكثر حتى يثق فيها كما يفعل مع البقيه بل و أكثر .
تحركت قليلاً في الممرات لتجد نفسها أمام جاسم الذي ما أن لمحها حتى أشار لها بغرور و عنجهية حتى تقترب فتحاملت على نفسها و اقتربت منه بهدوء تدلف الى مكتبه ليبادرها هو قائلاً ببرود :
" اختفيتِ بعد ذهابي للتحدث مع رغده ، عدت فوجدتك ذهبتِ مع بكر "
" ابن عمك هو من احرجني أمام جدك و لم استطع الفرار منه "
نظر إليها بصمت فقالت مدعيه الجهل :
" ماذا تريد مني أن افعل الان ؟! .. انا لا افهم شيء بعملكم "
أجابها و هو يغلق بعض الملفات الموضوعة أمامه :
" لستِ بحاجه الى فعل شيء .. أنتِ هنا حتى تكونين معي مثلما خططتِ .. أليس كذلك يا ..... ندى ؟! "
تجاهلت مناداته لها باسم الاخرى و كأنه يذكرها بحقيقتها فتصنعت الثبات ثم ردت :
" بالطبع .. هذا السبب الوحيد لوجودي هنا "
قالتها بلا تردد فابتسم جاسم قائلاً ببساطة :
" إذاً مكانك سيكون في مكتبي "
قاطعهم صوت بكر الساخر الذي جعل القلق يدب في قلبهما من أن يكون قد سمع حديثهما من اوله:
" للأسف يا ابن العم .. لدي أقوال أخرى "

نهاية الفصل الخامس

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن