الفصل الثالث
رابع يوم العيد
تنظر حولها في سعادة غامرة ثلاث أيام في الجنة ... برغم انها لا تقيم في أغلى الأماكن و لا تأكل أغلى الطعام لكن يكفي كل ما يبذله لإسعادها و هي!!! ماذا تفعل بالمقابل تخون ثقته بها و تحرمه من نعمة الأبوة ... لماذا ؟!!!
لعقد تأصلت داخلها من طمع اخ و استغلال أب و تفرقة أم ... عقد حرص حودة على فكها عقدة عقدة و كلما نجح في فك إحداهم تكونت مكانها سلسلة عقد جديدة.
ما ذنبه في كل هذا؟؟ انتظرها كثيرا و حقق لها كل ما تريده و برغم جفاءها و تباعدها يبذل كل ما يستطيع لإنجاح زواجهما .
لازالت كلمات وفاء تدور في فكرها فبعد كلامها الأخير و عودتها للمنزل لتجد زوجها يضع ملابسهم بإحدى الحقائب للسفر و قضاء العيد بالاسكندرية و من وقتها تفكر و تفكر و اقتنعت بل نفذت ما اقتنعت به و ها هي لليوم الثالث على التوالي تمتنع عن تناول حبوب منع الحمل و بمجرد عودتها بعد عدة ساعات لمنزلها ستلقي بكل ما تبقى في سلة المهملات .
ضمها من خصرها على حين غرة و قال بصوت هامس :- بتفكري في ايه يا عسلية؟
استدرات ليكون وجهها مقابلا لوجهه و قالت بصدق و ندم داخلي : بفكر قد ايه ربنا بيحبني عشان يرزقني براجل زيك.
رفعت يدها تحاوط عنقه و قالت : عارفة إني مش أحسن ست شفتها و عارفة إني تعباك معايا بكل القلق و الخوف اللي جوايا ... لكن أنت متحمل كل ده و ساكت عشان خاطري ... القت رأسها على صدره و قالت و عدة دموع تغافلها و تسقط بهدوء : أنا بحبك أوي يا حودة و مهما عملت ده من حبي ليك و قلقي عليك .
ضمها له و قبل أعلى رأسها و قال : و أنا بعشقك يا بت و لا إنتِ مش عارفه ... مهما لفيت و شفت ميملاش عيني غيرك .
قالت بتأثر : ربنا ما يحرمني منك ولا من حبك ابدا.
أبعدها بهدوء و مسح بإبهامه دموعها و قال بتساؤل : طب ليه الدموع دلوقتي يا عسلية بس .
ابتسمت و قالت : دي دموع سعادة و فرح على التعويض اللي ربنا بعتهولي يا فاندام .
نظر في ساعته و قال : طب يالا حضري الحاجة عشان نتغدى على البحر أكلة سمك من اللي قلبك يحبها و بعدها ناخد الطريق عشان منرجعش في الضلمة .
اومأت و اقتربت تقبله بخفه و ذهبت و هي تحمد الله على نعمته عليها .مساءًا في منزل سلطان
دخلت و هي تدعي الغضب و توبخ نعمة قائلة : انتِ مفيش منك فايدة ... سلطان هيجراله حاجة من تحت راسك ... ده مكلمني النهاردة عشر مرات يأكد عليا أول ما أرجع من البلد أجي على هنا على طول عشان أساعدك .
قالت نعمة و هي تتوجع بصمت : يوه وأنا عملت ايه يعني قلت نتلم كلنا نتغدى سوا مش كفاية انتى واخواتك طول العيد عند بيت اهل اجوازكوا ... ما صدقت نعرف نتجمع ... و قلت لكريمة جارتنا تيجي نتعرف عليها ... بت غلبانة و مقطوعة من شجرة .
تخصرت الأخرى و قالت : يا نعمة اللي بتعمليه ده متعملوش واحدة بصحتها مش حامل و على وش ولادة .
انا حاسة أخرتك هتولدي و انتي قاعدة بتحشي حلة محشي .
ضحكت الأخرى بإنهاك واضح و قالت : لا مش للدرجة دي يعني ... و بعدين كله بوقته محدش بيجي قبل معاده .
اااه ...... خرجت الكلمة قبل أن تسيطر على لسانها و هي تمسد على ظهرها لتقترب حبيبة بقلق واضح و تقول : مالك!!! فيكى ايه!!! طمنيني!!!
قالت نعمة و هي تنحني للامام بألم : تقريبا من كتر الوقفة ضهري شد عليا ... خبط من الصبح مش عارفة ليه كده .
شهقت الأخرى و قالت : ألا تكوني بتولدي و انتى مش حاسة!!
قالت نعمة و هي تجلس على كرسي خشبي بجوار باب المطبخ : لا مش للدرجة دي يعني ... أنا بس هارتاح حبة و ابقى زي الفل .
طلعي بس الصواني من الفرن و وزعي السلطة في الاطباق و خلي سلطان يجي يشيل صنية الفخدة الضاني عشان تقيلة عليكي .
قالت بغضب : الله يهديكي و يصلح حالك يا نعمة ... ايه اللي انتِ عملاه ده كله .
قالت و حبات العرق تزداد على جبينها : كله من خير سلطان بألف هنا و شفا عليكو .
دخلت أم سلطان تتوكأ على عصاها و هي تقول بقلق : عاملة ايه يا نعمة؟؟
وقفت نعمة باحترام رغم تعبها : الحمد لله بخير يا ست الكل .
قالت الأخرى بخبرة و حنكة : شكلك هتولدي النهاردة يا نعمة و مسمعتيش الكلام .
ابتسمت بتعب و قالت : لسه الدكتورة من يومين قالتلي أسبوع كمان على الأقل .
قالت أم سلطان بعصبية : و هي الدكتورة تفهم أكتر مني يا نعمة ... لما أقولك هتولدي النهاردة يبقى تسمعي الكلام ... قومي نامي في سريرك و سيبي الحاجة لحبيبة و اخواتها زمانهم جايين .
لم تناقش أو تجادل فهي حقا متعبة للغاية و خصوصا مع هذا الألم المزعج في ظهرها ... إتجهت لحجرتها و تمددت بإنهاك على السرير .
بعد حوالي ساعة دخل عليها سلطان يقول بهدوء : نعنع عاملة ايه؟!!
إعتدلت جالسة و قالت : الحمد لله بخير بس ضهري واجعني أوي أنا قلت لما أنام هارتاح بس مفيش فايدة الخبط بيزيد .
قال بقلق : طيب قومي نروح المستشفى .
قالت بتأفف و رفض : يوه هو كل يوم و التاني نروح المستشفى ... شوية و هبقى تمام .
ثم استقامت واقفة و قالت : اخواتك و كريمة جم و لا لسه ؟
قال و هو يسندها : اه بره و الأكل جاهز ... هتقدري تقومي تاكلي معانا و لا أجيبلك طبقك هنا؟؟
قالت برفض : ليه اتكسحت مش هاعرف أعد أكل معاكو يعني!!
قال بصبر : بعد الشر عليكي ... هو الأكل هيبقى له طعم و انتِ مش معايا على السفرة .
ساعدها على القيام من نومها و خرجت معه للصالة و جلست بألم على احد كراسي الصالة .
اقتربت كريمة بإحراج لوجودها وسط ناس لا تعلم منهم إلا نعمة و سلطان ... لكن نعمة أصرت و ألحت في حضورها و توعدتها إذا لم تحضر ستأتي بنفسها لأخذها من منزلها فاضطرت للحضور ... جلست جوارها و هي تنظر لها بقلق و قالت : نعمة انتِ كويسة ... قوليلي حاسة بإيه!!
قالت نعمة : خبط شغال في ضهري من الصبح .
قالت كريمة : خبط مستمر و لا بيروح و يجي؟؟
أجابت : لا بيروح و يجي .
ألحت كريمة بالسؤال : كل قد ايه تقريبا؟؟
قالت و هي تقوم بصعوبه و تسحب معها كريمة إلى مائدة الطعام : ياختي انتى رايقة هو أنا هاركز و أمسك الساعة عشان أشوف بيخبط كل قد ايه .
فتحت كريمة فمها لتتكلم لكن نعمة سبقتها قائلة : يالا عشان الأكل هيبرد خليكي جمبي عشان أخد بالي منك شكلك هفتانه و تعبانه ... عايزكى تتغذي حلو .
ابتسمت كريمة لاهتمام نعمة الصادق و قالت : هاكل كويس بس على شرط نخلص و نطلع على المستشفى حد يطمنا عليكي .
جلست نعمة بمساعدة كريمة و هي تقول : ركزي في أكلك و بعدها يحلها ألف حلال .
بعد حوالي نصف ساعة دخلت نعمة المطبخ لتجد كل من حبيبة و اخوتها و معهن كريمة يقمن بإنهاء كل الاعمال من غسيل الاطباق لتغليف المتبقي و تنظيف المطبخ فقالت بتأفف : يوووه عليكو ما انا كنت الصبح هاصحى أخلص كل حاجة في ساعة زمن
ضحكت خديجة و قالت : انتِ ببطنك دي على الفجرية هتكوني ولدتي .
ردت رقية تشاغبها : عايزة تروحي تولدي و المطبخ مش نضيف ... عايزة الناس تقول عليكي ايه !!!
انفجرت حبيبة بالضحك و قالت : نعمة مهوسة نضافة هتقوم من البنج و تسأل الدكتور غسلت ايديك بالمية و الصابون كويس يا دكتور .
عوجت فمها و تخصرت ببطنها المنتفخة و هي تنظر لهن أثناء نوبة الضحك و قالت : بقى كده بتتمسخروا عليا طيب أنا بس أفوق و هتشوفوا هاعمل فيكو ايه !!
بعد دقيقة او اثنان شهقت نعمة و قالت بتعب و هي تسند على حبيبة : انا تعبانة اوي ... مش قادرة أسكت أكتر من كده ... بقاوح من الصبح بس الخبط في ضهري مش راضي يسكت ده عمال يزيد ... اااه مش قادرة اقف يا بنات الحقوني .
تركن ما بأيديهن و تحلقن حولها و قالت كريمة لحبيبة : روحي بلغي سلطان و هاتي عبايتها و شنطة الولادة .
أنا من بدري بقول هتولد من أول ما قالت خبط في ضهرها بيروح و يجي .
قالت نعمة و مقاومتها تنهار : يا ختي انتِ وهي هتفضلوا ترغوا و سايبني بصوّت .
خرجت حبيبة مهرولة تنفذ ما قالته كريمة بينما كريمة تحاول مساعدتها و رقية و خديجة حولها .
فقالت نعمة لكريمة برجاء : ما تولديني هنا ينوبك ثواب ... الدكتورة بتاعتي مسافرة و مش عايزة حد غيرها يجرب فيا .
قالت كريمة : انا ممرضة مش دكتورة و كمان هنا مفيش أدوات و لا تعقيم انا هاكون معاكي في المستشفى متخافيش .
دخل سلطان مهرولا و قال و هو يسحبها بهدوء : قلتلك شكلك تعبان و إنتِ عماله تقولي لأ ... ربنا يسترها يالا بسرعة أهو محمد معاه العربية هيودينا المستشفى بسرعة باذن الله .
قالت بهلع بدأ يتمكن منها : أوعى تسيبني يا سلطان ... متخليش أي حد يولدني ... اتأكد انها دكتورة ... و تكون بتفهم ... أه ضهري يا ناس ضهري هيموتني .
طمأنها سلطان و هما على درج المنزل : متخافيش يا نعنع مقدرش أسيبك يا بت ... أنا جمبك أهو و عيني عليكي فين ما تكوني .
بعد ربع ساعة مليئة بالصراخ و التوجع و إنفلات الأعصاب كانت نعمة بغرفة الكشف لتنقل بعدها مباشرة إلى غرفة الولادة .
بينما يقف بالخارج سلطان يستمع لصراخها ... بعد دقائق خرجت كريمة تطمئنه أنه مازال أمامها بعض الوقت و الولادة ستكون طبيعية بإذن الله .
دقائق أو ساعات لا يعلم كل ما يعلمه أن أعصابه أوشكت على الإنهيار و هو يستمع لصراخها المتواصل الذي لا يهدأ ... ليعم بعدها الصمت لعدة ثواني يليه صراخ من نوع أخر ... صراخ طفل صغير خرج للدنيا من ثواني معدودة ... كان صوته من أجمل ما سمع سلطان بحياته ... صوت أيقن أنه لن ينساه و لن ينسى تأثيره عليه مدى الحياة .
بعد دقائق خرجت كريمة تحمل الرضيع و هي تبتسم ببشاشة وتناوله لسلطان و تقول : ألف مبروك يا معلم ربنا يبارك فيه ... أذن في ودنه عشان أرجعه لمامته .
نظر له بانبهار و عيناه تلمع بالدموع و مشاعر متضاربة تجتاحه ... راحة ... خوف ... فرحة ... قلق ... سعادة لم و لن يشعر مثلها أبدا ... تناوله برهبة ... يخاف أن تقسو يداه على هذا المخلوق الهش الضعيف ... إقتربت شفتاه من أذن الرضيع ليقول الآذان و هو يستشعر كل حرف به و هو يتخيل الأيام القادمة لابنه و فلذة كبده و هو يرسم له خطواته و يتمنى له حياة مليئة بالطاعة و السعادة ... يتخيله رضيع يخطو أولى خطواته و تتلعثم حروفه بأولى كلماته .
يتخيله طفل بطريقه للمدرسة في أول يوم ... و بعدها بعدة سنوات يتخيله مراهق بأول عام بالجامعة و يذهب بخيلاته و هو يراه رجل ذو هيبة ببدلة سوداء و قميص أبيض ينظر له بفخر و هو يمسك عروسه ليبدأ حياة خاصة به ... ثم ... يتخيله يقف نفس وقفته ليستقبل أول ابنأه و أول احفاد أبيه .
ناول الطفل لكريمة لينحني فجأة و يسجد لله شكراً و لسانه لا يتوقف عن الحمد و الدعاء لولده بكل ما يحب و يرضى .

أنت تقرأ
مصابيح فى حنايا الروح الجزء الثانى من سلسلة طعم البيوت
Storie d'amoreقالوا في الشدائد لا يبقى الا الرجال قالوا في الفرصة لا يقتنصها الا الاذكياء قالوا في المواجهة لا يدخلها الا الواثقون قالوا في الحب لا يخضع الا العشاق قالوا في الرغبة لا يصمد الا الأتقياء قالوا في المحنة لا يستمر الا الاقوياء وقالوا في الروح لا تظلم...