الفصل الحادي عشر (بداية جديدة)

498 36 37
                                    

الفصل الحادي عشر /
أحبك حب النفس للبقاء
وأشتاقك شوق الصحراء للماء
لقاؤك شافي ، فيؤنسني معكي  حتي إن مت بينما أسابق الطيور وأغوص بك في البحور ، فأنا أكتفي ولا أكتفي منك يا من سكنت الروح .
..............
تململت بإنزعاج لتفتح عيناها  بعد بضع ثوان من تململها .
كانت رؤيتها ضبابية ،تسمع أصوات عدة ولكن لا تستطيع التمييز  تائهة في أحلام اليقظة فمن المستحيل أن يكون إحتضانه لها واقعيا ،أصوات بكاء جعلها تستقيم من نومتها بفزع تبحث عن أطفالها في وسط الخيالات التي تراها .
كانت تشعر بأحدهم يمسك بيديها فنظرت بجانبها لتتضح الرؤية شيئا فشيئا ....وبدأت تسترجع الأحداث
ولكن هل رؤية العين هي من أوضحته أم بصيرة القلب.
وجدته نائم بجوارها فوق فراشها ، فعلمت أن ما عاشته واقع يطيب آلامها ،رأت وليد يقوم بإعطائه إبره ما .
ذعرت وارتجفت قلبها خوفا عليه لتهدر بقلق :
_ماله ؟...إيه الإبرة دي ؟
أجابتها نبيلة بكره إستشعره الجميع :
_بسببك ..إنتي السبب في ال هو فيه دلوقتي .
وكالعادة أسكتها صراخ زوجها بها :
_يا شيخة إتقي ربنا بقي وإرحمينا .
نظرت زهرة بعيون دامعة لأخيها ليجيبها بهدوء :
_ده علاج السكر ، نبيل عنده إغماءة سكر .
شهقت بفزع لتسأله بصوت مهزوز :
_طب ...طب هو كويس.
ربت على كتفها بحنان مردفا:
_شوية وهيفوق إن شاء الله ...أنهي جملته وبدأ نبيل في الإفاقة حقا لتقول حورية بمواربة :
_يالا يا جماعة خلونا نخرج نستني بره.
كادت نبيلة أن تعترض ولكن نظرات زوجها التحذيرية أخافتها لتستجيب لهم .
لم يرد الطفلان الخروج فقد كانا يبكيان فتركهم وليد معهم وأغلق الباب عليهم وتمتم بتمني  :
_لو تفضلوا لوحدكم بعيد عن الكل وتعيشوا مرتاحين .
فتح عيناه بنظرة خالية من الحياة فقد كان يظن ان ما حدث ليس سوي حلم فقط وأن اغماءته نتيجة الإجهاد كما كان يحدث منذ سنوات ولكن ......
لما يشعر بأنفاسها .....؟ لما يديه قوية لهذا الحد ؟!! 
أنزل عينيه لإتجاه زهرة ليجدها جواره تنظر إليه بلهفة وهناك طفلين يناظرانه بإبتسامه وبقايا دموع عالقة بعينيهم، حرك يده ليتأكد فوجدها متشابكة مع خاصتها ،الآن علم لما يشعر بالقوة فيكفيه لمسة يدها ليصبح أقوي .
نهض بلهفة وبحركة سريعة جذبها لترتمي بأحضانه ووجد طفليهم ينضمان لهم ويحاوطانهم فكان الوضع كالتالي
زهرة  داخل أحضانه  وهو داخل أحضان طفليه .
دقائق كانت تضاهي عمرا كاملا
الآن حبيبته بين ذراعيه ،حبيبته علي قيد الحياة ،معشوقته غفرت له من بعد الآن لن يفترقا ،عذاب سنوات إنتهي ،جفاء روح إنتعش بوجودها ويا لرضا ربه فقد أطعمه نبتتين منها لذا فليمحوا الماضي الأليم .
أبعدها قليلا ليجذب الصغيران يقبلهما فوق كل إنش بوجهيهما  وصوت ضحكاتهم يطهر عذاب أبويهم.
إحتضنهما بقوة وخرج صوته مشحونة بمشاعر كثيرة :
_عذابنا السنين ال فاتت يهون بعد ضحكتهم دي.
‏ذنبي في حقك وذنبك في حقي يتبخر جوانا بحضنهم ده .
‏أومأت له ودموعها تنهمر دون توقف لتضيف :
‏_تعرف إن عبدالرحمن شبهك في كل تفصيلة .
‏إبتعدت حور عن أبيها بغضب تنظر لوالدتها بحنق وغيرة وتقول :
‏_لأ أنا إلى شبهه .
‏تحولت دمعاته إلى ضحكات صاخبة وهو يري شبيهة والدتها حتي بغضبها ،لينظر لزهرة ويردف بمشاغبة :
‏_بتفكرك بحد .
‏نظرت له بغضب طفولي لم يغب عنها وكأن هذا وقته فلم يستطع التماسك ليجذبها إليه ينهل من شهد شفتيها
‏كانت تريد التمنع ....كانت ترغب في البعد ...كانت تشعر بالإحراج أمام أطفالها .....كانت.......حقا ؟؟؟
‏لما الكذب الآن ؟
‏إقتطفا من الزمن بضع دقائق ليستحضروا حبهم الوليد في أولي لمساته وصولا لعشقهم حد النخاع .
‏فاقا من دوامتهم علي صوت ضحكات أطفالهم ،ليبتعدا ويحتضناهم بقوة عل أرواحهم تتشبع بما حرموا منه طوال سنوات البعد .
....
بينما في الخارج /
كانت الأجواء مشحونة بحق ، نظرات الجميع كان بها الترقب ، فأراد أمير تخفيف التوتر فأردف بمزاح :
_ شايفين أنا وشي حلو عليكوا لازم تتمموا الجوازة بقى بسرعة مكافأة ليا .
ضحك الجميع بينما نظرت له نبيلة بغضب ، فأردف عبد الرحمن:
_ جوازتك وفرحك وبيتك هدية مني ليك ومش بس كده انت كان نفسك تسافر تدرس بره هعملك ال انت عاوزه ومعاك نيڤين كمان وس السعد دي .
إبتسمت نيڤين بخجل بينما قال ممدوح :
_ ربنا يعطيك الصحة يا حج .
نظر أمير لوالده بتوجس بأن يعترض أو يتضايق من حديث جده ولكن وجده يبتسم له بهدوء ثم تحدث :
_ كلامك أوامر على راسنا يا حج ، ربنا يخليك لينا ، مقدرش أقول حاجة بعد قولك .
نظر له عبد الرحمن بفخر أبوي مردفا:
_طول عمرك محترم وابن أصول ، وأنا لو ضايقتك بكلامي أعذرني أنا عارف إنك قدها ، لكن من فرحتي عاوز أعمل حاجة تفرح أمير بعد ما كان السبب بعد ربنا إن الفرح يدخل قلبي تاني .
أماء له قائلا :
_ العفو يا حج إنت كبيرنا .
قفز أمير من مكانه وإقترب من جده متحدثا :
_ خلاص يا حجوج قول لعمو ممدوح يعجل بالجواز ، ياعني علشان نبدأ في تحضير ورق السفر .
سأم حمدي مما يحدث فتحدث بحنق :
_يابني متركز شوية ، عمك ممدوح بدل ما يعجل بالجواز ممكن يلغيه خالص بسبب حركات العيال دي .
توتر أمير وشعر بالحرج فأردف وليد بمحبة :
_ أمير رجل يعتمد عليه ، أبوه مربيه على الأخلاق ، والاستاذ ممدوح ميضايقش من لهفته على الجواز بالعكس يفرح ويطمن على نيڤين ويعرف إنها هتتجوز واحد بيحبها وهيحافظ عليها .
ناظره أمير ووالده بإمتنا بينما نظر له ممدوح بإحترام قائلا :
_ ونعم التربية ، الحقيقة أنا لو كان جوايا ولو شك أو قلق ، بعد الكلام ده وبعد ما شوفت لهفته دي إطمنت ، أنا كنت شايل هم بعدها عني أنا ماليش غيرها هي واخواتها لكن دلوقتي بعد ما عرفت إنها هتكون قريبة من أم عبد الرحمن قلبي إرتاح .
أماءت له حورية بتفهم وأردفت :
_ بنتك هتكون في عنينا يا أبو أحمد متقلق .
إقتربت نبيلة من ابنها وتمتمت بسخط:
_ هي المقابلة دي هتخلص إمتى؟
همس لها بسخرية :
_ لما يبقى إبنك يخرج ويطل علينا هو والبرينسيسة .
زاد غضبها وظهر في همسها:
_ كنت فاهمة إني ارتاحت منها ، رجعتلي ومعاها مصيبتين هيربطوها بينا طول العمر .
أخذ الجميع في التحدث بأحاديث جانبية وبعد ما يُقارب الساعة /
‏أطلوا عليهم بصورة تخطف الأنفس من السعادة ،،ولمن بالطبع الأنفس المحبة وليست الحاقدة
‏وقف عبدالرحمن بلهفة لتتحدث زهرة لأطفالها :
‏_روحوا سلموا علي جدو .
‏وبالفعل إنصاعوا لها فرحين فكم غذت أرواحهم بحب هذا الرجل كلما أرتهم صورة أبيهم  وكأنها تحفره في أذهانهم وتوطد علاقتهم الوثيقة .
‏مرت الساعة التالية بين تعارف الأطفال علي عائلتهم وعلي الرغم من سعادتها بفرحة أطفالها ورؤيته إلا أنها تشعر بالخوف وملتاعة من خوفها هذا فآخر مرة شعرت به حدث كل ما حدث إذا والخوف الآن أشد ماذا سيحدث
‏هل من الممكن أن تنسي ما حدث من نبيلة ؟
‏هل تغفر وتأمن وجودها بذات المنزل مع حمدي ؟
‏كيف ستعيش مع فيروز ثانيا .....لا والآن هي زوجة أخيها ! متي ؟ وكيف حدث هذا ؟
‏لما نظرات سمية زوجة حمدي تنبؤها بالأسوأ؟
‏لتعترف أنها لا تشعر بالراحة سوي لمني وسلوي وبالطبع حورية البحر.
‏أما نبيل ووالده لو إستطاعت العيش معهم بمفردهم مع أطفالها لتقسم حينها أن السعادة والراحة في الدنيا بيدها .....  ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يحدث .
‏فاقت من أفكارها علي سؤال حورية لعبدالرحمن :
‏__قولي يا حج...إنت ليه متفاجئتش بالعيال ربنا يخليهم ؟
إبتسم عبدالرحمن ونظر لزهرة بسعادة وتمتم :
_لأني كنت عارف إنها حامل .
صدم الجميع ولكن أكثرهم صدمة بالطبع هو الأب الذي حرم من هذه السعادة ليردف بعتاب :
_عارف ومتقوليش يا حج ؟!
نظر له والده وأخرج تنهيدة عميقة ليزيح حمل عبء سنوات فلطالما شعر بالقهر بفقدانها ومعها حفيده ولا أحد يشاركه ألمه فاسترسل :
_أقولك أيه ؟إنت شوفت حالتك كانت ازاي ؟
كنت منهار لما عرفت إنها مشيت وهتروح منك و لما قالوا ماتت شوفت جرالك إيه،مستني مني ايه أقولك إن مش لوحدها ال ماتت وحته منك راحت  للمرة التانية  .
_أستغفر الله العظيم ...أردفت بها نبيلة بحدة
لتقابلها نظرات عبدالرحمن الغاضبة
شعرت مني أن الأجواء أصبحت مشحونة فأرادت تهدأت والدها وإستمالته للحديث لتقول :
_طب قولنا عرفت ازاي؟
أومأ لها ليبدأ في قص ما حدث ذلك اليوم عام ١٩٨٨.
آخر يوم لزهرة معهم ، يوم فراقهم ، عندما كانت جالسة مع عبد الرحمن في مكانهم المعتاد .
ظل ينظر لها بحيرة فما يمكن لان يكون الموضوع الخاص بإبتته ليردف بتساؤل قلق :
_بخصوص !!مني خير ؟
ترددت وتوترت فهي وإن كانت تعتبره والدها ، كيف تفاتحه في هذا الحديث ، ولكن من أجل سعادة منى ستفعل لذا أردفت :
_أصل....في واحد عاوز يتجوزها .
تعجب من حديثها بداية ثم نظر أمامه وأردف:
_واحد عاوز بنتي ومكلمنيش أعمله ايه ياعني؟
استطاعت جذب اهتمامه بقولها :
_ماهو عاوز يكلمك ويدخل البيت من بابه.
نظر لها بتفحص وتساءل :
_مين هو يا بنتي وعرفتي إزاي ؟
إحترمت زهرة كلمة بنتي وقصت عليه ما قالته مني عن زميل لها بالجامعة من بلد مجاورة يريد التقدم لخطبتها وهي تريده أيضا ، ليقول بتفهم :
_علي خيرة الله يا بنتي ولو هو راجل زين ليه لأ ؟
سعدت كثيرا ولمعت عينيها ببريق السعادة وتساءلت بفرحة :
_بجد يا بابا الحج ؟يا عني مش هتعترض ؟
_وأعترض ليه ؟لو خبط علي الباب يبقي أديلهم فرصة قولتلك قبل كده أن بقدر الحب بس بالأصول .
أمسكت يده تعبيراً عن إمتنانها وأردفت :
_ربنا يخليك يا بابا يارب .
سعد كثيرا بسعادتها لإعطاء موافقته وكأن الأمر يعنيها ، فكل يوم يتأكد أنها تمتلك قلبا نقيا .
وقفت لترحل فشعرت بالدوار وجلست سريعاً ليتساءل بقلق:
_مالك يا بنتي ؟
نظرت له لبضع ثواني ثم اقتربت منه أكثر وقالت بصوت هامس خجل بما جاش صدرها منذ عدة أيام:
_يظهر إن ربنا عوضنا يا بابا جدو .
تهلهلت أساريره ليحتضنها بحب أبوي ويردف :
_متأكدة يا بنتي ؟
إبتسمت بتمني قائلة :
_إن شاء الله يا بابا بس كنت عاوزة أروح للدكتورة أتأكد .
وقف وجذبها معه متحدثاً:
_وإيه ال  يمنع يالا بينا .
عام ١٩٩٣ /
روحت معاها والدكتورة أكدت الحمل وساعتها وعدتني لو ربنا رزقها بولد هتسميه عبدالرحمن ولو بنت هتسميها حور.
تبسمت زهرة للذكري ونظرت لعبدالرحمن بفخر فهو لم يذكر محادثتها عن مخاوف مني  لرفض زميلها لأنه من أسرة فقيرة جدا حفاظا علي مشاعره وعدم تعرضه للحرج أمامهم .
تذكر نبيل طاولة العشاء وما كانت ترتديه وعلم بنيتها للاحتفال ليدور سؤال في ذهنه لما تركت الغرفة بهذا الوقت وهذا الشكل ؟ نظر لها ليري لمحة من الحزن بعينيها فظهر الندم جليا علي وجهه لتنظر له بإبتسامة مفداها نسيان الماضي والبدء من جديد .
.....
عام ٢٠١٨ /
أغلقوا الدفتر ككل مرة مع إشراقة الصباح ولكن الشعور بداخلهم مختلف
‏بدايه قراءتهم كانت فضول لمعرفه احداث الماضي، وبعد ذلك كانوا يتألمون  لما عاشته والدتهم ،اما الأن  بداخلهم شعور  لا يستطيعون وصفه.
‏ارواحهم ترفرف  من فرط المشاعر التي قرؤها ، يشعرون بقيمتهم فقط لانهم نبتة هذا العشق .
‏نظرت حور لعبدالرحمن لتسأله بتردد :
‏_تفتكر حب زي ده  لسة موجود ؟
فكر قليلا وأردف :
‏_علي أساس إنه كان موجود في بيت كل الناس ،تعرفي أنا بحس إن الحب إتوجد ليهم هما ،كل كلمة قرآناها  حتي في عذابهم وفراقهم ليها إحساس .
أماءت له بإبتسامة قائلة :
‏_فعلا ...قد إيه مشاعرهم نقية وجميلة .
امتلأت عيناه بالدموع وتمتم :
‏_ربنا يرحمهم .
‏إحتضنت دفتر الذكريات وآمنت على دعاؤه وكعادتهم تجهزوا وذهبوا لعملهم .
.........
في المشفى /
مرت ساعتان قبل أن تدلف لحجرته.
كان ينتظرها ولكن يصطنع عكس ذلك وها هي أمامه ، بعدما إقتحمت غرفته دون إستئذان علي غير العادة .
نظرت له بجمود وأردفت:
- في حاجة حصلت وأنا....
فهم ترددها فنظر لعينيها مباشرة وبإماءة من رأسه يحثها على الكلام ، لتجلس على الكرسي وتقص له ما حدث .
( في وقت سابق )
عند وصولها المشفى رأت الطبيبان ذاتهم ذاهبان بإتجاه المستودع ، أثاروا الشكوك بداخلها لكثرة إلتفاتتهم المتكررة ليتأكدوا أن لا أحد يتبعهم .
دلفت لمكتبها بحيرة أتخبر أدهم أم تذهب لتري ما يحدث أولا..
أهدتها نفسها بالذهاب لتتأكد من أمرهم بداية .
وصلت المستودع لتتفاجأ برجل وإمرأة واقفون عند الباب الخلفي ويبدوا عليهم إنتظار شيء.
تقدمت منهم ليظهر الإرتباك جليا عليهم لتردف بمكر:
- الدكاترة وصلوا جوة ولا لسه ؟؟
تنفسوا الصعداء وظهرت على وجوههم الراحة ليخبرها الرجل:
- أيوة يا دكتورة جوة والبنت معاهم.
نظرت لهم بشك وصدمة مما خطر بعقلها لتردف المرأة بتساؤل قلق :
البت مش هتتعب من العملية صح يا دكتورة ؟
نهرها زوجها قائلا :
_ ‏إيه يا ست إنتي هتتعب من إيه دي هتبقي عفيفة.
عاتبته مردفة:
_ في إيه يا متولي بطمن ياخويا دي البت إلى حيلتنا .
توجهت حور بغضب وقامت بفتح الباب بقوة ثم دلفت بهدوء لتري ما سلب عقلها وأطاح بها لحافة الهاوية.
.......
توقفت حور عن السرد فجأة ،وشعر أدهم أنها تتحامل  علي نفسها فهناك مرارة بحلقها .

ليجلس بهدوء قبالتها علي حافة الفراش ويتساءل بهدوء يحمل بين طياته غضب مستتر :
_ختان !؟
رفعت أنظارها له ليصدم عندما رأي كاحليتها ملبدة بالدموع لتقول بألم :
_ياريت علي قد كدا .
إرتبك من لؤلؤها ونبرة صوتها ولكن أرهبه جملتها ليهدر بنفاذ صبر :
_شوفتي ايه ؟؟
......

وقفت مصدومة لا تعي حقا ما تراه هناك بالركن البعيد الخالي إلا من فراش رث ترقد فوقه فتاه لا يتجاوز عمرها بين الثانية عشر والخامسة عشرة لا حول لها ولا قوة ،وطبيبان ....عفوا ،شيطانان يتناوبون علي إنتهاك براءتها .
ألا يكفيهم جرم واحد في حقها ...ليجرمون  واحد تلو الآخر بحقها أبشع الجرائم.
لم تحتمل ما تراه...لا تعرف كيفية التصرف ..؟
فهي إن صرخت أو إفتعلت إظهار نجاستهم ليسوا فقط من سيتعرضون للأذية بل كل المشفى ..ووالدا الفتاة ..حقا تشعر برغبة جامحة لتعنيفهم والقصاص منهم أولا فهما من عرضاها لهذا ووضعاها بهذا المكان.
ولكن عليها التفكير في مصلحة الفتاه فهي أشد المتضررين.
إستغلت عدم إنتباه أحدهم لها وخرجت مرة أخري ، فلقد تأخرت كثيرا ويبدوا أنهم إنتهوا منها  قبل قدومها وإلا لم تكن لتفكر بعقلها.
خرجت هائمة على وجهها ، تشعر بالإختناق وإنحصار الهواء عن رئتيها.
ظلت تجوب حجرتها بغضب ليس له مثيل ..لا تعلم وجهتها للنيل من هؤلاء الأمساخ البشرية وإتيان حق هذه الفتاه والأخريات فمن المؤكد أنها ليست الوحيدة .
خرجت من الحجرة وبداخلها إصرار وعزيمة على الإنتقام والثأر ..الثأر للطفولة..الثأر للمرأة.. الثأر للشرف والإنسانية.
وجدت نفسها أمام حجرته لتقرر البوح له عن كل شيء.
.............
أجهشت في البكاء فور الإنتهاء من سرد ما حدث ، فهي شعرت نفسها ضعيفة ولم تستطع حماية فتاة صغيرة من براثن الثعالب .
أما هو فكان كالبركان عيناه شديدة الإحمرار ، عروقه بارزة بشكل يجعلك تقسم أنها على وشك الإنفجار..
وما زاد الطين بله عندما إستمع لها من بين شهقاتها تسترسل:
- دول كانوا ماسكين كاميرا ...ياعني صوروا كل حاجة دول كلاب سعرانة والمفروض ينساب عليهم كلاب تنهش فيهم.
أن تشعر بأنك مقيد ولا تستطيع التحرر من قيودك الهاويه هو تمزق الروح الى اشلاء ،ينزف القلب من ضعفه ، عجز كلامها عن وصف ماتعايشه جعلها تشعر بالإختناق فنظرت لمن يقف امام النافذه بسكون، لا تعرف أتغضب منه ام ماذا ؟؟
وقفت بعد  أن تمالكت نفسها وازاحت دمعاتها واقتربت منه واردفت بتساؤل:
_ناوي على ايه؟ لو مش هتتصرف هبلغ دكتور عبد السلام وهما جنوا على نفسهم واثبتوا جرايمهم بالكاميرا و...
قطع إسترسالها للحديث شكله وهيئته المخيفه بعد ما التفت لها ليواجهها.
نظرت له بابتسامه جعلته يتعجب قبل ان تذهب من امامه وتمتم:
_هما فعلا جنوا على نفسهم
.........
ها هو بالعمل ولكن عقله وقلبه غائبين يشعر بالاختناق وكل ما مر عليه هو وشقيقته تراكم بداخله ،كان يظهر بمظهر القوي لكي لا  تضعف هي ولكن إثنينهم أضعف بكثير مما هم عليه الآن.
كان منغمس في افكاره حتى قطع خلوته مع نفسه طرق على الباب ليسمح للطارق بالدلوف ليجده كبير الاطباء دكتور عبد السلام .
وقف مرحبا به متسائلا:
_اتفضل يا دكتور ...خير ..؟!
جلس عبد السلام قائلا:
_خير طبعا ان شاء الله ...
.......
مر باقي اليوم في الروتين المعتاد مع اختلاف تكدس الهموم والافكار اكثر بداخلهم عادوا إلى منزلهم وما ان دلفوا وأبدلوا ثيابهم وأدوا فريضتهم حتى اردفت حور بتعب:
_ بلاش قراءه النهاردة .
تعجب عبد الرحمن كثيرا فهي اذا استطاعت الانتهاء من القراءه في يوم واحد لفعلتها دون الانتباه لإرهاقها ليقول بحيره:
_إنتي كويسة ؟طول اليوم و انت متغيره !
فكرت قليلا ثم اتخذت قرارها بعدم إخباره فلتثق بأدهم قليلا لا تعرف لما تريد اعطائه ثقتها ولكن تود ان يثبت لها استحقاقه لثقتها ،خرجت منها تنهيده قبل ان تقول:
_ إرهاق يظهر اني اجهدت نفسي الفترة اللي فاتت .
لم يقتنع ولكن لن يضغط عليها ،ولكنه يريد الانتهاء اليوم لذا أردف:
_أنا مش هقدر أسافر قبل ما اخلص قراءه والا مش هقدر أركز.....
قاطعته بتعجب متسائلة:
_تسافر ؟؟
جلس وأخبرها في حيرة :
_أيوه دكتور عبد السلام اختارني لتمثيل المستشفى في مؤتمر الوزارة في شرم الشيخ ، بصراحة أنا رفضت في الأول ، المؤتمر هيبقى شهر ودي مدة طويلة إني أسيبك لوحدك .
_أيوه بقى ، بس كده تحضر مؤتمر من غيري، لأ كده أزعل
_ لأ متزعليش
_ لأ أزعل.
ظل يناغشان بعضهم بمرح إلى أن قالت :
_ مدة طويلة إيه بس يا عبد الرحمن الشهر ده هيعدي بسرعة ، ده غير إن ده مستقبلك والمؤتمر ده هيفيدك كتير في حياتك .
أماءة لها موافقاً لرأيها مردفا:
_ هو ده السبب في موافقتي ، شوفت نفسي وأنا بوعد ماما إني أستفاد من كل فرصة للنجاح ، وإنتي بقى مش ناوية تقوليلي مالك ومخيبة إيه عني؟؟
تيقنت حور ان عدم إخباره كان القرار الصائب، فإن علم قد يرفض الذهاب لتجيبه ابتسامه:
_يلا نكمل قراءه انهاردة لازم نخلص علشان نفكر في الخطوة الجاية .
علم أنها تهرب من إخباره فقرر مجاراتها ليجلسا ويشرعا مره أخرى بالقراءة.

زهرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن