🌲الفصل الثامن عشر🌲

682 15 0
                                    



الفصل الثامن عشر :

( قبل عدة دقائق )

دخلت جزاء الى غرفتها ترغي و تزبد من وقاحته .. لا و أيضاً يلعب دور الغاضب !
قليل الحياء ..
وضعت سلسلة المفاتيح في حقيبتها ثم التفتت فوجدت مديحه تقف أمامها بوجه يحمل كل معاني القلق !
نظرت لها جزاء بصمت و برود تنتظر منها قول ما تريد فتكلمت الأخرى بصوت خافت :
" لقد أخبرني ادم انكِ اجريتي الفحص لكنك رفضتي التبرع "
قطبت جزاء لوهلة ثم التمع الإدراك في عينيها ..
لقد تطابقت الأنسجة !
اجادت ارتداء وجه البرود فيما تقول بلا مبالاة كارثية للأخرى :
" أجريتها من باب الفضول .. فلطالما تساءلت عن مدى انتمائي لهذه العائلة "
ابتعلت مديحه ريقها بتوتر ثم قالت و الرعب يحتل قلبها و يتمكن منه :
" وصال .... قد تموت "
البست جزاء قلبها لباس القسوة ثم هزت كتفيها ببساطة شديدة :
" و ما دخلي ؟!! .. قدرها "
اتسعت عينا مديحه برعب بينما استطردت جزاء :
" فلتقبل قدرها و تحتمله مثلما فعلت انا من قبل "
دمعت عينا مديحه و أدركت أن لا مفر هذه المرة فقالت بنبرة كسيرة أقرب للتوسل :
" شفائها متعلق بكِ .. ارجوكِ ساعديها و انا مستعدة لأي شيء "
ظلت جزاء على صمتها و رغماً عنها تسلل إلى قلبها احساس خبيث بالرضا بل و النشوة جراء توسل من آذت امها و احرقت قلبها سابقاً بينما فسرت مديحه صمتها على أنه رفض فدمعت عيناها بعجز و هتفت بما فاجئ جزاء شخصيا ً :
" انا مستعدة لتقبيل يدك لكن ارجوكِ ساعديها .. انا لن استطيع فقدانها هي أيضاً ، لم يبقى لي سواها ارجوكِ "
تباً يا جزاء هذا ليس وقت الشفقة !
ازيحي هذا اللين الذي غلف قلبك و اقهري قلبها اكثر عل غليلك يشفى !
اكسريها و حطمي آمالها بل و ارفضي التبرع رفضاً باتاً و شاهديها بعينك تذوي جوار ابنتها كما ذوت امك سابقاً أمام عينيكِ ..
أليس من العدل أن تُحرم هذه اللعينة من ابنتها كما حُرمتِ أنتِ سابقاً من اغلى إنسانة على قلبك ؟!!
بلى .. عدل و ألف عدل أن تتذلل و تشاهد بأم عينيها معنى أن يموت امامك من لا تملك غيره و انت عاجز عن مساعدته ..
عدل و ألف عدل أن تتجرع هذا الكأس ألف مره مثلما تجرعته هي مراراً ..
لكن تبقى الأخرى في المنتصف !!
وصال التي دخلت المعادلة دون سابق إنذار و أصبحت تمثل لها الكثير ..
وصال التي جعلتها أعادت لها إيمانها بأن هناك من يمنح دون انتظار مقابل بل يمنح لمجرد أن يرى في عين غيره معنى السعادة ..
وصال التي اذابت قلبها وجعاً بعد آخر لقاء بينهما في المستشفى و هي ترى مدى تغيرها لأخرى لا تبالي بوقت ، بشخص أو حتى بذكرى ..
" لما أنتِ صامتة هكذا ؟!!!! .. قولي شيئاً "
هتفت بها مديحه بنبرة من على وشك الانهيار ليدخل هو في تلك اللحظة فتنظر له جزاء باستجداء كطفلة مرتعبة على وشك الوقوع في وحل الانتقام جديد ..
فتح أمام عينيها مسجل الصوت في هاتفه و امسكه بشكل غير مرئي ثم رفع رأسه ليشطر قلبه ما رأى !
لم يرى سعير معاناتها اكثر وضوحا ً قبل اليوم !!
يكاد يقسم أن شيطانها يتطلع إليه الآن من بين عينيها و يحاربها بكل أسلحته فتكاد ترمي كل شيء خلف ظهرها و تقدم وصال للموت كقربان انتقاماً لأمها بينما نصفها الآخر المتمثل في فطرتها الطاهرة يحارب بكل طاقته و يتمزع ببطء فتسقط هي وحدها نازفة في حرب بين ملاك واحد و ألف شيطان رجيم !
أزاح بكر عيناه عنها بمعجزة و تولى هو مسؤولية الحديث بعد أن تحولت هي لما يشبه تماثيل الشمع فقال بصوت أكسبه كل الثبات الذي يمتلكه :
" لقد تحدثت مع جزاء سابقاً في هذا الأمر يا زوجة عمي و اخبرتني أن لها شروط "
التفتت له مديحه مجفلة فلم تشعر وسط فوضى مشاعرها بدخوله فوجهت حديثها له هو بلهفة بعد أن يئست من نطق الأخرى بشيء :
" ما تشاء .. لها ما تشاء لكن ابنتي "
رباه كم أن الأمر مزعج !!
لكن لا بديل آخر أمامه إلا استغلال ضعفها و امساكها من ذراعها الذي يؤلمها ..
نظر بكر الى جزاء مجدداً و ترك لها تلك اللحظة حتى تتخطى تلك المرحلة من حياتها نهائيا ً فيما يقول كاذباً :
" لم تخبرني بتفاصيل .. علها تخبرك أنتِ الآن "
التفتت لها مديحه مجدداً بتذلل لكن جزاء لم تلين وقالت بصوت ثلجي :
" أمي ... ماذا فعلتِ بها ؟!! "
و رغم أن مديحه كانت تعلم بمقصد جزاء إلا أنها لم تجد بداً من الإنكار فقالت بصوت مكتوم :
" انا لم أفعل لأمك شيء "
اعتلت القسوة وجه جزاء وقالت بنبرة شيطانية قاطعة و هي تتحرك لتتخطاها :
" و انا لست ملزمة بإنقاذ أحد "
أوقفتها مديحه بسرعة تمسك بمرفقها بتوسل و نظرت إلى بكر تطلب العون بعينيها لكنه بادلها نظرتها بأخرى صقيعة لا تنم عن شيء فبدت كمن سقطت بين ذئبين اتفقا عليها ثم قالت بعدها بانهيار مشبع بهزيمة ساحقة :
" سأخبرك .. سأخبرك بكل شيء "
.......................
"هل تكلمت مع بكر ؟!! "
نفى امين بهزة من رأسه تبعها قوله :
" ليس بعد .. كنت سأتكلم معه في الصباح لكنه كان متعجلاً للذهاب فأجلت الأمر إلى المساء "
ابتسمت له عهد بدفء و عقبت بصوت رقيق :
" لا تحمل هم .. بكر ليس ممن يحملون الضغائن في نفوسهم "
وافقها امين بينما يتابع قصي الذي يمرح وسط الأطفال بعينيه قائلاً :
" أعلم .. لكن ضايقني توتر العلاقة بيننا في الفترة الأخيرة "
ربتت عهد على كفه بمودة و همست :
" لا تقلق .. سيكون كل شيء على ما يرام .. انا متأكدة "
ابتسم لها امين بحنان و ارتباطه الداخلي بها يترسخ يوماً بعد يوم
تباً له لما لم يختارها هي من البداية ؟!!
بعد عدة دقائق جاء قصي راكضاً مطالبا ً بكأس مثلجات عاجل بينما استأذن امين ليرد على مكالمة تخص العمل قاصداً ترك مساحة لعهد و قصي حتى يقتربا من بعضهما أكثر ..
ليمر بعض الوقت و عهد تشاكس الصغير دون ملل من صحبته :
" هل اعجبتك المثلجات ؟!! "
سألته عهد و هي تعبث بشعره فضحك قصي هاتفاً بمرح :
" جداً .. لكن لا تفسدي تصفيفة شعري "
ضحكت عهد و عبثت بشعره مجدداً تغيظه فيهتف الصغير بحنق ضاحك بعد أن بدأت بدغدغته :
" توقفي يا عمتي لقد افسدتِ مظهري تماماً "
تبادلوا الهتافات الطفولية إلى أن أتى امين بعد لحظات قائلاً بمزاح :
" الصوت يا بشر .. لا اريد فضائح في مطعمي المفضل "
أشار قصي الى عهد شاكياً :
" قُل لعمتي إلا تعبث بشعري .. لقد خربت مجهود نصف ساعة كاملة في تثبيت تلك الخصلة التي افسدتها هي بدقيقتين "
ضحك امين بخفه ثم قرص وجنة ابنه قائلاً بمرح :
" كثرة جلوسك مع عمك لم تعد تريحني .. بدأت تشبهه "
هز قصي كتفيه بطفوليه فيما يقول ضاحكاً :
" عمي بكر افضل عم على الاطلاق يكفي انه سيعطيني خلاصة خبرته كما أخبرني ، لم يقل متى سيعطيني لكنه لا يخلف وعده أبداً "
رفع امين حاجبيه بصدمة جلية فيما كتمت عهد ضحكتها و عقبت بخفوت :
" استر يا رب "
اقترب امين بجسده من ابنه يسأله بخفوت :
" اي خبره هذه ؟!! "
قطب قصي و صمت مفكراً ثم قال بعدها ببراءة و كأن عقله لم يتطرق لهذا السؤال من قبل :
" لا اعلم "
ليزفر امين فيما يعقب :
" عمك هذا لي معه كلام اخر "
لم يهتم قصي و عاد يتناول المثلجات باستمتاع لينظر امين الى عهد و كأنه يطلب منها هي مفاتحته في الأمر لتتسع عيناها في المقابل برهبة تهز رأسها نفياً فيقطب امين للحظات ثم يفتتح حديثه قائلاً :
" قصي حبيبي .. هناك أمرا ً نريد أن نخبرك به "
رفع قصي وجهه يحدق فيهما منتظراً من أحدهما أن يتكلم ليعم الصمت بينهما لبعض الوقت ثم يتكلم امين بهدوء :
" انا و عهد قررنا أن ......... "
صمت امين من جديد قلقاً من رد فعل ابنه فتكلمت عهد هذه المرة محاولةً تمهيد الأمر للصغير :
" ما رأيك أن آتي و اعيش معكما ؟!! "
ضيق الصغير عيناه فبدا شبيهاً بعمه ثم نقل عيناه بينهما و سألهما بنبرة ساخرة جعلت عيناهما تتسع قليلاً :
" هل ستتزوجان ام ماذا ؟!! "
اومئ امين مسيطراً على قلقه بينما سألته عهد مجدداً بصوت حاولت اخفاء رعشته :
" ما رأيك ؟!! "
" في ماذا ؟!! "
سألها الصغير بعدم فهم فصمتت عهد تماماً ..
هل يتلاعب بهما هذا الوغد الصغير ام ماذا ؟!!
ضرب السؤال عقل امين فقال جازاً على أسنانه :
" فيما سمعته يا قصي باشا .. انا سأتزوج من عهد ، ما رأيك في هذه المفاجأة ؟! "
اتسعت عينا قصي ثم قطب قائلاً باستنكار اكبر من عمره :
" كيف ؟!! "
كاد امين أن يتكلم و يفهمه أن زواجه من عهد لن يؤثر على علاقتهما ابداً ليقاطعه قصي متسائلا ً بطفولية و سذاجة :
" أليست عمتي ؟!! ... كيف ستتزوجها يا ابي ؟!! .. حرام "
للحظة صمت امين و زفر بارتياح بينما كتمت عهد ضحكتها فنظر لها أمين شزراً مدركاً أنهما الان يبدوان كما لو أنهما في حضرة كبير العائلة يستشيرونه في أمورهم بقلق بينما الوغد الصغير أفكاره سارحة في عالم اخر خاص به !
ضحك امين بخفه ثم أوضح لأبنه بهدوء و صبر :
" عهد ليست عمتك بالمعنى الحرفي ، أنها ابنة عمتي لهذا لا مشكلة في زواجنا "
صمت قصي قليلاً ثم قال بعدها مستنتجاً بصوت مرتفع :
" مثل عمي بكر و خالتي جزاء صحيح ؟!! "
اومئ امين مجدداً ليسأله قصي بغتةً :
" هل ستتزوجون جميعاً في يوم واحد ؟!! "
تبادل امين نظرات الارتياح مع عهد التي تولت هي الحوار مجدداً فأجابته :
" لا يا حبيبي .. كل فرد له زفافه "
ضحك قصي قائلا ً بمرح و ابتهاج :
" يعني لدينا زفافين .. رائع .. هل ستكونين أنتِ امي الجديدة ؟!! "
اتسعت عينا عهد قليلاً بمفاجأة ليستطرد قصي بثرثرة طفولية :
" لقد اخبرتني جدتي أن امي الجديدة ستكون وصال لكنها الآن ذهبت إلى المستشفى و لم تعد تلعب معي ولا تجلس معي مثل الماضي .. إذا ً أنتِ الان من ستكون مثل امي .. صحيح يا ابي ؟!! "
توترت عهد خاصةً حين طال صمت امين قليلاً بينما اكتسى وجهه تعبير غامض ليتكلم بعد عدة دقائق بصوت بدا لها مكتوم :
" بالطبع يا قصي .. كلهن امهاتك "
ثم عاد بنظره الى عهد مكملا ً :
" وعهد بالأخص هي من ستمضي معك معظم الوقت "
لكن الصغير لم يتنازل فعاد و سأل بإلحاح :
" و ماذا عن وصال ؟!! "
جذبته عهد و ضمته بحنان اسر قلب من يجلس و يشاهد الموقف ثم قالت بعدها بصوت متأثر :
" انهي الان مثلجاتك حتى نذهب إليها و اعدك أن انا ووصال سنهتم بك سوياً وبعد أن تشفى وصال نهائيا ً بإذن الله سنلعب ثلاثتنا كل يوم إلى أن نسقط من فرط التعب "
ابتسم قصي و تشبث بها ليتدخل امين قائلا ً بصوت حاول اصباغ المرح عليه بعد أن حاول جر نفسه من الحفرة السوداء التي تحاول سحبه ناحيتها مجدداً و ابتلاع سعادته الوليدة :
" ألن تدعوني للعب معكم ؟!! "
نظرا إليه سويا ً ثم نظرت عهد الى قصي و سألته بتآمر :
" هل ندعوه للعب معنا ؟!! "
نظر لها قصي ثم عاد بنظره الى ابيه يتفحصه بطريقة مضحكة ليرد بعدها باستعلاء مرح :
" لا بأس "
ليضج المكان بعدها بضحكاتهم التي لم تتوقف بعد ذلك للحظة معلنة للجميع أن موعدهم مع السعادة قد أتى دون ان يتوقف أياً منهم و يسأل نفسه للحظة عن الثمن الذي عليه دفعه في مقابل تلك السعادة ..
فكما يعلم الجميع .. كل شيء و له ثمن !
................................
" اعطني .. اعطيني هذا الشيء الان "
هتفت بها جزاء بانهيار بينما تحارب بكر حرفياً للوصول إلى هاتفه فيما يبعدها هو بحزم قائلاً بهدوء يأجج من نارها :
" انتظري يا جزاء ليس الآن .. اهدأي قليلاً "
فتحاول هي إزاحته عن طريقها و هي تهدر بجنون :
" اتركني .. يجب أن يعلم ، يجب أن يسمع بأذنيه كيف مَكرت تلك الحية لأمي و أوْقعت بها .. يجب أن يعرف  انها بريئة "
كان يدرك مقدار انهيارها لهذا الزم نفسه بالصبر و قال مجدداً محاولاً احتواء غضبها :
" انتظري قليلا ً حتى نكشف حقيقة الجميع .. لا تسمحِ للحظة غضب بإفساد كل شيء "
و كأنها لا تسمعه .. و كأنها لم تعد معه ..
لقد توقف الوقت عندها منذ أن اعترفت زوجة عمه بفعلتها الشائنة لتتحول جزاء امامه الى أخرى لا تستطيع السيطرة على نفسها حتى أنه خلص منها مديحة بشق الأنفس بعد أن تهجمت عليها ليغلق عليهم الباب بعدها حابساً إياها معه إلى أن يعود لها رشدها من جديد !
و ها هو منذ أكثر من عشر دقائق يحاربها بصبر و تفهم و هي غائبة في غضبها تماماً ..
تبعده بكل طاقتها و كأنها توشك على ضربه فيما تحاول اخذ هاتفه منه فيفيض به ويضع هو الهاتف في جيب بنطاله بمعجزة ثم يلف ذراعيه حولها عنوة يضمها إليه رغماً عنها يسيطر على رجفة جسدها متجاهلاً هتافها المجنون فيما يهدر جوار اذنها بخفوت :
" اهدئي .... اقسم بالله سأرد لكِ حقك .. اقسم بالله لن اهدأ حتى يتم فضحهم جميعاً لكن ارجوكِ .. ارجووووووووووكِ كوني معي .. بصفي ، انا بحاجتك الان أكثر من أي وقت .. بحاجة إلى ذكائك فلا تخذليني و تخذلي نفسك و امك الآن "
ظلت جزاء تحاول الفرار من بين ذراعيه و هو يكبلها إليه اكثر و حين يئست انفجرت في بكاء موجع استقبله صدره كالعادة بينما تولت ذراعيه مهمة الصاقها به أكثر فتهتف هي بعد عدة دقائق بقهر وسط شهقاتها التي تذبحه :
" لماذا فعلوا ذلك بها ؟!! .. فيما آذتهم ؟!! .. لماذا ؟!! "
أبعدها بكر عن حضنه و قال محاولاً اخفاء رجفته المتأثرة بانهيارها :
" لم يعد مهم أن نعرف لما فعلوها .. هم الان من عليهم التفكير في كيف سيواجهون ما سيحدث لهم "
ازداد بكاء جزاء اكثر فزفر بكر بلوعة شديدة ...
بكائها اكثر ما يؤذيه .. لا يحتمله ابداً !
يذكره بتلك الليلة اللعينة التي سُرقت فيها من بين يديه و هو طفل خائف لا يقوى على فعل شيء غير المشاهدة بقلب يرتجف .
مال بكر و وضع جبينه فوق جبينها هامسا ً بحرقة :
" توقفي بالله عليك و كفى احراقاً لقلبي .. لا احتمل دموعك يا جزاء .. لا طاقة لي بها أبدا ً "
تميل هي إليه فتغرق في حضنه تنهل من بئر عطاياه الذي لا يجف و لا يبخل أبداً و رويدا رويدا تتحول شهقاتها لنحيب صامت فيسحبها هو و يجلس على أحد المقاعد محتفظاً بها بين ذراعيه يردد بثقة :
" سترين بنفسك ما سيحدث لهن .. لن يرحمهن جدي و لن يرحم القذر الآخر انا متأكد "
قلبها يؤلمها .. يؤلمها للغاية و ضعفها يسيطر عليها لأول مرة بهذا الشكل فتهمس له بما جعل عيناه تتسع بصدمة :
" لا تتركني أبدا ً يا بكر .. أرجوك "
و كأنه دوره هو ليتوقف الوقت عنده ...
ماذا قالت للتو ؟!!
هل تدرك هذه حقيقة ما تقول ام انها تهذي وسط معمعة مشاعرها ؟!
برد فعل تلقائي وجد بكر نفسه يقربها إليه أكثر بقلب يرتجف برهبة بين اضلعه بينما تحرر لسانه بشكل مفاجئ له شخصيا ً كاشفاً عن مشاعره بشكل صريح :
" و كيف لي ان اتركك و عشقك في قلبي عتيق ؟!! "
رفعت رأسها تنظر إليه بضعف أنثوي يجعلها مبهرة في عينيه فيرتجف جسدها من هول تلك النظرة التي يرميها بها ..
المستفز المشاكس قليل الحياء يغمرها بعاطفة لا أول لها من اخر و كل هذا بمجرد نظرة !
نظرة واحدة تكشف لها فيضان من العشق لديها كل الاستعداد للغرق فيه دون أي نية للإنقاذ ..
وكأنه يحاكي أفكارها إذ همس بعد لحظات طويلة مرت عليه وهو يتطلع إلى كل لمحة منها دون شبع :
" لم استطع إطلاق سراح قلبي منك في غيابك فكيف سأفعلها الآن و أنتِ بين يدي زوجتي و حلالي ؟! "
لم تنطق بكلمة واحدة ..
كانت تتشرب حنوه بنهم لا قبل للسيطرة عليه !
كيف له أن يكون هكذا ؟!!
ما حجم رصيدها في قلبه ليمنح هكذا دون توقف ؟!
تركها بكر تستكشفه كما تشاء غير راغباً أبداً في إنهاء تلك اللحظة التي تجمعه بها بشكل لم يسبق له أن جربه من قبل حتى استعادت هي تماسكها بعد دقائق فقالت و هي تحاول النهوض :
" ماذا سنفعل الان ؟!! "
رفض إطلاق سراحها من بين ذراعيه ليجيبها بنفس وتيرة الهدوء التي يتخذها معها هذه الفترة :
" سننتظر حتى يعثر أبي على ذلك الحقير ثم سنضعهم جميعاً في مواجهة واحدة و إذا حاولت زوجة اباكِ الإنكار سنفضحها بالتسجيل الذي نحمله ضدها "
اومأت له بتفهم فناداها هو بعد لحظات لتنتبه له فيهمس لها بصوت اجش معبراً لأول مرة عن هواجسه الخاصة بها :
" هل أصبحت ِ راضية عن زواجنا الآن ؟!! "
نظرت له جزاء فصفعتها هشاشة نظرته و كأن حياته تتوقف على إجابتها دون أن تدري ماذا عليها أن تقول !
هل هي راضية ؟!!
هل تخطت أمر إجباره السابق لها و تهديداته ؟!!
هل ستقدر على إكمال حياتها معه ؟!!
ضرب رجائها السابق له بالبقاء عقلها فابتسمت لنفسها بسخرية فيما كان هو ينتظر إجابتها على صفيح ساخن ليهتف بغيظ دون سابق إنذار حين وجدها تبتسم بشرود مما جعلها تنتفض :
" تكلمي معي .. شاركيني افكارك "
هتفت جزاء بحنق محاولة ً اخفاء خجلها عنه :
" توقف عن هتافك الغبي هذا .. لقد ارعبتني "
لكن لغة جسدها خانتها فتجلت إجابتها أمام عينيه متمثلة في وجنتين يزينهما الخجل بحمرته و عينين تنظران إليه بلمعة صافية يدركها لأنه يراها في نفسه كلما أتت سيرتها أو مرت من أمامه ..
ثقلت أنفاسه و قربها منه قائلاً بثمل و شغف لا ينتهي :
" انتِ تقتليني يا جزاء .. تقتليني "
ليضرب بعدها نيته في التروي معها عرض الحائط و يروي عطش قلبه و روحه لدقائق لا يعلم عددها لكنه يدرك جيداً قيمتها خاصةً وهي تبادله مشاعره و إن كان بخجل و تردد جعلاه يفقد نفسه فيها أكثر و أكثر غير عابئاً لأي شيء .. غير مدركاً لأي شيء سوى أنها معه و بين ذراعيه ..
ابتعدا عن بعضهما يلهثان بشدة ليلصق هو شفتيه على اذنها مغمضاً عينيه فتخرج همسته إليها كاللهب :
" احبك غزالتي .. أحبك أكثر من كل شيء "
ليزيحها بعدها من فوق حجره بعنف و يفر هارباً من غرفتها قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه .
..............................................
( المستشفى )
اقتربت عودتها إلى المنزل هكذا يخبرونها ..
تبقى لها جرعتين و بعدها ستعود إلى بيتها حتى تخرج نتيجة تحاليلها الجديدة و إذا أثبتت النتائج خلو جسدها من الخلايا السرطانية ستدخل في المرحلة الثانية من العلاج و هي عملية الزرع .
لكنها خائفة !!
اجل خائفة أن تتشبث بأمل الشفاء فيصفعها القدر من جديد و تعود لنقطة الصفر ..
هي مؤمنة أن لكل تجربة خيرها و شرها و خير هذه التجربة التي قصمت ظهرها كان تغير نظرتها لكل شيء أو بالأحرى انقشاع الغمامة التي تغطى بصر كل إنسان طبيعي فلا يدرك نعم ربه عليه ويتعامل معها على أنها تحصيل حاصل ..
فهي لم تشعر بقيمة الصحة إلا بعد أن اوهنها المرض و جعلها تتوسل الله مراراً لأن تعود و لو لساعة واحدة كما كانت ..
لم تدرك قيمة التلذذ بالطعام الا عندما فقد الاكل طعمه و بات يؤرق معدتها فتتقيئي باستمرار بسبب العلاج ..
و الأقسى انها كانت غافلة تماماً عن حقيقة الموت التي تصفع غرور بني البشر فتعريهم و تخبرهم بمدى ضعفهم و هشاشتهم أمام جبروت الخالق سبحانه وتعالى !
أما عن شرور تجربتها فتتمثل فمأساة الألم الذي لا ينتهي ..
في شعورها بأنها عالة على من حولها و فقدها القدرة في الاعتماد على نفسها في أبسط الأشياء كدخول الخلاء !
و تتمثل أيضاً في رؤيتها لتشتت امها و انهاكها بينها و بين أبيها المريض مما كان يؤلم قلبها عليها خاصة ً حين يهدها التعب و تضطر للنوم على مقاعد الانتظار .
اغمضت وصال عينيها تدعو الله مراراً أن يمن عليها بالشفاء لتفتحها على صوت طرقات على الباب تبعها دخوله ..... !
حدقت فيه بصدمة فهو لم يدخل غرفتها في صحوتها من قبل !
لطالما شعرت بوجوده حولها و هي شبه غافية .. تستيقظ فتشم عطره على رسغها فتدرك أنه جالسها لبعض الوقت مستغلاً غفوتها لكن الآن ... !
برد فعل تلقائي مدت وصال يدها و عدلت القبعة الصوفية التي تضعها فوق رأسها الحليق و توترت نظراتها بعد أن باغتها بدخوله المفاجئ ..
ظل جاسم واقفاً مكانه لعدة لحظات في انتظار ردة فعلها على نوبة الشجاعة التي هاجمته و جعلته يرمي بتحذيرات الجميع عرض الحائط و يدخل إليها سعيداً باختفاء امها الغامض الذي أتاح له هذه الفرصة !
" ادخل ؟!! "
سألها بنبرة متوترة تحمل بين طياتها التوسل و الذي استطاعت قراءته ببساطة كعادتها فبقيت تنظر إليه هي الأخرى دون رد تتفحصه بعينيها و ترى مدى تأثره بمرضها يبدو واضحاً عليه متمثلا ً في جسده الذي نحف قليلاً و تلك الهالات الزرقاء التي تحدد اسفل عينيه هذا غير ذقنه الغير حليق على غير العادة !
تمالكت وصال اعصابها و ردت عليه بثبات حاربت بضراوة الايام الماضية حتى تصل إليه قبل أن تعود إلى المنزل و تضطر للتعامل معه من جديد :
" تفضل "
دخل جاسم بخطوات بطيئة بينما عقله يتابع كل تفصيله صغيرة تمر على صفحة وجهها مرتعباً من أن تنهار بسببه مجدداً على حين غفلة .
جلس قبالتها ينظر إلى عينيها التي و للعجب لم تتهرب منه بل بادلته التحديق بهدوء بات يمقت ارتباطه بمن تجلس أمامه !
" كيف حالك ؟!! "
سألها بصوت خشن محاولاً كسر الصمت بينهما فردت عليه وصال بفتور يعاكس ارتباك كل خلية فيها :
" حالي كما تراه "
ابتلع جاسم ريقه ثم سأل بلا سابق إنذار متخذاً اقصر الطرق في الحديث كعادته معها :
" هل زال غضبك مني ؟!! .. هل سامحتني ؟!! "
كادت وصال أن تجيبه لكنه قاطعها قائلاً بخشونة :
" إياك أن تفعلِ .. لا تسامحيني ، ليس الآن على الأقل "
اتسعت عيناها بتعجب ليستطرد هو بعد لحظات :
" اجل .. احتفظي بكل ذرة من غضبك و ارسمي بخيالك كل سبل العقاب التي تريدين تطبيقها عليّ و انا اعدك أن اقتص لكِ بنفسي من نفسي فور أن تخرجين من هنا بلا رجعة "
اسبلت وصال اهدابها و تنهدت بينما اكمل هو بما يشبه التوسل مما صعقها دون أن يظهر أي شيء فوق صفحة وجهها :
" فقط تعافي ، تعافي و لا تنفيني عنك ِ هكذا .. انا بت اعلم حجم الأذى الذي تسببت لكِ فيه كما بت اعلم أنني ........ "
(انني لم اعد استطيع تحمل الحياة من دونك )
صمت جاسم غير قادراً على إكمال جملته في هذا الوضع ... فمعرفته بوصال تخبره بانها ستأخذ حديثه بأكمله من باب الشفقة و لن تصدق حرفاً واحداً منه !
" أنك ماذا ؟!! "
هل تكلمت اخيراً ؟!! .. هل سمع صوتها ؟؟!
يا الله لقد مضت فترة طويلة للغاية و هو محروم من سماع صوتها الشقي مثلها !
ظل جاسم على صمته للحظات طويلة يود لو أن بإمكانه سرقة عناق ..
عناق واحد فقط يغمرها فيه بين ذراعيه و يغمر نفسه المشتاقة فيها و يبقيها أسيرة لدفء مشاعره الوليدة نحوها ..
اجل يعترف أن مشاعره تجاهها وليدة لكنها جبارة .. تتمكن منه و تسيطر عليه بسرعة رهيبة !
هل بسبب خوفه من أن يسرقها الموت منه ؟!!
هل لأنه يعاني من اختفائها التام الذي أتى دون سابق إنذار ؟!
لا يعلم .. ولا يهمه أن يعلم ..
فهو ترك نفسه تماماً الى مشاعره و مشاعره الآن تستحلفه بعناق ..
عناق واحد حار يطول الى نهاية عمره !
" توقف عن التحديق بي يا جاسم "
قالتها بحنق و جرح وقد ظنت أنه يتفحص التغيرات التي طرأت عليها ليفاجئها هو بهمسته الخافتة :
" اشتقت لك ِ يا وصال .. اشتقت الى سندريلا "
ارتعد جسدها فألجمته !
هل هذا تأثير كلمة منه ؟!!
قلبها يرتج بين ضلوعها و هي تلمس الصدق في نبرته فتتمنى لو أن بمقدورها ان تلقي بنفسها عليه في التو و اللحظة تختبئ من كل شيء داخل صدره العريض لكنها تماسكت و ابعدت ضعفها المضحك في حضرته ثم قالت بنبرة عادية تدعي اللامبالاة و السخرية :
" لم أعد تلك الصغيرة التي ترى نفسها سندريلا .. لقد كبرت بما يكفي لادرك انني لست بحاجة إلى أمير تهديه إليّ الصدف ليحقق احلامي ، فأنا بت اكثر من قادرة على تحقيقها بنفسي "
لعجبها ابتسم لها جاسم بحنو جعل عيناها تتسع للحظات ليزيد هو من عجبها برده المتفهم :
" و لما لا تقولين أن الأمير هو من عاش عمره يبحث عن تلك الصدفة التي ستغير حياته و تهديه من تحقق له حلمه ؟!! .. لما لا تقولين أن الأمير هو من كان بحاجة إلى سندريلا خاصته لكنه كان غبياً و لم يدرك وجودها أمام عينيه ؟! "
التزمت وصال الصمت فكاد جاسم أن يتحدث من جديد ليصمت بصدمة و تتسع عيناه مثلها حين فُتح الباب على مصراعيه و هاجمهم إعصار من بالونات الهيليوم متعددة الألوان تبعها دخول جزاء و بكر الذي كان يضحك على شيئاً ما هو و ادم ليهتف بكر فور دخوله بمرح :
" كيف حالك يا رويتر العائلة ؟!! .. ادم لم يموت كمداً منكِ بعد .. لا يا وصال لم انتظر منكِ هذا الأداء "
ضحكت وصال تتابع بعينيها تلك البالونات المتراقصة و التي ملئت فراغ الغرفة الكئيبة حولها و بثت فيها الحياة ..
وقف ادم جوار جاسم يسلم عليه و رغماً عنه الفضول يأكله لمعرفة ما يدور هنا بينما اقتربت جزاء من وصال و هي تنظر الى جاسم بطرف عينيها فعلى حسب ما تعرف هذا البائس ممنوع من الاقتراب من وصال الى أجل غير مسمى !
" كيف حالك اليوم ؟!!! "
سألتها و هي تقبل وجنتيها فأجابتها وصال :
" بخير .. و سأكون افضل حين تحددا موعد الزفاف في اقرب وقت كما طلبت منكِ سابقاً "
كادت جزاء أن تتكلم ليسبقها بكر الذي استغل الفرصة كعادته هاتفاً :
" الله عليك ِ يا صولا .. كملك الله بعقلك ، ما رأيك يا زوزو في الاسبوع المقبل ؟!! "
نظرت له جزاء بحنق ثم قالت من بين أسنانها :
" قلت لك ألف مرة لا تدعوني بزوزو هذه .. كما أننا لم نحضّر اي شيء فكيف سنقيم الزفاف يا اذكى اخوتك ؟!! "
" اين ستقيمان ؟!!! "
سألهما ادم بفضول مقاطعاً الشجار الوشيك فتولى بكر مهمة الإجابة كعادته وهو يشير إلى جزاء :
" و الله انا افكر بتجهيز الملحق المجاور للبيت لكن القرار النهائي في يد الأستاذة "
سألته الأستاذة المعنية بالأمر بحاجبين مرفوعين بصدمة :
" اي ملحق هذا ؟!! .. قل لي انك لا تقصد ذاك المكان الواسع الصدئ الذي ادخلتني إليه مرة و وجدنا به ما يشبه مزرعة فئران ! "
ضحك بكر بعلو صوته متذكراً صراخها المرتعب و تعلقها برقبته مما جعله يشاكسها يومها قائلاً :
" اين كانت هذه الفئران و أنتِ تعيشين لي دور عبده موته في البيت ؟!! "
عاد بكر الى حاضره و أجابها ببساطة :
" سنتخلص من الفئران و الصدأ و سترين بعينك كيف سيتحول المكان الى فيلا صغيرة رائعة "
هزت جزاء رأسها برفض مذعور فغمز لها قائلاً بضحكة خفيفة :
" سأقنعك لاحقاً "
تكلمت وصال من جديد و هي تتجنب النظر إلى جاسم الذي لم يتحرك من جوارها ينظر لها كل حين :
" و اين ستقيم الزفاف ؟!! "
نظرت جزاء إلى بكر تنتظر أحد حلوله العبقرية بينما اتسعت ابتسامته هو و قال بخفوت ماكر :
" هذه مفاجأة .. اين برأيكم ؟!! "
نظرت له جزاء بريبة و التزمت الصمت فهي باتت تخاف مفاجآته ليتدخل جاسم اخيراً مقرراً كسر حاجز صمته فيجيب على سؤال بكر المُعلق :
" المزرعة "
نظروا اليه جميعاً بتعابير تفاوتت بين التعجب و المفاجأة فقال بتقرير :
" صفقتنا الاخيرة مع شركة ( ...... ) زادت من الأرباح بشكل كبير فاستطعنا تسديد دفعات البنك و تم فك رهن المزرعة "
هنا صدح صوت جزاء فتسأله بعدم فهم :
" تلك الصفقة التي ذهبت انا و بكر الى مدينة ( ..... ) لنتفق عليها من فترة ؟! "
اومئ لها جاسم بهدوء فعادت بعينيها إلى بكر و كان الأخير بانتظارها فغمز لها بينما يعلو وجهه تعبير غريب فعقبت هي بحنق :
" لقد جعلني اعمل مثل العبيد حتى نربحها "
ابتسم لها بكر بخفة و هو يتذكر تلك الأيام ..
الحمقاء لا تدري أنه جعلها تكفر عن خطئها السابق بتسريب المعلومات و الذي جعلهم يضعون المزرعة تحت الرهن !
فكما كانت السبب الرئيسي في ضياع المزرعة أصبحت الآن أحد الأسباب الرئيسية في استعادتها !!
ضحكت وصال وهي تنظر الى ملامح أختها الحانقة ثم قالت بأسى رغماً عنها :
" ليتني استطيع مشاهدة هذه المشاكسات عن قرب .. كنت سأستمتع اكثر من اي وقت مضى "
اقترب ادم منها قائلاً بمواساة وهو يربت فوق كتفها :
" لقد اقترب موعد عودتك للمنزل .. اسبوعان أو أكثر بقليل ووقتها اجلسي و شاهدي كما ........ ترغبين "
همس كلمته الأخيرة بخفوت حين وقعت عينه على جاسم الذي ينظر إلى يده التي تربت عليها بشر و تحذير مبطن فأبعد يده عن وصال متمتماً بحنق خافت :
" لما لا تضع أسلاك شائكة حولها و تكهرب لنا السرير بالمرة !! "
بعد وقت قصير دخل امين بصحبة عهد و قصي لتتوقف خطواته للحظة حين لمح جاسم الذي يجلس بأريحية وسط الجميع على غير عادته ليشتت انتباهه ابنه الذي هتف بسعادة و هو يركض إلى وصال لتستقبله الأخيرة بين ذراعيها و تقبله بلا توقف !
" اشتقت لك جداً .. أكثر من الجميع "
قالتها وصال و هي تعانقه و تمسح فوق رأسه بينما كان قصي يستمتع بدلالها واضعاً رأسه فوق صدرها ..
ألقت عهد التحية على الجميع و سألت وصال عن حالها بينما ظل امين على صمته ليهتف قصي على حين غفلة :
" ابي سيتزوج عهد و ستأتي لتعيش معنا "
تبادل بكر ووصال نظرات الظفر ليضحك بكر قائلاً لها بمزاح :
" جهودنا المشتركة اثمرت .. زفاف آخر من يزيد ؟!! "
ملئت ضحكاتهم المكان بعد أن تجنب امين إحداث مشكلة و اهمل وجود الآخر ليقترح بكر بعد ذلك :
" ما رأيكما أن تعقدا القران يوم زفافي انا و جزاء ثم تجهزا لزفافكما على راحتكما بعد ذلك ؟!! "
هزت عهد كتفيها و سألته بحيرة :
" و هل حددتما موعد الزفاف من الأساس ؟! "
" في اقرب وقت ممكن .. أليس كذلك يا زوزو ؟!! "
جزت المعنية على أسنانها فيما تهدر بخفوت :
" كائن مستفز "
رن هاتف جاسم فنهض معتذراً لتقترب جزاء من وصال و استغلت أن قصي ركض إلى عمه المفضل فيما تقول :
" لطالما وددت اخبارك أن ذوقك يقرف .. لكن لا بأس ، فقط قومي بإعادة تربيته لأنني لا اطيقه "
كتمت وصال ضحكتها ثم قلبت الطاولة عليها و عقبت و هي تتمعن في عيني جزاء الصافيتين :
" كثرة جلوسك مع بكر جعلك تتحدثين مثله .. تتحولين لنسخة أخرى منه يوماً بعد يوم "
هربت جزاء بعينيها بإحراج لتضحك وصال و تعلق على تورد وجنتي اختها :
" الساحرة الشريرة أصبحت تخجل ! .. لست هينا ً يا بكر "
ضربتها جزاء على ذراعها بحنق ثم جذبتها بين ذراعيها تعانقها و قالت باعتراف صريح :
" اشتقت لكِ يا مستفزة "
تنهدت وصال لترد عليها بخفوت لم يسمعه غيرها و هي تتابع بعينيها ذلك التجمع النادر لأفراد عائلتها :
" و انا ايضا ً اشتقت .. اشتقت الى وصال للغاية "
....................................
" ماذا قلتِ ؟!! .. هل جننتِ يا امرأة ؟!! .. كيف تتكلمين بعد كل هذه السنوات ؟!! "
أخفت مديحة وجهها بين كفيها و قالت بانهيار :
" لم يكن أمامي حل آخر .. حياة ابنتي معلقة بها "
هدرت ناهد بجنون و هي تمسك مديحة تهزها بغضب عارم :
" هل أنتِ مدركة لما أوقعت ِ نفسك فيه ؟!! .. لقد اكدتِ للفتاة ظنونها ، لقد وضعتينا بين يدي ابنة الخادمة .. لعنك الله يا غبية .. لعنك الله "
صرخت مديحة و هي تفلت مرفقها من بين يدي ناهد :
" ماذا كنت سأفعل ؟!! .. ألا تفهمين ؟! .. اقول لكِ حياة وصال معلقة بها "
زمجرت ناهد بجنون لتستطرد مديحة ببكاء مرتفع :
" لن اقوى على وضعها في القبر مثل اختها .. و لو كانت حياتها تتوقف على كشف المستور سأكشفه "
كانت ناهد تلف حول نفسها و لا تفعل غير إطلاق اللعنات فوق رأس مديحة ..
رباه كم تمقت هذه الفتاة !!
تلك الحقيرة شبيهة امها الخادمة وضعتهن في موقف لا يحسدن عليه !
اعتلت السخرية السوداء ملامحها و هي تتذكر صباح ..
تلك الخادمة اللعينة التي برعت في رسم دور المسكينة الجاهلة لكنها كانت أكثرهم دراية بها !
فخلف تلك الملامح البريئة سكنت عاهرة اغوت أخيها و من قبله ابراهيم !
ابراهيم الذي كان شريك سابق لعائلتها أحبته هي و خُطبت له لتمر بعدها عدة أشهر لاحظت فيهم أكثر من مرة عيناه التي تتابع الخادمة بصمت و حين واجهته أنكر و اخبرها انها تتوهم لكنها ثارت و وصل الأمر إلى ضربها لتلك القذرة أمامه فما كان منه إلا أن خلع محبسه ببساطة ووضعه أمامها قائلاً ببرود :
" وفقك الله .. أنتِ لستِ المرأة التي أبحث عنها "
وقتها صُعقت بحق خاصةً حين أنهى هو الشراكة مع اخوتها و سافر إلى بلدة عربية و اكمل فيها حياته لتأتي بعدها الطامة الكبرى حين أعلن أباها عن زواج أخاها الوشيك باللعينة بعد أن اغوته ثم ركضت باكية تعلن اعتدائه عليها و حملها منه !
ظلت بعدها لأكثر من عام تفكر في الطريقة الأمثل للتخلص منها لكنها لم تكن غبية و أدركت أنها بحاجة إلى من يشاركها في التخلص من تلك المرأة و لم تجد افضل من ابنة عمها التي كانت تغلي مثلها بعدما اغوت الحقيرة حامد الذي كان مقرر من البداية زواجه من مديحة ليجتمعن بعدها و يفكرن في الطريقة الأمثل للتخلص من صباح و لم يجدن افضل من نوح عاشق المال فاشترين ذمته ببضعة اوراق مالية و انهين أمر تلك الساحرة للأبد !
" ماذا سنفعل ؟!! "
أخرجها سؤال مديحة من أفكارها فالتفتت لها و قالت بشراسة شيطانية :
" يجب أن نتخلص من هذه الفتاة "
رفعت مديحة رأسها مجفلة برعب بينما أكملت ناهد بقسوة مخيفة :
" لو عرف ابي أو إمام بما حدث سنخسر كل شيء لذا يجب أن ندفن هذا الأمر و هذا الأمر لن يُدفن الا بدفن صاحبته "

نهاية الفصل الثامن عشر

قراءة ممتعة 💜💗💚

ضربة جزاء (ج1 من سلسلة قلوب تحت المجهر) لِـ"هاجر حليم" مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن