الفصل الرابع عشر (ترقب)

337 31 30
                                    

الفصل الرابع عشر /
حينما يدركنا الخوف نفقد إتزاننا ، نشعر بأن أنفاسنا ستتوقف في لحظة ما ، وكأننا في سباق مع الحياة .
(( لا أستطيع أن أصف لكم مقدار خوفي في تلك اللحظة ، كانت الدماء تتصاعد لرأسي وكأنها بركان من النيران ، كنت كمن ينازع الموت ، دائما كنت أحثكم على عدم الخوف وأغرز بكم الشجاعة والقوة لألا تعيشوا مثلما عشت أنا أو تمروا بلحظات كهذه اللحظات التي مرت عليّ وأنا أرحب بسقوطي من فوق تلك الدرجات هاربة من تلك الايادي التي لم تكن سوى أيادي الآمان لي ))
كانت تهرول خوفاً وهربا وما إن شعرت بأحدهم يمسك ذراعها صرخت تزامناً مع سقوطها من فوق الدرج .
تدحرجت بقوة آلمتها ولكن آلمت نبيل بالأكثر الذي صرخ بفزع عندما رأها تسقط هكذا أمامه مجرد ما لمس ذراعها.
إجتمع من في البيت على أصواتهم حتى أن سمية هبطت وتبعها الأطفال وحمدي الذي ظل يتابع ما يحدث من بعيد ، بينما وليد جثى وحملها بين ذراعيه بعدما رأى نبيل واقفا في حالة من الصدمة .
بعد ما يقرب الساعة/
خرجت سمية وحورية من غرفة زهرة بعدما ساعداها على الإغتسال وتطهير الكدمات التي ظهرت عليها إثر سقوطها ، وبمجرد خروجهم دلف نبيل في لهفة ليطمئن عليها وكاد الأطفال أن يتبعوه إلا أن سمية تحدثت إليهم قائلة:
_ إيه رأيكم يا حلوين نسيب ماما ترتاح شوية وتيجوا معايا تاكلوا كيكة في المطبخ وبعدها تلعبوا مع أدهم .
في الداخل بعد أن أغلق باب الغرفة إقترب منها في ترقب لقسمات وجهها التي يبدو عليه الألم ، فتحت عيناها عندما شعرت به يجلس بجانبها وعندما رأت الحزن بعينيه فهمت أنه حٓمّل نفسه مسؤلية ما حدث لذا إبتدأت الحديث :
_ إنت ملكش ذنب يا نبيل ، أنا كنت سرحانة ، سمية كانت بتحكيلي إل حصل مع أولاد عمك وكنت بفكر إزاي أقدر أتصرف خصوصا إنهم بيحملوني المسؤلية ، وبصراحة أنا حسيت بالذنب .
إقترب منها نبيل وإحتضنها بهدوء وحنان وظل يمسد على شعرها بضع دقائق إلا أن قالت بمرح :
_ لو فضلت كده هنام .
إبتسم بحب وأردف:
_ نامي ..نامي وإرتاحي .
أبعدت رأسها قليلا ونظرت له بمحبة وتساءلت :
_ عاوزني أرتاح ؟
عبس بإستنكار من سؤالها السخيف من وجهة نظره ولكنه أجابها بحب:
_ مش عاوز غير راحتك.
إعتدلت في جلستها سريعا ولكنها أٓنّت وجعا ليهتف بها :
_ خلي بالك .
ثم أعدل لها الوسادة لتستريح فوقها.
نظرت له بإمتنان ثم بدأت حديثها:
_ نبيل أنا عاوزة أعيش بعيد عن هنا .
قطب حاجبيه بتعجب وتساؤل وقبل أن يتفوه بسؤاله كانت قد قرأته في عينيه لتسترسل حديثها له :
_ نفسي نعيش في بيت يبقى مملكتنا إحنا ، نربي ولادنا ونكبرهم ونعيش في هدوء من غير مشاكل ولا زعل .
أسند ظهره للخلف وتحدث مفكرا:
_ أنا عارف إنه من حقك تعيشي في بيت لوحدك أو على الأقل يبقى ليكي شقتك ، بس الحاج هيزعل وخصوصا إنه دايما كان بيحلم بإنه يجمع عيلته كلها سوا ويبقوا إيد واحدة .
ظهر القلق على وجهها ولكنها تشجعت وتشدقت:
_ شوف يا نبيل أنا ...
قبل أن تكمل حديثها إعتدل وتساءل بعنف مغلف بقلق:
_ في حد بيضايقك ، حد بيزعلك أو حاجة بتحصل معاكي ومخبياها عني .
زاغت عيناها من التوتر ولكنها نفت برأسها وتحدثت سريعاً:
_ أنا بس مش عارفة أخد راحتي هنا ، أنا عشت عمري كله مش قادرة أخرج بشعري بره أوضة نومي ، الأول كان بسبب عم محروس وسعد ، وكنت في بيت الأستاذ ممدوح بحاول أحرر نفسي لكن أغلب الوقت كنت بلبس الحجاب تحسباً لأي ظرف ، وهنا مبقدرش ولا ينفع أشيله بره الأوضة دي ، حاسة في ضغط كبير عليا مش قادرة أعيش في راحة وهدوء وأحس أنه بيته أتحرك براحتي في لبس مريح ، وكمان عاوزة أعود حور وعبد الرحمن يناموا لوحدهم بس ده مش هينفع لأن هتبقى أوضتهم بعيدة ، وعاوزة أطبخلك كل يوم الأكل بإيدي ، ياعني عاوزة أعيش حياة مستقلة ومستقرة .
كان يتابع حديثها بتمعن ، وكانت هي تتلعثم وتحرك يداها بعشوائية محاولة السيطرة على توترها ، وبالرغم من صدق حديثها وإقتناعه بما قالته إلا أنه شعر بشيء مفقود ، كان حديثها بالنسبة له كالأحجية وهناك قطعة مفقودة ، هناك بعيناها التي تتهربان منه خوف ....من ماذا هي خائفة؟
كان يفكر في إجابة هذا السؤال بينما هي كانت تأخذ نفسها بعمق عل دقات قلبها تهدأ متمنية أن يقتنع بحديثها.
وبالفعل شعرت بالراحة بعد أن سمعت حديثه:
_ حاضر يا زهرة ، إن شاء الله هجهز بيت لينا إحنا الأربعة بس ، لكن عاوز منك تتحملي بس لآخر السنة أكون جهزت كل شيء وتكون أمور البيت هنا إستقرت وأكلم الحاج وأعرفه الموضوع ، ومنها يبقى في وقت يقضيه مع الولاد إنتي عارفة هو متعلق بيهم قد إيه .
سعدت كثيراً وظلت تضحك في فرح وشعور الراحة يغلف قلبها لتحتضنه بقوة غير عابئة بآلامها ، فتبسم هو وبادلها الاحتضان وعقله شارد فيما تخبئه عنه.
.............
مرت عدة أيام كانت الأحوال في البيت متأهبة ، هناك في منزل مجاور يبعد عن المنزلين بضع أمتار يتجهز سكن أشرف الذي أصر على العيش منفصلا عن منزل العائلة وإبتاع المنزل المجاور هو وشقيقيه على أمل كلا منهم يقوم فيما بعد بتجهيز دور وينتقلوا له .
وفي ليلة الزفاف/
كانت أجواء الفرح والسعادة منتشرة ، والجميع يعمل على قدم وساق ، والأهل والجيران يحتفلون ويتبادلون الأحاديث.
الجميع يشعر بالسعادة أو الراحة إلا من قلبين أحدهما لأشرف الذي من المفترض أن يكون الأكثر سعادة فاليوم زواجه والآخر لشقيقته نوارة التي إتخذت من غرفتها ملجأ لها ولبكاؤها.
إقتربت الحاجة تفيدة من العروس الذي لم يختلف شعورها كثيرا عن حال زوجها وقامت بتقبيلها وهي تهمس بأذنها :
_ إفردي وشك وإضحكي ، الناس بدأت تتكلم ، عاوزاهم يقولوا إيه غاصبينك على الجواز .
جاءت نعمة إليهم وباركت للعروس ثم وجهت حديثها لفوزية:
_ فين الدهب يا أم أشرف علشان تلبسيه لمرات إبنك .
_ عند نوارة زمانها هتجيبه ونازلة .
أنهت حديثها لتوجه تفيدة حديثها لزهرة لأول مرة :
_ أم عبد الرحمن إطلعي إستعجلي نوارة .
نظرت لها تفيدة بحنق ولكن لم تتحدث بينما زهرة وافقت على الفور وصعدت بعد أن أعلمتها سمية أي الغرف تابعة لنوارة .
طرقت الباب عدة طرقات ثم دلفت لتجد نوارة جالسة بشرود أمام النافذة الزجاجية المغلقة .
إقتربت منها بهدوء ووضعت يدها فوق كتفها بحذر لتتساءل نوارة بجمود بعدما رأت إنعكاسها فوق الزجاج:
_ خير يا زهرة ؟ عاوزة حاجه ؟
شعرت زهرة بالحرج وتحدثت:
_ بيستعجلوكي تحت علشان تنزلي بالدهب .
أماءت لها نوارة بهدوء ووقفت منتوية تنفيذ ما أُمرت به فهي تعتبر نفسها آلة لتنفيذ الأوامر والطلبات في هذا المنزل ولا أحد يلتفت لما تريده .
ولكن بعد أن خطت خطوتين سقطت أرضاً مغشياً عليها .
فزعت زهرة وهٓمّت لتصرخ ولكن أحكمت كفها فوق فمها بقوة لكي لا يسمعها أحد وهي تنظر بفزع ورهبة لجسد نوارة الساكن بلا حركة ولما سقط من بين كفها.
مرت دقيقتان تقريباً قبل أن تستفق من صدمتها وأخذت ذاك الشيء الصغير والذي ما هو سوى إختبار حمل والذي يوضح وبقوة إيجابيته ، كانت يداها ترتعش وهي تنظر للخطين أمامها تارة ولنوارة المغشية عليها تارة أخرى.
شعرت بحركة أمام الباب فخبأت إختبار الحمل سريعاً في حقيبتها وإقتربت من نوارة تضربها برفق فوق وجنتيها تزامنا مع دلوف فوزية للغرفة التي ما إن رأت هذا المشهد أمامها قامت بلطم وجهها في صدمة وإقتربت سريعا من إبنتها تناديها في إلتعاع.
كانت زهرة تشعر بالتشتت نظرت بجانبها فوجدت كوب ماء أخذته ونثرت منه فوق وجه نوارة لتبدأ الأخير بالإيفاقة بتمهل.
رأت زهرة فوزية تنظر لها بشك فشعرت بالخوف لتتحدث فوزية بعداء:
_ شوم ، دخلتك علينا شوم ووشك وش بومة ، المصايب مش بنلاحق عليها ، حتى مجرد ما دخلتي على بنتي أوضتها أشوفها بالمنظر ده ، قومي إنزلي وبلاش أشوف وشك تاني في بيتي .
هبطت دموع زهرة لا إراديا ووقفت وذهبت سريعاً بينما نوارة التي إستعادة وعيها بالكامل وساندتها والدتها لتقف كانت تبحث بعيناها عن ذاك الإختبار وحينما لم تراه شعرت بإقتراب نهايتها.
..........
هبطت زهرة لأسفل وكانت ترغب في الرحيل للمنزل الآخر والمكوث بغرفتها ولكن خوفها مما قد يحدث وهي وحيدة  جعلها تتراجع عن تلك الفكرة لتذهب وتجلس بجلنب سمية مرة أخرى بعدما أزالت آثار دموعها ولكن لم تستطع إزالة رجفة قلبها مما تحمله حقيبتها ولم تتمكن من تخطي ما قالته لها فوزية .
لاحظت سمية وجهها العابس ولكن لم تستطع سؤالها لتعالي الزغاريط عندما بدأت فوزية في تقديم الذهب لعروس إبنها ،بينما نظرات نوارة كانت مترقبة تخص بها زهرة التي كانت تبادلها النظرات بحزن .
........
إنتهت الليلة أخيرا وإنفض المجلس وذهب كلا منهم لمنزله ولغرفته بعد الحديث قليلا عن تلك الليلة .
بغرفة نبيل/
كانت زهرة شاردة حتى أن نبيل قد أبدل ملابسه بعد أن إنتهى من مساعدة أطفاله على تبديل ملابسهم وحملهم للفراش وظل بجانبهم إلى أن غفوا بينما زهرة على حالها منذ دلوف الغرفة، جالسة بسكون وشرود على الأريكة لم تشعر بما يدور حولها ولا حتى بنبيل الذي جلس بجانبها.
كان قد شعر بها وأن هناك ما حدث فقرر تركها قليلا وساعد الأطفال هو ثم جلس بجانبها ليعلم ما الذي تفكر به .
إحتضن كفها بين كفيه ليجذب إنتباهها متسائلا:
_مالك يا زهرة ؟ شكلك متغير في حاجة حصلت في الفرح؟
نظرت له زهرة بقلق واضح لا تعلم ماذا تقول له وما هي ردة فعله إذا أخبرته ؟
كانت حائرة وهو رأي ذلك فتحدث بهدوء:
_ أنا موجود دايما علشان أسمعك ، لما تلاقي نفسك قادرة تتكلمي هتلاقيني بستناكي تحكيلي.
ألقت برأسها على كتفه ليحاوطها بذراعه مستمعا لما تقول :
_ صدقني عاوزة أحكيلك وأقولك لكن مش هينفع على الأقل دلوقتي خصوصا إن الموضوع ميخصنيش.
شدد من إحتضانها قائلا بمرح:
_ بتشوقيني وتزودي فضولي ، طب كنتي قولي مافيش حاجه يمكن كنت أكذب عيني وقلبي إل حاسين بيكي ، لازم تبقي صريحة وتقولي في حاجة فعلا شغلاكي بس مش هتقدري تقوليها.
ضحكت بهدوء على حديثه وتحدثت بجدية :
_ أنا عاهدت نفسي أكون صادقة معاك ، لكن الموضوع ده صعب أنا مش عارفة هتكلم فيه إزاي ولا أقولك إيه ، لكن أوعدك أقولك في أقرب فرصة  بس أعرف تفاصيله ، لكن إنت كمان توعدني إنك تسمع بهدوء وتحاول تحل المشكلة دي من غير عصبية ياعني على قد ما تقدر .
كان يمرح سابقا ولكن بعد حديثها شعر بجدية ما يشغلها لذا تساءل :
_ زهرة في إيه ؟ كلامك ده قلقني حاسس إنها مشكلة كبيرة وإلا ميبقاش صوتك متوتر وقلقان كده .
أماءت له وأجابته:
_ هي فعلا مشكلة كبيرة وكبيرة جدا كمان وممكن تبقى كارثة لو حكمنا الغضب والعصبية ، الموضوع ده محتاج هدوء .
وقفت وإبتعدت من جانبه بعدما شعرت بنفسها على وشك البوح له بما رأته ، ولكن الحديث في هذه المسألة ليس بسهل فعليها أولا التأكد من صدق ما بحوزتها عله لايكن لنوارة وأنها تحتفظ به لأخرى ، عل نظرات نوارة الخائفة المترجية لها سببها شيء آخر ، عل تحدث معجزة تنفي هذا الأمر .
كانت شاردة تفكر وهي تقوم بتبديل ملابسها بينما نبيل يراقب شرودها بقلق ولكنه تماسك لألا يشعرها بالخوف منه مرة أخرى.
..........
بينما في منزل أشرف /
وقفت مريم منتظرة دلوفه للغرفة ولكن طال الوقت وهو مازال بالخارج لتستجمع شجاعتها وتفتح باب الغرفة فتراه جالسا فوق الأريكة .
إقتربت منه بهدوء وقد غلف صوتها الخجل وهي تحادثه:
_ أشرف .
نظر لها سريعاً ليجدها أمامه بثوب الزفاف ، كانت جميلة ورقيقة ، مريم  تلك الفتاه التي تمتلك من الجمال الحظ الأوفر ، كانت من أجمل فتيات البلدة ، عرفها ورأها سابقا وهي تذهب لمدرستها الثانوية وكان ينوي خطبتها ولكن لم يسعه الحظ ففي مرة من المرات رأها واقفة أحد الحقول تختبيء خلف شجرة ما تحادث أحدهم ، كان يشعر بالغضب والغيرة ولكن غضبه تحول لصدمة عندما رأى أن الشخص الذي تحادثه هو صديقه مجدي .
فاق من ذكرياته بعدما وجدها تناديه مرة أخرى وتتساءل في إرتباك :
_ أجهزلك العشا .
نظر لها متفحصا فشعر بالسعادة عند رؤية خجلها وإرتباكها من نظراته ليقرر محاولة نسيان ما يعلمه حتى وإن كان النسيان لليلة واحدة.
.............
صباح اليوم التالي/
تفاجأ الجميع بمنزل عبد الرحمن لنوارة التي أتت تحت ذريعة تناول وجبة الإفطار معهم فرحبوا بها وجلست هي وعيناها تناشد الرحمة من زهرة .
لاحظ نبيل نظراتهم المتبادلة ففكر بطريقة لمعرفة ما يحدث فوجه حديثه لنوارة :
_ نوارة إبقى إطلعي مع زهرة أقعدي معاها إتسلوا سوى وأهو تقربوا من بعض إنتوا .
ضحكت نبيلة بسخرية قائلة:
_ معلهش يا نوارة إبن عمك عاوز ست الحسن والدلال مراته تتعرف على العيلة .
أنهت حديثها بضحكة لتتحدث سمية سريعاً محاولة تلطيف الأجواء:
_ لا أنا كده أزعل هو أنا ماليش مكان ولا إيه، هتقعدوا سوا هكون معاكم وأهو بالمرة نتفق نجيب إيه هدية لمريم .
تحدث الحاج عبد الرحمن بحب:
_ ربنا يبارك فيكم يابنتي ، أصيلة يا سمية ومحترمة وتعرفي الواجب .
خجلت سمية بينما أضاف وليد:
_ فيروز كانت عاوزة تنزل تشتري شوية حاجات ممكن تتفقوا وتنزلوا سوا والحاج عبد الرحمن بذات نفسه سامحلكم.
ربت والده على كتفه وأضاف:
_ وكل ال يشتروه على حسابي .
هٓم وليد على الإعتراض فإسترسل والده:
_دول بناتي وغلاوتهم من غلاتكم .
تحدث حمدي وكانت من المرات القليلة التي يتدخل فيها بالحديث:
ربنا يخليك يا حج بس أنا إسمح لي .
ثم وقف وأخرج من محفظته مبلغ من المال وأعطاه لسمية قائلا:
_خلي دول معاكي .
ثم رحل بعدما ألقى تحية السلام .
أخذت سمية المال ببارقة أمل بينما عبد الرحمن أخذ يدعو له في صمت عل قلبه يطمئن .
........
في غرفة زهرة /
جلست زهرة وسمية وفيروز ونوارة يتحادثون فيما حدث الليلة الماضية في الزفاف .
كانت نوارة وزهرة يتبادلون النظرات القلقة فيما بينهم فشعرت بهم فيروز فوقفت قائلة:
_ أنا حاسة إن في حاجة عاوزين تتكلموا فيها فأنا هنزل تحت وإنتوا خدوا راحتكم .
نظرتا لها وقبل أن يحاولوا نفي حديثها وقفت سمية هي الأخرى مضيفة:
_ وأنا كمان هنزل ونبقى نكمل قعدتنا وكلامنا مرة تانية .
وقفت زهرة سريعاً متحدثة بتلعثم:
_ إنتوا بتقولوا إيه؟ أقعدوا إحنا مخلصناش كلامنا ...
_أنا حامل .
نطقت بها نوارة بضياع.
ليصمتن ثلاثتهن وتجلس زهرة بإنهاك مرة أخرى فوق المقعد بعدما تلاشى أملها في تكذيب ما علمته ، بينما سمية وفيروز وقفن كمن على رؤسهن الطير ، كلا منهن تعصف برأسها الأفكار ، لتنظر لهن زهرة وتبدأ بذرف الدموع فتأكدت كل واحدة منهن أن ما سمعته حقيقي.
كانت حالتهم هن الأربعة خائرة ولكن نوارة التي أخذت في البكاء بقوة محاولة أن تكتم شهقاتها بيدها لألا يسمعها أحد بالخارج كانت حالتها مذرية بحق .
قامت شقيقتها بإحتضانها وهي تبكي بقوة على حال شقيقتها وما وصلت إليه وتحدثت بعتاب :
_ليه ؟ ليه يا نوارة تعملي في نفسك كده ؟ ليه تخبي عليا حاجة زي دي ؟ إمتى ده حصل ؟ وإزاي قدرتي تخدعينا كلنا ؟
نظرت لها زهرة بمغزى وأردفت من بين دموعها :
_ الكلام ده دلوقتي مافيش منه فايدة ، لازم نفكر هنعمل ايه؟
قاطعتها فيروز بعنف غير مقصود مردفة :
_ لو دي أختك كنتي هتقولي كده وهي واقعة في المصيبة دي ؟
نظرت لها زهرة بلوم بينما سمية حاولت إستجماع نفسها وتحدثت بتعقل:
_ زهرة معاها حق يا فيروز ، الأسئلة دي مش هتجيب نتيجة ، ال حصل حصل المهم ال هيحصل .
نظرت زهرة لنوارة وأعطتها كوب من الماء فأخذته منها بيد مرتعشة وإرتشفت القليل وهي تستمع لسؤال زهرة:
_ دلوقتي هو يعرف موضوع الحمل ده ؟
نفت نوارة برأسها ، لتتحدث فيروز بتوتر :
_ هنعمل إيه في المصيبة دي ؟ ده الحاج خلاص كلم المحامي علشان يرفع قضية الطلاق وعملوا الإجراءات.
إنتي ازاي تفرطي في نفسك ؟ إزاي بعد كل ال حصل ؟
وقفت نوارة تجيبها ببكاء:
_ إحنا ملناش ذنب في كل المشاكل دي ، سواء مجدي ولا أشرف أو حتى أدهم إحنا ضحية ليهم ، ذنب محمود إيه يدفع تمن غلط أخوه ، وذنبي أنا إيه أتحمل نتيجة الغلط ده ، مجدي وبياخد عقابه ، وإخواتي وكل واحد فيهم هيعيش حياته وأهو أشرف ومريم أساس المشكلة إتجوزوا وأنا مكتوب كتابي أربع سنين وحياتي واقفة .
وقفت سمية قبالتها وأردفت :
_ كل ده معاكي حق فيه ، لكن ميغفرلكش غلطتك في حق إخواتك وحق نفسك الأول ، صحيح إنتوا كاتبين كتابكم لكن كده بقت فضيحة .
برز الغضب بعيناها وتحدثت دون وعي :
_ بلاش إنتي تتكلمي ولا نسيتي إنك متجوزة بفضيحة ، ثم نظرت لزهرة قائلة:
_ أول معرفتنا بيكي كانت بفضيحة زي دي ، ولما خرجتي من البيت كانت بفضيحة ، وإنتي يا فيروز بعد ما فضلتي سنين مستنية نبيل يخطبك حتى بعد ما إتجوز وكنتي دايرة وراه في كل مكان إتجوزتي أخوه دي مش فضيحة .
لم تحتمل فيروز حديثها فرفعت يدها وصفعتها تزامنا مع دلوف نبيل ووليد للغرفة وعلى ما يبدو من وجوههم أنهم إستمعوا لما قيل.
وقفن الأربعة بجانب بعضهن كلا منهن في حالة ترقب ، بينما نبيل في حالة غضب عيناه تعصف ولسانه رُبط وكأنه قُيد ، بينما وليد إستطاع بجدارة يحسد عليها أن يسيطر على غضبه وتساءل بهدوء مصطنع:
_ إيه بيحصل هنا ؟ وليه بتقولي الكلام ده ؟
نظرت الفتيات لبعضهم متسائلين بداخلهم عما إستمعوا له تحديداً ليجيبهم نبيل عن سؤالهم ذاك بسؤال صارخ:
_ ما تردوا .. إنطقي يا نوارة ليه بتقولي الكلام ده ؟ إزاي جاتلك الجرأة تهينيهم بالشكل ده ؟ أصل مين سمحلك تتكلمي عن زهرة كده ؟
ظهر الإرتخاء على أوجه الفتيات مما جعل كلا من نبيل ووليد يتعجبون ولكنهم أفطنوا أن هناك المزيد ، وقفت زهرة أمام نبيل تحاول إستمالة غضبه مردفة:
_ إهدي .. محصلش حاجة ، هي بس... ياعني نوراة أعصابها تعبانة من المشاكل ال حصلت ، وجواها غضب وزعل وإتعصبت ومش عارفه هي بتقول إيه ؟ وإحنا مش زعلانين منها ، مش كده يا بنات .
نظرت لفيروز وسمية لمساندتها لتتحدث سمية سريعاً:
_ طبعا مش زعلانين ، نوارة أختنا ، وياما بيحصل بين الأخوات .
بينما فيروز وقفت ساكنة عيناها تطوف زوجها خشية أن يكون كلام شقيقتها أثر عليه .
حاولت زهرة إصطناع المرح متسائلة:
_وبعدين إنتوا داخلين الأوضة زي البوليس كده ليه ؟ مش عارفين إني ممكن أكون بشعري مثلا .
نظر لها وليد بسخرية وأردف محاولا مجاراة مرحها الكاذب :
_ وإنتي صحيح مينفعش تبيني شعرك قدام جوزك وأخوكي .
ضربت زهرة رأسها بكف يدها بمرح وهي تشاكسه قائلة:
_ تصدق صح إنت أخويا وهو جوزي ، يالا زي بعضه هسامحكم المرة دي ، بس المرة الجاية إبقوا خبطوا علشان لو كاشفة راسي.
أنهت حديثها بضحكة متلعثمة تحاول تشتيت إنتباههم ، ليرد عليها نبيل قائلا:
_إحنا كنا معديين قدام الأوضة بالصدفة وسمعنا كلام نوارة لأن صوتها كان عالي .
تبسمت زهرة بتوتر بينما وليد جذب ذراع شقيقه يحثه على الخروج قائلا:
_ كملوا كلامكم بس هدوا الصوت شوية .
وكادوا الرحيل إلا أن قدماهم تيبست عند الباب بعدما إستمعوا لإعتراف نوارة .
شهقت الفتيات ونظرن لها بعتاب ثم لنبيل ووليد بخوف .
أغلق وليد الباب مرة أخرى بفزع وإستدار سريعاً ينظر لزوجته علها تنفي حديث شقيقتها إلا أنها نظرت أرضاً في خزي .
بينما نبيل جلس فوق المقعد ينظر لنوارة بغضب  .
لم تستطع نوارة الصمود فخارى جسدها أرضا تنتحب لتجلس سمية بجانبها تربت على ظهرها بشفقة .
مسح وليد وجه بعنف وسأل بغضب:
_ محمود عارف ؟
لم تجبه نوارة لشدة إختناقها بالبكاء فتلعثمت زهرة وأجابته:
_ لأ .. مافيش حد يعرف غيرنا .
أنهت حديثها ونظرت لزوجها فوجدته يتأهب لصفع نوارة فوقفت حائلا بينهم وإرتمت بجسدها تحتضنه بقوة مانعة إياه من الوصول لها ، بينما وليد أخذ يتحرك بالغرفة في حالة من الغضب والتوتر .
مضت ربع ساعة كان الجميع في حالة سكون إلا من بكاء الفتيات وكأنهم بذلك يشاركنها ويواسينها ، إبتعدت زهرة عن نبيل بعد ما شعرت بهدوئه قليلا ونظرت لعينيه بآسف مردفة :
_ أنا آسفة إني مقولتلكش إمبارح ، بس أنا كان عندي أمل يطلع كل ده مش حقيقي.
أغمض عيناه بعنف ثم فتحهم مرة أخرى ووجه حديثه لإبنة عمه :
_ بقالكم قد إيه؟
إرتجفت وظهر صوتها مهزوزا وأجابته:
_ لسه عارفة بالحمل إمبارح.
غضب وتحدث بصوت عالٍ:
_ أنا بسألك بقالكم قد إيه بتستغفلونا ؟ بقالكم قد إيه بتضحكوا علينا ؟
جلس وليد فوق الأريكة وأضاف على كلام أخيه بعتاب :
_أنا مش قادر أصدق يطلع منك إنتي الكلام ده ، الحاج كان دايما يقول بين ولاد أخويا نوارة ليها غلاوة لوحدها أكتر واحدة شبه أبوها ، هتقوليله إيه ؟
إستجمعت سمية شجاعتها وتحدثت بتوتر :
_ أنا شايفة إنكم متقولوش للحاج أو لأي حد حاجة ، وتحاولوا توقفوا القضية .
تدخلت زهرة مؤيدة قائلة:
_ فعلا القضية دي لازم تقف ، وبعدين طالما هو مرضاش يطلقها يبقى باقي عليها وعاوزها ، وانا على ما سمعت منك يا نبيل إنه شخص محترم وكويس وكنت بتشكر فيه ، يبقى الحل إنكم تحاولوا تتمموا الجوازة .
وقف وليد قائلا بثبات:
_ فعلا هو ده الحل .
ثم خرج تبعته فيروز في خزي وألم.
بينما سمية ساعدت نوارة على الوقوف وأخذتها للخارج وقبل أن تغلق باب الغرفة سمعت نبيل يحادثها:
_ ياريت يا أم أدهم الكلام ده ميوصلش لحمدي .
أماءت له في تفهم وأغلقت الباب عليهم.
وقف وإقترب من زهرة وأمسك يدها مقبلا إياهم ثم أردف بنبرة تعشق حنانها والحب المنبثق منها :
_ أنا آسف...آسف على كل لحظة إتوجعتي بسببي ، آسف إن بسببي جه اليوم وتسمعي كلام زي ده ، آسف إني تميت جوازنا قبل ما يعرفوا هنا ، آسف على إبننا إل راح بسببي وإني مقدرتش أحميكي ، آسف على كل ثانية عدت عليكي في ليلة ما غلبني شيطاني ، آسف على كل وقت عدا عليكي بعيد عن حضني .
إرتمت زهرة بأحضانه تبكي بتآثر واضح ليشدد من إحتضانها مستمعا لإعترافها بشغف وكأنه يستمع له لأول مرة:
_ بحبك يا نبيل ، بحبك يا نصيبي الحلو من الدنيا.

زهرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن