كانت أسيل تضب أغراضها، عندما سمعت صوت شيء قد ارتطم بالمطبخ ارتعبت أسيل وقالت:
- الله يخربيتك يا حازم قولنا ضغط نفسي يخليني أشوف، مش أسمع كمان
سارت أسيل ببطئ وأخرجت رأسها من الغرفة، كل شيء يبدو طبيعيًا في الخارج، ولكن صوت الارتطام عاد من جديد، دخلت أسيل إلى الغرفة وأغلقت عليها بسرعة وقالت:
- اخلصي يا أسيل، لمي الشنط وها تسيبي البيت ده خالص اخلصي
أخذت أسيل تضب أغراضها بسرعة، وما إن انتهت حتى خرجت من الغرفة دون النظر ناحية المطبخ، وخرجت ركضًا حتى باب المنزل، فتحت الباب بسرعة لتفاجئ بآدم أمامها يرمي القمامة في الصندوق، ما إن رأته أسيل حتى نظرت له باحتقار شديد، وأولته ظهرها لتغلق الباب بالمفتاح، فهي لم تنسى ذلك اليوم الذي دهس فيه هاتفها بقدمه.
نظر إليها آدم بسخرية ثم أمسك بقارورة الماء الفارغة التي كانت في كيس القمامة وألقاها على أسيل، ارتطمت الزجاجة برأس أسيل فاستدارت بسرعه ونظرت لآدم بغضب وقالت:
- إيه يا أعمى؟
- ضحك آدم بسخريه وقال: معلش كان قصدي أحدفها في الصندوق بس اتلخبطت
شغرت أسيل فاها وقد فهمت ما يرمي إليه، اقتربت أسيل منه بخطوات واثقة وقالت:
- انت إيه مشكلتك معايا؟
- قال آدم بثقة: أنا ما عنديش مشاكل ولا حد يقدر يعملي مشكله أصلًا
- نظرت أسيل لعينيه التي كانت تعتريهما نظرة باردة وقالت: لا بجد، ثم لوحت بهاتفها أمام وجهه وهي تقول، أنا اشتريت تليفون جديد بسبب الي انت كسرته، يبقى ليا الحق إن أنا أعمل معاك مشكله
- قال آدم ببرود: ها تعملي إيه يعني؟
- قالت أسيل بغيظ: أقدر أعمل كتير ما تخلينيش أوريك
- ابتسم آدم بسخرية وقال: لا يا شيخه
- ما تستفزنيش، قالت أسيل بغضب
نظر إليها آدم بتحدٍ، ثم أمسك الهاتف من يدها وألقاه إلى أسفل الدرج، شهقت أسيل بغضب وقالت:
- انت مجنون ده لسه جديد!!
- مستني أشوف ها تعملي إيه ؟ قال آدم بنبرة مستفزة
نظرت أسيل له بغضب ممزوج بالحزن والدهشة، وكادت أن تتحدث عندما وجدت سارة تقف أسفل الدرج أمامها وتقول: آدم!!
نظر كلاهما وقال في نفس الوقت
- سارة؟
نظرت سارة للوضع أمامها ثم تقدمت فارتطمت قدمها بهاتف أسيل، التقطته سارة وصعدت إلى أعلى وهي متوترة وقالت: انتم تعرفوا بعض؟
- انت تعرفيه؟ قالت أسيل بدهشة
- نظرت سارة لأسيل وقالت بتردد: آدم أخويا، ثم نظرت لآدم وقالت، أسيل صحبتي
ظهرت علامات الصدمة عليها وهي لا تكاد تصدق ما تسمع
- فأردفت سارة: أنا كنت جايه أسلم على آدم قبل ما أمشي
- انت كنت عارفه إن أنا ساكنه قدامه؟ قالت أسيل بغضب
- ارتبكت سارة وقالت: لا أنا، أنا مكنتش أعرف أن ده عنوانه.. أصل.. أنا أول مرة أجيله، على طول هو الي كان بيجيلي
- نظرت أسيل لها بعدم تصديق فقالت سارة بسخرية: على العموم دي صدفه سعيده أوي يعني، أنا، أنا جايه أسلم عليك بقى يا دومي كويس إن أنا شوفتك
احتضنت سارة آدم، بينما نظرت أسيل له بغل وكره، شعرت سارة بالتوتر بينهما فسحبت أسيل من يدها وقالت: يلا ها نتأخر
نزلت كلتا الفتاتان واستدارت أسيل ناحية آدم، ونظرت له فوجدته ينظر لها نظرة باردة.
- تعالي يلا قالت سارة
- اممم لا روحي انتِ أنا مستنيه أمجد، قالت أسيل
- يابنتي ما أنا معاك أهو ها تستني أمجد ليه؟ قالت سارة بغضب
- معلش أصله كلمني وقالي ها يجي ياخدني، قالت أسيل بضيق
- أوف بقى
رن هاتف سارة فردت، لتجد لين تخبرها أنها وعمر عند الشركة، ولكن حازم لم يأت بعد ولا يرد عليهم
- أعمله إيه يعني؟ قالت سارة
- عدي عليه، وشوفي هو فين؟ قالت لين
- طيب ما تخلي عمر يعدي عليه
- عمر بيخلص شغل بسرعه في الشركه وها نطلع أنا وهو على طول عدي عليه انت
- طيب اقفلي يا لين، قالت سارة بتأفف
- استني انت عارفه عنوانه؟
- لا
- طيب ها أبعت لك الموقع
تأففت سارة وقالت لأسيل: أنا ها أعدي على حازم، برضه مش هتيجي معايا
- قولتلك أنا مستنيه أمجد، قالت أسيل بحزم
- يخربيت أمجد، قالت سارة بغضب
- سارة، خفي عليه شويه، انتِ إيه مشكلتك معاه؟ قالت أسيل بسرعة
- نظرت لها سارة بضيق وقالت: مافيش، خدي بالك من نفسك
- تمام ولما نوصل ها نتكلم في موضوع أخوكِ ده قالت أسيل بحزم
- طيب
ذهبت سارة بسيارتها من أمام أسيل، التي ذهبت مباشرة إلى غرفة البواب وطرقت الباب
- أيوه يا ست هانم، خرج برعي
- أُمال فين عربية آدم يا عم برعي؟
- عربيه سي الدكتور آدم؟
- آه
- ليه يا ست هانم؟ قال برعي بتعجب
- لا مافيش ده أنا عملاله مفاجئة، قالت أسيل.
جالس على أريكته وهو يفكر، تلك الفتاة والتي تساوي حياتها مماتهم جميعًا، لماذا لا يُمكن أن يخبروها بأمر اللعنة برُمته، وعندها سوف تحمي قلبها من الوقوع بالحب وينتهي خوف استغلالها في فتح البوابة، إذا كان جده يحافظ على حياتها لهذه الدرجة، فلماذا يرفض الإقدام على هذه الفكرة.
قطع شرود آدم سماعه صوت تهشم زجاج وصوت إنذار سيارته، خرج إلى الشرفة بسرعة، ونظر إلى الأسفل ليجد أسيل تقوم بتحطيم سيارته، جز آدم على أسنانه بغضب، ونزل بسرعة ليجد برعي يقف ويضع يده على رأسه ويصرخ بها لتتوقف، خرج آدم من المبني بسرعة واتجه ناحية أسيل وأمسك بذراعها ولفها قبالته وهو يصرخ بها:
- بتعملي إيه يا حيوانه انتِ
- نظرت أسيل له وهي تتنفس بصعوبة وسحبت ذراعها من يده وقالت: بوريك أنا أقدر أعمل إيه
ثم استدارت هذه المرة وضربت فانوس السيارة ليتهشم تمامًا، سحبها آدم بقوة وأمسك المطرقة، ألقاها على الأرض وقال:
- انتِ فاكره إنك ها تعدي بالي انت بتعمليه ده ولا تكوني فاكره إنك كده جامده؟
- آه جامده، وأخدت حق الموبايل الي كسرته يا حقير، قالت أسيل بغضب
- جز آدم على أسنانه وقال لها: والله لو قولتيها تاني لأكون..
- حقير، حقير، حقير
استمع إليها آدم وقد بدأ الغضب يتمكن منه، نظر إلى الطريق ليجد سيارة قادمه من بعيد، يقسم أنه سيقتل هذه الفتاة الآن، ظل آدم يتقدم نحوها وهي تعود للخلف وقال:
- أنا بحذرك، ابعدي عن طريقي، كانت أسيل تتراجع للخلف، وعندما وصلت لمنتصف الطريق، دفعها آدم من كتفها وهو يقول: انتِ مش قدي.
****
وصلت سارة إلى العنوان الذي أرسلته لها لين، وقفت أمام الباب ثم طرقته بهدوء، ولكن لا مجيب، ظلت تطرق على الباب وتضغط على الجرس، بعد قليل فتح حازم والذي كان يبدو عليه النعاس، ليفاجئ بسارة أمامه..
- سارة؟ قال حازم بدهشة
- إيه يا حازم كل ده؟ قالت سارة
- ارتبك حازم: أنا، أنا نايم معلش
- نايم؟ يا بني اتأخرنا، قالت سارة بسرعة
- هي الساعه كام؟
- عشرة
- أوف راحت عليا نومه، أنا آسف بجد، قال حازم بسرعة
- أنا ها أنزل أستناك تحت يلا، قالت سارة بهدوء.
أغلق حازم الباب وهو لا يصدق أن سارة قد جاءت إلى هنا، دلف إلى الحمام بسرعة ليغسل وجهه ثم دخل إلى غرفته ليغير ملابسه، شعر بشيء ما يتحرك خلفه ولكنه وكالعادة لم يكترث، أنهى حازم تبديل ملابسه، وأخذ حقيبة سفره، وهو في طريقه للخروج من المنزل، نظر في الحمام ليجد قطة سوداء تتحرك ذهابًا وايابًا أمامه، ثم تحولت فجأة إلى رماد على الأرض، ثم تحرك هذا الرماد ليتشكل مرة أُخرى، ولكن هذه المرة على شكل طفلة بشعة الملامح، ظلت تسير الطفلة تقترب منه، ولكنه لم يعطها أي فرصة فلقد أولاها ظهره وخرج من المنزل بهدوء.
اعتاد حازم على تلك التهيؤات من فترة طويلة، وبالطبع ولأنه لا يؤمن بوجود الأشباح، قد لجئ للذهاب لطبيب نفسي، الذي اخبره أنه يعاني من التهيؤات بسبب الضغط النفسي، وأعطاه بعض الحبوب المهدئة، لكن ولأن حازم يعلم جيدًا أثر تلك الحبوب، فضل أن يتعايش مع هذه التهيؤات مهما كانت درجة بشاعتها فهي في النهاية لا تؤذيه!
****
راقب آدم السيارة القادمة خلف أسيل، ثم قام بدفعها، كانت هذه الدفعة قوية، ارتدت على إثرها أسيل للخلف، كادت السيارة أن تصدمها ولكن السائق تجنبها في آخر لحظة، وعبر من خلفها مباشرة.
تصلبت أسيل من الخوف لثواني، ثم نظرت لآدم الذي يبدو عليه الحقد، ولا يصدق أنها نجت ولم تمت، لم يلحظ تلك السيارة القادمة ناحيته من الجانب الآخر للطريق؛ لا يدري ماذا حدث ولكن وفجأة وجد أسيل تصرخ وتقول:
- حاسب
سحبته قبالتها مرة واحدة وبكل قوتها لتبعده عن السيارة، ارتطم آدم بحضن أسيل، وظل كلًا منهما صامت لا يتكلم لوهلة، أفاقت أسيل من شرودها أولًا، وابتعد هي عنه دون أن تنظر حتى إلى وجهه، تخطه لتعود إلى البناية من جديد، وعندها وصل أمجد بسيارته.
أمسكت أسيل بحقيبة سفرها التي كانت على الأرض، اقتربت من السيارة، وصعدت إليها في غضب وصمت، تحت نظرات أمجد المتعجبة.
أما آدم فمازال يقف في منتصف الطريق، شعر بها وهي تذهب ولكنه لم يتحرك، لمَ أنقذته توًا فتاة كان على وشك قتلها، رفع آدم رأسه ونظر إلى سيارة أمجد تبتعد، ثم تحرك في وجوم حتى وصل إلى سيارته المهشمة، جلس على الأرض أمامها وهو يفكر في ما حدث منذ قليل.
****
ركز أمجد على القيادة وهو يفكر بتلك الفتاة التي على وشك أن يقتلها في فترة ليست بالطويلة، الأمر فقط يعتمد على الوقت الذي ستقع بحبه فيه، ألقى نظرة جانبية إليها، إنها تبدو حزينة مُنذ ركوبها معه، رغم محاولاته في معرفة ما يضايقها إلا أنها لم تتكلم، رغم أنه لاحظ بالفعل أن هاتفها قد انكسر، على كل حالٍ ربما يريحها الموت وتريحه هو النقود التي وُعِد بها، متى كان بهذا الشر من قبل؟ لا يدري ولكنه يعلم أن هذا العالم هو الشرير وليس هو، فتلك الفتاة مثلًا يؤرقها هاتفها الذي قد انكسر – ابتسم ساخرًا – لا تدري أنه لم يحلم من قبل بامتلاك واحدٍ مثله أصلًا، ألقى نظرة خاطفة على هاتفه الملقى أمامه، تمنى لو أن هذا الهاتف كان له، تمنى لو كانت له تلك السيارة، أو حتى تلك الملابس الغالية، لقد عاش طوال حياته يعلم أنه يمكنه الحصول على ما يريد، حتى ولو كانت ليست ملكه حتى ولو كانت بطرق غير مشروعة، يال السخرية وكأنه قد حُكم عليه بالسير في هذا الطريق فقط، لم لا يستطيع حتى أن يكمل في هذه الوظيفة الجميلة؟ لمَ عندما حصل أخيرًا على وظيفة تكون مجرد شيء مؤقت، لمَ ليس مثل حازم وعمر؟ لماذا كُتب عليه السير في طريق لا يريده، لمَ سيقتل هذه الفتاة؟
"لا فوق يا أمجد أوعى الدنيا الي انت فيها دلوقت دي تخدعك، ها تسيبها وترجع فين؟ ها ترجع تاني تسرق حتة موبايل ولا محفظه من واحد، ها ترجع تجيب لأمك علاج منين، ها تعّلم أختك منين، ها تأكلهم منين، فوق يا أمجد فوق وما تخليش حاجه تحركك وما تنساش نفسك."
****
فتح حازم عيناه بكسل وهو لا يدري كم من الوقت قد استغرق في النوم، لقد وصلوا جميعًا إلى الفندق في رأس البر وهم في حالة ارهاق بعد تلك الرحلة، ألقى نظرة إلى الساعة في الجدار ليجدها تعلن عن الرابعة فجرًا، لقد نام فترة جيدة، خرج حازم من الغرفة نحو الحمام، فرأى داخل الحمام رجل طويل القامة، بملابس رثة وبشرة تميل إلى الزرقة، يضحك ضحكة سخيفة ويمد يده إلى حازم وكأنه يقول له تعال، ابتسم حازم بسخرية، وكأنه سوف يذهب إليه، رجع حازم بظهره إلى الخلف وأغلق الباب واستدار ولكنه تسمر عندما رأى الرجل يقف أمامه مباشرة.
كان أمجد يراقب الغرفة الخاصة بالفندق في انبهار، لقد كان يُشاهد مثل هذه الأماكن فقط في التلفاز، لم يتوقع أنه ربما يصل إلى هنا في يوم ما.
قاطع تفكيره صوت رنين هاتفه..
- ألو، قال أمجد بملل
- اسمع، النهارده ما عرفتش أتكلم معاك في الشركه كويس
- ما انت قولت كل الي انت عاوزه، قال أمجد بضيق
- لا مش كله، انت يا أمجد لو ما خلتش أسيل تحبك في المهله الي انت فيها في الرحله دي، أنا مش هتهاون معاك
- ضحك أمجد بسخرية وقال: إيه هو زرار، أنا لسه مقابلها من مافيش
- لا ما تقلقش، البنت دي وحيده من وهي صغيره، يعني كلمتين حلوين وهتبقى بين اديك.
****
اهتز حازم قليلًا، من رؤية الرجل الذي يقف أمامه ولكنه تماسك مرة أُخرى، يعلم جيدًا أن هذه مجرد تهيؤات وليس عليه أن ينجرف خلفها، لا يجب أن ينتظر حتى ينتهي المشهد فقط عليه قطع هذا المشهد، مد يديه إلى مقبض الباب الخارجي لغرفة الفندق بهدوء وفتحه، وهو مازال ينظر إلى الرجل الذي كان ساكنًا لا يتحرك بدأ حازم يعود بخطواته إلى الخلف وهو مازال ينظر إلى الرجل، ولكن وفجأة ركض الرجل إلى وجه حازم فأرتد حازم إلى الخلف بسرعة، ليصطدم بسارة والتي كانت قد فتحت باب غرفتها المقابل لغرفة حازم، سقط حازم بظهره فوق سارة والتي بدورها سقطت على الأرض، نهض حازم بسرعة وهو ينظر أمامه ولا يرى أي شيء، فنظر إلى سارة وهو يقول:
- أنا آسف يا سارة
تململت سارة على الأرض وفتحت عينيها ونظرت ناحية حازم ثم نهضت بسرعة وقالت:
- انت بتعمل إيه هنا؟
- قال حازم بارتباك: مافيش أنا.. أنا صحيت وكنت خارج من الأوضه بس بشم هوا، وبعدين كان فيه.. دبانه، لا يا ربي، نحله، نحله نطت في وشي فرجعت لورا، معرفش إنك كنت خارجه، بس انتِ كنت خارجة ازاي كده بلبس النوم؟
لم يبدو حديث حازم قابل للتصديق، ولكن ولأن سارة كانت مرتبكة بالفعل، لم تُعر كلامته أي اهتمام.
- حاولت سارة اخفاء ارتباكها، ثم قالت لحازم: لا مافيش، تثاءبت سارة، ده أنا كنت رايحه الحمام
- حمام إيه يا سارة الحمام في الأوضه عندك
- ها، آه ما أصل البيبان كلها شبه بعض، ده أنا فكرت ده باب الحمام ما أصل أنا مش شايفه قدامي
- نظر حازم إلى هاتفها الجوال في يدها وقال: بالموبايل؟
- أجابته بسرعة: أصلي بخده معايا علشان بخاف النور يقطع عليا
لم يبدو حازم مقتنع بما قالت، وهي أيضًا لم تنتظر أن تتلقى منه أي رد، وأغلقت الباب في وجهه بسرعة، أسندت سارة ظهرها على الباب وهي تضع يدها على قلبها من الخوف، ماذا سيحدث إذا اكتشف الأمر؟
****
صباح اليوم التالي كانت سارة جالسة تشعر بالضيق في مطعم الفندق؛ وهي تشعر بأن ذلك الوغد أمجد يستقطب أسيل بالفعل، لو لم يقترح تلك الفكرة الغبية بتقسيم أنفسهم والذهاب لمراقبة العمل، ما كانت أسيل ستكون شريكة له الآن.
كانت أسيل تسير بجوار أمجد وهي تقول:
- أحلى حاجه إننا هنروح المول
- انت بتحبِ المولات؟ قال أمجد
- آه، أوي وكنت على طول بروح أعمل شوبينج
- أيوه بس إحنا مش ها نعمل شوبينج، قال أمجد بهدوء، إحنا جاين نشتغل
- لا ما أنا جايبه معايا الكريدت كارد بتاعتي وها نعمل شوبينج
- هو إحنا جاين نشتغل ولا نشتري أنا مش فاهم؟ قال أمجد بتعجب
- الاتنين، ها نراقب وإحنا بنشتري فين المشكله، ممكن كمان انت تشتري الي انت عايزه
- لا، قال أمجد بسرعه، أنا مش عايز أشتري حاجه اشتري انتِ، و أنا ها أركز في الشغل
- قالت له أسيل: طيب مافيش مشكله
سارا معًا حتى وصلا إلى المول التجاري، وما إن دخلت أسيل حتى بدت وكأنها نسيت العمل، أخذت تتنقل من متجر إلى متجر وتشتري هذا وذاك، وأمجد فقط يراقبها، تخيل أمجد أن أخته هي من كانت مكان أسيل، وتخيل أنه يستطيع شراء كل ما تحبه لها، آه لو كان يملك نصف النقود التي أنفقتها أسيل اليوم لكان قد أقام مأدبة لعائلته، كم أن هذه الدنيا ظالمة، ماذا في هذه الفتاة أفضل من أخته لتملك هي هذه الحياة وتملك أخته تلك الحياة؟
- سرحان في إيه؟ قالت أسيل وهي تنظر إلى أمجد
- ها، لا أبدًا، انتِ خلصتِ؟
- ابتسمت أسيل وقالت: زهقت ولا إيه؟
- قال أمجد بصوت هادئ: مستحيل أزهق وأنا معاكِ
- ابتسمت أسيل بخجل وقالت: شكرًا
- شكرًا؟ قال أمجد بتعجب
- أقول إيه طيب؟ قالت أسيل بمزاح
- قوليلي إنك انتِ كمان بتبقي مبسوطه وانت معايا، قال بثقة وهو ينظر مباشرة إلى عينيها
- ابتسمت أسيل بخجل لأمجد وقالت: وأنا كمان بتبسط وأنا معاك
- رغم إني عارف إن ردك ده مجرد رد كده وخلاص، إلا إني ها أصدقه، قال أمجد.
****
كانت سارة تسير إلى جوار حازم بشرود تام وهي تنظر إلى البحر، أطلقت تنهيدة عميقه يبدو أنها تحمل الكثير داخلها، كان حازم يدري بما يدور داخلها، ويعلم أنها خائفة على صديقتها من أمجد وقربه المبالغ فيه منها:
- مش يمكن بقى كويس ويحبها بجد؟ قال حازم
- ردت سارة بوجوم: لا، أنا عرفاه كويس
- عرفاه منين يعني؟
- قولتلك من صحبتي، قالت سارة بسرعة
- تبقي مش عرفاه طالما ما اتعاملتيش معاه بنفسك، قال حازم بثقة
- توقفت سارة عن السير وقالت: حازم، لو سمحت الموضوع مش متحمل يعني
- احتدت نبرة حازم: قولي لنفسك انتِ مش شايفه تصرفاتك؟ وشايفه الزعل والسرحان الي انتِ فيه بدون سبب
- تصرفاتي أنا ولا تصرفاتك انت، انت بتتكلم كده ليه؟ أصلًا وبتدخل في الموضوع ليه؟ قالت سارة بنبرة غاضبة
- رد عليها حازم بنفس الغضب: والله أنا بتكلم كويس انتِ الي مش مظبوطه
- نظرت له سارة بضيق وقالت: أنا غلطانه إني حكيتلك حاجه
- المشكله مش في إنك حكيتِ، المشكله إنك مش عايزه تسبيه في حاله، أسيل وحيده ملهاش حد في الدنيا خالص وهو بيعاملها كويس وشكلها بدأت تعجب بيه انتِ إيه مشكلتك
- نظرت له سارة بعتاب وقالت: لا أبدًا، مافيش مشكله ما انتم كلكم شبه بعض
- قال حازم بعدم فهم: يعني إيه شبه بعض؟
لم ترد عليه سارة وذهبت من أمامه ولكن حازم قد لحق بها وأمسك بذراعها ليوقفها وقال:
- ردي عليا، قال بحزم
- يعني كلكم بتلعبوا بالبنات، قالت سارة بسرعة
صُدم حازم مما قالت فترك ذراعها
- أنا بلعب بالبنات يا سارة؟
- والله شوف نفسك، قالت سارة وهي تنظر بعيدًا عن عينيه
- قال حازم بحزن: أشوف نفسي؟ صدقي انتِ عندك حق، والله أنا ما كنتش آخد بالي بقالي فتره كبيره أوي إن أنا أشوف نفسي لدرجة إن أنا نسيت نفسي، كتر خيرك إنك فكرتيني.
ذهب حازم من أمام سارة دون أن ينطق ببنت شفة، بينما كانت سارة تقف وهي تشعر بالضيق، ولكنها أقنعت نفسها أن هذا أفضل، فهذا ما يستحقه، فعلى كُل حالٍ هو دائمًا ما يُلمح بحبه لها، في نفس الوقت الذي لا يؤمن فيه بوجود الأشباح، إذًا فهو كاذبٌ ولا يحبها.
أما عند حازم فقد كان يسير وهو يشعر بالضيق الشديد، فبدلًا من أن تشعر سارة بحبه لها واهتمامه بها، تتهمه بأنه يتلاعب بها، شعر حازم وكان الكون كله قد أظلم بوجهه، ليته لم يحبها ولم يقابلها، لو كان يعلم أنها سوف تجرحه بهذا الشكل لما كان قد وقع بحبها، كم يحمد الله على عدم اعترافه لها بشكل مباشر، وإلا قد كانت كرامته قد جرحت مع قلبه.
أنت تقرأ
حجيم الحب
Romanceبعد أن كانت تعيش حياة هادئة، وجدت أسيل نفسها في مواجهة مواقف مرعبة لا تفهمها، في الوقت الذي تزامن مع إحياء أحدهم لعنة قديمة قد سارت على أجدادها، لم تكن تعلم أن بوقوعها في الحب فقط يمكنها أن تفتح بوابة اللعنة والتي ستتسبب في قتل كل من يحمل دماء أجداد...