الفصل السادس عشر

111 2 0
                                    

الفصل السادس عشر

وأخيراً يشعر بالراحة ... فمنذ ما حدث وجنونه الذي قاومه كثيراً وانفجاره بلحظة ضعف يسأل الله له المغفرة ويدعوا أن تسامحه على غباءه وتصرفه الأحمق ... تركها لتهدأ عدة أيام كان هو يتقلب على الجمر من القلق والخوف لرفضها وبعد أن استخار الله وبعدما اقنع والدته قرر مكالمة والدها ليؤكد لها جديته في رغبته بالزواج منها ... إن طلبه لم يكن ناتج عن تهوره أو حتى إصلاح خطأه الغير مغفور ناحيتها .
كان يجب أن يبرهن لها صدق نواياه وأن لا ينتظر ردها ....بالأساس لم يكن سيقبل بالرفض ... فأبداً لن يتركها بعد أن وجدها اخيراً ... وجد من تكمله من جميع الجوانب ... وجد من تحركت لها مشاعره التي قيدها كثيراً خوفا من التجاوز ... وجد من يشعر بالراحة معها ... يشعر بالاكتفاء أمامها .
لهذا اتخذ خطوته وها هو في بيتها ينتظر حضورها والكلام معها ... أن يعتذر ويبرر ويطلب أن تسامحه على ذلته معها .
انطلقت زغاريد أمها ليدرك أنها هنا أمامه بوجه متخضب ونظرات هاربة وبعد السلام والتحية على والدته التي تعاملت معها ببرود نسبي انتقلوا لمكان أخر للكلام بحرية وهنا جاءت فرصته فقال قبل أن يفقد شجاعته : أنا أسف ...
رفعت وجهها لتنظر في عينيه فاستمر قائلا : أنا معرفش عملت كده أزاي ... بس مش ندمان ... أقصد أكيد ندمان عشان عملت حاجة حرام ... بس مش ندمان إني كنت بالقرب ده منك ... انتِ فاهمة قصدي ... صح !!!
أنا طول عمري براعي ربنا ... طبيعة شغلي وتعاملاتي أغلبها مع بنات وستات ولازم أدرب نفسي إنهم مرضى مش مسموح ليا اتجاوز بالكلمة أو النظرة ... رعب ... رعب إني مقدرش أكون على قد مسئولية مهنتي وديني إني أعف نفسي ... الموضوع ده كان عامل ليا هاجس مع إن غيري شايف الموضوع بسيط ... يمكن لأن والدي دايما كان يأكد عليا إني أغض بصري واتقي ربنا ... دايما كان خايف إني أخون القسم ...
البنت في حياتي مجرد زميلة عمل أو مريضة عمري ما كان ليا علاقة حب أو حتى اعجاب برغم إن سني مش صغير ...
لحد ما قابلتك ... بالتحديد لحد ما زورتيني في العيادة مع والدتك ... من يومها وأنا بحاول أشوفك مريضة أو زميلة عمل لكن مقدرتش أشوفك غير أحلي بنت عرفتها ... كلامك ... أسلوبك ... بساطتك ... خفة دمك ... بالنهاية للأسف ضعفت ... وحصل اللي حصل .
يمكن ده خلاني اخد القرار أسرع ودي الميزة الوحيدة في اللي حصل .
صمت للحظات وقال : هي مش الميزة الوحيدة أوي برضو ... يعني كان فيه ميزات تانية .
احمر وجهها وهي تفهم المعنى المبطن لكلماته لكنها كانت تستمع له وهي سعيدة لأنه افضى إليها بما يشعر به .
ابتسم بتوتر وقال : واضح إني أنا بس اللي هاتكلم ... مش مهم ... المهم إنك توافقي يا تهاني وأنا هاعوضك عن كل اللي حصل وعمري ما هاخليكي تندمي على القرار ده .
لم تستطيع الكلام فهي تشعر أنها تطير بغيمة وردية ... أن الله عوضها خيراً عن كل ما حدث معها ... أنها أخيراً ستجد الحب والاحترام والأمان والثقة .
أومأت بالموافقة وابتسامة مرتبكة مرتجفة ترتسم على شفتيها .
ليشرق وجهه ويقف بسعادة وهو يقول : نقرى الفاتحة يا جماعة وطلبات تهاني كلها أوامر ...
لكن بالطبع الموضوع له اعتبارات أخرى وليس بهذه البساطة .
قالت والدته : استنى بس يا مدحت مش قبل ما نقرى الفاتحة نشوف طلباتها ونوافق عليها !!
قالت والدتها وهي ترفع حاجبها : وإن مكنش الدكتور مدحت يقدر على طلباتها مين يقدر ... بسم الله ما شاء الله دكتور قد الدنيا وعنده عيادة وقرب على الاربعين يعني مش صغير وكون نفسه وامكانيته زي الفل .
زمجرت والدته وقالت : تقصدي ايه يا أم تهاني تقصدي إني ابني كبير على الجواز ولولا فلوسه مكنتوش هتوافقوا .
حركت شفتيها يمين وشمال وقالت : جرى ايه يا أم مدحت أنا قلت كده برضو أنا بقول أنه عريس زي الفل ومش هنطلب حاجة أكتر من العرايس اللي زيها .
ربت مدحت على أمه بابتسامه سمحه كي تهدأ وقال : إن شاء الله مش هنختلف على الماديات وأنا والحاج هنتفق على كل حاجة سوا .
قالت أم تهاني : وليه منتفقش دلوقتي عشان محدش يغير كلامه بعدين !!
قامت أمه واقفة وقالت : ليه هو لعب عيال ولا ابني صغير على كلام الرجالة عشان يغير اتفاقه بعدين .
جذبت تهاني أمها وقالت بصوت مخنوق لاستشعارها عدم موافقة حماتها المستقبلية وقالت : خلاص يا ماما خلي الرجالة تتفق سوا وملناش دعوة احنا .
دخل والدها بهذه اللحظة والذي اعتذر لدقائق قليلة للرد على مكالمة هاتفية تخص العمل ولاحظ أن الأجواء ليست على ما يرام فقال : خير يا أم مدحت واقفة ليه ... إن مكنتش الأرض تشيلك أحنا نشيلك فوق دماغنا ... قومي يا تهاني هاتي الكيكة اللي عملتيها مخصوص للدكتور ... أومأت وفرت هاربة بقلب مرتجف خوفا من حدوث شجار محتمل بين الحموات الفاتنات .
نظر والدها لمدحت وقال : اعذرني يا ابني قمت عشان مكالمة تخص العهدة والجرد السنوي لازم أكون متابع معاهم .
أومأ مدحت موافقا وقال : ولا يهمك يا عمي ربنا يوفقك للخير ...
كنت بقول أن تهاني ردت عليا ووافقت وعايزين نقرا الفاتحة .
قالت أمه بإصرار : نتفق الأول واللى أوله شرط أخره نور .
قالت أمها : أحنا مش هنطلب زيادة عن العادي يعني زي ما جهزت أختك أحنا هنجهز تهاني وزي ما طلبت من خطيبها أحنا هنطلبه منك ...
بس المؤخر هيزيد شوية لأن أختك متجوزة من خمس سنين والفلوس قيمتها قلت يا دكتور والشبكة انت ومقامك بقى .
قالت أمه : هو مقامه كبير بس أخته دي كانت أول جوازة ليها مش التانية .
قالت أمها بغيظ : مالك يا ست أم مدحت واقفة ليا على الواحدة ليه وكل ما اتكلم تعترضي على كلامي ... بنتي اتجوزت قبل كده بس بشهادة الدكتور هيكون اول بختها يعني زيها زي أي بنت .
قالت أمه : هو غلط إني عايزة نتفق على كل حاجة من البداية !!
همت أمها بالرد ليأتي صوت زوجها زاجراً : لا مش غلط يا حاجة الحق حق ونتفق على كله دلوقتي أو نفضل جيران وعشرة عمر من غير مشاكل .
قال مدحت سريعا : لا هنتفق بإذن الله ربنا ميجبش خلاف ... بص يا عمي أنا جاي اتجوز مش افاصل وعارف إن الأنسة تهاني هي اللي هكمل معاها العمر كله بإذن الله ... المؤخر والقايمة مش هتفرق بكام وفيها ايه لأني جاي اتفق أبني بيت مش جاي افكر هادفع كام لما اطلق بعد الشر ...
ولو لا قدر الله لأي سبب متفقناش بعد الجواز أنا عمري ما هاكل حقها ومتأكد أنها عمرها ما هتظلمني وتاخد حاجة ملهاش حق فيها .
قال والدها : ربنا يكملك بعقلك يا ابني ونعم الأخلاق والتربية .
قاطعته أمه : بس يا ابني ...
أمسك يدها وقال باستعطاف : عشان خاطري يا ماما خلي الاتفاق بيني وبين عمي وخليكي واثقة فيا .
دخلت تهاني بابتسامة واسعة محاولة بث الاطمئنان داخلها ووزعت أطباق الكيك للكل ثم جلست جوار والدة مدحت التي قالت : طيب يا جماعة الاتفاق نخليه بين الرجالة بس السكن أنا مليش غيره ومقدرش يمشي ويسيبني لوحدي وأنا بالعمر ده ... ياترى تهاني هترضى تعيش معايا ولا هتقول عايزة سكن لوحدي .
قالت أمها بامتعاض : طب وتحس أزاي أنها عروسة وهي مش واخدة راحتها وكمان اعذريني البيت مش بيتها ولا حتى بيت جوزها ده بيت عيلة يعني بعد عمر طويل أخواته كلهم ليهم نصيب فيه .
أوشكت تهاني على البكاء بينما أوشك مدحت على إلقاء نفسه من الشباك لإصرار الحموات على الخلاف .
نظر لوالدته بعتاب وقال : انتو يمكن مجيتوش عندنا قبل كدة بس هو البيت عبارة عن شقتين مفتوحين على بعض ومن وقت وفاة والدي متفق مع أخواتي وأمي طبعا إن شقة منهم ليا كل اللي هيتم هنقفل الحيطة اللي بينهم ونحفظ الخصوصية لماما وتهاني وبرضو أبقى مسبتش والدتي لوحدها ... ثم نظر لوالدته وقال : مش ده كان الاتفاق يا ماما ولا ايه !!
نظرت له بغضب وقالت : انت حر اعمل اللي يريحك حتى لو هتسيبني لوحدي .
قال يحاول إرضاءها : مش هسيبك وحدك طبعا بالعكس الوقت اللي بكون فيه بالعيادة تهاني هتكون جمبك لو احتاجتي أي حاجة ممكن تساعدك فيها ثم نظر لتهاني وقال : ولا ايه يا تهاني ؟
حركت رأسها موافقة وقالت : اه طبعا طلباتك يا طنط أوامر .
صمتت أمه على مضض وحاولت أمها الاعتراض لكن زوجها زجرها ونبهها بنظراته أن تصمت ليرفع يده ويقول : نقرى الفاتحة على التوفيق ولم الشمل بإذن الله .
لتنطلق الزغاريد من أمها بفرحة وسعادة وهي تقبلها وتدعو لها بإتمام الزيجة رغم خلافها الواضح مع أمه .

مصابيح فى حنايا الروح الجزء الثانى من سلسلة طعم البيوتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن