١٥. ليلة مظلمة

39 4 10
                                    

في نفس ذلك اليوم الذي هُزم فيه جنود مونيلر عند المعسكر الشرقي كان في المعسكر الجنوبي وبعد غروب الشمس مارتن جالسا مع مجموعة جنود ويأكل قطعة لحم بنَهَم عندها شاهد ادلاينا وهي تَمُّر بالقرب منهم فرما قطعة اللحم ولحق بها ناداها ليسترعي انتباهها وعندما ألتفتت له قال:
هل رأيتِ كارلوس لم أره منذ وصولنا
ردت عليه:
كارلوس ليس هنا انه في المعسكر الشرقي
مارتن:
ولكن قيل لي ان جميع الجنود من مراكز التدريب هنا في المعسكر الجنوبي
ادلاينا:
لا اعلم بشأن ذلك ولكن اعلم ان الجنرال فين من طلبه هناك
مارتن:
فين اذاً طلب ذلك
قدمت نانسي في هذه الاثناء من بعيد ونادتْ:
مارتن هل رأيت كارلوس
ثم اقتربت منهما فرد عليها مارتن:
لا لقد قالت لي ادلاينا لتوها انه في المعسكر الشرقي
نانسي:
ماذا! لما هو هناك من المفترض وجوده هنا
مارتن:
لماذا هل اخبرك بشيء ما
نانسي :
لا ولكن جميع الجنود هنا
ثم بدأت تفكر وتقول:
لقد اخبرني ان ابقى قريبة من مارتن وادلاينا لأنه سيخبرني بكل جديد يطرأ ولكن هو الآن ليس هنا كيف بحق الجحيم سيتواصل هو معي
فكر مارتن أيضا قائلا:
ارض المعركة مكان مثالي لتختلط فيه هوية القاتل اذا اراد كارلوس ان يضرب بعض الأركان العسكرية الحساسة للحكم في المملكة ولكن كارلوس ليس هنا الآن أخشى ان اقوم بخطوات ربما ستكون ذات تأثير سلبي على التحركات القادمة و الأسوأ من هذا ربما تبعدني اكثر عن انتقامي من فين سأكون صبوراً وأثق بكارلوس
في اللحظة التي نادتْ فيها نانسي على مارتن كان فيرو جالسا مع مجموعة من الجنود عند نار المخيم على مسافة ليست بالبعيدة عن مارتن وادلاينا فسمعها وهي تصرخ متسائلة عن كارلوس فقال وهو ينظر الى اللهب ويفكر بالأمر:
نانسي تبحث عن كارلوس وها هما ادلاينا ومارتن يقفان معاً، أيمكن انهم يخططون لفعل شيء ما؟
ولكن ذلك لن يأتي إلا بالفوضى ولا اظن ان كارلوس يُقدِم على شيء يمكن ان يخرج عن سيطرته فيما بعد رفع رأسه ناظراً الي ادلاينا وقال ما يهمني في الأمر هو ادلاينا بعدها استلقى على الأرض محدقاً نحو السماء وأكمل يبدو أن إصرار ابي واعتيادي على كارلوس في سنوات الطفولة قد أنساني ماذا حدث بسبب كارلوس, انا اسف أخي سيتون ولكن الآن عادت إلي بصيرتي ولن اسمح له بسلب شيء آخر مني
فبينما هو يفكر بذلك لمح ضوء ضئيلا ساطعا في السماء وبينما هو يصب تركيزه ليميز ذلك الضوء تبع ذلك الضوء المئات منه حتى تبين انها أسهم مشتعلة تتجه نحوالمعسكر صرخ فيرو لا شعورياً :

اخفضوا رؤوسكم

نهض فيرو متعثرا يحاول الهرب كما حصل مع جميع من وجد في المعسكر انتشر الرعب في لحظات وملأت صرخات الجنود الارجاء بدأ بعضهم يلتطم ببعض محاولا الابتعاد عن وابل السهام المشتعلة احترقت الخيم وزخات السهام بدل ان تهدأ ازدادت في شدتها بعد ان استقام فيرو راكضا تعثر بأحد الجنود الذين سقطوا امامه سقط ووجهه على الأرض وفور رفعه لرأسه نزل سهم شديد القرب من رأسه كاد ان يخترق رأسه كما تعثر به احد الجنود وسقط بقربه رفع رأسه ينظر يمينا وشمالا واصبح الصوت الداخل في اذنيه مشوشا منه صرخات الجنود ومنه صهيل الخيل و الجنود يتساقطون في المعسكر واحدا تلو الآخر كل شيء هناك يدعوه الى الاستسلام لذلك الواقع وفي لحظتها اقتربت منه ادلاينا وهي تصرخ اعطني يدك بسرعه نظر إليها غير مدرك لما يحدث كانت فقط عيناه تنظر لها ولكنه بعيد كل البعد عن فهم ما تقوله ادلاينا
استمرت ادلاينا بالصراخ عليه ثم رفعته عن الأرض، عاد فيرو فجأة إلى ادراك الموقف الذي هو فيه وامسك بيد ادلاينا مستمرا بالركض معها
قبل ما يقارب النصف ساعة جنوب مونيلر عند الحدود الجنوبية الغربية مع فاليزيا
فارس يرتدي رداء بلون تلك الليلة العاتمة وحصانه كذلك ايضا كان ينطلق مسرعا في تلك الأراضي، جذب لجام حصانه عندما رأى ضوء مشاعل على التلال الفاصلة بين المملكتين فعاد مسرعا الى معسكر مونيلر والذي يقع على ارض منخفضة تسبقها ارض مرتفعة ومن ثم الحدود الفاصلة بين المملكتين وحين وصل نزل عن حصانه ثم دخل احد الخيام وقال:
سيدي انهم متمركزين خلف التلال كما وجدت انتشار لحراس فوق التلال
كان جالسا في الخيمة حول طاولة جنرالان احدهما يمثل مملكة مونيلر وهو الجنرال دانز ومن الواضح عليه انه جنرال عريق في جيش مونيلر فقد غلب على شعر رأسه ولحيته الشيب أما الآخر فهو الجنرال رينزو وهو يمثل مملكة رايزن متجهم الوجه فاقدا لاحدا عينيه ضخم البنية
قال دانز:
الليلة هو الوقت المناسب للقيام بهجوم مباغت علينا استغلال هذه الأجواء الغائمة التي تحجب ضوء القمر ما رأيك ونظر الى رينزو
كان ينظر إليه الجنرال رينزو بتمعن وعيون ناعسة تدل على شعوره بالملل ثم تكلم قائلاً :
أي شيء ما دمنا سنخرج من هذه الخيمة
تجهز رماة السهام وبدأوا بالزحف بين الحشائش الطويلة تبعهم السيافين وبقي الخيالة في المعسكر يتقدم هؤلاء جميعا الجنرالان وعند وصولهم خفيتا الى مكان قريب من الحراس أشار دانز الى إثنين من رامي السهام للاقتراب أكثر والإطاحة بأقرب حارس وهذا ما فعلاه، لقد كان ذلك الحارس أبعد شخص عن بقية الحراس، حيث انطلق باتجاهه سهمان اصاباه في مَقْتل ولم يلحظ احد وبعدها تمكن رماة السهم من الاختباء عند حافات التلال مع الجنرال دانز وظل حاملي السيوف في الحشائش مع الجنرال رينزو بعدها بدأ جنود الجنرال دانز بالصعود على التلال ببطأ فلاحظوا وجود حراس ايضا عند الحافة الأخرى من التلال فعمدوا على الإطاحة بهم بنفس أسلوب التخفي والصمت حتى لم يتبقى إلا إثنين استطاع احد الجنود الاقتراب من خلف احدهما ثم أشهر سكينه ونحره ولكنه عندما اسقط مشعله ولأنه عند حافة التل تدحرج المشعل نحو أخر الحراس المتمركز عند اسفل التل فلاحظ المشعل وانطلق بأقصى سرعته نحو المعسكر يملأه الرعب يلتقط انفاسه بصعوبة وهو يردد في نفسه لن اموت هنا ويتصبب عرقا وعندما اقترب من المعسكر حدث نفسه قائلا:
علي الصراخ من هنا لن اتمكن من الوصول في الوقت المناسب ربما يسمعني من هو قريب
وبينما هو يحاول ذلك وفتح فمه للصراخ اخترق سهم رقبته من الخلف
بعدها تقدم الرماة جميعا وصعدوا على التلال أشعلوا سهامهم وبدأ الهجوم
نعود الى وقتنا الحاضر حيث كان فيرو وادلاينا مستمرين بالركض واهوال تلك الليلة تحيط بهم خرج وقتها القادة من الخيم ثم انتشروا بين الجنود وهم يصرخون بأعلى ما يمكن لا تدعوا الأسلحة لهم واركبوا الأحصنة جميعاً ثم تراجعوا، بعض الجنود فعل ذلك وبعضهم كان فقط يريد النجاة واستمر بالتخبط والهرب في حين أن بعضهم استطاع حماية نفسه برفع درع والهرب بينما الجنرال ثيور جونير خرج من خيمته وامتطى حصانه الذي جلبوه له ثم احاطوا به مجموعة من حاملي الدروع وبدأ بالتحرك وهو يفكر قائلاً:
هجوم مباغت كهذا يكلف الجيش اكثر من الخسارة في مواجهة على ارض المعركة كما أن هجوما بهذه الكثافة يشير الى تدخل جنود رايزن وتواجدهم في ارض المعركة أيعقل أننا أسأنا التقدير؟
لماذا لم يهجموا من الشرق إنه الاقرب الى العاصمة، لا لقد اختاروا الطريق الطويل لانهم علموا ما الذي سنفعله فَضَّلوا الصبر على تحمل الخسائر وفعلا إن تم تشتيت هذا الجزء من الجيش هنا فهذا سيسبب مشكلة كبيرة
على هذا اتوقع انهم سينفذون هجوما اخر يعتمد على انتشار السيافين
رفع صوته قائلا للجنود الذين معه:
ليذهب بعضكم ويخبر القادة أن على الجيش الانسحاب بأسرع وقت ممكن
وهذا ما حصل حيث تم الإسراع بعملية الانسحاب للتمركز في مكان آخر
لاحظ الجنرال دانز ذلك فأطلق سهما مشتعلا فوق التلال وكانت هي الإشارة المتفق عليها بينه وبين الجنرال رينزو فأنطلق مسرعا مع جنوده باتجاه التلال عند وصوله وعبوره التلال نظر فوجد أن جنود فاليزيا قد ابتعدوا فقال غاضبا:
ماذا الآن ألن نحصل على قتال لائق تبا يبدو انه يوم نحس
في تلك الليلة والى الشمال من المعسكر الجنوبي كان معسكر الجنرال فين يستعد لمغادرة موقعه حيث كان الجنرال فين يقف وحيدا يركب حصانه وينظر نحو الجنوب ويفكر
اقترب منه القائد ماثياس وقال :
سيدي اوشكنا على الانتهاء ولكني الى الآن لم افهم لماذا علينا مغادرة موقعنا
قال فين:
لقد وافقت على مقترح الفتى كارلوس بعد أن اتى المراقب واخبرني بعدد قوات العدو وانها تتضمن قوات رايزن ايضا حينها فهمت اللعبة القذرة التي خططوا لها انهم يحاولون الهجوم بجميع القوات من الجهة الجنوبية علينا الوصول الى هناك بأسرع وقت اقترب حينها القائد جريتل وقال :
كما توقعت اذا اسف سيدي أن الامر لم يخطر على بالي ولذلك ارغب في أن اضيف أن خطة كهذه لا يمكن ان يقع الاختيار عليها الا اذا كان هنالك جاسوس من فاليزيا سرب لهم معلومة مهمة وهي أن الجيش في الجنوب اضعف من الشرق انها الطريقة الوحيدة التي تجعلهم يتخلون عن فرصة القيام بهجوم مزدوج من الجانبين على الأرجح انهم وضعوا احتمالية خسارتهم لنصف جيشهم في معركة الشرق
جاء في وقتها جندي وقال سيدي نحن جاهزون
رد جريتل :
حسنا تحركوا بأقصى سرعة نحو الجنوب
قال ماثياس :
ماذا عن وحدة كارلوس سيدي
رد فين :
لا يهم الآن حتى لو قُتِلوا لن تقوم القوات التي هزمتهم بالهجوم انهم يملكون مصيرهم بنفسهم منذ اللحظة التي ارسلتهم بها لم يعد مصيرهم يهم
ثم انطلقوا نحو الجنوب ويظهر على وجه فين الندم والعزيمة وبعضا من الخوف حيث قال مكلما نفسه :
هذه الاوقات هي اوقات الصمود يا ثيور ان لم تصمد ربما اضطر للإيفاء بوعدي
في هذه الأثناء وفي قاعة الحكم دخل ثايدن زعيم فايتار بردائه الاسود الطويل ونظراته الخبيثة المليئة بالمكر ولحيته بيضاء اللون الكثيفة جدا بالإضافة الى شعر الرأس الطويل المشابه للحية باللون والكثيف حيث تقدم نحو العرش ثم توقف ونظر للملك ثين عندها أشار الملك بيده الى الخادم الذي يقف بقربه فتقدم نحو ثايدن ثم همس ثايدن في أذن الخادم الأمر الذي فعله الخادم ايضا مع الملك وفور سماع الملك همسة الخادم ابتسم بخبث ثم اعتدل في جلسته وقال للمستشارين الثلاثة الذين كانوا يجلسون الى يمينه :
يا ايها المحترمون إني ومع كل الأسف انقل اليكم هذا الخبر الذي وصلني للتو، من الآن وصاعدا لن يشرفنا المبجل نارسيم في هذه القاعة فقد تعرض هو وخدمه لحادث مؤسف من قبل أعداء المملكة ونحن نَمُر خلال اوقات الحرب الصعبة يبدو أن الجماعات المجرمة التي تسعى الى السرقة لن تتوقف اعتداءاتها ولكن لحسن الحظ لم يتمكنوا من الحصول على شيء لذا اعلن ومن اجل مصلحة المملكة أن خزينة المملكة من الضروري عليها الاستحواذ على الممتلكات التي كانت تحت تصرفه لحمايتها وايضا الاستفادة منها في الاوقات العصيبة كما إن على هذا الأمر ان يبقى في حدود هذه القاعة اذ اننا لا نريد ان نسبب الهلع في صفوف البسطاء، ما هو رأي المحترمون
بدا على المستشارين الرعب فقالوا في ذات الوقت:
انت صاحب الحكمة هنا يا مولاي افعل ما شئت
قال ثين:
يمكنكم مغادرة القاعة الآن الا انت يا ثايدن
بقي ثايدن واقفا في مكانه الى أن خرجوا حيث تغيرت ملامح الملك وأظهر غضبا نحو ثايدن وقال:
لماذا وصلتني أخبار عن التعرض بالضرب واذلال اتباع طائفة نارسيم
قال ثايدن :
مولاي بعد ان أمرتَ بالتخلص من ذاك الوضيع ظن بعض ابناء طائفتي اننا يجب ان نتخلص من اتباعه ايضا
قاطعه ثين:
وكيف سيكون ردة فعل الناس على الملك، انني ملك لا يمكنه السيطرة على مملكته
ثايدن:
حاشاك مولاي ولكني لا يمكنني ببساطة ان اخبرهم انها رغبتك من جعلتني ارسلهم لقتل نارسيم فكيف يمكنني كبحهم ذلك سيتعارض مع رغبتي، كما اضن أن من حقنا اللعب قليلا فقد كان نارسيم يملك اتباعا كثر في طائفته وانت تعلم أن ذلك يزعجني
ثين:
لا يهمني الأمر سيطر على كلابك لا اريد أن يكثر الكلام بين الناس فقد حصلت على ما اريد ربما يمكنك اللعب قليلا ولكن اجعل الامر اكثر خفيتا واكثر ذكاء حسنا يمكنك المغادرة الآن
ثايدن:
أمرك مولاي ثم استدار وابتسم ابتسامة مكر وقال مكلما نفسه:
أنا أحب اللعب بذكاء يا مولاي
حل الصباح على جيشي مونيلر الذي عسكر في مكان المعسكر السابق لجيش فاليزيا
وجيش فاليزيا الذي استعد عند الصباح لمعركة يعتبرها استردادا لهيبته التي سلبت ليلا
حيث أتخذ الجنرال ثيور من مرتفع في ارض المعركة موطئاً له وتحته تمركز الجيش الذي يحوي جهتان اليمنى التي يقودها القائد كورني حيث يوجد فيرو وادلاينا ونانسي واليسرى تحت قيادة القائد لويس حيث يوجد مارتن
في المقابل اصطف أمامهم جيش مونيلر وجيش رايزن مقسم الى اربعة اقسام يقف في المقدمة الجنرالين دانز ورينزو وخلفهم بعض القادة المقسمين على اجزاء الجيش
الى الشمال من مملكة فاليزيا بالقرب من بيت خشبي صغير كان يجلس تحت الشجرة رجل يناهز عمره السبعين عاما ولكنه وكأنه في الخمسين من عمره طويل الشعر يربطه الى الخلف كثيف الشارب الممتد فوق شفاهه يجلس مستقيما بعيون حاده وملامح وجه يظهر عليه الاستمتاع الشديد ناظراً الى طاولة خشبية مربعة الشكل بلا ارجل ويوجد عليها مجسمات خشبية صغيرة يحرك بها يمينا ويسارا تارتاً يقدمها وتارتاً يرجعها الى الخلف وهو يبتسم وذو تركيز عالي عيناه تتحرك مع المجسمات التي ينقلها ثم توقف ورفع رأسه وقال:
مائة وثلاثة وعشرون( 123) احتمال لهذه الاستراتيجية يا لجمالها لا أسأم ابداً من مراجعة استراتيجياتك يا نيرم
اقترب منه فتى وهمس في أذنه وبعد أن ذهب
وقف على قدمه وقال:
حرب جديدة، يا ترى ما مدى جمالها

كارلوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن