الفصل الثاني عشر /
....
عام ١٩٩٣/
((كتبتُ له عشرات الرسائل عنكما وعن إشتياقي إليه..ولكني لم أُرسلها بالطبع، كانت لحظات حنيني إليه حارقة ..فإستشعرت أن رسائلي هي وسيلتي لعِتابه وسماع صوته وضمه وتقبيله...
وهاهو الآن معي ..أمامي وبين يدي ولكن قلبي متوجساً خيفة من القادم ....وكم كرهت هذا الشعور ، حينما وجدت السعادة أخيراً فكنت روحي لما سيحدث بعد تلك السعادة))
الرهبة والقلق مرتبطين بفعل ما هو جديد ،فطبيعة الانسان الشعور بالتردد عندما يقدم على شيء لأول مره... ولكن هذه ليست المرة الاولى لذهابها لهذا المنزل ومع هذا ما زالت الرهبة والقلق يسيطران عليها .
لما تشعر انها على مفترق الطرق الان؟؟!!
راقبت فرحه طفلاها عندما هبطوا من السيارة وراؤا المنزل والحديقة المزهرة.
رأته يضحك كما لم يفعل من قبل... كان كطفل صغير.. تمنت من الله أن يآمن خوفها وأن تعيش مع زوجها وطفليهم في هدوء وسعادة.
تذكرت صغيراها الثالث فهي وان لم تكن من انجبته ولكنها أرضعته.
فعند ولادتها لأطفالها كان لا يزال صغيرا ويحتاج لضمة وحنان أم، وها هي الآن إبتعدت عنه .
لقد آلمها قلبها لبكاؤه وهو يريد ان يذهب معها،ولكن والده لم يجدها مناسبه ان تأخذه معها ووعدها بالزيارة القريبة ، إبتعادها فجأة عنه دون سابق إنذار جعل قلبها يشعر بالسوء ، فقد إضطر هي وولديها العودة في ذات اليوم مع باقي العائلة مع وعد للقدوم مرة أخرى للزيارة وتجميع أشياؤهم.
بقدم مرتعشة خطت داخل المنزل .
تفاجأ كل من يعمل به برؤيتها علي قيد الحياة .
كانت كالشبح...ميتاً عاد من جديد...واقع ظهورها أصاب الجميع بالصدمة
ذيع الخبر في أنحاء البلد بعد وصولهم بأقل من نص ساعة بناء علي طلب الحاج عبد الرحمن وهو يدعوا جميع الأهالي لحضور الحفل الذي سيقيمه احتفالا بعودة زوجة ولده وأحفاده .
طافت الكثير من الذكريات عقلها عندما وجدت ذاتها أمام غرفتهم .
تذكرت دلوفها خلسه أول ليلة لها بهذا المنزل ،وما حدث من نبيلة وفقدانها أول نبتة لهم.
تذكرت ما عاشته معه من حب وعذاب أيضاً.
ولكن أكثر الذكريات ألم هي محاولة حمدي الإعتداء عليها.
شعر بها وبترددها وعيناها الملبدة ليبتلع غصة مؤلمة بداخله قبل أن يتحدث بحزن :
_لو عاوزة تغيري الأوضة مافيش مشكلة .
نظرت له ولطفليه النائمين على ذراعيه فقد رفض أن يحملهم غيره .ثم إبتسمت وكأنها تؤكد له محوها لذكرى إهانته لها
ثم قالت بصدق :
_ تغيير المكان مش هينسينا الذكريات ،أنا عاوزة أبدأ من جديد ،
وعلشان أقدر أستمر لازم أبدأ من عند آخر نقطة.
نظر لكاحليتها المشبعة بالحب والأمل وغرق في حبها من البداية.
قدم لها مفتاح الباب تعجبت لإحتفاظه به ولكن تلاشي تعجبها ليحل محله الفرح عندما فتحت الباب ووجدت الغرفة كما هي وكأنها لم تغب عنها لحظات وليست سنوات.
رائحتها تملأ المكان ،ترتيب الأثاث والفراش كما كانت تفعل.
نظرت له بعيون تملأها الدموع وهو يضع الطفلان فوق الفراش ، كان بداخلها الكثير من المشاعر التي لم تستطع البوح بها ولكن ترجمتها عيناها كالعادة.
ليقترب ويحتضنها بعمق وأردف بعشق :
-مش قادر أصدق إنك بين إيديا وفي حضني.
شعرت به يبكي فإبتعدت قليلا لتواجه عينيه وقامت بإزالة دموعه كما فعل المثل لتقول بصوت متحشرج من البكاء:
- خلينا ننسي ونبدأ من جديد علشان عبد الرحمن وحور .
نظر للطفلين بسعادة وأردف:
- تعرفي حاسسهم حلم خايف أصحى لحظة يختفوا ،أنا مقدرش أبعد عنكم تاني .
إبتسمت بسعادة متمتمة :
-ربنا يخليك لينا يا حبيبي وتفرح بيهم .
إقترب منها مداعبة أرنبة أنفها قائلا:
-ونخاويهم... عاوز منك عيال كتير عاوز أعيش معاكم كل اللحظات ال إنحرمت منها ، أشوفهم أول ما يتولدوا أشيلهم بين إيديا وأعلمهم المشي والحب قالها بعبث مرح لتغمض عيناها بألم قائلة:
- ربنا قدر إنهم يبقوا آخر أطفالنا.
عقد حاجبيه بتعجب لتسترسل بعد جلوسها فوق الأريكة :
- صحياً حالتي كانت متأخرة بعد الولادة وإستأصلت الرحم.
إنقبض قلبه بألم وهو يستمع لها ليجلس بجوارها قائلا بندم:
- أنا السبب ، ضيعتك من إيدي سنين وأذيتك ، لو كنت سمعتك الأول ، لو كنت أديتك فرصة تدافعي عن نفسك كانت حياتنا إختلفت .
إقتربت منه ممسكة ذراعه متحدثة بأمل :
- حبيبي عاوزة أنسي ، أنا تعبت نفسي أرتاح ، مش إنت بس إل غلطت ، أنا كمان غلطي يمكن كان أكبر ، كان لازم أعرفك الحقيقة ، بلاش نتكلم في إل فات أكتر من كده وخلينا نبدأ من جديد .
تناول كفها بين كفيه يحثها قائلا:
-زهرة إحليلي .
تعجبت وتساءلت:
- أحكيلك إيه؟؟
نظر بداخل عيناها يريد أن يستشف ما بداخلهم لذا وبكل تمهل تساءل :
-خرجتي ليه يومها وروحتي عند وليد ؟
أنا مش قادر أصدق إنك بعد ما جهزتي نفسك وجيبتي العشا هنا علشان نحتفل تسيبي الأوضة كده .
توترت...إرتعشت أوصالها بتذكر ما حدث فتذكره في نفس المكان أمر مختلف ، ولكنها لا تستطيع أن تقول له الحقيقة لذا كذبت عليه كما فعلت من قبل مع أخيها:
- كنت خايفة من صوت الرعد .
رأي خوفها...توترها...وكذبها فتيقن أن هناك المزيد في جبعتها ولكنه سيتمهل هذه المرة.
أرادت صرف إنتباهه عن هذا الحديث لتردف:
_عبد الرحمن وحور متعودين يناموا جمبي .
تفهم قلقها فقال بحنان:
- ومين قالك إني هبعدهم ، أنا نفسي أخليهم في حضني ليل ونهار ..عاوز أعوض كل إل فاتنا.
لمعت عيناها ببريق الحب وتمتمت في غنج:
-هما بس..
تبسم بحب وإسترسل:
- تعرفي يا زهرتي أنا لسه مش مصدق ، خايف أصحى وألاقيكم حلم ، كل ساعة وكل ليلة عيني كانت تغمضها كنت بحلم بيكي وأصحي علي كابوس لأنك مش في حضني، أنا من لحظة ما شوفتك خايف أنام تختفي ، خايف أقولهم إني شايفك وبتكلم معاكي يقولوا عليا مجنون تاني وأعيش زي الميتين من أول وجديد.
-تاااني!!!
قالتها بصدمة وعدم فهم ليوضح لها الأمر قائلا بألم وكأن الذكرى تغرس سهما في قلبه:
- أيوة تاني ...لما وصلنا خبر إنك كنتي في القطر فضلت انا ووليد نتابع على أمل نلاقيكي بخير أو نطمن مثلا إنك نزلتي في محطة قبل الإنفجار ، لكن لقينا حاجتك وسط حاجات الجثث وساعتها عرفنا إنك منهم، رفضت أصدق موتك وحصلتلي صدمة عصبية وفضلت في المستشفى سنة.
لم تستطع السيطرة على شهقتها وإنهارت باكية .. فيبدو أنها ليست الوحيدة التي عايشت الآلام ..كان يتآلم ويتجرع بُعدها كالسِم القاتل مثلها تماماً، ليجذبها ويجلسها فوق قدميه يحتضنها ويهمس لها بكلمات مهدئة فآخر ما يود رؤيته دموعها ..لتتحول كلماته لمغازلة وتصريح بالحب والإشتياق لينغمسا في عالمهم الخاص ..عالم يعلو فيه صوت الحب ..وتغرد فيه الطيور..عالم غابا عنه سنوات ليقرروا القصاص لهذا البعد.
...
في الأسفل كانت الحاجة تفيدة تجلس برفقة كلا من نعمة ونبيلة وفوزية ، لتقول الأخيرة ولم تتخطى صدمة ما حدث :
_ أنا لسه مش قادرة أصدق إن زهرة عايشة ، ده ولا شغل أفلام .
نظر لها الجميع مؤيدا لحديثها لتتساءل نعمة بمكر ولؤم :
_ بس مش غريبة الحكاية دي ، ياعني تغيب السنين دي كلها وفجأة تظهر وتجيب معاها عيلين وتقول دول ولاد نبيل ، طب وإحنا إيه يضمنلنا إن دي الحقيقة والعيال دي ولاد نبيل فعلا .
برقت عينا نبيلة وتمتمت بصدمة:
_ تصدقي فعلا ، أنا من الأول مش مرتاحة للبت دي ، وليه دلوقتي قررت تظهرلنا ، بس ياختي هنتأكد إزاي من مسألة العيال دي؟
نظرت لهم تفيدة شرزا وتحدثت بإنزعاج واضح :
_ إتقوا الله دي أعراض ورمي محصنات خافوا ربنا ، وإنتي يا أم نبيل حاجي على إبنك ومراته وولاده وكفاية مشاكل بقى .
وقفت نبيلة أمامها قائلة بإستنكار:
_ مين إل بيتكلم ، طيب روحي الأول إنفعي نفسك ، ولا نسيتي الحزن والمشاكل ال عشنا فيها بسبب ولادك ومصايبهم ، أنا أدرى بالطريقة ال أمشي بيها بيتي .
نظرت لها تفيدة بسخط بينما فوزية ناظرتها بكره واضح وأردفت :
_بقولك إيه يا نبيلة ما تحترمي نفسك كده وإنتي بتتكلمي، إحنا هنا كلنا زي بعض ، أم محمود مقالتش حاجة غلط ، دي بتنصحك بس إنتي حرة ،كل إل لسه ليكي كلمة عارفاها يا نبيلة ، ياعني لمي الدور بدل ما تقع الطلقة التالتة وتخرجي من البيت ال بتتكلمي عنه ده .
إستشاطت نبيلة غضبا منها وتوجهت إليها من أجل صفعها ولكن توقفت حينما لمحت بعينيها نوارة قادمة لتتحدث بدهاء:
_أنا مش قادرة أصدق يا فوزية إنك إنتي السبب في طلاق بنتك ، والبت يا حبة عيني حياتها إتدمرت .
توترت فوزية ونظرت لنبيلة بتحذير بينما الأخيرة نظرت لنوراة التي توقفت مصدومة مما إستمعت له .
إقتربت نعمه من شقيقتها تجذبها من ذراعها قائلة:
_ إمشي معايا مش ناقصين مشاكل .
وقفت نوارة أمام والدتها متسائلة بجزع:
_ ياعني إيه الكلام ده ؟
وقفت تفيدة مستندة على عصاه تستخدمها لتتكأ عليها ومدت يدها لنوارة تحثها برفق:
_ تعالي يابنتي ساعديني أروح وأطلع أوضتي .
لم تستطع نوارة رفض طلبها وقامت بمساعدتها في صمت، لتتبقى فوزية في المكان وحدها.
جلست فوق الأريكة مرة أخرى وزاغت عيناها في المكان وتمتمت بصوت منخفض:
_ هدفعك تمن الكلام ده غالي يا نبيلة.
.....
مضي يومان لم يخرج أربعتهم من الحجرة ، يلعبون ويأكلون وينعمون بالقرب بعد الجفاء.
نستطيع القول وبكل ثقة أنهم أفضل يومان مروا عليهم ، عاشوا السعادة وإمتلأت رئاتهم بعبق العائلة .
لم يقاطعهم أحد ، ولم يرغبوا في الخروج ولكن ليس كل ما نرغب نستطيع تحقيقه.
فاليوم عليهم الخروج للإحتفال.
إرتدت زهرة ذات الرداء الذي سبق وأن أحضره نبيل ولم يسعها إرتداؤه لما فعلته نبيلة وألبست طفلتها فستانا شبيها به أما نبيل فقد إرتدي بذلة وأيضا نفس الشئ للصغير.
كانوا يخطفون الأنظار بيد أبيهم ، فبالرغم من إنشغاله إلا أنه رفض تركهم بالداخل فهو يرفض إمضاء ولو بضع دقائق من دونهم .
كانت جالسة كالأميرة يحاوطها الجميع نقتص منهم نبيلة التي كانت تشعر بالغيرة والحقد عليها.
أما بالخارج هناك من يشعر مثلها وأكثر ، واقفا ينظر لشقيقه وهو يمتط أحد الخيول ومعه أبنائه بكره وكأنه ألد أعدائه.
إقتربت فيروز من زهرة ببعض الحرج وجلست تفرك يديها بإرتباك ، لتبدأ زهرة الكلام رافعة عنها الحرج:
- هاتي عروسة إبني لما أشيلها.
تبسمت فيروز بسعادة فقد كانت تظن أنها ستقدم على رفضها أو نبذ الحديث معها ، وأعطتها الطفلة وأردفت :
- أنا مديونالك بإعتذار.
إبتسمت لها زهرة بود بعد أن قبلت الطفلة وأردفت بصدق:
- ولا مديونالي ولا حاجة ، كل شيء نصيب، بس ممكن أسألك سؤال ؟؟
ظهر الإحترام بنظراتها وقالت :
- طبعا.
نظرت لها زهرة بضع ثوان بحيرة ظهرت جلية في سؤالها :
- أنا بشوف الحب في عيونك الوليد يبقي ليه...؟؟
تفهما ما ترمي إليه وأجابتها بسخرية مما كانت تفعل :
- كنت ينفذ الأوامر .
عقدت حاجبيها بتعجب سائلة:
- الأوامر !!
تنهدت فيروز وأخذت في قص حقيقة الأمر عليها :
- أمي وخالتي كان نفسهم نتجوز أنا ونبيل بس لا أنا ولا هو كان لينا ميل لبعض ، كان الموضوع بالنسبة لأمي أمر منتهي ، متمسكة برأيها بشكل مينفعش ومش مسموح تتناقشي معاها، الأول كنت فاهمة إنها هتطمن عليا لما أبقى مع أختها وإنها شايفة نبيل الشخص المناسب ليا لأخلاقه ، لكن بعدين إكتشفت إن الحقيقة غير كده خالص ، كنت بالنسبة ليهم لعبة.
قاطعتها زهرة بتساؤل :
- بس إنتي...لم تكمل تساؤلها بسبب مقاطعة فيروز لها وإستكمال حديثها:
- عارفة كنت بتقرب منه ، بس كنت بعمل كده علشان أخوكي ينطق ، تعرفي إن نبيل كان عارف حقيقة مشاعري ، وعارف كمان إني رافضة الأوامر دي وكان بيقولي أنا يابنت الناس مش قادر أشوفك غير أخت وبنت عم وأنا كنت أمثل قدام الكل إني زعلانة لكن من جوايا كنت أفرح لأني مش عاوزة زوج غير وليد وطبعاً أخوكي كان متفرج من بعيد كده ، فكان لازم أعمل أي حاجة تخليه يتحرك وينطق.
ضحكت بسعادة عليها وعلى تفكيرها وتشدقت :
-نظام جرب نار الغيرة وكده.
تتهدت فيروز بعمق وكأنها تزيل آثار تلك الذكريات:
- إسكتي متفكرنيش أنا كنت خايفة منه بشكل ، كل ما يشوفنا مع بعض بحس إنه هيولع فيّا بس بيفضل ساكت .
- تقصدي إنه مبيفهمش ...قالتها بخبث وهي تنظر للواقف يستمع لحديثهم.
لتجيبها الأخرى سريعاً:
- طبعا...مش كان ساكت وسايب حبيبته تروح منه.
- لا والله.
إنتفضت فيروز إثر صوته لتردف بعتاب :
- كده خضتنني يا وليد يخص عليك .
جلس بجانبها متمتما بغزل:
- سلامتك من الخضة يا قلبي .
- إحم..إحم....نحن هنا.
- ياختي شوفي نفسك إنتي ونبيل الأول وبعدين إتكلمي .
حُرجت زهرة وكذلك فيروز ليظل وليد يستغل هذا لصالحه ، ويداعبهم بالكلمات المعسولة فحقا هو خير أخ وأفضل زوج .
......
كانت وليمة كبيرة لجميع أهالي البلدة ، أغدق الحاج عبد الرحمن الكثير من الذبائح عقيقة لأبناء ولده، وبالطبع هذا الأمر لم يعجب البعض.
وقفت نبيلة بعيداً عن الأنظار ترى زهرة تتحدث وتضحك مع فيروز ووليد لتقول لمن بجوارها:
_شايفة بنتك وخيبتها، بدل ما تعكر حياتها بتضحك معاها وكأنهم إخوات.
رمقتها نعمة بكره لم تره وتحدثت:
_ وبنتي كانت تعمل إيه ؟ إبنك إل باع بنت خالته وكمان بنت عمه ياعني من لحمه ودمه وفضل الغريبة عنها ، كنتي عاوزاها تترهبن بعد ما إتجوز وإنتي مقدرتيش توفي بوعدك ليا .
نظرت لها نبيلة بغضب قائلة :
_ بقولك إيه يا نعمة إنتي إل جريتي تجوزيها لوليد بعد ما نبيل دخل المستشفى، كنتي فاهمة إنه هيفضل طول عمره هناك ، قولتي تلحقي تجوزيها لوليد بدال ما تخسري كده وكده ولا نسيتي كلامك الليلة إياها.
توترت نعمة ولكن تماسكت وأردفت :
_ إنسي بنتي وكلامي وركزي في حياتك ومع إبنك إل لغاية دلوقتى منساش إل حصل وبيعاملك على إنك غريبة ، سيبي بنتي تعيش حياتها وشوفي إنتي البت إل جت أخدت منك إبنك وكمان أبوه.
ألقت كلماتها السامة تاركة إياها غاضبة تتوعد للجميع وأولهم زهرة .
.......
بعد عدة ساعات إنتهى الإحتفال وذهب كلا منهم لغرفته بعدما أُنّهٓكوا جميعاً.
جلس نبيل فوق الفراش ينظر لطفليه النائمين بحب وتحدث:
_ تعرفي كنت خايف عليهم من العين ، كان هاين عليا أخبيهم جوة قلبي وفي نفس الوقت عاوز أتباهى بيهم وأخلي كل الناس تشوفهم وأقولهم دول ولادي .
إبتسمت زهرة على حديثه وأردفت بعتاب مصطنع:
_ بس مش شايف إنك اليومين دول دلعتهم أوي ، دول بقوا طول الوقت قاعدين في حضنك حتى الأكل بياكلوا من إيدك.
نظر لها بعبث قائلا:
_ إنتي غيرانة منهم بقى .
إحنرت وجنتاها خجلا ولكنها أجابت بدلال:
_ طبعا غيرانة ، أنا كنت بنام في حضنك وباكل من إيدك دلوقتي هما وبس .
إرتفعت ضحكاته فحاول السيطرة على نفسه لسيما عندما وجد عبد الرحمن منزعجا في نومه ، بينما زهرة أخذت تربت على كتفه بحنان أموي إلى أن إستغرق في النوم مرة أخرى تزامناً مع قول والده :
_ هما حتة منك ياعني إنتي الأصل وحبي ليكي أضعاف حبي ليهم ، خليكي واثقة في كده ، إنتوا التلاتة عندي بالدنيا كلها، أنا بس بحاول أعوضهم عن السنين إل فاتت وأحسسهم بآمان وحب وجود الأب ، أنا عشت عمري في رعاية وحب أبويا وعارف قد إيه الأب مهم في حياة ولاده ، بحاول أضاعف حبي وحناني ودلعي ليهم كمان بخاف من بكرة زي خوفي من إمبارح فبعيش اليوم بكل طاقتي معاهم.
أثر بها حديثه وظهر ذلك في تحشرج صوتها وهي تتحدث :
_ ربنا يخليك ليهم وليا يا حبيبي، تعرف أنا كمان بخاف من بكرة ، عشت أيام كنت أخاف حتى أغمض عيني ، فبقى الخوف ملازمني ، اللحظة إل بفتح عيني على نومتكم في حضن بعض قلبي بيطمن وبدعي ربنا يديم علينا الراحة .
توقفت عن الحديث ولكنها عادت تتساءل بتردد :
_ نبيل هسألك سؤال لو ضايقك بلاش تجاوب .
نظرت له لتجده يحرك رأسه بإماءة مشجعا إياها لتتساءل:
_ أنا ملاحظة إنك مبتكلمش مامتك ، هو ده بسببي؟
غامت عيناه بالحزن وأجابها:
_ هي السبب يا زهرة ، هي السبب في معاملتي ليها لأنها السبب في بُعدنا ، تعرفي أمي هي إل فضلت تقنع فيا إن في علاقة بينك وبين وليد ، دي لدرجة إنها قالتلي هي وحمدي إنهم شافوكي معاه في أوضاع مُخلة .
شهقت زهرة بصدمة وإمتلأت عيناها بالدموع بينما هو إسترسل:
_ حتى لو كانت ملاحظة عليكي التقرب من وليد زي ما لاحظت أنا ، كان لازم متكذبش، كانت تقول الحقيقة بس ، كانت تساعدني أكشف الغايب عني ، لكن هي علشان رافضاكي إفترت عليكي ، الحقيقة أنا من يومها ومش قادر أسامحها وكنت مقاطع حمدي لكن هو قالي إنها ضغطت عليه وفهمته وأقنعته إنها شافت بعينها وإنه عمل كده علشان زعل عليا .
وعند ذكر إسمه شعرت بالغثيان ولكنها تحاملت على نفسها ودست نفسها تحت الغطاء متحدثة بآخر كلماتها قبل أن تغط في النوم :
_ علشان خاطري يا نبيل سامحها ، دي مهما كان مامتك ، وأنا مش عاوزة أبقى السبب في مقاطعتك ليه ، ودلوقتي إحنا عندنا حياتنا وولادنا خلينا نصفى ، إرجع كلم مامتك علشان هي كمان تصفى ونعيش في راحة بعيد عن المشاكل .
نظر لجفنيها اللذان يثقلان بمحبة فيبدو أنها أُرهقت كثيرا اليوم ، قبل رأس حور وأغمض عينيه هو الآخر .
.....
مر أسبوع بسلام نسبي، لم يحدث معهم جديد .
كانت تظل بحجرتها مع أطفالها إلي أن يأتي نبيل من العمل.
لم تجرؤ على العيش والتنقل بحرية، فمازالت تخشي ما حدث سابقا.
لذا إتخذت من حجرتها قلعة تحتمي بها مع أطفالها.
وها هي تنتظر زوجها وطال إنتظارها..
خلد الطفلان للنوم بينما هي لم تستطع فالوقت تأخر ولم يعد بعد.
جذب إنتباهها صوت صراخ ، فتحت الباب لتجد أنه قادم من حجرة حمدي فأغلقت الباب مرة أخرى ، ولكن بعد خمس دقائق تقريباً توقف الصوت فجأة وإستمعت لبكاء طفل فتحت الباب
ترددت كثيرا ولكنها حسمت أمرها وتقدمت من الحجرة لتري الباب منفرج قليلا ، نظرت وإذ تري سُمية ملقاه أرضا وأدهم يصرخ بإلتعاع.
تقدمت بفزع فوجدت أثار الضرب منتشرة علي وجهها ، إنقبض قلبها وهبطت لمستواها بعدما أخذت كوب الماء الموضوع فوق الطاولة الصغيرة بجانب الفراش وقطرت فوق وجهها بضع قطرات حتي بدأت تستفق وتستعيد وعيها.
فتحت عيناها بألم يسري بكامل جسدها وما إن رأت زهرة أمامها حتي أجهشت في البكاء فلم تكن ترغب أن يراها أحد بهذا الشكل.
ساعدتها زهرة للإستلقاء فوق الفراش ثم أعطتها كوب الماء لترتشف منه القليل ومن ثم حملت أدهم لأحضانها تهدهده وأردفت:
-كفاية عياط بقي علشان خاطر أدهم وبعدين متنسيش إنك حامل .
- أدهم...هو إل مصبرني على إل أنا فيه ، وأهو حملت تاني علشان يتقفل في وشي كل البيبان.
شعرت بالشفقة عليها فأردفت بحنان:
- ليه بس كده إستهدي بالله ، الأطفال دول نعمة ، بكرة هما إل يعضوكي ويفرحوا قلبك .
تنهدت بألم وأردفت بعجز :
- مقولتش حاجة ، بس حرام يعيشوا كده ...بصي على أدهم ....نظرت زهرة على أدهم الذي غط في النوم بأحضانها وأزالت بقايا دمعاته لتسترسل سمية :
- مابيعديش يوم من غير حالته ما تبقي كده، بدل ما يلعب ويفرح بطفولته ، وأنا مافيش في إيدي حاجة أعملها ، بشوفه بيدمر وعاجزة حتى عن إني أدافع عن نفسي .
حزنت زهرة كثيرا ولكن ما عساها تفعل شيء ، لذا إكتفت بكلمات تهدئ من روعها وتدعوا لها :
- ربنا يهدي النفوس وإن شاء الله الأمور هتتعدل .
نظرت لها سمية بتردد وتحدثت :
_ بلاش تقولي لحد أي حاجة علشان المشاكل.
ربتت على يديها قائلة:
_ ممكن لو قولتي لبابا الحج يقدر يتصرف .
زاد بكاؤها وأردفت من بين شهقاتها:
_ إنتي متعرفيش حاجة ، حمدي ده جبروت ، ممكن يحرمني من إبني ، ده غير أمه إل هددتني إنها تمنع الفلوس إل بتبعتها لأهلي ، إنتي مش عارفه ولا فاهمة أي حاجة، تفتكري أنا مفكرتش أطلق وأسيبه وأنجد نفسي ، لكن أنا إل هبقى خسرانة ، هخسر ولادي لأنهم هياخدوهم، علاج أبويا هيقف ، ده غير هصرف على نفسي وعلى إخواتي منين أنا أكبرهم ومسؤلين مني ، الحاج يوم عرف تصرفات حمدي طرده من البيت يومين ، الحقيقة قال إن ده بيتي وإبنه غلط هو إل يخرج ، اليومين دول أنا شربت المر من معاملة حماتي وإنضربت وإنهانت وأخدت إبني وحرمتني أشوفه وطبعا الحاج كان في بيته التاني ومنعت أي تواصل ليا معاه .
شعرت زهرة بالخوف أكثر من نبيلة لتتساءل بجزع:
_ للدرجة دي هي قاسية ؟
مسحت سمية دموعها وأردفت :
_ وأكتر من كده إنتي متعرفيش إل حصل في غيابك ، البيت ده كان كل ليلة فيه مشكلة شكل ، حصلت كوارث بمعنى الكلمة ، وبالنسبة ليها كان ليها يد في أي حاجة بطريقة عجيبة ، وبالنسبة لحمدي تتوقعي يعمل فيا وده واحد حاول ينهش شرف ولحم أخوه .
ذعرت زهرة بصدمة ووقفت مفزوعة مما قالت ، أهُناك أحد يعلم ما حدث معها .
أنت تقرأ
زهرة
Romansaقصة عشق بين طرفين مع كل إفتراق يشتد عضد عشقهم أكثر كانت تائهة في الحياة لا تعلم كيفية التنفس بحرية ليدلف حياتها ويحولها إلى طائر محلق في سماء عشقه. بينما هو كان جاد في حياته ، كانت تثير ريبته وغضبه وما إن أعلن قلبه التمرد حتى أصبحت أثمن من أنفاسه و...