🌲الفصل الرابع عشر🌲

667 15 0
                                    


الفصل الرابع عشر :



يقف في أقصى الحديقة بقلب يغلي يراقبها برفقة المدعو خطيبها بينما عقله يعمل في أكثر من اتجاه بل ويبتسم له برضى شيطاني و يخبره بأن خطته البسيطة بدأت تحصد نتائجها ..
فطوال الفترة الماضية اتخذ امين الصبر و السُخف منهجاً !
فإذا كانت اخلاقه تمنعه من اخبارها عن مشاعره و هي مرتبطة بغيره فلا مانع أن يدمر تلك الخطبة بأسلوب سلس بسيط هادئ مثله !
لم يقتضي منه الأمر أكثر من مكالمات هاتفية لا تنتهي يتحدث فيهم مع عهد عن اي شيء و كل شيء في العمل و خلافه متعمداً أن يسد الطريق على الاخر و يحرجها هي بعد أن صالحها رغماً عنه حتى ينفذ خطته كما يشاء !
اجل يشعر أنه نذل لكن كلمات بكر لا تنفك تتردد في أذنه و هو ينصحه بأن يخطف ما يراه من حقه و ما يريده .
لقد عاش من أجل العائلة عمراً بأكمله و الآن حان الوقت ليعيش قليلاً من أجل نفسه !
سيسمع نصيحة اخاه و سيستمتع بأنانيته دون أن يؤذي أحد ..
اجل لن تُؤذى عهد اذا انفصلت عن ذاك اللزج الذي يقف أمامها متبختراً بوسامته السخيفة مثله !
هو الأكثر دراية بعهد .. هو من يحفظها و يحفظ مفاتيحها عن ظهر قلب و هو أيضاً من سيستطيع اسعادها و لو بأقل الاشياء لأنه يدرك جيداً ما تحب و ما تكره .
اقترب امين بحذر حريصاً على عدم إصدار أي صوت ينبههم لوجوده غير مدركاً لعينا ادم التي تتابعه عن بعد !
استرق السمع قليلاً فجاءه صوته الهادئ بنبرة تحمل بين طياتها السخرية قائلاً بخفوت :
" هل انتِ واثقة ؟! .. هذا الأمر ليس به رجعة "
فتهز عهد رأسها على استحياء ليومئ لها أنس قائلاً بغرور ذكوري و هو يهم بالرحيل :
" حسناً .. اخبري اهلك بما قررنا و ارسلِ تحياتي لهم "
فتهمس عهد بما لم يصل لأذنه لكن رد أنس اوصل له مغزى الحديث :
" لا عليك ِ .. لم اخسر الكثير كما أن الأمر لم يكن بيدك على كل حال "
لتتسع عينا أمين بغير تصديق و تهتز وقفته حين رأى الآخر يسحب خاتمه من اصبع عهد و يغادر بينما ظلت هي مكانها تطأطأ رأسها ارضاً !
اقترب منها كالمسحور لا يصدق أن كابوسه انتهى بمثل هذه السهولة يشعر كما لو أنه في حلم لتتوقف خطواته حين سمع صوت نهنهتها و شهقاتها المكتومة فضرب السؤال عقله و ضميره :
( هل أحبته ؟! .. هل فرق بينهما و كسر قلبها ليحظى بها لنفسه بكل خسة ووضاعة ؟! )
عاد صوت أنانيته المستحدثة يرد بقوة مترددة :
( سأسعدها و اعوضها .. سأنسيها تجربتها معه و انسيها إياه كأنه لم يمر بحياتها يوماً )
و عند الخاطر الاخير دبت القوة في قدمه من جديد فأكمل خطواته ليقف خلفها تماماً فيصله صوت بكائها اكثر وضوحا ً فيهمس لسانه اسمها دون وعي منه ..
تخشب جسدها وهمسته رغم خفوتها تضرب قلبها العليل به فتسقطه صريعاً في اقل من ثانية !
التف امين حولها ووقف قبالتها يراقب دموعها المتدفقة على رحيل الآخر فيسألها بصوت مكتوم و قلب يحترق غيرة عليها ووجع لأجلها :
" هل احببتِ هذا الرجل ؟! .. هل تبكيه ؟! "
فتزداد دموعها اكثر فيعود ضميره يؤنبه ثم تعود أنانيته حديثة الولادة و تفرض وجودها فيقول بلا ذرة تفكير أو ندم :
" لا يهم ، هذا الرجل لم يكن يناسبك على أية حال .. انا متأكد انكِ ستنسين تجربتك معه مع الوقت "
حاولت عهد التحكم في دموعها ثم رفعت عينها الباكيتين الى من يقف أمامها و قالت تناجي فيه صداقته :
" لقد اذيته ، اهنت كرامته و كبريائه .. لكني لم اقصد ، اقسم بالله العظيم لم اقصد الأمر أبداً "
حدق فيها امين يتمنى لو أن باستطاعته أن يغمرها بين ذراعيه عله يخبرها عناقه عن ما جبن به لسانه لتهمس هي مجدداً بنشيج جلب الحزن لعينيه :
" ليتني ما قبلت به ، ليتني ما دخلت حياته .. اشعر انني حقيرة جداً "
وضع امين كفه فوق ذراعها ثم رد بثقة يحاول بثها إليها :
" بل انتِ افضل انسانة على وجه الأرض ، احن و اجمل امرأة رأتها عيني "
في وضع آخر كان من الممكن أن تجن و تعانقه بعد ما قال لكن هيئة انس و انكسار قلبه طغيا على قلبها و منعاه من ارتشاف حديث امين بسعادة فمسحت عهد عيناها و قد عاد إليها بعضاً من تماسكها ثم حاولت التحرك من أمامه بحركة خرقاء ليمسك هو بذراعها قائلاً بقلة صبر :
" انتظري يا عهد .. انا احبـ .... "
لا يوجد متعة تضاهي متعته الان و هو يقاطع اعتراف الاحمق المتأخر بمشاعره !
هكذا فكر ادم بشيطانية و هو يقترب و يفرض وجوده يهتف بإسم امين و هو يحدق في يده التي تمسك بذراع أخته بضيق غير مفتعل فتركها امين على مضض شاتماً بخفوت ليقف ادم اخيراً بينهما يكتف ذراعيه متقمصاً دور امين الشرطة فيما يقول بضيق واضح :
" ماذا يحدث هنا ؟! "
ثم التفت إلى عهد التي كانت تنظر له بلا تعبير محدد و البكاء يحدد معالم وجهها الناعمة فاستطرد سائلاً :
" وانتِ ما بكِ ؟! .. لما تبكين ؟! "
دمعت عيناها من جديد ثم قالت هي و امين في نفس اللحظة :
" لقد تشاجرت مع أنس و.... "
" لقد انفصلا هي و أنس "
نظر لهما ادم سوياً ثم هز رأسه بلا تعبير محدد و أحاط كتفي أخته يحثها على التحرك معه ثم وجه حديثه لأمين قائلاً بنبرة نجح في إخراجها باردة كالجليد :
" حسناً يا ابن خالي .. شكراً على مواساتك "
نظرت له عهد بعدم فهم لتصرفاته المريبة فهمس لها هو بمكر دون أن تبخل عيناه بالدعم الذي تحتاجه في هذه اللحظة :
" اتركيه يلهث خلفك قليلاً و تعالي الان حتى نفكر كيف سنخبر الحاج إمام بما حدث معك و اين سنبيت ليلتنا بعدها لأنني متأكد من أنه سيطردنا هذه المرة من البيت ؟! "
مسحت عهد وجهها و سيطرت على ارتجافها ليمازحها هو بعد لحظات و هو يدلف معها إلى الداخل :
" أشعر أن موتي سيكون على يديكِ يا ابنة امي و ابي "
.......................................
" ماذا حدث ؟! "
همست بها وصال بفضول قاتل حين وقف أمامها ادم بينما تتابع بعينيها عهد التي تورات خلف باب دورة المياه ليلتفت هو ينظر إليها بمكر و يرد لها مزحتها الأولى :
" كم ستعطيني لأخبرك ؟! "
ضحكت وصال ثم قالت بخفوت :
" أخبرني اولاً لأحدد الثمن "
ابتسم لها ادم لتفلت منه نظرة شفقة و هو يقول :
" لقد انتهى أمر أنس نهائياً على الأغلب "
ابتسمت له وصال بدعم فيما تقول بجدية :
" عهد تستحق الافضل .. أنس لم يكن شخصاً سيئاً لكنني شعرت دائما ً انه لا يليق بعهد و لا يناسبها "
نظر لها ادم يلوي شفتيه بشبه ابتسامة ساخرة بينما يسألها بنبرة ذات مغزى :
" و من يليق بها برأيك ؟! "
تكلمت وصال بما تؤمن به فقالت دون تردد و رغماً عنها مشاعرها تخونها و تهرع إليه من جديد خاصةً بوقفته المنعزلة عن الجميع كعادته و كأنه مصر على نفي نفسه و روحه بعيداً عنهم ..
و ليته يحلق في عالمه بمفرده مثلما كان يفعل بكر قبل عودة جزاء بل و للأسف هي أكثر الحاضرين إدراكا ً بأنه يعاني .. لا تدرك السبب .. لا تدرك الاحداث لكنها تشعر بمعاناته و تدركها دون حاجة إلى حروف أو إشارات ، يكفيها ألم قلبها لتفهم أنه يتألم :
" يليق بها من يفهمها و تألفه روحها .. من يتسبب في اسعادها و لو بأقل الاشياء ، من يفرحها مجرد حضوره و يؤذيها غيابه "
وضع ادم كفيه في جيوبه ليسألها بشكل مباشر دون أن يلاحظ ما تمر به :
" و هل ترين أن هذا الشخص هو امين ؟! "
اجفلت وصال للحظه بعد ان شردت و اخذها حديثها نحو شخصاً آخر فتمالكت نفسها و اجابت ادم بهدوء مفتعل :
" انا لا اتحدث عن امين بشكل خاص ، اعتبرها نصيحة ... إذا وجدت هذه الصفات تجمعت في شخص يرغب بأختك فلا ترفضه "
لمح ادم خروج عهد من دورة المياه فقال :
" سأذهب لأطمئن عليها "
أوقفته وصال و نهضت من على كرسيها فيما تقول :
" انتظر .. سأذهب انا "
لكنها توقفت فجأة حين هاجمها دوار شديد جعل الدنيا تظلم في عينيها للحظات ليمسك بها ادم قائلاً بقلق :
" ماذا بك ِ ؟! "
ابتسمت وصال بضعف و اجابته :
" لا شيء .. لقد أصابني الدوار حين نهضت فجأة "
تماسكت بعد عدة لحظات و تركت التجمع فيما تتحرك نحو الدرج حتى تعود إلى غرفتها قليلاً ليداهمها الدوار من جديد بشكل أقوى قبل أن تصعد اول درجة فتمسكت بسور الدرج بكل قوتها بينما تطن اذنها و يصلها حديث ادم الذي تحرك خلفها بسرعة بشكل مشوش :
" انتظري حتى يختفي الدوار قبل أن تتحركي .. ثم لما تبدين أكثر نحافة عن اخر مرة رأيتك بها ؟! ... هل تستخدمين نظام غذائي معين حتى تفقدين الوزن ؟! "
هزت وصال رأسها نفياً ثم كادت أن تتحدث لتجفل حين مد ادم يده فجأة إلى شفتها السفلية يبعدها فيما يقول بمهنية سيطرت عليه :
" و ما هذا ايضا ً ؟! .. لثتك تنزف ، ما الذي يحدث معك بالضبط يا وصال ؟! "
اغمضت وصال عينيها تهمس بتعب و ضعف يسيطر عليها رويدا رويدا :
" لا اعلم "
اجلسها ادم على مقعد بعيد عن عين العائلة بعض الشيء ثم وقف أمامها و سألها من جديد :
" ماذا عن نظام غذائك ؟! .. لم تجيبني "
هزت وصال كتفيها بإهمال فيما تجيبه :
" لا يوجد نظام محدد .. انا فقط لا اشتهي الطعام منذ فترة "
قطب ادم ثم قال بتقرير :
" و منذ فترة أيضاً اخبرتني عهد انكِ فقدتِ وعيك في الشركة "
لم ترد وصال بشيء فقال هو اخيراً بأمر :
" غداً تمرين عليّ في المستشفى .. سأنتظرك حتى اجري لكِ بعض التحاليل و الفحوصات "
قطبت وصال بطفولية و رفض غير منطوق فأكثر ما تكرهه في حياتها هو الابر و الحقن و شكل الدماء لترفع له رأسها بعد ذلك فيما تقول برفض مهذب :
" لا داعي لكل هذا .. كل ما في الأمر بعض الدوار ، انا بخير "
تخصر أمامها ادم ثم قال بحسم :
" اما ان اراكِ غداً في العاشرة صباحا ً أو سأذهب الى امك الان و اخبرها انكِ لستِ على ما يرام و أنتِ تعرفين الباقي ... اختاري "
نظرت له وصال بضيق ...
المستفز يستغل خوف امها المرضي الذي أصبح يلازمها منذ وفاة علياء و يضغط عليها به حتى ترضخ له و تذهب الى المستشفى !
تأففت أمامه كطفلة حانقة ثم قالت بعدها بنبرةٍ آمرة :
" حسناً .. لكن هذا الأمر سيكون بيني و بينك فقط ، لا اريد التعرض الى زوابع قلق و وصلات بكاء و اقسم بالله اذا سربت الخبر لأي شخص لن يحدث لك خير "
ابتسم لها ادم بخفة ثم قال :
" اتفقنا .. اراكِ في الصباح ، اعتني بنفسك "
" حسناً "
تركها بعدها و عاد إلى ذلك التجمع الذي أوشك على الانتهاء يضحك في سره على بكر الذي تركته عروسه في منتصف السهرة و صعدت إلى غرفتها تتعلل بالتعب بعد أن اختطفها و تحرش بها كما هو متوقع ليكمل المسكين حفل عقد قرانه يتحدث مع قصي الذي لم يصمت منذ بداية السهرة و كأنه كان جائع للحديث و الصحبة !
.....................
" لم اكن اعرف انكِ و ادم صديقان "
ألقاها جاسم الذي كان يحمل حقيبة صغيرة بها بعضاً من اغراضه ليأخذها معه وهو عائد الى شقته محاولاً اظهار اللامبالاة في نبرته فالتفتت له وصال تحاول السيطرة على جسدها ووهنه أمامه ثم قالت بخفه وهي تحرك كتفها باستهانة :
" و اين المشكلة ؟! .. ادم مثله مثلكم جميعاً ، ابن عمتي و صديقي "
هز جاسم رأسه متفهماً ثم سألها بلؤم مقصود دون أن يفهم ما دفعه لهذا السؤال :
" وهل انا في نفس خانة الصداقة مثلهم ؟! "
فردت هي لؤمه بثبات جبار حين اجابته :
" بالطبع .. جميعكم عندي في نفس الخانة "
لا يعلم ماذا داهاه ليقترب منها قائلاً ببعض السخرية من حديثها الكاذب :
" آه حقاً ! .. و انا ظننت ان وجعي يوجعك لأنني لست مثل أمين ! "
نظرت له وصال للحظات ثم أطلقت العنان لضحكتها الرنانة فيما تقول بسخرية اقوى و جرأة كبيرة تمثل دور الاندهاش ببراعة :
" ربااااااااه انت ماذا وصل اليك بالضبط من حديثي ؟! .. بحق الله يا جاسم لو كان أي شخص آخر من العائلة مكانك لقلت له نفس ما قلت لك من باب المواساة لا اكثر .. ألهذا تركتني و رحلت بهذا الشكل المريب يومها ؟! .. انت مضحك اقسم بالله "
ابتسم لها جاسم ساخراً فمن تقف أمامه و تتلاعب بذكاء تظن أنها ستتفوق عليه به لا تعلم أنه و بغض النظر عن اعترافها الغير مباشر الذي القته بوجهه اصبح يدرك ما تكنه له من ذلك الخطاب الذي وقع بين يديه بالصدفة البحتة لذلك مهما أنكرت أمامه الان و مثلت عليه سيظل هو متقدما ً عليها بخطوه ..
آه .. من كان يعتقد أنه سيأتي يوم و تقف أمامه تلك القصيرة التي كانت تصعد فوق كتفيه و تكن له المشاعر لكن تتدلل أمامه بل و تتحداه أيضاً !
بل من كان يظن أنه سيتحمل هذا الأمر و يقف ليشاهدها بفضول و شيء آخر يتولد داخله لا يدري كنهه فيشاهد براعتها التي مهما ازدادت لن تنطلي عليه !
عجيب تقلب القلوب و تغير النفوس !
وصال التي كان يتهرب منها حتى لا يرى وجه الأخرى فيها تقف أمامه الان وتطمس بشقاوتها و ذكاء ردودها ملامح من كانت تشبهها في عينيه بل و تثير داخله رغبة قوية في الاستمرار في حياته بعد أن اوقفها هو بكل غباء على من لا تستحق !
يعلم جيداً أنه لا يزال بحاجة إلى بعض الوقت حتى يتخطى ما حدث و ما اكتشفه فما عاش بداخله لأعوام لن يختفي بكبسة زر لكن الأمر أشبه بلوحة تتكون داخله ببطء و الأمر المثير للاهتمام أنه اكتشف ان قصيرة القامة هي من تضيف ألوانها على لوحته دون حتى أن تتقصد ذلك !
اجفل جاسم و اقترب بسرعة عندما ترنحت وصال رغماً عنها فأمسك بها هاتفا ً بقلق :
" ما بكِ ؟! "
شتمت وصال في سرها بغضب و داهمها الخوف لأول مرة مما يحدث معها لكن كل تلك المشاعر لم تظهر في اجابتها المرحة و هي تحاول استعادة ثباتها بكل طاقتها :
" و ماذا سيكون ؟! .. لم يطعموني منذ الصباح و يطلبون مني العمل مثل الثور ، طبيعي جدا أن تكون هذه نهاية يومي "
ابعدت وصال يده عنها فيما تكمل مسرحيتها تتجاهل تماماً انتفاضة جسدها التي داهمتها حين أمسك بها وقالت أمام عينيه القلقتين :
" سأذهب الى المطبخ حتى يطعموني شيئاً ما "
لتهمس بضحكة ساخرة مصطنعة قبل أن تغادره :
" و انت هيا اذهب و استعذ بالله من وساوس الشيطان التي نتجت عن حديث عابر "
ظل جاسم مقطباً يتابع اختفائها عن عينيه دون أن يغادره القلق !
فهذه المرة الأولى التي يرى وصال فيها شاحبة الوجه هزيلة الجسد بهذا الشكل الملفت !
ترى هل تسعى خلف وصفات التخسيس كعادتها ام إنها مريضة ؟!
لا .. لا ، بالتأكيد هذه الحمقاء مرهقة لأنها تتبع حمية غذائية جديدة رغم أنها ليست بحاجة إلى هذه السخافات !
هذا ما أخبر به جاسم نفسه و هو يستعد للرحيل مجدداً دون أن تفوته نظرة جده الغير راضية التي يرسلها إليه من بعيد لكنه لا يود العودة إلى هنا قبل أن يعود ولو قليلاً إلى نفسه ولا قبل أن يرتب أولوياته جيدا ً حتى يرى ما ستحمله له المرحلة المقبلة من حياته و يستعد لها فلا يتعرض لما تعرض له مسبقاً .
......................................
( صباح اليوم التالي )
" عهد ! .. ماذا تفعلين هنا ؟! "
توقفت حركتها تغمض عينيها بيأس بينما لم ينتظر هو التفاتها له و تحرك ليقف أمامها لتتسع عيناه وهو يرى ملامح ليلة بكاء طويلة تبدو جلية فوق صفحة وجهها فتنفس امين بعمق كابتا ً داخله كل ما يشعر به كما اعتاد أن يفعل ليقول في النهاية و بمنتهى الغباء و بعد لحظات طويلة من التوتر من جهتها :
" لم اكن اعلم انكِ أحببته بهذا القدر في هذه الفترة القصيرة "
جزت عهد على أسنانها و نظرت الى امين بغضب جلي ثم قالت بصوت مكتوم بنبرة صوت آمره لأول مرة تستخدمها معه :
" امين .. انا لا اريد كلام في هذا الأمر مجدداً "
حاولت بعدها تخطيه لتكمل طريقها الى مكتبها لكنه سد عليها الطريق بجسده فيما يقول بهدوء يصيبها بالجنون :
" هلا تحدثنا أولاً ! .. من فضلك رافقيني الى مكتبي فلا يصح أن نظل واقفين هكذا في منتصف الشركة "
تكلمت عهد من بين أسنانها بغضب لم يفهم هو سببه :
" قلت لا .. لا اريد "
لتتحرك بعدها و تتركه واقفاً مكانه ينظر في إثرها بتفهم ..
مؤكد تعرضت ليلة البارحة لكل انواع الأذى النفسي !
يستطيع تخيل رد فعل العم إمام الغاضب لأنها تخطته و أنهت هي الخطبة بالاتفاق مع أنس دون الرجوع إليه !
كما أنه متأكد انها لم تنم منذ ليلة البارحة و لم تنل طعم الراحة بسبب إصابتها بالقولون العصبي الذي لا يذيقها طعم الراحة اذا ما قرر مهاجمتها.
حتى إنه تعجب فور أن رآها أمامه ، لقد كان يعتقد انها لن تأتي اليوم حتى تريح اعصابها من كل ما حدث معها في الأيام الأخيرة !
فهو كان شاهد بنفسه على تعبها و ضيقها بل و تشوشها الذي كان هو مصدره بتصرفاته الاخيرة معها !
وقف امين مكانه مطرقاً للحظات قبل أن يتخذ قراره و يذهب خلفها مقسماً في نفسه انها سيسعى جاهدا إلى إخراجها من حالة الاكتئاب التي المت بها و ليعينه الله و يصبره اذا اعترفت أمامه بحبها للآخر !
دخل الى مكتبها دون استئذان كعادته ليجدها تجلس على كرسيها بينما تميل بنصف جسدها للأمام و تسند رأسها إلى سطح المكتب الخاص بها فتحرك ببطء إلى أن وقف أمامها ثم قال مرة واحدة :
" بحق الله ماذا تفعلين هنا يا عهد ؟! .. هل هذا مكان تهربين إليه من المنزل ؟! "
رفعت عهد رأسها بإجفال ثم سألته بعدم تركيز :
" هل طرقت الباب قبل دخولك ؟! "
قطب امين متفاجئاً من سؤالها ليرد بعد عدة لحظات بصوت محرج و هو يهرش في رأسه :
" غالباً لا ! "
زفرت عهد بقنوط لتغمض عينيها بغيظ منه تود لو تقذفه بإطار الصورة الصغير الموضوع أمامها !
فها هو عاد إلى تخاذله القديم بعد أن كاد ينطق ليلة البارحة بعد معاناة !
رباه هل وصل بها الحال لأن تظل مستيقظة لليلة كاملة بسبب كلمة حب ناقصة منه !!
زاد حنقها من نفسها و منه فقالت ببعض الوقاحة المطلوبة في مثل هذه اللحظات :
" انا اريد البقاء لوحدي لو سمحت "
اقترب منها امين فيما يقول بمراعاة يبرع في تقديمها :
" انا صديقك المقرب قبل اي شيء يا عهد و أنتِ تعلمين جيداً انني لا امانع ابداً مشاركتك فيما تمرين به "
بطنها تتقطع من الوجع ..
رأسها سينفلق نصفين من الصداع ..
ضغطها تشعر به منخفضاً للغاية ..
و هو يقف أمامها و لا يزال يقول صديقك !
ألا يفهم ؟! .. ألا يشعر ؟!
تنهدت و حشدت كل طاقتها حتى تخرج صوتها طبيعياً ثم قالت بكل ما اوتيت من صبر :
" شكرا ً لك يا صديقي لكني اريد البقاء بمفردي .. هل ستتركني بحالي ام اذهب و ابحث عن مكان آخر اجلس فيه بهدوء ؟! "
رغماً عنها ارتفعت نبرة صوتها في نهاية حديثها ليقطب امين قائلاً ببوادر غضب :
" لما تتحدثين معي هكذا ؟! .. ماذا فعلت لك انا لتتعاملي معي بهذا الأسلوب ؟! "
هل غضب ؟!!
هل تجرأ و أعطى لنفسه الحق بالغضب ؟!
يا الله !!!!!!
نهضت عهد و أمسكت بحقيبتها فيما تقول بغضب استولى عليها فوقعت فريسةً له :
" لا شيء ، انت لم تفعل أي شيء .. انا دائما ً من تفعل و انا ايضا ً من ستفعلها الان و تغرب عن وجهك "
تحركت لتتخطاه لكنه امسك بها يديرها ناحيته من جديد فيما يقول بغضب مكتوم :
" كل هذا الغضب لأجله ؟!! "
نزلت دموعها بقهر منه و من غبائه اللامحدود في كل ما يخصها فوجدت نفسها تصرخ بوجهه مره واحده و هي تخلص ذراعها منه :
" تباً لك ... ابتعد "
فركض هو خلفها و اغلق باب المكتب قبل أن تصل إليه ليقف أمامها قائلاً بغضب شديد و ما زال عقله لاه عن الإشارات :
" لم يكن يستحقك .. لم يكن سيحبك بالقدر الكافي "
أمسكت عهد ببطنها التي تصرخ ألماً ثم قالت بنشيج قطع نياط قلبه اكثر من توسلها نفسه :
" لوجه الله تتركني لحالي ، انا لست حمل هذا الحوار الان .. ارجوك "
لم يتحمل امين توسلها إليه فأمسك برأسها يضمها إليه يربت على ظهرها و هي كانت أضعف بكثير من أن تمانع أو تعترض على هذا القرب في هذه اللحظة بالذات فتركت نفسها تبكي حبه فوق صدره بينما يظن هو أنها تبكي اخر غيره فيهمس لها بما يرى أنه مواساة :
" ستجدين الافضل ، اعدك بذلك و غداً سترين بنفسك "
في عز بكائها اخترقت جملته سمعها فضحكت وسط بكائها بيأس و قلة حيلة ثم قالت ترد عليه دون أن يسمح لها هو بالابتعاد :
" اصمت يا امين .. اصمت لا اريد ان اسمع صوتك الان "
نفذ أمرها مكرهاً لتمسح هي دموعها و تبتعد عنه فتتسمر امام عينيه التي نشأت على حبها تنظر لها بعاطفة اجادت هي قراءتها !
و كيف لا تدركها من أول لحظه و هي التي عاشت عمرها بأكمله تحلم بمثل هذه النظرة التي تظلل عينيه ؟!
كيف لن تدرك حال قلبه حين ينبض لها و هي انتظرت أعوام و أعوام بقلب ينتظر من صاحبه مجرد الالتفات له ؟!
لم تدرك عهد انها غاصت و تاهت في نظرته إلا حين اقترب منها مبعداً شعرها عن وجهها الاحمر الذي يحمل اثار البكاء ليمسح ما تبقى من دموعها بيديه هامساً لها بثقة و إجلال :
" انتِ عهد .. يكفي أن تنظري بعينيكِ الفاتنتين هاتين لأي رجل فيعلن سقوط قلبه تحت سطوتك بكل سعادة و ترحاب "
سألت عهد تستجديه النطق :
" اي رجل ؟! "
فيجيبها هو دون أن يقدر على إبعاد عينه عنها للحظة :
" اي رجل "
فتعيد سؤالها من جديد بهمس خافت :
" اي رجل يا امين ؟! "
و يعيد هو إجابته بكل ثقة :
" اي رجل "
" حتى انت ؟!! "
لم تدري عهد انها نطقت بسؤالها الأخير الا حين اتسعت عيناه للحظه و التمع بهما الإدراك المتأخر فتورد وجها بحرج شديد تشتم نفسها على ما فعلت و ما باحت به في لحظة جنون لتتحرك بعدها بغير اتزان تحاول الهرب من أمامه فيمسك هو بها مجدداً قائلاً بصدمه :
" انتظري ... انا ؟!! "
" اتركني "
قالتها عهد بخفوت و عنف تتمنى لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظة بعد ما فعلت بنفسها !
لقد اعترفت له !!
توسلت إليه ضمنياً حتى يشعر بها !
اهانت نفسها و رخصتها و ......
" لكن أنا احبك "
هتف بها امين دون أن تختفي صدمته من بين حروفه لتتسمر هي بين ذراعيه تنظر إليه برهبة فقال مجدداً بثرثرة غريبة عن طبعه :
" انا ... انا اريدك و ارغب بك و اغار عليك و اريدك بجواري ، انا اعلم انني لست رومانسياً كأبطال احلامك لكني سأكون معك مثل ما كنا دائما ً بل و اقرب لأنني أريد هذا و اشعر به .. انا ..... تباً "
هتف بها امين بتوتر شديد حين ركز فيما يهذر به ليتنفس بعدها بعمق يطالع ملامح وجهها التي تنظر له بغير تصديق فيهمس مجدداً بذهن اكثر صفاء و كأنه استعذب ما يقوله :
" انا احبك جدا يا عهد "
و كأنها ليست نفس الفتاة التي شتمت نفسها لتهورها منذ لحظات إذ همست بغير تصديق مرتعبة من أن تجد كل ما تمر به الان مجرد حلم :
" حقاً ؟!! "
فيهز هو رأسه قائلاً بسذاجة قاتلة :
" اقسم بالله انا لا اكذب .. انا احبك "
نزلت دموعها مجدداً فأستطرد هو و قد ُقطع ما كان يلجم لسانه و يحجب رؤية حبها عن عينيه :
" انا اسف .. اعلم انني لست ذكياً بما يكفي في تلك الأمور و لا أدركها بسهولة لكن ..... "
كانت عهد صامته كلياً تستمع بل و تستمتع بما يقوله لها
تتشرب كل تفاصيله بنهم محرومة ليكمل هو بعد لحظات بأفكار مشوشه بصوت اكثر دفئاً مكرراً لها ما لن تمل من سماعه أبداً :
" انا احبك و أدركت أنني كنت احبك دون أن ادري و منذ زمن طويل .. احببتك منذ أن تعاهدنا على أن تظل صداقتنا في المقام الأول قبل كل شيء .. احببتك حين كنتِ تفهمين بمفردك ما يدور بخلدي و تتصرفين على أساسه ، احببتك حين كنتِ تفهمين ما أمر و أشعر به دون أن أتكلم ، انا ... رباه انا احبك لن اقدر على خسارتك من جديد ! "
حلق الصمت فوق رأسهما فكان هو يتنفس بعنف و كأنه وصل اخيراً بعد سباق طويل بينما كانت تقف هي قبالته بقلب رُدت إليه نبضاته تنظر إليه بلا شبع بعيون دامعه تعاكس تماماً ملامحها التي رُسم فوقها الارتياح و كأنها كانت تركض أميال و أميال بلا هوادة و أخيراً وجدت طريقها !
" ألن تقولي شيئاً ؟!! "
أخرجها سؤاله المتردد من أفكارها التي يحتلها هو فهزت رأسها نفياً فيما تقول بابتسامة عريضة شملت كل وجهها :
" لا ، لقد تكلمت كثيرا ً .. والان دورك انت ، تكلم يا امين .. إياك أن تصمت .. تكلم "
امتدت يده تبعد خصلة متسللة من شعرها للخلف ثم اقترب منها هامساً :
" تحبيني ؟!! "
ضحكت بخفه و فرت منها دمعة سعادة أخرى ثم هزت رأسها بلا أمل منه فيما تجيبه بنبرة مهتزة من البكاء :
" احمق "
مسح دمعتها بطرف ابهامه ليسألها من جديد و قد انتقلت ابتسامتها إليه :
" تشتاقين إليّ ؟! "
تغافلها دمعة أخرى و تسقط فيما ترد عليه من جديد بهمس خافت :
" غبي "
فيمسك بوجهها بين يديه كما امسك بقلبها منذ وقت بعيد و يهمس لها بحرارة :
" هل تتزوجيني ؟! .. و إذا شتمتني مجدداً سأقبلك يا عهد ولن يرحمك مني احد "
فتضحك هي بخفوت و تزداد دموعها انهماراً لترد بصوت يكاد لا يُسمع لكنه اخترق قلبه :
" انا احبك "
ازداد ضغط أصابعه على وجهها ليقربها منه يقبل جانب رأسها ثم يضعها بجوار قلبه زافراً بارتياح شديد بينما تصرفت هي بعكس طبيعتها المتحفظة و لفت ذراعيها حول خصره تنعم بوجودها اخيراً بين ذراعيه تتنفس عطره و تغمض عينيها براحة يشاركها هو بها ليظلا هكذا لدقائق معدودة قبل أن تبتعد هي عنه بعد أن اخرست صوت عقلها الذي يوبخها بفداحة ما تفعل بما يكفي فنظر هو في عينيها قائلاً بصوت مشحون :
" سآتي و اتحدث مع العم إمام الليلة "
" لا "
هتفت بها بإجفال فرفع امين حاجبيه باستغراب يسألها بعينيه عن السبب فتنهدت هي بضيق فيما توضح له :
" ليس الان .. ابي غاضب مني للغاية يا امين و إذا جئت له الان قد يرفض الأمر "
قطب امين يردد متفاجئاً و مستنكراً :
" يرفضني ؟! .. العم إمام ! "
" الأمر ليس له علاقة بشخصك يا امين بل بالتوقيت .. التوقيت خاطئ تماماً الان ، فلننتظر قليلاً حتى يهدئ الوضع أولاً ثم نفاتحه في الأمر "
اومئ لها متفهماً على مضض ثم قال مغيراً الموضوع :
" حسناً .. اريدك ان تأتي معي اليوم حتى نراضِ جدي ، لقد طال غضبه علينا هذه المرة "
ابتسمت له عهد موافقة ثم قالت بتردد بعد لحظات تشاركه أفكارها كما اعتادت :
" هناك أمر ما أعلم أن هذا ليس وقته لكني ..... "
انتبه لها يحثها على التحدث فتنهدت عهد فيما تقول بتعثر :
" يعلم الله اني لا اقصد شيئاً بعينه لكن يجب أن اخبرك انه في ذلك اليوم الذي سُربت فيه الملفات جزاء كانت في المكتب و حين رأيتها قالت إنها تبحث عنك لتعطيك شيئاً لكنها لم تكن تحمل شيئا ً من الأساس "
قطب امين ثم قال بتلقائية :
" لكن الكاميرات أظهرت دخول ..... "
قاطعته هي تكمل :
" أعلم .. اعلم لكني لا استطيع اخراج صورة ذلك الرجل حين أخذه بكر معه و هو يهتف بحرقه انه لم يفعل شيئاً من عقلي "
" هل تقصدين أن جزاء هي من اخذت الملفات و أعطتها لصخر ؟! .. لكن جزاء لا تعرف شيئاً عن صخر من الأساس ولم تقابله أبداً "
هزت عهد رأسها فيما تهتف :
" لا .. انا لا اقصد شيئاً بعينه ، انا فقط اخبرك بما اشعر .. هو مجرد احساس لكني لن اظلمها ابدا ً و ادّعي عليها بشيء "
ابتسم لها امين ثم قال بعدها بنبرة مطمئنة :
" لا تشغلِ رأسك بهذه الهواجس .. لقد أظهرت الكاميرات دخول وجدي الى المكتب في فترة الاستراحة كما أنه اعترف لبكر أنه يعمل لصالح صخر لذا من الواضح أن الأمر بعيد تماماً عن جزاء كما أنها لا تملك أي دافع لخيانتنا "
هزت عهد رأسها بتفهم و موافقة فقرص امين وجنتها فيما يقول :
" كثفِ جهودك في مصالحة اباكِ حتى اطلبك منه في اسرع وقت واتركِ ما تبقى عليّ "
ابتسمت له عهد بألق جديد عليها وعليه ثم ذهبت الى الحمام حتى تغسل وجهها بينما عاد امين الى مكتبه مقطباً بعدم ارتياح !
لما اتت جزاء الى مكتبه في غيابه ؟!
ما الذي أرادت إعطائه له ؟!
هل يمكن أن يكون ظن عهد في محله و أن جزاء فعلتها لكن بكر تصدى للأمر و اخفاها هي عن أعينهم ؟!!
هو أكثر من يدرك طبيعة بكر العاطفية خاصة ً حين يمس الأمر جزاء !
و الاحداث المتتابعة التي مروا بها جميعا ً تبدو له غير منطقية و خاصةً خطبة بكر وجزاء التي كانت ملامحها تشي بعدم الرضا في معظم الأوقات عن كل ما يحدث !
تباً ما هذه الدوامة ؟!!
تنهد امين بضيق يواجه نفسه بأن حتى لو كانت جزاء من فعلتها فمن المستحيل أن يجد دليل واحد يدينها لأن بكر سيكون قد أتلف كل ما يثير الشكوك حولها !
قاطع أفكاره طرقات فوق الباب ليدخل بعدها بعض الموظفين فيلتهي هو بعمله من جديد دون أن تغادر الشكوك عقله .
............................
" صباح الخير "
ألقت وصال تحيتها على مضض فالتفت ادم لها قائلاً بابتسامته التي قلما تغادر محياه :
" يا ألف اهلا وسهلا .. انرتِ مشفانا المتواضع بوجودك آنستي "
قطبت وصال بطفولية فيما تقول بعداء مضحك :
" توقف عن الاستظراف و هيا لننهي هذا الأمر "
ضحك ادم بانطلاق فجذب بعض الأنظار إليهما ثم أشار لها بمرافقته و هو يقول بمكر و استفزاز :
" لما تستخدمين هذا الوجه معي ؟! .. الا تزالين تخافين الابر ؟! "
نظرت له وصال بضيق فضحك هو و بدأ يطمئنها إلى أن وصلا إلى مكتب الأطباء فسألته وصال بقلق :
" أليس من المفترض أن نذهب للطوارئ ؟! "
ضحك ادم و هو يجلس على طرف مكتبه فيما يقول :
" الطوارئ لعامة الشعب اما ابنة الحسب و النسب لا يلائمها غير افخم مكان في المستشفى حتى نسحب منها عينة الدماء و نفحصها بعدها "
جلست وصال على الكرسي المقابل له فيما تقول بضيق و توتر :
" توقف عن هذا ، انا لست في مزاج يتحمل سخافاتك "
ضحك ادم بخفه ثم رفع يديه قائلاً باستسلام :
" حسناً لأعترف إذاً .. لا اريد فضائح في قسم الطوارئ ، إذا اخذتك الى هناك سيظل القسم يتحدث لعام مقبل عن قريبة الدكتور ادم التي تخاف الابر "
تنفست وصال تكبت ضيقها مما يحدث كله لولا أنها تخاف أن يخبر امها بشكوكه حولها و لولا أنها هي نفسها خائفة مما ألم بها في الأيام الأخيرة لما اتت الى هنا و لو على رقبتها !
ضغط ادم على زر بجواره فيما يقول مطمئنا ً :
" لا تخافي .. الامر كله لن يأخذ دقيقتين و لن تشعري بشيء "
اتسعت عينا وصال حين دخلت الممرضة التي تفحصتها للحظات ثم اخبرها ادم بما يريد لتمر بعدها عدة دقائق سألها فيها ادم عدة أسئلة متكررة عن نظام نومها و تغذيتها لتدخل بعدها الممرضة من جديد تحمل السرنجة و القطن ..
زحفت البرودة على طول عمودها الفقري و نهضت برعب فنهض ادم بالمقابل و اغلق باب المكتب تحسباً لأي فضيحة قادمة لا محالة ثم عاد إلى وصال التي ضمت قبضتها برعب و توتر و اتسعت عيناها تراقب عمل الممرضة بعينين دامعتين من الخوف دون أن تجرؤ على التحرك فيما تنظر إليه هو باستغاثة مضحكة !
" اجلسي و ارفعي كم القميص "
القتها الممرضة بعملية فازداد رعب وصال وقالت وهي تهم بمغادرة المكان :
" لا .. لقد غيرت رأيي ، لا اريد "
امسكها ادم قبل أن تخرج من الغرفة أمام عيني الممرضة التي كانت تنظر لها بحنق تتأفف في سرها من دلع فتيات هذا الجيل فيما قال ادم بتحفز :
" تعالي الى هنا ، الى اين أنتِ ذاهبه ؟! .. لا تخافي انا معك "
دمعت عيناها بطريقة كادت تضحكه بعلو صوته لكنه احترم خوفها خاصة ً و برودة يدها بين يديه توضح له معاناتها في هذه اللحظة بينما همست له هي بخوف :
" لا اريد يا ادم .. ارجوووك "
ابتسم لها حتى يطمئنها ثم سحبها الى الداخل مجدداً فيما يقول بمهادنة كأنه يخاطب طفلة :
" سيستغرق الأمر اقل من دقيقة .. و سأمسك بكِ ، هيا يا صولا أنتِ اشجع من هذا "
عوجت الممرضة شفتيها يميناً ويساراً و هي ترى الطبيب المحترم يُجلس تلك المائعة فوق الكرسي مجدداً و يجلس القرفصاء بجوارها يساعدها في رفع كمها دون أن يتوقف عن مهادنتها للحظة لتمسك هي بها اخيراً و تغرس الإبرة في وريد المائعة التي أطلقت صرخة قصيرة بوجع و خبئت وجهها في كتف دكتور ادم و بكت بطفولية لزجة !
سحبت الممرضة العينة ثم جمعت حاجياتها دون أن تتوقف عن البرطمة ليشكرها ادم بكياسة متجاهلاً اخر ما سمعه منها عن الدلال الزائد لينظر بعدها إلى كف وصال التي كانت تقبض على معصمه بقوه فربت عليها قائلاً بهدوء :
" انتهى الأمر يا بسكوتة ، هيا اتركيني و كفي عن البكاء "
نهنهت وصال بشكل مضحك ثم ابتعدت عنه تمسح وجهها بيدها (السليمة) فيما تشتكي بنبرة مضحكة :
" لقد غرستها بكل قوتها .. هذه الممرضة تقصدت ايذائي "
ضحك ادم ثم ضربها على رأسها بخفه فيما يقول و هو ينهض اخيراً و يجلس أمامها قائلاً بمزاح :
" اجل .. لقد كرهتك من اول نظرة لهذا تخطط لقتلك بالحقن "
نظرت له بغير رضا بينما مد هو يده لها بمنديل ورقي ثم أشار إلى الحمام خلفها فيما يقول :
" انهضي و اغسلي وجهك .. لقد تلطخ بالكحل "
اخذت منه وصال المنديل و نهضت لكنها توقفت تسأله بخوف ما زال يؤثر عليها :
" ما الخطوة التالية ؟! "
ابتسم لها ادم و استرخى في جلسته ثم قال :
" لا شيء .. سنكتفي بتحليل الدم مؤقتاً ، و الآن اذهبِ و تعالي نجلس قليلاً حتى تظهر نتيجة التحليل "
" بهذه السرعة ؟! "
ضحك ادم ثم أجابها بغرور مصطنع :
" بالطبع .. هذا نتيجة وجودي معك ، حتى تعرفي اهميتي ايتها الجاهلة "
ضحكت له وصال بخفة و اختفت خلف باب الحمام للحظات ثم عادت من جديد لتجده احضر لها كأس عصير ثم ناوله لها فيما يقول بمزاح لا ينتهي عله يخفف من حدة توترها البادي عليها :
" اشربي و عوضي ما سحبناه منكِ .. من حظك الجيد قلة عدد الحالات اليوم ، سنجلس دون مقاطعات "
ابتسمت له بمجاملة ثم تسامرت معه قليلاً لتمر نصف ساعة أو أكثر حين عادت إليهم نفس الممرضة السابقة تحمل ورقة النتائج بيدها فابتسم ادم حين رأى القلق والتوتر يعودان إليها ثم قال بخفوت :
" لا تخافي بهذا الشكل .. ان شاء الله خير "
" إن شاء الله "
همهمت بها وصال بينما بدأ هو بقراءة النتائج بملامح غامضة و لم يغيب عن عينيها تغير نظرته لينهض هو بعدها و يجلس أمامها من جديد قائلاً بهدوء مقلق و ملامح وجهه تخبرها أن ما ستسمعه لن يعجبها على الاطلاق :
" وصال .. عادةً في مثل هذه الحالات يستخدم الطبيب الأسلوب المباشر في......... "
قاطعته وصال فيما تقول بملامح صلبة تستخدمها كدرع صلب يحميها في مثل هذه المواقف :
" بدون مقدمات يا ادم لو سمحت .. ما الذي أعاني منه ؟!! "
قطب ادم ثم تنهد وقد اختفى المرح من فوق صفحة وجهه تماماً ثم مد يده بحذر و امسك بيديها الباردتين بدعم فيما يقول بهدوء دون أن تحيد عينيه عن عينيها :
" للأسف الشديد .. نحن نواجه سرطان الدم "

نهاية الفصل الرابع عشر

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن