الفصل الأول (ربما صدفة خير من ألف ميعاد)

2.3K 49 75
                                    

زهرة
(ملحمة العشق والعذاب )
المقدمة/
الحياة مفاجآت أو لنقل أقدار .. فكل منّا مكتوب عليه قدر عليه أن يعيشه سواء كان جيداً أو سيئاً.
كثيرا ما نعيش حياتنا في استسلام من كثرة ما مررنا به ولكن
أحيانا نغوص بداخل هذه الحياة بحرفية وذكاء كي نجعل استسلامنا السابق نقطة انطلاقة جديدة .
لا أصدق مقولة الحب يأتي مع العشرة فهذه هي المودة والرحمة،الحب هو إستجابة لنداء القلب ،إغاثة الروح ،الحب صدفة لقاء في وسط الزحام .
الفصل الأول /
(كثرة الذكريات تملأ قلب الإنسان بشعور قائم علي الانتماء لشخصك البعيد؛
لذا يقال أن من لا ذكريات له لا مستقبل بل ولا حاضر له .
الأسرة هي اللبنة الأساسية لنشأت طفل قويم ؛والأم هي النواة التي تغرز بأبنائها القيم والأخلاق والرغبة والطموح .
وأنا يا أبنائي بذلت قصارى جهدي من أجل نشأتكم لتصبحوا أقوي متينة لتستردوا ما فاتكم وما سُلب  منكم وذكرياتي ستنعش أنفسكم بالقدر الذي ستحرق به أرواحكم.
فتلك الذكريات كانت بمثابة الأكسجين لرئتي فترة من الفترات ، كانت حبل النجاه لي دائما ، كنت ومازلت للآن أستمد قوتي وطاقتي منها
سوف آخذكم بين ثنايا الماضي والذكريات لأصل بكيانكم لأزمنة باتت في بئر الحرمان .لم أعلم لما حدث كل هذا معي ؟ أنا حتى ليس لدي القدرة على ترتيب كلماتي، أعجز عن إخراج كل ما في عقلي ، ما بين سنين حياتي تواجدت دائما بين قوسين ...كُسر جناحي ثم جُبر ..ليُقطع .
اجتمع الخوف والشجاعة .. الأمل واليأس..السعادة والحزن.. وفي أوج كل هذه الأحاسيس فقد قلبي بوصلته ووقع في عشوائية التدبير .. وفي خضام كل هذا تعلمت شيء.. شيء أؤمن الآن أنه أول ما يجب أن تتعلماه وهو الإستمرار ، نعم تعلمت أن في الحياه يجب دائماً أن تستمر ، أن نسير بخطى واثقة مهما كلفنا الثمن ... يجب أن نصمُد مهما زعزعتنا الرياح ، وأن نقف مرة أخرى كلما سقطنا في بئر اليأس )
هكذا كانت كلمات بداية لملحمة عشق وتضحية يقرؤها حور وعبد الرحمن نبتتين عشق خُلد في الذهن وترك أثره في قلب كل من عاشره .
.......
عام ١٩٨٨/
إن تحدثنا عن جمال الصُدف ؛سنكتفي بتلك الصدفة التي جمعتهم معا وقادتهم إلي حب أسطوري لم يتخيلوه قط وإن كان عمره قصير ملئ بالأوجاع ،تلك الصدفة التي كانت من ترتيب القدر ولقاء بتوقيت القلوب .
((لم يسبق لي أن شعرتُ بأني شخص مهم وذات قيمة.. فحياتي التي حرمت من أبسط حقوقي بها أغدقت علي بآلم مازال آثره في قلبيإلى الآن ، ولكن رغبتي في الحياه كانت تُعطيني أملاً دثرته مصاعب الحياه ليأتي هو ويزيل تلك المصاعب تدريجياً من أمامي ، وكأن أصبح لي نصيب من إسمي فجأة وبدأت حياتي تذدهر وتتفتح وتنثر بريق الأمل كزهرة كلما إرتوت فاح عبيرها الأخاذ... نعم إنه هو )
(يوم اللقاء الأول)
بعد إشراقة الشمس وقيام كل فرد من المجتمع بروتينه اليومي المرتبط  بنثر أشعتها الذهبية ، كانت الحياه تسير برتمها المعتاد ، بين جدران كل منزل قصة .
في أحد المدن ..تحديداً أمام  المدرسة الثانوية الخاصة بالفتيات كما كتب فوق تلك اللافتة ؛وصلت زهرة الفتاة ذات العشرون عاما صاحبة الجسد النحيف ليست بقصيرة القامة ولا فارعة الطول،عيناها سوداء ذو رموش كثيفة ، يظهر الإرهاق جليا حولهما ،وجهها مستدير ليس بناصع البياض أو أسمرا.
وقفت تحمل حقيبتها المهترئة بعض الشيء تنظر لذلك المبني أمامها بعزيمة وإصرار ينبثقان من عينيها بقوة يستطيع كل من يراها تيقنهم فهي تريد تحقيق هدفها بالنجاح والوصول إلي أعلي المراتب لكي تتخلص من حياتها البائسة .
تقدمت بخطي واثقة ظاهرة للأعين ولكن داخلها أجوف مليء بالخوف ، نظرت هنا وهناك ودلفت تتقدم من زميلات صفها  ليستوقفها عدة لحظات ضحكات ولهو زميلاتها بمرح لم تعتاد هي عليه ابتسمت بخفوت وهي تنظر لهم ممنية نفسها بالضحك في يوما من الأيام.
_أخيرا وصلتي ؟؟
نظرت زهرة خلفها لمصدر الصوت فوجدتها صديقاتها آيات فتاه تمتلك عينان جذابتان باللون البني وجهها مسدير ناصع البياض .
إبتسمت في حبور كتحية لها  فهذه هي صديقتها الوحيدة من بين جميع الفتيات.إحتضنتها برفق ومن ثم إبتعدت متحدثة :
_أهلا يا آيات
بادلتها الإحتضان وتساءلت مبتسمة :
_ إتأخرتي ليه النهاردة ؟
غامت عينا زهرة فيما تعايشه يوميا قبل القدوم إلى مدرستها ...
           صباح كل يوم تستيقظ منذ آذان الفجر وتبدأ بأعمال المنزل بعد أداء فريضة الصلاه ، فتقوم بغسل الملابس وإعداد ما سيلزم طعام الغذاء بالإضافة إلى تحضير الفطور وكي ملابس جميع من بالمنزل ، تعمل كالآلة التي لا يجب لها أن تأخذ قسط من الراحة من أجل أن تجد وقتا كافيا لإستذكار دروسها عند العودة ،
إنتبهت مرة أخرى لحديث صديقتها عندا شعرت بيديها تلوح بها أمام أعينها لتجذب إنتباهها مرة أخرى فأجابتها بهدوء :
_ما أنتي عارفة يدوب خلصت شغل البيت وجهزت الأكل .
نظرت آيات بحزن لصديقتها وشعرت بالشفقة عليها فهي تعاني الكثير ؛ولكنها سرعان ما غيرت نظراتها وإحتضنتها بقوة جعلتها تجفل ولكن سرعان ما ابتسمت لتلك الصديقة الطيبة التي تشاركها حزنها وفرحها عندما إستمعت لتهنئتها :
_كل سنة وإنتِ طيبة يا زوزو؛ النهاردة عيد ميلادك
_ وأنت طيبة يا حبيبتي ؛ تعرفي إني كنت ناسية 
_وإنتي من إمتي بتفتكري
_كفاية إنتي تفتكري 
كان المرح بينهم جلياً..أرادت به آيات صرف تفكير صديقتها عن ما تُعايشه ولو قليل كانت تريد إهدائها هدية ما ولكن خشيت رد فعل زهرة فهي لم تنس يوما عندما إبتاعت لها إحدى الهداية سابقا ...
( كانت أول سنة تتعارف الفتتاتين على بعضهما البعض أي منذ ما يقرب الثلاث سنوات أي بعد إنتقال آيات مع أسرتها من مدينتها بسبب ظروف عمل والدها وإلتحاقها بتلك المدرسة ، لاحظت تحفظ زهرة في تعاملها مع باقي الفتيات كما لاحظت أن ليس لها صديقات فقررت الإقتراب منها ، وبالفعل هذا ما حدث وأصبحت الفتاتين صديقتين مقربتين مع مرور الوقت ، كان يوم مثل هذا يوم مولدها فأرادت كصديقة لها أن تهديها شيئا وبعد أن قررت أن تبتاع لها حذاء فقد لاحظت أن خاصتها قد تأكل جزء منه تفاجأت برفض زهرة ..
_ زهرة إتفضلي دي هدية بسيطة مني بمناسبة عيد ميلادك .
رمقت زهرة الحذاء بنظرة منكسرة ولم تأخذه منها بل صمتت عن إبداء أي حركة للدرجة التي جعلت آيات تتساءل بوجس :
_ هو معجبكش ولا إيه ؟
حاولت زهرة الإبتسام قليلا لكي لا تنهار وأجابتها ممتنة :
_ بالعكس ، ده جميل جدا ، أشكرك من كل قلب يا آيات ولكن أعذريني مش هقدر أقبله .
ظهر الحزن جليا على وجهها وتساءلت بتردد :
_ ليه يا زهرة مش إحنا إخوات ؟ ربنا عالم أنا مش بس بعتبرك صاحبتي الوحيدة ولكن كمان أنا ماليش إخوات وبعتبرك أختي .
تبسمت لها وتحدثت بصدق نابع من قلبها :
_ صدقيني يا آيات أنا كمان بعتبرك أخت ليا ، لكن إعفيني أنا مقدرش أقبل هدية من حد مهما كانت مكانته عندي وأنا عارفة إني مش هقدر أهاديه ، إنتي عارفة أنا حكيتلك كل ظروفي وأكيد شايفة إني مقدرش على أبسط أساسيات حياتي فمش هقدر أجيبلك هدية في عيد ميلادك زي ما جبتيلي .
_ بس أنا مش عاوزة
قالتها بسرعة علها تقنعها بقبول الحذاء ولكن الحقيقة فهي شعرت بالإنكسار والألم وظهر هذا جليا وهي تقول بنبرة يشوبها الحزن :
_ وترضي إني أنكسر ، لو قبلت هديتك هنكسر ونفسي هتتألم .
تأثرت آيات بما قالته وإحتضنتها بحب لتسمعها تستكمل حديثها :
_ صدقيني إنك تبقي فاكرة ده أهم عندي من أي هدية
عادت آيات بإنتباهها للواقفة أمامها مخبرة إياها :
_صحيح بيقولوا في مدرس جديد هيدرسلنا اللغة الإنجليزية .
سعدت زهرة وظهر الأمل يلوح في الأفق وهي تتساءل ببعض الحماس :
_ بجد ؟ يارب يبقي شرحه كويس لأن أنا ضعيفة فيها .
نظرت لها آيات بحقد كاذب وأردفت بمرح :
_ أه ضعيفة فيها والأولي علي المدرسة ؛ أنا مش بحسدك ولا حاجة عالفكرة .
إبتسمت لها زهرة ومرحت قائلة :
_أه واخدة بالي
.....
انطلقت الفتاتين في طريقهما نحو حجرة الدراسة الخاصة بهم وهما يتحدثان عما حدث مع كلا منهم في نهاية الأسبوع الدراسي الفائت .
مر الوقت سريعاً بين صفحات المواد المختلفة وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات /
دلف شاب  طويل القامة بعض الشيء ، وجهه منحوت ذو بشرة حنطية وعيون لا تستطيع تمييز لونها فهي بين اللونين الأزرق والأخضر منمق الملابس  يبلغ من العمر حوالي خمسة وثلاثون عاما إلي حجرة الدراسة وبيده بعض الكتب والمراجع التي أوحٓيت للطالبات أنه مدرساً فوقفن احتراما له وبعدما ألقي عليهن تحية السلام بدأ الحديث قائلا :
_ أحب أعرفكم بنفسي
(نبيل الدمنهوري) مدرس اللغة الإنجليزية
غاص الوقت ونبيل يفيض بالشرح بطريقة سلسة ومفهومة أسعدتهم كثيرا فكانوا مندمجين معه بصورة فائقة قبل أن يجفلوا علي صوت صراخه الغاضب : 
_ إنتي يا آنسة إطلعي بره
نظرت الفتيات إلي من يشير لها بصدمة ممزوجة من البعض ببعض الشماتة ؛
فما كان منها سوى الوقوف  بهدوء وسألته بإحترام : 
_حضرتك تقصدني أنا؟! ممكن أعرف السبب ؟
_بتردي عليا ؛ تمام ..السبب إن حضرتك مش منتبهة وبتتكلمي مع إلى جمبك.
شعرت بالتخبط فهو يحادثها بعنف ولكنها
نظرت له بهدوء قبل أن تغادر وهي تعتذر منه
خرجت ووقفت امام الحجرة إلى انتهاء الفترة الزمنية المخصصة
بعدة مدة /
خرج فوجدها واقفه تستذكر بعض الدروس فرمقها بنظره غاضبه ورحل ؛خرجت آيات مسرعة وهي تبكي متحدثة : 
_ انا آسفة يا  زهرة إني عرضتك لموقف زي ده ؛ مكنش لازم أسألك عن معني الكلمة .
إبتسمت لها بهدوء وأجابتها :
_ ولا يهمك أنا مش زعلانة منك.
،خرجت  بعض الفتيات الاتي كن شامتات لوقوعها في ذلك الموقف وهي كانت الوحيدة بينهن بل في المدرسة جميعها التي لم تتعرض لهذا ؛ نظرن إليها بمكر وابتدأن الحديث :
_ يا حرام دي انصدمت
_ معلهش أصلها كانت فاكرة نفسها أحسن مننا .
كادت آيات أن تجيبهم ولكن زهرة منعتها لكي لا تحدث ضجة تُسبب المشكلات .
انتهي اليوم الدراسي لتتنتهي معه الفترة الزمنية التي تشعرها أنها علي قيد الحياة قبل أن تعود لمنزلها .
..........
فتحت الباب بمفتاح خاص تحتفظ به في حقيبتها ودلفت لتقابلها إمرأة بدينة بعض الشيء وقصيرة القامة تدعي نرجس ، وما إن أبصرتها حتى تحدثت بسخرية :
_ أنتي جيتي يا محروسة ؟
تجاهلت زهرة سخريتها فهي قد إعتادتها وأجابت بخنوع :
_أيوة يا خالتي
_ طب إنجزي يا روح خالتك وخلصي باقي الأكل زمان سي محروس علي وصول .
ضمت حقيبتها لصدرها وكأنها تستمد منها القوة اللزمة وأردفت : 
_حاضر .
دلفت زهرة لحجرتها... كانت حجرتها بسيطة مثلها ،لديها من الأثاث فراش يعافر مع الزمن. خزينة الملابس خشبية متهالكة ،وطاولة صغيرة .
أقفلت بابها جيدا بخوف حقيقي ظهر بعينيها ،ألقت بحقيبتها فوق الفراش ثم أبدلت ثيابها وخرجت مرة أخري لتبدأ أعمال المطبخ ككل يوم .
بعدما شارفت علي الإنتهاء جفلت علي حركة خلفها عرفت صاحبها دون استدارتها فيكفيها ان تستنشق رائحته المقززة التي تصيبها بالغثيان ، أوشكت أن تصاب بالإغماء فور سماعها صوته وحديثه :
_أخ بس لو تلايميني وتسمعي كلامي ، كنت رحمتك من البهدلة دي ، يا بت أنا رايدك شغلي دماغك شوية وتعالي معايا سكة وإنتي تبقي ست البيت بدل ما بتشتغلي خدامة فيه.
كانت تتجنب ملامسة يده لها وتحاول أن تصمد أمام كلماته وتلميحاته وأجابته بصوت جاهدت إظهار القوة فيه :
_ إبعد خليني أخرج يا سعد ز
إقترب أكثر محاولا جعلها تنظر له وهي تتهرب متحدثا :
_يا وعدي علي إسمي ال بيخرج  من بوقك كأنه أغنية عبدالوهاب .
لم تعتد تحتمل تشعر أنها على وشك الإغماء لذا دفعته بعيدا وهي تنهره :
_ لو سمحت مينفعش كده ولو ما بعدتش انا هقول لخالتي نرجس وعمي محروس .
لم يعط تهديدها أهمية بل أخذ يضحك بهيستيرية وهو يتمتم بسخرية :
_ يا حلاوة يا ولاد إنتي بتهدديني يا بت ؟
كانت حقا في تلك اللحظة ترتجف من الخوف فهي تعلم حتي وإن تكلمت لن يفيدها هذا بشيء فقد حاولت قبلا ولكنها لم تنم لعدة لياليٍ من كثرة ما شعرت به من الآلام نتيجة للضرب المُبرح الذي تعرضت له ، فهم لم يهتموا بما قالت وإتهموها بأنها تحاول إغرائه أي أنه الصالح هنا ، همت أن تصرخ عندما وجدته يقترب أكثر منها ولكن صوت نرجس وإن كانت تبغضه أنقذها هذه المرة
_إنت هنا يا سعد ؟
إبتعد عنها سريعا عندما إستمع لصوت والدته ولكن عيناه كانت ترمقانها بتهديد صريح ووعيد إرتجف له جسدها وهو يجيب بنبرة مليئة باللؤم :
_ أيوة يا أما ؛كنت بشوف الست هانم خلصت الأكل ولا لأ .
إنتبهت نرجس لزهرة وهي تتساءل بعنف :
_هو إنتي لسة مخلصتيش يا منيلة ؟
كان السؤال كقارب نجاه لها فأجابتها سريعا بتلعثم :
_لأ --- لأ خلصت أهو ؛ كل حاجة جهزت .
_طب يالا انجري علي أوضتك.
هرولت من أمامهم  لتشعر كأنها الآن تستطيع ان تستنشق الهواء بعدما  نجح سعد في انحصاره داخل رئتيها . وعلي رغم ضيقها من عدم تناولها لشيء وشعورها بالجوع الشديد وعليها الآن انتظارهم أن ينتهوا من تناولهم الطعام لتستطيع أن تناول اللقيمات الفائضة  التي لا تسد جوعها ولكن تبقيها علي قيد الحياة فهي ممتنة لحجرتها التي تضمها بعيدا عن أنظاره وحديثه .
...
في المساء /
أنهت زهرة جميع أعمال المنزل وقامت بالإستحمام لتشعر برخاء جسدها بعد عملها الشاق وما أن لبِست جالسة تمشط شعرها حتي وجدت باب حجرتها يفتح علي مصراعيه
شعرت برجفة وخوف عندما وصل إليها أنها نسيت أن تغلقه بالمفتاح علي غير العادة ،وها هو أسوأ كوابيسها يقف أمامها يترنح من أثر تلك المواد المخدرة التي يتناولها لتبتلع ما في جوفها برعب حقيقي وجسد متجمد وهي تستمع لنبرته الكريهة :
_ مساء الخير يا جميل
.......................
‏وحدهم من يقرؤن داخلك من يستطيعون التغلغل داخلك فالروح تنادي الروح
وإن كانت العين ترى شيء فعليها التيقن منه بالعقل إن لم يكن بالقلب فربما لم يدق القلب بعد طربا بعشق أحدهم .
‏يوم دراسي جديد مر علي الجميع كالعادة ولكن ليس لها هي ،فبعد ما عاشته ليلة أمس مازال جسدها يرتعد من الخوف وعقلها مسلوب الإرادة لا يدعها تنعم بالهدوء أو حتي تفهم كلمة واحدة مما تلقته اليوم ،غارقة في أفكارها لدرجة أنها لم تشعر بالواقف أمامها يصرخ بها : 
‏_لاااااه كده كتير إنتي جاية تنامي هنا ؟
‏جفلت زهرة علي اصطدام أحد الكتب فوق رأسها لتنظر ببلاهة له وكأنه برأسين تحاول إستيعاب ما يتفوه به :
‏_مش كل يوم هنضيع وقت زميلاتك بسببك، إنسانة مستهترة زيك أحسن ليها تفضل في بيتها ، المدرسة مش للنوم ن إما تفضلي مركزة وتتعلمي إما تخليكي في بيتك وتنامي .
‏لم تستطع أن تتمالك ذاتها فجاء توبيخه سببا كافيا  لتنفجر باكية وهرولت للخارج تحت نظرات التعجب من كل من يراها ولكن لما التعجب ؟! ألأنها لا تظهر ضعفها أمام أحد ؟أم لأن الجميع يعتقد أنها تعيش بأفضل ما يكون ؟!فهي المتفوقة صاحبة السمعة الطيبة محبوبة الجميع من أساتذة ،ولكن كم أن المظاهر خادعة ؟.
‏هبطت لحجرة الأخصائية الإجتماعية كعادتها كلما تمر بشيء يرهقها حد الشعور بالتيه ،تجلس معها تبكي وتفيض بما  داخلها  علها تشعر بالتحسن بعدها .
وبمجرد رؤيتها ألقت بنفسها داخل أحضانها علها تستنشق رائحة والدتها بها .
أخذت تلك السيدة الفاضلة تربت على ظهرها بحنو قائلة :
‏_إهدي يا زهرة وإتكلمي معايا يا حبيبتي .
‏و لتجعلها تتشجع وتقص ما حدث معها أغلقت الباب عليهما
أمسكت يدها تربت عليها بهدوء أومأ برأسها تشجيعاً لها بأن تفض أوجاعها...لتستجيب لها بتوتر وخوف : 
‏_ک....كان هيضيعني .
قطبت جبينها بخوف خشيت إجابته المتوقعة وتساءلت :
‏_ هو مين ده ؟!
أجابتها من بين شهقاتها بألم :
_سعد ، كان .. كان هيغتصبني .
.........
مرت أربعة أيام آخري يوما تلو الآخر وكانت حالتها النفسية تزداد سوء يجعلها تتقوقع وتتجنب من حولها أكثر فأكثر وخاصة عندما يحين موعد عودتها من المدرسة ،كانت تحاول تجنبهم قدر الإمكان بعدما حدث تلك الليلة ، حتى الطعام لم تكن تتناول سوى بعض الماء وظهرآثر ذلك  والإرهاق جليا على وجهها وجسدها ، أحيانا لا تُصدق أن القدر وقف معها وأنقذها حينما إستطاعت الهروب منه بدفعه عدة مرات إلى أن نجحت وإستطاعت الخروج من الحجرة مهرولة ظنا بأن أحدهم سيشعر بها وينقذها من براثنه فهرولت ليحاول اللحاق بها فتدفعه ثانياً بقوة أكبر فيقع أرضاً وتعود هي مسرعة لحجرتها وتغلق بابها جيدا سقطت بعدها أرضا تبكي بقوة جعلتها تشعر باليتم مرات ومرات فلو  كان أبواها  على قيد الحياه كانت ستعيش في كنفهم وحمايتهم
مرت الليالي عليها تظل طوال الليل تحاول بشتي الطرق أن لاتغلق عيناها للنوم رغم تأكدها من غلق بابها جيدا بالمفتاح ووضع كرسي خشبيا ورائه فكم إحتل الخوف روحها ليجعلها تأن وتنزف دموعا حارقة،فليست عيناها فقط من تذرفها فبكاء الروح أشد مرارة   ، عيناها المتورمتان تدلان علي مدي صراعها الداخلي والخارجي .
..........
أسبوع جديد /
لاحظ جميع من بالمدرسة من مدرسين وطالبات تغيرها الملحوظ فهي لم تشارك في أي من نشاط المدرسة الدراسي ولم تتفاعل بأي شكل ، كانت متواجدة بجسدها فقط .
كانت جالسة بهدوء في الحجرة الدراسية في فترة الإستراحة تحاول جاهدة إستحضار ذهنها لتستذكر دروسها فمحاولة منها تعويض ما فاتها وإشغال عقلها إلى أن وجدت إحدي زميلاتها تُطالبها بالذهاب لحجرة مدير المدرسة ،توجهت إلي هناك وهي تفكر في الشيء المطلوبة لأجله دلفت للداخل بعد الطرق والإستئذان لتتفاجأ بعدة مدرسين ومن بينهم أستاذ نبيل وأستاذة سهر ، تعجبت من الأمر ولكن لم تهتم كثيرا ولكنها ليست الوحيدة المتعجبة فكان هو أكثر تعجبا من أن تكون تلك الفتاة المستهترة من وجهة نظره مثال الأدب والأخلاق والتميز الدراسي من وجهة نظرهم والتي استمر حديثهم عنها منذ ما يقرب النصف ساعة .
وجهت عيناها إلى مدير المدرسة وتساءلت يأدب :
_السلام عليكم ،حضرتك طلبتني؟
_أيوة  يا زهرة تعالي ،دلوقتي إنتي عارفة إن السنة دي في مسابقة بينا وبين مدرسة البنين تحت إشراف الوزارة صح ؟
أماءت له بالإيجاب وهي تجيبه : 
‏_ أيوة عارفة ،حضرتك قولت عليها أول السنة .
تبسم لها مشجعا وإستكمل :
‏_ وإنتي باعتبارك الأولي في مدرستنا لازم تشاركي .
لم تستطع بأن لا تشعر بالفخر فأجابته مبتسمة : 
‏_ إن شاء الله
‏_ أنا حبيت أفكرك بنفسي وأقولك إن مدرستنا معتمدة عليكي إنتي وزميلاتك للفوز ، المسابقة دي مهمة جدا بالنسبة للمدرسة في ترتيبها على مستوى الجكهورية ، ده غير إن هيبقى في وفد من الوزارة موجود فلازم تبذلوا كل جهدكم  أنا واثق إنكم قدها .
‏_إن شاء الله نبقي عند حسن ظن حضرتك .
‏_ تمام يا زهرة إتفضلي إنتي وفي وقت الاستراحة بعد كده تعالي المكتبة أستاذ  نبيل هيساعدك في المادة ال بيدرسها وأستاذ جمال كمان هيكون موجود في حالة إنشغال أستاذ نبيل .
‏_ حاضر،بعد إذنكم
‏نظرت زهرة للسيدة سهر نظرة إمتنان فيبدو أنها طلبت من المدير هذا الأمر ،فزهرة تعاني من مشكلة في دراسة الإنجليزية وكم رغبت بالتفوق بها كمثيلتها من المواد،ذهبت إلي حجرة دراستها وبداخلها تولد الأمل مجددا للخروج من المستنقع المسمى بالمنزل إلي النور بتفوقها الدراسي ، فطريق التفوق بات قريبا .
.........
‏بعد إنتهاء إجتماع المدير والذي ناقش فيه كل ما يخص أمور المدرسة .
_سهر إستني.
نظرت خلفها متسائلة :
_في حاجة يا نبيل ؟!
أجابها بإندفاع متسائل هو تلك المرة :
_البنت ال اسمها زهرة دي إيه حكايتها ؟أكيد عارفاها كويس ،  وليه طلبتي أدرسلها في وقت الراحة ليه هي بالذات ؟
نظرت له بتعجب ترجمه سؤالها :
_ غريبة بتسأل ليه ؟! مش انت وافقت وخلاص ؟!
ظهرت الحيرة في كلماته وهو يجيبها :
_ لما أشوف جميع  المدرسين حتي مدير المدرسة بيرشحوها تكون أول المشاركين بالمسابقة وكله بيأجمع علي أدبها وتفوقها وانا الوحيد ال مش شايف كده يبقي أكيد في حاجة غلط ، فقولت أسألك خصوصا إنك اتحمستي ليها جدا .
هدأت نبرة التعجب وإسترسلت :
_ طب ليه قولت إنها مش مناسبة ؟!
أخذ يعد لها أسباب ما يراه منها بنبرة مستنكرة :
_ دايماً سرحانة ومش منتبهة ، مافيش أي مشاركة ليها نهائي بأي شكل.
تنهدت سهر بأسى وشفقة وتحدثت بقلة حيلة :
_ الفترة ال فاتت كانت بتمر بمشكلة في البيت أثرت عليها وعلي نفسيتها ، ده غير إنها مش بتحب الإنجليزي ،صدقني لما تعرفها هتفهم إنها بنت مجتهدة ومؤدبة جدا ، زهرة تستحق فرصة وإنك تبعد سوء ظنك ده ، بنت مجتهدة فعلا رغم كل الظروف إل بتمر بيها بتهتم بمذاكرتها وتجتهد بكل طاقتها علشان توصل لمرتبة عالية ، لما تبدأ تعرفها عن قرب هتفهم هي قد إيه تستاهل إني أتحمس لها .
زاد تعجبه من دفاعها المستميت ولكنه أثر السكوت وقول كلمة واحدة تحمل بين حروفها الشك :
_ممكن .
تجاهلت نبرة الشك وتساءلت بمودة :
قولي أخبار بابا الحج ايه؟
_كويس الحمدلله، بس طبعا زعلان منك بقالك مدة مزورتيهوش .
إبتسمت بود قائلة :
_قريب إن شاء الله هروح البلد  وهبقى أزوره ، أنا بفكر في حاجة كده ولو المدير وافق هتبقى فرصة كويسة .
تساءل بتعجب بربط ذهابها لبلدهم بمدير المدرسة :
_حاجة ايه؟
_ ولو إن مش وقته، بس أنا بفكر إن البنات إل هتشارك في المسابقة وغيرهم من البنات المتفوقة في الدراسة يطلعوا رحلة كتقدير من المدرسة ليهم ويبقي حافز ليهم وتكون الرحلة دي للبلد .
ظهر الإعجاب بما قالته جليا على وجهه وهو يردف :
_فكرة حلوة وانا ممكن أكلم الجماعة يجهزوا  لهم الضيافة ليومين تلاتة
_ ياريت وأهو  بالمرة يشوفوا الزرع والناس هناك عايشين ازاي هتبقى فرصة يشوفوا بيئة مختلفة عن بيئتهم .
ضحك بمرح وهو يسترسل الحديث معها :
_ الحقيقة هتبقى فرصة ليا أنا .
أكمل بعدما رأى نظرات التساؤل بعينيها :
_ إنشغالي بالرحلة والبنات دي هتبقى فرصة أهرب من الخناقة إل منتظراني .
فهمت سهر ما يرنو إليه فتحدثت ضاحكة :
_ ما هما بردوا يا نبيل معاهم حق ، نفسهم يفرحوا بيك ويشوفوا ولادك .
ظهرالحنق على وجهه وهو يوضح شارحا :
_ سا سهر أنا قولتلهم إني مش عاوز أتجوز وخلاص ، أنا عاوز أقلاقي إل أحس إنها هتبقى شريكة لروحي قبل حياتي ، مش عاوز أعيش زي أبويا ما بين العقل والقلب وصراع كل شوية .
تبسمت سهر بمحبة صادقة وأردفت :
_ هو في زي بابا الحج ، ربنا يوفقك ويحققلك أملك عاوزين نفرح .
_ إن شاء الله كله بآوانه .

زهرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن