part 16

8 0 0
                                    

        ها هُم يزورونَها كُلَّ ثلاثَةَ أشهُرٍ فَقَط كي لا يَشعُروا بالقَهْرِ ويحتَرِقوا بحُزنِهِمْ عَلَى حالِها،وحتّى لا يُوجِعوا قَلْبَها أيضاً، قَلبُها المَليءِ بتأنيبِ الضَّميرِ والحَسرَة.فها هيَ تَمُرُّ السَّاعاتُ والأيّامُ والأشهُرُ بقَلبٍ خافِقٍ مُتَألِّمٍ ومَوجوعٍ،مُنتَظِرينَ شِفائَها التَّامّ ورُجوعِها.ولَكِنْ ما حالُ الأُمِّ،تِلْكَ الأُمّ البَعيدَةُ عَنْ ابْنَتِها فَقَدْ مَرَّتْ سنَتَانِ على ذهَابِها ولَمْ تَعُدْ بَعْد إلى المَنزِل.

              إنَّ والِدَةَ دلال جالِسَةٌ بِحُزنِها،دامِعَةٌ معْ وَجَعِها،مُحتَرِقَةٌ مِنْ شَوقِها،إنَّ ابْنَتَها بَعيدَةٌ عَنْها،وهيَ لا تَقْوَى على هذا الفُراقِ،كُلَّ يَوْمٍ تَبْكي وتَبْكي حتّى عَلِقَ الدَّمْعُ بيْنَ رُمُوشِها،فأوْصَلَتْها حالَتُها إلى مَرَضٍ في قَلْبِها،مَرِضَتْ بسَبَبِ الشَّوْقِ والفُراق.في ذلِكَ اليومِ كانَتْ جالِسَةً تتَحَدَّثُ مَعَ بناتِها وفَجأةً...جاءَها ألَمٌ في صَدْرِها،وضَعَتْ يَدَها على قَلْبِها،فأوَّلَ مَنْ فَكَّرَتْ بهِ كانَتْ دلال،ثُمّ بَدَأتْ تُحَدِّثُ بناتَها تُخبِرُهُم أنَّ دلالَ مظْلُومَةٌ في الحياةِ،وأنَّهُم يتَوَجَّبُ عليْهِنَّ أنْ يَبقَوا بجَانِبِها ولا يتْرُكوها حتّى لَو أخْطَأتْ فهيَ تَبْقى أُخْتَهُم،وهُنا يَنْظُرْنَ إلى وَجْهِها بعُيونٍ لامِعة  فَتُضيفُ إلى كَلامِها "إنَّ الحياةَ صَعْبَةٌ ومُؤلِمَة،بحَيثُ تُبْعِدُ عَنّا أحبابَنا كي تَخْتَبِرَنا،وهيَ الآنَ تَختَبِرُنا بدلال،ومَنْ يَدْري بِمَنْ ستَخْتَبِرُنا بَعْد؟"

     بَعْدَها تَصرُخُ أُمَّهُنَّ قائِلَة "آآآخ"،فَيَنْهَضْنَ إلَيْها،فَتُمْسِكُ فَرَح يَدَها وتَنْظُرُ لَها بعُيونٍ حائِرَةٍ مُضيئَة،فتَتَنفَّسُ أُمُّها بصُعُبَةٍ ثُمَّ تقولُ بصَوتٍ مُتَقَطِّعٍ حَنون "صَغيرَتي..لا تَتْرُكي أُختَكِ ولا تَلوميها أبَداً...لا تَجعَليها تدْتَدْفَعَ الثَّمَنْ..ف فَهذا ليْسَ ذَنْبُها،..بَلْ هَذِهِ حياتُها" بَعدَها يَعِمُّ الصَّمْتُ القاتِلُ بحَيثُ تُغْمِضُ عَيْناها وتَذْهَبُ إلى أبْعَدِ ما ذَهبَتْ إلَيْهِ دلال،فتَصرُخُ فَرَح قائِلَة "أيَّتُها الحياةُ لا تَخْتَبِريني بأُمّي أرْجُوكِ" فيَسْقُطْنَ جَميعَهُنَّ على صَدْرِها ويتَعالى البُكاء،فها قَدْ رَحَلَتِ الحَنُونَة.

أندِمْتِ أمْ بَعْدْ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن