الفصل الرابع/
((لقد وقعت في حبك فلا تجعل عيناي تدمعان ..ضُمني إليك كي لا أنهار...فإذ كُنا أحراراً إذاً نستطيع التحليق..فمن كل شيء ومن الجميع إختارك قلبي .
فأنت وأنا مثل الحياة والعالم... مثل الليل والنهار... مثل الضحك والبكاء..
أخبرني من أنا بالنسبة لك؟؟))
الجاذبية الحقيقية ليست بالشكل ،وإنما بنداء القلوب ،فما أروع هذا الإنسان صاحب الترددات العالية يلمس ندائك ويستجيب له
لم يستطع أن ينتظر فور خروجها الغاضب من المكتبة وذهب مباشرةً وأخبرهم أنه سيأتي ليأخذها بعد وصولها من المدرسة وسيجعلها تقوم بالتنازل عن الشقة لهم كما هو الإتفاق الذي دار بينهم قبل كتب الكتاب ،
والآن أيضا ظل أمام المنزل حتي وجدها وصلت فقرر الانتظار مدة ساعة ليجعلها ترتاح فهو يعرف ثقل ما سيخبرها به وإن كان داخله يتراقص من توقعه أنها لن تمانع أبدا ، فما رأه منها يشعره بأنها مثله تريده في حياتها بشدة كما يريدها ، ولكن هاجس الخوف أيضاً يجعله يخشى بأن يكون هذا الشعور لشدة مشاعره تجاهها فقط ، ومع هذا أو ذاك من المؤكد أنها ستتبعثر لذا وجد قلبه يحثه أن ينتظرها تأخذ قسطا من الراحة قبلا ومن ثم يصعد لها ويوضح كل الأمر ، منتظرا بشغف وبصبر ولكن أصابه القلق عندما رأي نرجس ومحروس يهبطان بدون سعد فهو رأه يصعد قبل وصولها بمدة ،لذا قرر الصعود لها وما ان طرق الباب شعر بصوت صراخ مكتوم لذا لم ينتظر أكثر من ذلك وبدأ في تحطيم الباب وذهب مباشرة لحجرتها التي عرفها سابقاً فوجد ذلك القذر جاثي فوقها وهي ملقاة أرضا ويبدو أنها فاقدة الوعي ثوان مرت شعر أن دمائه كالبركان قبل أن ينقض عليه يكيل له بقبضة من نار
عشر دقائق كاملة وربما أكثر كان سعد يصرخ بشدة أثر اللكمات القوية التي جعلته يبصق دما ،مما جعلها تفيق بعض الشيء.
كانت رؤيتها ضبابية ،تشعر بألام شديد برأسها ،حاولت التركيز في الأصوات من حولها .
لتتسع عينيها شيء فشيء من الصدمة وهي تستمع إلي الحوار الدائر إستطاعت تمييز الأصوات جيدا فإستمعت لصوت نرجس متحدثة بصراخ :
_يالهوي سيبه ده هيموت في إيدك.
وما إن حاولت أن تجذبه بعيدا عن إبنها حتى نهرها بشدة صائحا :
_أنا غلطان إني مخلصتش عليه من الأول ، قولت هتبقوا أصحاب كلمة وهتبعدوه عنها طالما هتاخدوا ال عاوزينه، لكن ملحوقة المرة إل فاتت وعدت المرة دي لما قرب منها قرب من مراتي وأنا مش هسيب حقها وهخلصلك عليه ناقص التربية .
جزعت عندما رأته يشرع في خنق ابنها بيده لذا صرخت ملتاعة :
_ ابني هيموت يا لهوي إلحقوا يا محروس ، يا ناااس إلحوقنا .
_ن_ب_ي_ل عدة أحرف أعادته من باطن البركان
توقفت يداه في الهواء بعد أن سمع همسها بإسمه فتركه ليهوي أرضا وتندفع والدته تطمئن عليه ،أماهو جثي أرضا ليساعدها علي الاعتدال ،وجذب حجابها وأحكمه علي رأسها ثم حملها ووضعها فوق الفراش ،وأخذ كوب الماء وجعلها ترتشف منه ونظر بغضب إليهم صائحا :
_اطلعوا بره
نظرته المرعبة ولهجته الغاضبة جعلتهم ينفذون أمره سريعا .
توجه إلي خزينة ملابسها وظل يبحث عن حقيقة فلم يجد ولكنه وجد عدة حقائب بلاستيكية فوضع بهم احتياجاتها من ملابس بعشوائية وجمع جميع كُتبها ثم نظر لها ولنظراتها الحائرة وتحدث بروية إلى حد ما :
_هتيجي معايا
جحطت عيناها فهي شعرت به يحملها وكانت تظن أنه لربما حلم من أحلامها مؤخرا ، ولكن بعدما إرتشفت الماء وبدأت في إستيعاب ما يدور حولها نظرت وإذ به يلملم أشيائها، كانت متعجبة ولكن الآخر مصدومة ، لتتساءل بدهشة وتلعثم :
_ها...... إزاي ؟!
إبتسم بهدوء قبل أن يجلس علي طرف الفراش ونظر لها بحنان محدثا إياها بهدوء :
_مش عاوزة تيجي معايا ؟
نظرت له بحيرة ، أي سؤال هذا ؟ إن كان الأمر بيدها لظلت معه دائما بل لا تتركه لآخر يوم بحياتها، ولكن كيف ؟
إن أغمضت عيناها عن كيفية وصوله لمنزلها وسبب هذا ، وإن غفلت عن أنه بحجرتها بل وجالسا بجوارها فوق فراشها ، أستستطيع أن تتقبل ما يقول ببساطة وكأنه شيء عادي بل وأيضاً صحيح؟! كان التعجب ظاهر جليا على وجهها لتردف :
_أنا....أنا....ياعني ..مش فاهمة .
حيرتها تلك جعلته يضحك
نظرت لضحكاته العابثة بغضب ،فتمتم هو بعدم تصديق :
_حتي وإنتي بالشكل ده غضبانة ومتنرفزة كدة .
_بص إنت إلى بتعصبني بسألك عن حاجة تقعد تضحك
نسيا أنفسهم أخذا يتحدثان بمشاغبة منه يقابلها غضب محبب منها فقرر نبيل قطع نظراتها الغاضبة بقوله:
_هتيجي مع جوزك
وكانت تلك الجملة أكبر صدمة لها ، بل لم تكن تتخيلها في أكثر أحلامها جموحا ، ماذا يقول ؟ من المؤكد أن عقلها بدأ في نسج تخاريفه وهذه المرة فقدت السيطرة عليه ، ولكن مهلا ها هو أمامها بالفعل يبتسم، نظراته حقيقية كما هي إبتسامته ويده التي تحاوط يدها والتي لا تحاول حتى أن تسحبها منه ، إذا ما قاله لربما يكن حقيقيا أيضا ، كان عقلها يعمل كآلة حاسبة سريعة إلا أن بدأت في السيطرة على صدمتها متساءلة بكلمة واحدة وإن كانت تعد كلمة من الأساس ، ولكنها خرجت منها بصدمة :
_ها............!!!!!!
إبتسم لعينها المثبلة بصدمة قبل أن يجذب يدها بلطف يحثها علي الوقوف وهي مستسلمة له تماما وواقعة تحت سيطرة إبتسامته الحنونة
أفاقت من شرودها علي فتحة لباب الغرفة لتقف فجأة كمن إستيقظت من أجمل الأحلام
_إنت .......إنت بتقول إيه ؟!؟
كان يعلم أنه يجب عليه أن يفهمها ، أن يشرح لها ما حدث مرة ولكنه يريد أن يرحل من هذا البيت ، يريد أن يبتعد عن هذا المكان الذي رأى به ذلك البغيض يحاول سرقة ما ليس بحقه ، لذا تحدث بغضب مكتوم :
_زهرة هفهمك كل حاجة بس خلينا نمشي من هنا
نظر لحيرتها ولنظراتها المشتتة،فوقف أمامها وأمسك كفيها فسارت رجفة بجسدها شعر هو بها ،فتحدث وهو ينظر مباشرة لعينيها كأنه يعلم مدي تأثير عيناه عليها :
_ثقي فيا
أهي كلمة ساحرة ؟أم أنها كذلك لأنها خرجت من فاهه هو .....؟!
خرجت معه فرأت نرجس ومحروس جالسان ويبدوا عليهما التوتر الشديد،لا تعلم لما ولكنها اختبأت خلف ظهره ،يبدوا أنها خائفة منهم ..
لا ....هي فقط لا تريدهم أن يمنعوها من الذهاب
حقا ....الآن هي تريد الذهاب معه ،تريد التحرر من سجنها هذا والتمسك بيده بقوة
لا تريده أن يرحل بدونها.
نظر لها فقرأ الخوف بعينيها فبثها الآمان بنظراته ولمسات يده عندما أمسك كتفيها يحثها علي التقدم معه ،وقفت مرة أخرى ولكن ليس وحدها بل وقف هو أيضا عندما استمعوا لصوت محروس الغاضب :
_رايح فين ؟ده مش اتفاقنا
أجابه بكلمة واحدة صارمة عبرت لهم عن مدى غضبه :
_لغيته
لم تستطع نرجس السيطرة على غضبها لتصرخ مستاءة:
_نعم !!! إنت بتخرف تقول إيه ؟ ده أنا أقتلها قبل ما تخرج من هنا .
نظر لنرجس بقوة وغضب وأردف ليؤكد علي كلماته متحديا إياها:
_زي ما سمعتوا لاغيته ،إنتوا لاغيتم جزء الإتفاق الخاص بيكم ،وأنا كمان لغيت إتفاقي معاكوا .
إقترب منه محروس بعنف وأهدر:
_إنت بتقول ايه ؟إنت فاكر إننا هنسيبك تاخدها كده ؟
_إمنعني لو تقدر .
كانت واقفة لا تعي شيء سوى أنه واقفا كالسد المنيع بجوارها ومتيقنة أن لا أحد منهم يستطيع إيذائها، وكل ما تتمناه أن يرحوا أن تبتعد معه..فقط معه .
وها هي تلك الأمنية تتحق .
......
رحل من أمامهم وهي معه وتركهم يسبون أنفسهم للوقوع بين يدي شخص مثله
أما هي فحالتها كانت كالطير الذي إستطاع التحليق في السماء أخيرا بعدما كان محجوزا بقفص لسنوات .
حقا هو هكذا فأنت عندما تتخلص من جميع أعبائك وتتحرر وتعدوا منطلقا مع توأم روحك يكن ذلك
نعم توأم الروح ،فإن كانت الروح تبغي روح آخري فهذا المعني المضني لتوأمها .
ولكن ...
بعد أن وصلت لسيارته ساعدها للجلوس أولا ومن ثم صعد مرة أخرى ، كانت حائرة ولكن لم تدم حيرتها أكثر وهي تراه يتقدم في إتجاهها مرة أخرى واضعاً تلك الحقائب التي تحتوي على أشيائها بصندوق السيارة ، إبتسمت بهدوء ولكن لحظات وإختفت تلك الإبتسامة عندما رأت محروس يتقدم منهم ، أصابها الذعر ولكن حقا تفاجأت عندما رأته يدلف السيارة بعدما أمره نبيل ، نظرت بجانبها لتراه يستعد لقيادة السيارة وهو يبادلها النظرة بثبات يحثها على الاطمئنان والهدوء ففعلت مسلمة أمرها كله له .
وصلا إلي منزله لتدلف معه بقدم مرتعشة توترا .
فبين ليلة وضحاها أصبحت متزوجة ومن من ؟ منه هو .
فما كان محروس معهم سوى لأن يكون وكيلها أمام المآذون ، فقد أصر نبيل على إعادة المراسم الشرعية للزواج ليتزوجها بعلمها وموافقتها عليه .
وقفت في منتصف المنزل تتفحص بعينيها الأرائك المصفوفة بعناية ،وتلك المزهرية الأنيقة فوق الطاولة جذبت أنظارها وحازت على إعجابها، كان ينظر لها بابتسامة وهو يراها تنظر في جميع الأنحاء إلا اتجاهه هو وكأنها تتفحص بدقة لتعطي نفسها قدر كافي من محاولة تجاهله، لذا وجد أن حديثه ضروري ليجذب إنتباهها فتساءل بلطف :
_عجبك المكان ؟
_اه ...حلو
أجابته سريعاً لتؤكد ظنونه بأنها تنتظر منه أقل كلمة وأنها راهفة السمع لأي حركة فإبتسم بسعادة واردف بجدية:
_طب إقعدي يا زهرة ،في حاجات لازم نتكلم فيها .
نظرت له لأول مرة منذ دلوفها معه إلى منزله ،ليقرأ عيناها كعادته التي أصبحت كإدمان بالنسبة له ورأي فيهما الخوف من المجهول والتساؤل،فاقترب منها وبصوت هامس ويده تشير لتلك الأريكة الكبيرة منتصفة المكان :
_تعالي ومتخافيش وانا هفهمك كل حاجة .
انصاعت له بهدوء واثقة من همساته ونظراته لا تعلم كيف ولكنها تشعر بأنها مسيرة ومخيرة أيضا أمامه
نظر لها وليديها المتشابكة في بعضهما تفركهما بتوتر، فخرجت منه تنهيده عميقه قبل ان يجلس بجانبها بينهما مسافة مقبولة ويبدا الكلام :
_عارف انك مستغربه ،وفي اسئله كتير في دماغك ،وإن الوضع ده موترك ووجودك معايا مخوفك
نظرت له سريعا تنفي بعينيها ذلك الخوف المزعوم الذي يتحدث عنه ،فتلقي ذلك بحرافية شديدة ليبتسم وتتسع إبتسامته شئيا فشيء وهويري الخجل يكسو وجهها وتسحب عيناها من مرآى عينيه سريعا .
أجمع رباط جأشه ومد يده لها ليمسك يدها فتسري قشعريرة في أيديهم نتيجة لذلك المس الكهربائي، شعر كلا منهم بيد الآخر ليرفعا أعينهم فتتلاقي في حديث خاص استمر لعدة دقائق قبل أن يستطيع السيطرة علي نفسه قبل أن تنجرف مشاعره أكثر من هذا وأردف :
_أنا عرفت حكايتك من سهر ،طبعا ده إلى بتقوليه ليها أما إلى احتفظتي بيه لنفسك فوقت لما تحسي إنك عاوزة تحكيلي فأنا موجود وهسمعك ،في الأول لما جيت بيتكم أول ما صاحبتك جت وهي منهارة تقول لسهر ال بيحصل كان هدفي مساعدتك تقدري تقولي حسيت بالشفقة عليكي
أصعقتها الكلمة لتنظر له بخيبة أمل ودموع ألم ،فاقترب منها ومازال ممسك بيدها وينظر لعينيها وتحدث بهمس تقسم بداخلها أنه أذاب دمائها من حنانه :
_ده كان قبل ما أغيب اليومين دول
قطبت عيناها بتعجب وتساؤل ليكمل بنفس الهمس :
_كنت في البلد عند أهلي ،أنا كنت بين كل أهلي بس حاسس إني وحيد ،
كان الكل حواليا وبيتكلموا ويضحكوا بس أنا مش شايفهم ،كنت بفضل طول الليل بحاول أغمض عيني بس منمتش ولا ساعة
تعرفي ليه يا زهرة ؟
أمعنت النظر لعينيه لعلها تجد إجابة فأكمل هو :
_أنا كمان مكنتش أعرف السبب لغاية ما أبويا الحاج عبدالرحمن هو إل قالي .
لم تستطع أن تسيطر على فضولها لتتساءل سريعاً:
_قلك ايه ؟!!!
أهداها إحدي تلك الإبتسامات التي تخطف دقات قلبها وتسافر بها بعيدا وأردف :
_إل قاله مش وقته تعرفيه ،أنا وإنتي هنكتشفه مع الوقت
عبست عيناها بتذمر واضح لتسطع ضحكته عاليا علي تمردها الطفولي ليمسك أرنبة أنفها يداعبها بمشاغبة ويقول :
_ تعرفي أكتر حاجة وحشتني اليومين إلى فاتوا دول تكشيرتك دي .
_تكشيرتي بس ؟!
وضعت يدها علي فمها وأغمضت عيناها بقوة خجلة من ذلة لسانها تلك ،لتتسمر بمكانها وكأنها حفرت به عندما اقترب أكثر ليهمس بجوار أذنها:
_وحشتني كل حاجة فيكي ،تكشيرتك ،وضحكتك
وكلامك عينيكي وأه من عنيكي
فتحت عيناها ببطء لتتقابل اعينهم و تلفح انفاسه وجهها بينما انفاسها تدغدغ رقبته
ليتنحنح قبل أن يقف ويوليها ظهره ويخرج صوته مشحونة بمشاعر
كثيرة :
_تعالي أوريكي أوضتك علشان، ترتاحي في مدرسه بكره و طبعا لازم انبهك ان مافيش حد يعرف حاجه من اللي حصلت
انهي كلماته وتركها وصعد الدرج المؤدي للدور الثاني الخاص بغرف النوم ولم ير دمعاتها المنسابة بكلامه .(أهو لا يريد لأحد أن يعلم بزواجهم ؟!لماذا ؟! ،أيراها لا تستحق ذلك ؟حسنا لما تزوج بها ؟
أيتها المغفلة لقد قال لكي لقد شعر بالشفقة عليكي )
أنهت حديثها مع نفسها وصعدت خلفه لتراه واقفا إمام إحدي الغرف فتقدمت منه ليفتح الحجرة ويسير بها للداخل متحدثا في عجالة:
_ دي أوضتك وإلا قدامها دي أوضتي ،تحت المطبخ لو محتاجة حاجة وفي حمام في الأوضة ،تصبحي علي خير .
وقفت تنظر إليه وهو يدلف حجرته و يغلقها خلفه دون النظر اليها ولا مرة بألم فهي تشعر بالتخبط
لا تعلم لما هذا الجفاء المفاجئ ؟!
لقد تغيرت نبرته الحنونة الساحرة إلي نبرة يغلفها البرود ......
لا تعلم أن هذا البرود مصطنع ،وأنه بذل مجهود مضني ليتحلى به.........
لا تعلم أنه يعاني كثيرا ،فهو يجاهد للسيطرة علي مشاعره بإتجاهها....
كان واقفا يستند علي الباب مغمض العينين ،يحاول تهدأت أنفاسه الثائرة ،فتح عينيه بضعف وتمتم:
(يارب قدرني أصونها)
........
صباح يوم جديد تشعر بدفيء جسدها وراحة تعجبت منها ،فهذه أول ليلة تشعر بها بمثل هذه الراحة وهدوء النفس .
نظرت أمامها لتقابل عيناها باب الحجرة لتتنهد بتذمر قبل أن تتعدل من نومتها وتنهض لتأخذ ثياب المدرسة من حقيبتها لم ترتب محتوياتها فهي عندما رأت الفراش شعرت بحاجتها للنوم و الراحة ،دلفت إلي الحمام لتتجهز
في نفس الوقت
كان هو بالمطبخ يعد أكواب الشاي الساخن بعدما أعد طعام الإفطار
شعر بأنفاسها فإلتفت ليراها واقفة تناظره بعينين متعجبة وشاكرة ولكن بهم بعض التذمر لذا بادر الحديث :
_صباح الخير ،تعالي إفطري قبل ما تروحي المدرسة
_مش عاوزة
رأي غضبها ،وحزنها ،وتذمرها ،وفرحها، والآن حان وقت رؤية تمردها
وكم هاله ما رأي فعينيها السوداء الكحيلة بارعة في نقل جميع الأحاسيس بجدارة
.اقترب منها ليراها تجاهد للوقوف ثابته متخذه من تمردها حماية باليه لموقف أرادت اتخاذه ضده ،وبحركة مفاجئة صدمتها وأربكتها وضع يده علي خصرها وجذبها بذراع واحد باتجاهه لتصطدم به بتلقائية منها أصابته بالرجفة وضعت يديها علي صدره فلامست أطراف أصابعها عنقه ،رفع يده الأخري ووضعها أسفل ذقنها يرفع عيناها لخاصته وبهمس مغري قال :
_مصبحتيش عليا ليه ؟!!
_ها
نظر لها بعمق زلزل كيانها قبل أن يميل ببطيء ومازالت عيناه تقابل عيناها التي تتابعه بشغف مجنون لتعلم ماذا سيفعل ليقبل وجنتها ويهمس :
_النهاردة سماح بس من بكره لازم تصبحي عليا وأنا عرفتك الطريقة أهو
أسبلت عيناها بصدمة مما يقول وكيفية قوله .
أيريد أن يصيبها بالجنون أم ماذا ؟!
رأي تغير تعبيرات وجهها ليبتسم بخبث وهو يري تأثيره عليها ،فقد انشرح داخله عندما تيقن أنها تتأثر به مثلما يتأثر بها .
مد يده بعالقة مفاتيح أخرجها من جيب بنطاله الأسمر وفتح يديها وأودعها بداخلهم مردفا :
_دي مفاتيح البيت ،ويالا افطري علشان متتأخريش كادت أن ترفض تناول الطعام بعدما عادت إلي وعيها بعض الشيء ولكن رؤية الطعام أغراها......
حسنا ليس الطعام ولكن رؤيته يتناول الإفطار ويحتسي كوب الشاي بهذه الرزانة أغراها كثيرا لتجلس ،ليس لمشاهدته ورؤياه عن قرب وإنما لتناول أهم وجبة في اليوم .
مضى الوقت سريعا وأصبحت في منتصف اليوم الدراسي ولم تستفد أي شيء ،فكان كل فكرها مصبوبا علي ما حدث معها فهي إلي الآن تشعر بأنها في حلم ،كانت شاردة بأفكارها كحالها من أول اليوم ولم تنتبه لنداء معلمة اللغة العربية التي تسألها عدة أسئلة خاصة بالمنهج الدراسي مما زاد وأشعل غضب المعلمة ونهرتها بفظاظة جعلت دموع الخزي تملأ عيناها وهي ذاهبة لحجرة المدير بعدما أحالتها معلمتها إلي هناك لتتلقي التعنيف والتحذير المناسب
((أنت تعلم أن الوردة تحتاج إلى الماء لتبقى على قيد الحياة لذا دعني أبقى بجوارك ..لا تدعني أبكي أكثر ..دعني أعيش في دفئك وروحك ..بِحُبك))
إذا وجدت شخص يكون لك الصديق قبل الحبيب فتمسك به بقوة،فهو فقط من يستطيع جعل قلبك متزن ونفسك ترفرف بتغريده.
ظلت واقفة أمام حجرة المدير تنتظر المعلمة رباب التي أحالتها لتدلف معها ،وما هي إلا دقائق ووصلت لترمقها بغضب قبل أن تجذبها من ذراعها بقوة وتدلف إلي الحجرة بعد الطرق والإستئذان .
كانت تشعر بتمزق في ذراعها ولكن لم تستطع أن تنبش بكلمة إعتراض واحدة ولم تستطع رفع عيناها من الأرض ،
لذا لم تر ذلك الجالس وكأنه جالس علي جمر منذ أن رأها بهذا الشكل وقرأ الألم علي وجهها.
كان صامتا ولكن عيناه تشتعل من الغضب وهو يسمع تلك المعلمة وهي تسب زهرة بكلمات جارحة يعلم بتركها أثر في نفسها لا محال .
وأخيرا تحدث مأمون مدير المدرسة لينهي تلك المسألة بتنبيه زهرة بلطف أغضب معلمتها ولكن لم يكترث فهو يقدر حالتها جيدا فقد كان نبيل يقص عليه بأخذه لها بالأمس وبأنها تشعر بالتخبط
رحلت زهرة من حجرة المدير ولكن قبل أن تخرج نهائيا إستطاعت أذناها أن تلتقط حديث رباب:
_إزيك يا نبيل أخبارك ايه ؟
نظرت زهرة نظرة خاطفة عليه قبل أن تختفي من أمامه ولكنه إستطاع أن يقرأ الغضب الذي طرأ عليها بمهارة ،لتخرج منه إبتسامة تسلية وعدم تصديق .
....
مضت ساعة آخري قبل أن يدلف هو إلي الحجرة الدراسية الموجودة بها من أجل شرح المنهج الدراسي المخصص لذلك اليوم ،وأثناء اندماجه في تفسير بعض الجمل وتوضيحها استمعت زهرة للفتاة الجالسة خلفها وهي تتغزل به ،كانت تستمع لها دائما ولغيرها من الفتيات ،فهو يمتلك قدرا كبيرا من الوسامة والحضور الجذاب ،غير أن قوته وحدته تعطيانه رونقا خاصا به وحده ،في الماضي كانت تستمع بهدوء ظاهري رغم الغضب الذي يسيطر عليها ،ولكنها لم تكن تمنعهم من الحديث هكذا
أما الآن ........
أصبحت في أوج حالات العشق والغرام ..تشعُر بنفسها تدفعها للفصام.. تارة تأمرها بالبوح وأخرى تحبذ الكتمان..لم تعلم ماذا تفعل؟؟ فالحب في أعماقها إنتشر ..فتمردت مُعلنة له ملكيتها له
حقا لم تستطع المكوث هكذا مكتفة الأيدي تستمع لتغزلهم الصريح وبه وتتصنع الهدوء فالآن حان وقت أن تتمرد الأنثي بداخلها
،وبلحظة واحدة كانت ترقد فوق تلك الفتاة تكيل لها الضربات
اتسعت عيناه من الصدمة وهو يراها بهذا الشكل ،الحق ليس وحدة فجميع من بالصف نظر لها بتعجب شديد فهي معروف عنها أنها مثال للهدوء والأخلاق
توجه نبيل إليها سريعا وقد تملكه بعض الغضب منها ليبعدها بقوة أدت إلي ارتطام يدها بإحدى الكراسي الخشبية بقوة لتصرخ متألمة
كاد أن يطمئن عليها ولكنه بقوة أثني علي نفسه بأنه امتلكها أمام عيناها المغاربة أردف :
_إسبقيني عالمكتبة
حسنا يبدو أنه يوم العقاب العالمي ولكن لما تشعر بالرضا عما فعلته وكأنها ثأرت لروحها الجريحة بضربها لتلك الفتاة
........
((الأيام تمر دون أن أحتسب أني لا أستطيع أن أعيش دون عطرك، حسبت كل دقيقة تربطني بك لأجد أنه عُمري.
دائما أسأل نفسي ماذا تفعلين؟!!!
من تُحبين؟
أُخرج من أفكاري...أتظاهر بالقوة ولكن أحتفظ في داخلي بكل ما تركته لي))
وقفت تتأمل الكتب الموضوعة علي الأرفف بملل لتنتفض إثر صوته الغاضب:
_ممكن أفهم إيه ال حصل ده ؟!إزاي تتصرفي بإستهتار وهمجية كدا ؟
إنتي حتي معملتيش اعتبار لوجودي،ولا يكون ده إل مخيّلك إنك لما تتصرفي تصرف غلط هعديه ومش هتتحاسبي عليه !!
صُدمت ......جُرحت ....تألمت
ترجم وجهها ما شعرت به لتنتج عيناها دمع مغذي علي تلك المشاعر المتألمة
إرتبك كثيرا عندما رأي عيناها الباكية ولكنه تماسك لكي لا تشعر بضعفه أمامها وتفهمه خطأ كما حدث منذ قليل فهو برأيه أنها تجاوزت ظنا منها أنه سيتجاوز هذا ولكنه لم يكن يعلم ما ألقته بوجهه بغضب جعله يشعر بخفقان قلبه يشتد وروحه تناشده لاحتضانها:
_تمام .....ماشي ....بعد كدا هقولها تتغزل فيك براحتها ،أقولك هطلب منها تعلي صوتها علشان تسمع طالما فرحان بيها وبكلامها .
قالت كلماتها الغاضبة وعيناها تفيض بالدموع ،أما هو فلم يصدق ما سمعه،أهذا الفعل الأهوج بسببه هو ؟!
وأي سبب؟؟ بهذا الكلام أثبتت له بأنها ليست فقط تتأثر به ......بل ....
بل تغار عليه أيضا ..
هي الآن تغار لا مجال ،فهذا كان إحساسه أمس يشعر بأنه يريد أن يقتل كلا من جمال وسعد لا أن يضربهما فقط
نظرت له وهو يتأملها تارة متعجبا وتارة مبتسما ليزداد شعورها بالسخط والغضب وتحاول الذهاب من أمامه إلا أن يده منعتها .
فلم يحتمل أن يري انهيارها أمامه أكثر من هذا ؟ لم يستطع مشاهدة دموعها ،فوجب إطاعة مناشدة الروح نسي مكانهم وزمانهم
كل ما تذكره أنها زهرته النادية ويجب عليه أن يكون لها شمس لتزهر وتتفتح
لحظات وكانت بأحضانه يكبلها بذراعيه .
لم تقاوم ،لم تدفعه لم تنفر منه ..
بل علي العكس أحاطته بذراعيها ،تتمسك بملابسه بقوة ،تكاد أصابعها تخترق جسده ،كما حال عظامها التي أوشكت علي السحق تحت ذراعيه
كان يريد إقحامها بداخله وهي لا تمانع ،فعنقه أصبح لها ملجأ وأضحى لها مأوي .
وشعرت بدفء جعلها تقسم أن البرودة والجفاء لم تمر عليها امتلأت رئتاها بعطره فإنتعشت روحها وعادت إلي الحياة
بقدر ما كان إحتضانه لها دافئا أشعرها بالراحة بقدر ما وجدت نفسها بحاجة للبكاء والتخلص من حملها الذي أثقل كاهلها،لتتحدث باكية ممزقة روحه من أجلها :
_أنا تعبت ،كل حاجة جت ورا بعضها ،موت ماما وإني لقيت نفسي عايشة مع ناس معرفهاش وييكرهوني ،أذيتهم ليا كانت بتتضاعف كل يوم عن ال قبله وبعدين انت جيت ،إنت ....،لما جيت ..انا.....
اختنق صوتها ،هربت الكلمات منها ،ليبعدها قليلا ولكن يحتفظ بها داخل أحضانه ،نظر لوجهها المغطى بالدموع وعيناها التي تناشده بانتشالها من آلامها فحبه ظهر لها ،،إستطاعت أن تقرؤه بسهولة ،فنظراته مختلفة ،مميزة ،بها بريق لامع يذيب روحها .
مد أنامله يزيل دمعاتها فأغمضت عيناها ،تريد حفر تلك اللحظة بداخلها
دقت الطبول بقلبها ونوافس الخطر بعقلها عندما شعرت بملمس شفتيه علي عين تلو الآخرى ومن ثم أرنبة أنفها ثم جبهتها .
استمعا لصوت أجراس تعلن إنتهاء الفترة الزمنية المخصصة للحصة الدراسية فقد ترك الحجرة الدراسية مبكرا ليلحق بها سريعا وأيضا ليضمن عدم وجود أحد داخل المكتبة .
خرجت منهم تنهيدة عميقة مزدوجة فتلك الأجراس أفاقتهم علي حقيقة وجودهم بداخل المدرسة
ابتعد عنها خشية قدوم أحد فجأة وقال بصوت مبحوح بعض الشيء :
_بلاش دموعك دي تاني عشان خاطري
،روحي فصلك ولما نروح نكمل كلامنا .
أماءت له واستجابت وذهبت من أمامه تاركة إياه يلعن الزمان والمكان اللذان أبعداها عنه .ولكن لم يمنعه ذلك من الشعور بالذنب فهو مهما كانت الظروف والعلاقة بينهما لم يجدر به أن ينسى حرمة المكان وأنهما طوال وجودهم بالمدرسة يجب أن لا يتخطا تلك الحدود ويتعاملا مع بعضهم كأستاذ وتلميذة.
أما هي فذهبت وهي تشعر بالراحة والسعادة الممزوجة بالخجل ،أمسكت حجابها واستنشقت رائحته العالقة به بإبتسامة ولهفة لمرور الوقت لكي يكملا حديثهم.
.....
قبل أن ينتهي اليوم الدراسي دلف مأمون وأخبرهم بأن تم اختيار خمسة عشر طالبة لتميزهم وتفوقهم للذهاب للرحلة لعدة أيام
وكانت هي علي رأس القائمة ،ويالسعادتها عندما علمت أن المكان المقصود هو بلده ،لا ....ليس هذا فقط بل سيمكثون في منزل عائلته .
منذ أطلق المدير الخبر نظرت لمن يقف بجانبه بسعادة لم تستطع إخفائها وكم أسعدته سعادتها .
....
انتهي اليوم أخيرا ،فكل منهم انتظر هذه اللحظة بكل صبر ،كانا متحمسين كثيرا ،مشتاقين أكثر ،وصلت إلي المنزل قبله ،شعرت بخيبة أمل لعدم وجوده ولكنها استجمعت ذاتها سريعا وصعدت لغرفتها تبدل ثيابها وهبطت إلي المطبخ ،نظرت إلي الثلاجة فلم تجد شيء يصلح للطهي ،شعرت بآلام بطنها فهي امتنعت عن الطعام أمس وقبله لكي لا تستفرغ فهي تشعر بالغثيان في تلك الأيام من كل شهر، وهذا الصباح تناولت القليل من اللقيمات والآن تريد تهدئة بطنها بمشروبها المفضل النعناع ،لم تنتظر مجيئه وبدأت بالتعرف علي محتويات المكان ويالحظها وجدت ضالتها .
أخذت العبوة بسعادة ثم شرعت بتحضير المشروب.
صعدت ومعها كوب النعناع الساخن لحجرتها أرادت الإسترخاء قليلا قبل عودته ولكنها صدمت عندما وجدته يخرج من غرفته ،يبدو أنه جاء وهي منغمسة بالمطبخ ولم تشعر به ،
تفاجأ هو أيضا عندما وجدها أمامه ،فهو كان يهم بالنزول ظنا منه أنها بحجرتها ولكن برؤية الكوب بيدها علم أنها كانت بالمطبخ ،لام نفسه لوضع المشتروات التي ابتاعها قبل التوجه للمنزل فوق الطاولة بالخارج ولم يدخلها للمطبخ ،فربما إن دلف كان رأها
ارتبكت كثيرا لرؤيته بهذا الشكل فكان يرتدي ملابس بيتية مريحة زادته وسامه ،وشعره المبلل زاده بريق ،شعر بإرتباكها ليقرر حمل الحرج عنها متحدثا:
_اشتريت شوية حاجات تحت للتلاجة وللغدا وكده
أخرجت صوتها بصعوبة مردفة:
_أه ...تمام ...هنزل أظبطهم
إبتسم لها مشجعاً قائلا:
_هنزل معاكي.
وبالفعل هبطا للأسفل وأخذا حقائب المشتريات وبدؤا بترتيب الأغراض ،ثم قامت بالطهي وهو ساعدها بتقطيع الخضروات فقط مراقباً إياها منبهرا بقدرتها على إعداد الطعام بهذه اللذة فالرائحة وحدها تكفي ليتخيل كم أن طعمه رائع .
ظلا وقت تحضير الطعام وتناوله صامتان إلا من بعض الكلمات البسيطة ،كان كلا منهم يرتب أفكاره بالرغم من أنهم يعلمون جيدا أن هذا الترتيب المزعوم سيتلاشى عندما تتلاقي أعينهم.
انتهي الطعام ورتبت المطبخ ثم خرجت فلم تجده رغم أنها كانت متشوقة لعودتهم متحمسة لحديثهم إلا أنها حمدت ربها لعدم وجوده.
صعدت لحجرتها وأزالت حجابها تزامنا مع دخوله المفاجئ
صدم من رؤياها بشعرها المبعثر بعشوائية مغرية علي وجهها ،كم بدت فاتنة مغرية بشفتيها التي تعض فوقها من الخجل والتوتر فتنحنح وأردف :
_آسف ،أنا خبطت ولما مرودتيش قلقت عليكي
أغمضت عيناها اليسرى بقوة فنظر لها بتعجب لتقول بضحك :
_أصلي لما أكون بفكر في حاجة بسرح ومش بسمع أي حاجة حواليا.
تقدم منها وعلي وجهه نظرات المكر ووقف قابلتها لا يفصل بينهم سوي خطوة لتزداد حمرة خجلها وارتباكها تزامناً مع سؤاله الذي جعلها تتلعثم وهي تجيبه:
_ وكنتي بتفكري في ايه بقي ؟
_ها....ما ...مابفكرش في حاجة
اقترب ليقطع الخطوة المتبقية بينهما قليلا ليهمس بأذنها :
_مبتفكريش إزاي وعيونك بتتكلم وبتقولي كل حاجة ؟
زاد تلعثمها وإضطراب أنفاسها
_ب... .ب..بت.قول لك ...ايه؟!!
إقترب من أذنها أكثر فلامست شفتيه إياها وتحدث بصوت متقطع :
_بتقولي إنك بتفكري فيا وإني شاغل عقلك
ابتعد ليواجه عيناها وسألها ببعض الجدية والقلق:
_بس يا تري شاغل قلبك زي ما انتي شاغلة قلبي ؟
طربت أذناها ،رقصت روحها فرحة ،تعلقت عيناها بسعادة بالغة بخاصته .
زلزل قلبه منتشيا بتلك النظرة،فجذبها إليه يقبلها بشغف وهي متشبثة به بقوة تخشي السقوط أرضا فقدماها أصبحت هلاما لا تحتملها من هجومه المفاجئ ،شعر بها فأحكم ذراعيه عليها يحملها إليه لترتفع عن الأرض ،ألقت بذراعيها حول عنقه تتمسك به تحاول مجاراة شغفه.
ابتعد عندما شعر بحاجتها للتنفس وأسند جبهته فوق جبهتها ليقول لاهثا:
_قبلاني في حياتك ؟
لم تستطع الحديث من فرط ما تشعر به لتومأ له موافقة ليتحدث معترضا:
_عاوز أسمع صوتك
خرج صوتها مبحوحا مليئة بمشاعر كثيرة تختبرها لأول مرة :
_أيوة
قالتها لتخفي وجهها بعنقه مسلمة إياه زمام أمورها .
................
عام ٢٠١٨
الوقت الحالي /
هُناك طريق لا نعلم نهاية استكشافه.. ولكن من أجل هذا ليس هُناك شيء في العالم لا يستطيعون فعله كان التحدي يملأ أعينهم.
طفلان كبرا ومر العمر بهم من أجل هذه اللحظة .. فقط.
نظر الشقيقان لبعضهم بتأثر واضح ...رأى كلًا منهم في أعين الآخر ما يجول بصدره ثم نظرا أمامهم بشرود عدة دقائق يحاول كلل منهم الإفاقة من كل تلك المشاعر التي شملتهم منذ بداية القراءة وحتى هذه اللحظة ، كان الصمت يعم المكان إلا من أنفاسهم قبل أن يتحدث بصوت عميق :
عبدالرحمن قائلا :
_يلا يا حور ننام ونكمل بكرا.
أعاد النظر لشقيقته عندما لم يجد منها ردا فوجد دموعها تنساب بهدوء علي خديها ،فأحاط كتفيها بحنان وقربها منه يحتضنان بعضهما البعض .
حور بصوت متأثرا بالبكاء :.
يا تري ايه ال حصل علشان نعيش محرومين منهم السنين دي كلها ..رغم إننا لسه في البداية لكن حبهم وصلني.
تنهد بصوت مسموع و بهدوء وحكمة تحدث:
إل حصل ..حصل المهم إل هيحصل
نظرت له بعينين متسائلة فأجابها هو يحملها ويتوجه لغرفتها ووضعها بفراشها مردفا بصوت منهك:
_نامي يا حور ،أكيد ماما لما كتبت مذكراتها مش قصدها نقرأها في ليلة واحدة .
حاولت النهوض مرة أخرى مبدية إعتراضها قائلة :
_الليلة تمينا تلاتين سنة ،بقالنا ست سنين مستنيين لحظة ما نقرأ المذكرات دي مش قادرة أصبر أكتر من كدا .
أعادها مرة أخرى برفق وتحدث بهدوء :
_يا حور اليوم كان طويل ما بين استلامنا لورق شغلنا ومشوار البنك والورق والإجراءات علشان ناخد مفتاح البيت، ده غير احنا بقالنا كذا يوم في الفندق ومحتاجين نرتاح علشان نقدر نكمل ونفهم .
وبالفعل إستطاع إقناعها أخيرا أن تخلد للنوم ،وذهب هو أيضا لغرفته واستلقي علي الفراش ينظر للفراغ بشرود إلي أن غط في النوم .
..........
اشرقت شمس الصباح معها يشرق الامل بمعرفة خفايا الماضي والثبات لمواجهة المستقبل
استيقظ عبدالرحمن وادى فرضه وارتدى ملابسه وتوجه للمطبخ ليري حور تقوم بتجهيز وجبة الافطار ليبادر بالحديث مبتسماً:
_ صباح الخير يا حور
إلتفتت إليه سريعاً مجيبة إياه :
_صباح النور
إستطاع أن يلمح تقطيبتها ليتساءل بتعجب :
_ مالك ؟؟مكشرة كده ليه !!
تنهدت وأجابته بنزق:
_دكتورة من المستشفى كلمتني وقالت انزل من النهاردة .
إبتسم على تذمرها مضيفاً:
_اه عارف كلموني بردوا قالوا في إجتماع مهم.
نظرت له ولإبتسامته بسخط مردفة :
_ كان نفسي نخلص قراءة النهاردة .
أمسك وجنتها مداعبا لتبتسم قليلاً وهو يقول :
_يا حبيبتي ده شغلنا واكيد ماما مش هترضى انه يتأثر وتعب السنين اللي فاتت يروحهدر ، وبالنسبة للقراءة قدامنا وقت وزي ما صبرنا السنين ال فاتت نصبر كام ساعة .
تناولت كوب الشاي الساخن ترتشف منه بضع قطرات وأضافت :
_ طب يلا نفطر عشان نروح نشوف في ايه.
........
بالفعل لم تمر سوى اقل من ساعة وكانوا بالمشفى.
دلفوا للداخل وجذبوا بهيئتهم وحضورهم الطاغي الانظار اليه.
توجهوا الى مكتب المدير بعدما سألوا عاملة الاستقبال عنه .
كان المشفى على قدر من الإمكانيات والتجهيزات مصمم علي أحدث مستوي على الرغم من انها مشفى حكومي ولكن إحقاقا للحق كان كأنه مشفى خاص على أعلى مستوى .
نظرات التعجب فاضت من عيني الاخوين لهذا الامر ،فلم يظنا أنهم سيجدون المشفى بهذا الوضع ، دلفا الى المكتب ليجدوا رجلا كبيرا في السن الى حد ما يبدو انه كبير الأطباء هنا وقف عبد الرحمن وعرفه بنفسهم ليقابلهم بإبتسامة مجاملة متحدثا:
_ اهلا يا دكاترة اتفضلوا .
شرعوا في الجلوس مردفين بروتينية :
_اهلا بحضرتك.
جلس ثلاثتهم ليبدأ عبدالرحمن الكلام متسائلا:
_ممكن نفهم ليه كلتمونا انهاردة بالرغم ان ميعاد استلمنا للشغل بعد يومين .
نظر له الطبيب بإبتسامة متسائلا:
_حضرتك مش عاوز تشرفنا ولا ايه يا دكتور؟
كان وجه الطبيب بشوشا أجبره على الإبتسام مجاملة متحدثا:
_ لا العفو انا بس متعجب!
نظر إلى الحور الصامتة مراقبة للحديث وتساءل:
وانتي يا دكتورة؟
أزالت نظاراتها الشمسية من فوق عيناها متحدثة بعملية :
_ النهاردة او بعد يومين مش هتفرق كتير كل الحكاية عاوزين نفهم ايه الأمر الضروري ال جد .
شملتها نظراته يزهو وأردف:
_ زي ما سمعت عنك يا دكتورة معروفة بالجدية بصراحة انتم الاتنين تشرفوا بإنجازاتكم ومهاراتكم ..وانا فخور ان قبل ما امشي من هنا إتعرفت عليكم اما بالنسبة للأمر الطارئ فأستاذ ادهم ميعاد وصوله اتقدم .
أنت تقرأ
زهرة
Romanceقصة عشق بين طرفين مع كل إفتراق يشتد عضد عشقهم أكثر كانت تائهة في الحياة لا تعلم كيفية التنفس بحرية ليدلف حياتها ويحولها إلى طائر محلق في سماء عشقه. بينما هو كان جاد في حياته ، كانت تثير ريبته وغضبه وما إن أعلن قلبه التمرد حتى أصبحت أثمن من أنفاسه و...