الفصل الثامن عشر /
يتجلى الزمن وما بداخل القلوب لا ينتهي بل أحيانا يزداد ويقوى مع التقدم بالعمر .
جالسا يحتسى كوب القهوة وهو يتصفح هاتفه النقال ويبدو على هيئته الإتزان وزادته خصلات الشعر البيضاء الوقار لتجلس أمامه جاذبة نظراته إليها فتبادر بالحديث :
_ كنت عاوزة أطلب منك طلب يا محمود.
نظر لها بتفحص ثم إبتسم قائلا:
_مش محتاجة تطلبي ، أنا حجزت التذاكر علشان ننزل البلد نطمن على أدهم وتحضري عيد ميلاد كنزي .
تهللت أساريرها ونظرت له بتساؤل ليسترسل :
_ شوفي يا نوارة أنا عاهدت ربنا وعمك الله يرحمه إني أعاملك بما يرضي الله ومنساش أبدا وقفت نبيل رحمة الله عليه ووليد ربنا يكرمه بالصحة معانا ولولاهم كان زمانا حالنا حال تاني ، وعارف إن الحفلة إل هيعملها أشرف أخوكي لبنته علشان عيد ميلادها هتكون زي لم شمل العيلة كلها ودي كانت رغبة عمك دايما وكان شايف إن أشرف هيربط الإخوات ببعض ومعاه حق فأنا مش هقصر من ناحيتي وأبعدك عن عيلتك علشان كده حجزت التذاكر لينا وللولاد وبكرة إن شاء الله هنسافر .
وقفت سريعا تحتضنه معبرة بذلك عن إمتنانها له فهو كل يوم منذ زواجهم يثبت لها أنها كانت محقة في التمسك به .
..........
بينما في بلد آخر نائمة فوق فراشها تظهر على ملامحها النائمة بالكذب الغضب بينما هو واقفاً يحاول السيطرة على ضحكاته عليها ومن ثم إقترب وناداها:
_نيڤين ..نوڤا حبيبتي الست العاقلة ال مش زي الأطفال أبدا وبتغضب على أقل حاجه إنتي نمتي ؟
أعدلت وضعيتها للجلوس منتفضة ليتناثر شعرها على وجهها ليضحك بمليء فاهه قائلا بمرح :
_ مش لايق عليكي الغضب والنرفزة دي .
عاتبته بعينيها قبل حديثها وأردفت :
_ ينفع أخويا يبقى مضروب بالرصاص مش بأي حاجة تانية وتخبي عليا .
حاول المزاح قائلا:
_هي المشكلة مضروب بإيه ؟ ماهو ظابط يا نوڤا طبيعي لما ينضرب يبقى بالرصاص .
عقدت حاجبيها بغضب وبعصبية شديدة تحدثت :
_ إنت شايف إن ده وقت هزار ، لو إبنك إتجوز هتبقى جد ولسه بتهزر في المواضيع المهمة ، وبعدين إزاي جالك قلب تخبي عني إفرض كان حصله حاجة عمري ما كنت هسامحك يا أمير ، إنت عارف أنا ماليش غيره هو ورضوى ال باقيين من عيلتي.
نظر لها بعتاب وأردف :
بقى كده طب أنا ونبيل مش عيلتك .
وجدت الحزن طاف بعينيه لتتحدث بصدق :
إنت ونبيل أحسن حاجة حصلتلي ، لكن دول إخواتي يا أمير وإنت عارف قد إيه بحس نفسي مسؤولة عنهم .
ربت على يدها بحنان متشدقا:
_ لو كنتي عرفتي من يومها كان لازم هتسافري وانا سألت ملقيتش تذاكر فكنتي هتفضلي قلقانة ، وعموما بكرة إن شاء الله هنسافر ونقعد معاهم شهر تكوني إطمنتي وحضرتي عيد ميلاد بنت أختك .
نظرت له بحنق ومازال العبوس على وجهها لتزيح يده برفق قائلة :
_ لما أقوم أحضر الشنط .
........ ..بعض الحكايات ننسجها بمخيلاتنا وبعضها ينسج نفسه وعلينا مجاراة أحداث حكاوينا لنصل لبر الآمان
في منزل آل الدمنهوري /
ظل الصمت حليفهم لبعض الوقت قطعته هي بإمتنان:
- متشكرة على مساعدتك.
لاحت التسلية بعينيه لثوان فقط ثم أردف بجدية :
- بالعكس أنا إل المفروض أشكرك على شجاعتك وقوتك إحنا معملناش حاجة تقريباً إنتي ال وقفتيهم كلهم عند حدهم ، ياعني كان ممكن أصلا متتصليش ولا تحتاجينا، بس إنتي عملتي الصح .
إرتبكت من تلميحاته ، أي شخص آخر قد يجده حديث عادي ولكنها تعلم أنه مبطن بالكثير من الكلام الغير مباشر لذا بادرت في إنهاء حديثه قائلة:
- أنا كنت هدور عليك علشان أقولك إني هرجع شقتي.
نظر لها بهدوء وإسترسل بغموض:
- ياريت تقبلي ضيافتي الفترة دي لما الأمور تستقر .
نظرت له بتردد ليسترسل في محاولة لإقناعها:
-إعتبري نفسك في أجازة تريحي أعصابك شوية.
فكرت حور في كلامه جيدا فربما هي حقا تحتاج للراحة بعد ما مرأت به ، ولن تستطيع المكوث وحدها قبل أن تغلق هذه القضية لذا أومأت له بالموافقة لتشرق إبتسامة لم يتكبد عناء إخفائها ؛وأشار لها بإتجاه الدرج وأردف :
-تعالي أعرفك بعيلتي.
هبطت معه للأسفل وعقلها ملئ بالكثير للتفكير فيه.
تقدمت معه لحجرة الطعام لتجدها ممتلئة بأفراد أسرته الذي بدء بتعريفهم:
أشار لوليد المترأس الطاولة وقال بفخر لمع بعينيه قبل صوته:
- ده عمي وليد كبير عيلة الدمنهوري، وده يبقي والدي حمدي الدمنهوري ، ودي أمي سمية وإل جمبها مرات عمي فيروز ودي عمتي مني وإنتي عارفة سلمي ودول بقي يعرفوكي على نفسهم بعدين.
بهتت ملامحها وتحجرت الدماء بعروقها وهي تستمع لأسمائهم لتهمس لنفسها بصدمة:
( مش معقول أنا كده إتأكدت )
إنتبهت لنظرات الجميع لها لتحاول تجميع شتات أمرها وتجلي صوتها وأردفت بعملية:
- متشكرة على إستضافتكم.
-إتفضلي يا بنتي....أردف بها وليد بحنو وهو يشير على أحد المقاعد؛ لتبتسم له بصدق فهو أقرب الأشخاص لها.
ولكن ماذا إن علمت أن هناك مجهول يربط بينه وبين مقتل والدها؟؟؟
أما أدهم فكان ينظر لها بغموض
في وقت سابق/
كان يحملها بعدما إنتزعها من يد صديقه وحينما توجه للباب رأى ما جعله يتصنم بمكانه
فكانت صورة لرجل وإمرأة وطفل وطفلة ولم يحتج الأمر منه كثير من الوقت ليعلم بهويتها وهوية الطفل الآخر فأسماؤهم رنت بأذنه وهو ينظر لصورة عمه الذي يحفظه عن ظهر قلب
وجد دفترا كُتب عليه مذكراتي ليأخذه سريعاً وقبل أن يخرج وجد صديقه فاقداً للوعي هو الآخر
...........
وأه من ألعاب إلكترونية تخطف أوقات الصغار بألوانها وموسيقاها ، وما الحال إذا كان ولدا في مقبل مرحلة الشباب يلهو بألعاب الكرة الإلكترونية (البلايستيشن)
دلفت والدته وهي تتمتم بغيظ لنفسها بصوت مسموع :
_أنا كان مالي ومال الجواز والخلفية وطول اليوم تنضيف وطبيخ وغسيل وياريته نافع .
جاء من خلفها محتضنا إياها بخفة مازحا :
_بتبرطمي ليه يا حياتي .
أبعدت يده عنها بغضب ونظرت له بحنق مردفة :
_بقى ده شكل أوضة لسه منضفاها الصبح ، إنت وابنك فاكرين نفسكم في قهوة ، كوبايات الشاي والعصير دي ليه مدخلتش المطبخ ، وقشر اللب بيعمل إيه على الطربيزة هتجننوني .
إبتعد عنها رافعا يديه بطريقة مسرحية متحدثا:
_ إعفوا عنا يا باشا ، ده أنا غلبان وبحب مراتي .
أمسكت زجاجة مياه فارغة وهي تنظر له بتهديد ليقول سريعاً:
_ إنت يا كريم إطفي يالا البلايستيشن ده علشان ننضف الأوضة .
بحث بعينيه في أرجاء الغرفة لم يجد ولده فتعجب لتشير هي له نحو الأريكة ليضحك عاليا فرمقته بسخط فوضع بده فوق فمه وتوجه لتلك الأريكة وجثى على ركبتيه ومد يده أسفلها ليجذب ولده .
_أي أي حاسب يا بابا انت بتشد الحبل دي رقبتي ، وبعدين فين الشهامة بتخرجني ليه عاوزها تضربني .
همس بها كريم ذو الإثنا عشر عام بتذمر لوالده الذي همس له هو الآخر :
_ياعني عاوزني انا أبقى في وشها لوحدي ، أخرج يا حبيبي نضف الأوضة .
وقفا إثنينم وبمجرد إلتفاتهم وجدوها واقفة خلفهم تماما تردف بتحذير :
_قدامكم ربع ساعة عقبال ما أحضر الأكل علشان بعد الغدا نروح نطمن على أدهم وأحمد ، أرجع أقلاقي الأوضة نضيفة ... فاهمين
أنهت حديثها بتحذير ليومؤا لها سريعا فتركتهم وذهبت وبمجرد خروجها تحدث كريم :
_ يعجبني فيك يا ولدي قوة الشخصية وإنك مش بتخاف من ماما خالص .
ضحك باسم بإستمتاع لمزاح ولده معه وأردف:
_ طبعا يابني رضوى أصلها بتخاف مني ومتقدرش تجبرني على حاجة .
نظر لها بتسلية وهو يحرك حاجبيه بطريقة مضحكة لتعلوا ضحكات كريم بينما رضوى بالخارج وصلها أصواتهم لتبتسم بحب .
.............
مؤلم عندنا يعتقد من حولك أنك قوي وفي الحقيقة ليس عندهم أدني فكرة عن مدي هشاشتك.
كم تشعر بالغربة في كل حرف ونظرة منهم ، تنظر تارة يمينا وتارة شمالا ليزداد آلمها مع كل إبتسامة تصدر منهم ، كم يعيشون مترابطين سعداء مجتمعين ، أما هي وشقيقها....
توقف الطعام في حلقها وكادت أن ترحل ولكن فوجئت بحديث وليد لشخص ما وعيناه تنظر في إتجاه معاكس .
رفعت عيناها لتستطلع لتري إمرأة قد بلغت من العمر عتيا تجلس فوق كرسي مدولب وتدفعها أخري شابة ترتدي زي الممرضات.
ترقبت معرفتها بهدوء مصطنع لتجد فيروز تتحدث بحماس :
- تعالي يا خالتي أيوة كده نوري وسطنا بدل ما تفضلي لوحدك.
نظرت نبيلة لحور بتعجب لتردف فيروز بإبتسامة:
- دي دكتورة حور يا خالتي هتقعد معانا كام يوم.
وقفت حور تنوي الصعود، فلم تعد تحتمل نظراتها ، لتتفاجأ بنبيلة تشير لها وتتحدث:
- حور ....حور....حور....حور .
بدت لها بداية كإمرأة أهلكها العمر ، ولكن مناداتها عليها بهذا الشكل أثارت ريبتها لتنظر لهم بتساؤل أجابته مني بدمع:
- ماما عندها صدمة عصبية ونفسية من يوم وفاة أخويا نبيل الله يرحمه .
صعقت حور ورسمت الصدمة على وجهها ، وتضاربت المشاعر داخلها ، فلم تعرف أتتعاطف معها أم تحقد عليها لما فعلت بوالدتها ، أهي تلك القاسية التي أذاقت والدتها الكثير من المرارة وأهلكت قلبها من الحزن ، الآن بهذه الحالة حزنا على ولدها ، أين كان هذا الحب وهي تقتل أول إبن له ؟
تعجب الجميع من حديث النظرات بينهم ولكن زاد تعجبهم وتوج لصدمة حينما وجدوا نبيلة تبكي وتفتح ذراعيها وتناشد حور بعينيها لإحتضانها.
شيء بداخلها أراد إحتضانها فلربما تجد رائحة والدها بها.......ولكن ذكري ما مرأت به والدتها يمنعها .
كانت حائرة ولكن ليست الوحيدة، فالجميع غير مصدق لما تطلبه نبيلة فهي مبتعدة عن الجميع منذ سنوات إذا لما حور؟!!
لا يعلمون ما بداخلها الآن فهي شعرت بتجاذب بينهما .
رأت مالم يره أحدهم.......رأت زهرة بها .
إشتمت رائحة ولدها فيها .
رأت نظرات اللوم والعتاب وأيضا الإحترام.
نظرت حور لها نظرة أخيرة ثم للجميع المراقب والمنتظر وتشدقت ب:
- بعد إذنكم محتاجة أرتاح.
توجهت للدرج وما إن وضعت قدماها على أول الدرجات حتي تصنم جسدها وتخشبت أنفاسها وهي تستمع لصراخ نبيلة وهتافها:
- حور مبتقربش من حد بسهولة .....حور مبتقربش من حد بسهولة ...حور مبتقربش من حد بسهولة.
نظرت حور لها بصدمة لتري نظرات التساؤل من الجميع ما عاداه؛ فهو يتذكر أين إستمع لذات الجملة فنظر لها بلهفة وتوسل أن تؤكد ما شعر به منذ رؤيتها فوق ذراعي أدهم.
كانت ستحن...كاد قلبها يرق ..ترددت قدماها للذهاب إليه والإرتماء بأحضانه ولكن قوة الإنتقام بداخلها كانت أقوي .
لتستدير مرة أخرى وتصعد لحجرتها.
أما نبيلة فظلت تبكي وتنتحب وتضرب نفسها بقوة ، تقدم مؤيد وأدهم منها وإستطاعوا السيطرة عليها ليحملها أدهم لداخل حجرتها لتغط في نوم عميق.
(في الأعلى)
تكورت على نفسها فوق الفراش وأطلقت العنان لدموعها فكم صعب عليها التماسك أمامهم....كم ودت الصراخ بهم...يا الله تشعر بتمزق روحها ولكن عليها أن تصمد فما زال الطريق ببدايته .
مرت ساعتين وإمتلأ بيت الدمنهوري بالزوار من الأقارب والجيران والعمال بالأرض للإطمئنان على أدهم ، وصعدت رضوى لتطمئن على أحمد فوجدته نائما فلم ترغب في إيقاظه فهبطت مرة أخرى وتحدثت لأفراد العائلة بحبور :
_طبعا كلكم هتيجوا عيد ميلاد كنزي .
أكد الجميع على حديثها ، وأردفت فيروز :
_ أنا هعمل الكيك والبسكوت .
بينما تحدثت سمية :
_ وأنا بقى هعمل غدا خفيف كده علشان نقضي اليوم كله سوا .
ضحكت منى وتحدثت :
_ ساعات بحس إنكم إنتوا إل أطفال ومبتصدقوا عيد ميلاد ولاد باسم ورضوى ييجوا علشان تحتفلوا وتلعبوا .
نظرت لها سمية بعتاب مصطنع وتحدثت :
_ أهو اليومين دول بنستناهم من السنة للسنة علشان العيلة كلها تجتمع منحتفلش ليه .
أجابتها بمرح :
_ إحتفلوا ياختي براحتكم وأنا هحضرلكم المشروبات سخن وساقع وهعمل سلطة فواكه كمان إحنا عندنا أغلى من كنزي هانم أصغر عروسة في بيت الدمنهوري كله
كانت الأجواء عائلية ولطيفة ولكن كان جالسا بفكر مشغول ، ينظر إلى الدرج متمنياً هبوطها لأسفل ولكنه يعلم أنها لن تهبط فهي حتى لتناول وجبة العشاء لم تهبط ، إستأذن من الجميع وخرج للحديقة وبمجرد جلوسه وجد من يجلس بجواره .
_تعرف يا أدهم ولاد عيلة الدمنهوري كلهم في كفة وإنت عندي في كفة لوحدك ، ليك علاوة في قلبي بتعجب منها ، ورغم إنك مش ابن أخويا الشقيق لكن حبي ليك فاق حب العم لإبن أخوه ، صحيح أنا ووالدك ملناش وفاق مع بعض لكن كنت وهتفضل رقم واحد عندي .
نظر له أدهم بتعجب ليسترسل :
_ متستغربش إني بقولك الكلمتين دول دلوقتي، أنا شوفتك مهموم وفي حاجة شاغلاك قولت أطبطب عليك بالكلام ، زمان كنت لما أبقى حزين وواخد جمب كان جدك عبد الرحمن يطبطب عليا بالكلام ، طب تعرف إني أنا إل سميتك أدهم .
زاد تعجبه وظهرت حيرته على وجهه فهو لأول مرة يستمع لهذا الحديث ولكنه أنصت فإستكمل:
_ أنا عشت طول عمري حاسس بالنقص بسبب إعاقة رجلي ، كنت بحس إن الناس بيشاوروا عليا ويقولوا المعاق أهو ، كنت لما أحب ألعب كورة محدش يرضى يلعب معايا ، وفي يوم وقعت قدام البيت وأنا راجع من الكلية كنت تعبان أوي ورجلي مشالتنيش يومها في ناس ضحكت وناس إتريقت وناس ربنا يجازيها خير ساعدتني لغاية ما وقفت ساعتها كنت عاوزة الأرض تنشق وتبلعني وكنت عاوز أوصل للبيت بسرعة وأهرب من عيون كل الناس فدخلت البيت هنا لأنه كان أقرب من بيتنا ، لقيت جدك قاعد زي ما أنت قاعد كده وشايلك على إيده ، أنا شوفتك نسيت الموقف ونسيت إني كنت هربان من نظرات الناس .
إبتسما الأدهمان ليسترجع أحدهم ذكريات الماضي
_تعالى يا أدهم .
نطق بها الحاج عبد الرحمن فور رؤيته لإبن أخيه واقفا أمامه في خجل .
إقترب أدهم منه وتساءل :
_هو مين ده ؟
ضحك الحاج عبد الرحمن وأردف :
_ ده ابن حمدي لسه مولود من ساعتين بس أنا جبته علشان أقرأله قرآن وأبعد عن الناس والزحمة جوة .
جلس أدهم بجوار عمه ونظر للطفل وإبتسم لأول مرة من قلبه دون حزن وتساءل مرة أخرى:
_ هو إسمه إيه يا عمي ؟
ظهرت الحيرة على وجه الحاج عبد الرحمن وقال:
_ لسه مالوش إسم ، سمية الله يباركلها عاوزاني أسميه وأنا لسه محتار .
_أدهم .... سميه أدهم .
نطق بها أدهم سريعا وبلهفة لينظر له عمه بتساؤل ليكمل هو :
_ عاوزه أحسن مني ، يعمل كل حاجة، يلعب ويجري ، ميقعش ، عاوز أشوف أدهم سليم رجله شايلاه من غير عرج .
إحتضنه الحاج عبد الرحمن بحنان وأردف بتأثر :
_ أدهم حمدي الدمنهوري .
عاد أدهم من جولة ذكرياته ونظر لأدهم بحب وقال:
_ أوعى تقع يا أدهم ، مهما كان حِملك تقيل أوعى تقع لو إنت وقعت أنا هنكسر .
.........
باب يُفتح بهدوء وهناك من يتسلل على أطراف أصابعه حتى لا يشعر به من في المنزل ، عفوا حتى لا يشعر بهم أحد ولكن هيهات فبمجرد أن أغلق الباب سطع صوت صراخهم عندما إصطدم كفي والدهم فوق أعناقهم ومن ثم جذبهم من ملابسهم ودلف بهم غرفتهما .
_بقى أنا يا آخر صبري منك له أبقى في البيت من الساعة تسعة وإنتوا جايين نص الليل .
أردف بها أشرف بعصبية لتوأمه طارق وطه ليصيح طارق :
_ هو إنت بتتعامل معانا كأننا عيال صغيرة كده ليه إحنا في آخر سنة من الكلية ياعني رجالة ونقدر ندخل البيت وقت ما نحب .
غضب أشرف ونظر له بتحذير :
_ لأ يا أستاذ طارق مش وقت ما تحب ترجع ولا أكنك عايش لوحدك ، والرجولة إنك تبقى قد كلامك وإنتوا إتفقتوا معايا ترجعوا الساعة عشرة .
نظر طه لأخيه بتحذير وإقترب من والده وتحدث بهدوء :
إحما آسفين يا بابا عندك حق المفروض كنا نرجع البيت زي ما إتفقنا لكن بقى أصحابنا كانوا قاعدين ومحسناش بالوقت عديها المرة دي .
نظر لهم والدهم بحنق وأردف :
_ ماشي يا طه دي آخر مرة بعد كده لما تخرجوا ترجعوا في ميعادكم .
رحل بينما هم زفروا براحة وجلس كلا منهم فوق فراشه .
...............
عتمة الليل يتدارى الإنهيار ، كان يشعر بالإنجذاب نحوها ، حتى أنه شعر بالغيرة عليها ، والآن يشعر نفسه مغفلا أشعر بالغيرة من أخيها .
من الصعب عليه أن يعترف لنفسه بهذا ولكن منذ مواجهتهم في المشفى وقدرتها على التغلب عليه وهي أثارت إعجابه ومجرد التفكير أن رجلا آخر في حياتها أو قريب منها حتى وإن كان شقيقها يشعره بالجنون ، ولكن متى وكيف حدث هذا ، فهو تعرف عليها منذ بضعة أيام ، ولكن يبدو أن الأيام كفيلة لإنعاش ذكرى قديمة .
أغمض عينيه يسترجع ذكرى مخبأة بين طيات قلبه
(منذ سنوات )
كان يلاعبها بالدمى بينما أحمد وعبد الرحمن يلهون بالكورة لتأتي زهرة وتجلس بجانبه ناظرة له بحنان وأردفت بحب :
_ أدهم يا حبيبي ليه مبتلعبش مع إخواتك بالكورة ، العرايس دي لعبة بنات .
نظر لحور التي إبتسمت له وهي تعطيه إحدى قطع البسكويت ليتناولها بسعادة ويجيب زوجة عمه بإحترام:
_ قبل ما تدخلي يا طنط قولتيلي أخلي بالي منها وأنا فضلت جمبها علشان متخفش .
إبتسمت له وقبلت وجنته بحنان وأردفت له :
_ تصدق إنت لما تكبر هتبقى شاب زي العسل وأنا هخليك تتجوزها وتخلي بالك منها عالطول .
ضحك بمرح طفولي لحديثها ووقف سريعا ووجه مشتعلا بحمرة الخجل لإطرائها وذهب نحو رفيقاه لكي يلعب معهم .
....
فتح عينيه وآثار تلك الإبتسامات الطفولية ما زالت على وجهه ليخرج من حقيبته ذاك الكتاب المسجل عليه كلمة مذكراتي وشرع في قراءته .
..............
أنت تقرأ
زهرة
Romanceقصة عشق بين طرفين مع كل إفتراق يشتد عضد عشقهم أكثر كانت تائهة في الحياة لا تعلم كيفية التنفس بحرية ليدلف حياتها ويحولها إلى طائر محلق في سماء عشقه. بينما هو كان جاد في حياته ، كانت تثير ريبته وغضبه وما إن أعلن قلبه التمرد حتى أصبحت أثمن من أنفاسه و...