- آدم، صرخت أسيل وهي تنظر لتوفيق بصدمة وتقول: لا لا قولي إن ده حلم
ولكن توفيق لم يجب عليها بل ركض خارج المكان بسرعة، كانت أسيل لا تستطيع التصديق ثم نظرت لآدم الذي كان يقف في الداخل وهو يشعر أن الأرض تسحبه وهو لا يقوى على الحديث من هول الصدمة، ما إن وصل الضوء إلى أسيل حتى شعرت بطاقة قوية ثم شعرت بالأصفاد تتلاشى من حول يديها، نظرت أسيل ليدها التي تحررت ثم ركضت لآدم واحتضنته، مازال آدم لا يصدق ما يحدث ولكنه شعر بها فحاوطها بذراعه، أخذت أسيل تبكي وهي تشعر بأن قدمها تُسحب إلى أسفل
- أنا آسفه يا آدم أنا السبب في كل ده، ياريتك كنت قتلتني، قالت أسيل ببكاء
- شدّ آدم على حضن أسيل وقد أفاق من ذهوله ثم قال: انت أحلى حاجه حصلت لي في حياتي يا أسيل، كده.. كده اليوم ده كان ها يجي، أنا محظوظ إن أنا شوفتك وعشت معاكِ أجمل أيام حياتي، وكان نفسي أعوضك وأعيشك انت كمان أجمل أيام
- كانت أجمل أيام يا آدم كفايه إن أنا كنت جنبك، قالت أسيل ببكاء
أغمض كلاهما عيناه وهما يعانقان بعدهما العناق الأخير في انتظار الموت، ولكن الضوء بدأ يخفت ويتلاشى رويدًا رويدًا، فتح آدم وأسيل عيناهما ليجدا أن كل شيء عاد لطبيعته و أن شيئًا لم يحدث، تبادل آدم وأسيل النظرات بصدمة ولم يقويا حتى على التحدث.
دخل توفيق بخطوات ثابتة إلى القاعة وهو مبتسم ويقول: حمد لله على السلامه
نظر آدم وأسيل إليه بصدمة فأردف: مبروك يا أولاد اللعنة اتكسرت
ما إن سمعت أسيل هذا حتى تهاوت على الأرض من أثر الصدمة والخوف ثم أخذت تبكي بحرقة وهي لا تصدق ما تسمعه، بينما نظر آدم لتوفيق وقال بذهول: أنا مش فاهم حاجه
- اللعنة اتفكت، نظر توفيق إلى نوح الملقى على الأرض ثم أكمل: الغبي ده عمل كل حاجه إلا إنه غفل عن الطريقة الوحيده الي تتفك بيها اللعنه
انتبهت أسيل إلى توفيق فتوقفت عن البكاء ونظرت له وهو يقول: اللعنه كان سبب قيامها هو خيانة فيروز لمراد حبيبها وابن عمها ومن نفس دمها، وكان برضه فك اللعنه في حب صادق من اتنين من نسلهم.
تهاوى آدم إلى جوار أسيل على الأرض وهو يقول: وما قولتليش ليه؟
- علشان كان عمركم ما ها تحبو بعض لو حاطين في دماغكم انكم محتاجين انكم تحبو بعض، علشان كده كان لازم نحطكم مع بعض ونخليكم تحبو بعض غصب عنكم
- قالت أسيل بصدمة: طيب.. طيب ليه ما جتش من بدري قبل كل المرمطه دي وقولت كده؟
- علشان خفت الحيوان ده يقتل حد فيكم وساعتها كان كل شيء ها ينتهي لو طَرف منكم مات قبل ما يدخل جوه البوابه
- يعني كل ده كان تخطيط منك؟ قال آدم بصدمة
- أيوه علشان كده كنت دايمًا بقولك إنك غبي ومش بتسمع كلامي، قال توفيق بثقة
- صرخت أسيل وكأنها قد انتبهت الآن : طيب وعلي؟
- لا واضح أنه مالهوش أي دخل، أنا كنت مراقبه من ساعة موت أمجد ولكنه كان طبيعي جدًا
- و انت عرفت منين إننا هنا، قال آدم
- كنت مراقبكم انتم كمان من ساعة موت أمجد لأن كنت عارف إن اليوم ده ها يجي بسرعه
نظر آدم لأسيل بسعادة وحب ثم احتضنها بقوة وأخذ يقول:
- أنا مش مصدق نفسي، كابوسي الأعظم في الحياة انتهى خلاص
- قالت أسيل بسعادة أنا كمان مش مصدقه بجد
اقترب توفيق منهم واحتضنهم بحنان وهو يقول: أنا دلوقت ها أقدر أموت و أنا مطمن عليكم أخيرًا
- بعد الشر عليك يا جدو
- بعد الشر يا عمو ربنا يخليك لينا
- ضحك توفيق بسعادة وقال: طيب يلا علشان آخدكم المستشفى
- وكأن آدم قد تذكر هنا ونظر إلى يد أسيل وقال: انت متعوره لازم نروح
نهض ثلاثتهم وهمّوا بالخروج من المكان ولكن آدم نظر إلى نوحٍ الملقى على الأرض وقد أغشي عليه، ولكن توفيق قال له: سيبه
لم يُرد آدم أن يتركه دون عقاب هكذا ولكنه كان يريد الخروج بسرعة من أجل أسيل، فتركه وخرج.
****
كانت سارة أمام منزلها بعد أن أوصلها حازم
- بجد كان يوم جميل أوي، أنا مبسوطه أوي، قالت سارة
- ابتسم حازم وقال: أوعدك كل الأيام الي جايه ها تتبسطي فيها
قبل أن ترد عليه سارة نظرت لهاتفها الذي أنار معلنًا عن تلقي مكالمة.
- الو... إيه ؟ طيب أنا جايه حالًا، قالت بصراخ
- في إيه يا سارة؟ قال حازم بخوف
- جدو بيقولي إن أسيل وآدم في المستشفى
- إيه ؟
ركضت سارة إلى السيارة وهي تقول يلا مش وقته.
****
كان يسير بخطوات بطيئة متعبة وهو يتجه نحو المبنى السكني الذي يقطن فيه، وهو يشعر بألم الندم والخسارة وكأن النار تأكل في قلبه، لقد فشل بعد كل هذا، ما الذي جناه من فعلته بعد أن قتل أمجد، ولماذا لم يقتله واحدٌ منهم، ما إن اقترب نوح من منزله حتى وجد سيارات الإطفاء تملئ الشارع، استجمع نوح قواه وركض رغم ألم قدمه ليفاجئ بحارس العقار يعزيه ويخبره بأن منزله قد احترق و أن زوجته وأطفاله قد ماتوا، شعر نوح أن الدنيا تميد به وخر مغشيًا عليه.
فتحت أسيل عينيها على ضوء الصباح وقد غزى الغرفة بأكملها، نظرت حولها لتجد آدم وقد نام على السرير المجاور لها
- أسيل صحيتي؟ جاءها صوت سارة التي ركضت إليها و احتضنتها بحب وسعادة: أنا لسه مش مصدقه إن كل ده انتهى
حاوطتها أسيل بذراعها الذي تعلق به الأنبوب الموصل للمغذيات الذي وضِع لها وهي تقول:
- ولا أنا مصدقه يا سارة بجد.
بعد مرور بضع ساعات كانت غرفة أسيل قد امتلأت بحازم وعمر وتوفيق ولين وسارة وآدم وعلي الذي جاء فور علمه بأن أسيل في المشفى، اقترب علي من أسيل وقال: حمد لله على السلامه يا أسيل وقعتي قلبي
- نظرت له بحب وامتنان وقالت: تسلم يا عمو علي أنا بحبك أوي بجد
- الله إيه المناسبه فجأه كده؟
- اقترب توفيق منه وقال: لا أصل قولتلها إنك تبقى أخو جدتها مش مجرد صاحب بابها
- نظر علي لأسيل بصدمة، فقالت: ليه ما قولتليش قبل كده؟
- أطرق علي رأسه وقال: خفت تكرهيني لما تعرفي إن أنا أخو الي كانت السبب في موت أمك وأبوكِ
- نظرت له أسيل بحب اختلط بالحزن وقالت: هو أنا ليا غيرك يا جدو ده انت ما سبتنيش أبدًا
- نظر إليها علي بحب وقال: وعمري ما ها أسيبك يا حبيبة جدو أبدًا.
بعد مرور عدة اشهر
سمعت سلمى صوت طرقات على الباب فنهضت وذهبت لتفتح وما إن رأته أمامها حتى نزلت الدموع من عينيها وقالت: اتفضل
دخلت سلمى إلى الداخل وقالت لأمها التي كانت جالسة على الفراش في تعب: ده مدير أمجد الله يرحمه في الشغل يا ماما
انتفضت الأم عندما سمعت باسم أمجد، ثم نهضت وخرجت لتقابله بلهفة.
رأى نوح والدة أمجد وهي مقبلة عليه وقد تلحفت بالأسود وكسا ملامحها الحزن، نهض نوح وسلم عليها ثم أتاه صوتها
- أهلًا وسهلًا، ما تعرفش شوفتك دي عملت فيا إيه، قالت الأم بصوتٍ يملئه الحزن
- نظر إليها نوح بحزنٍ دفين وقال: أمجد كان موصيني عليكم إن أنا ما أسيبكوش أبدًا
- نزلت الدموع الحارة من عين الأم وقالت: وكأنه كان حاسس إن ها يروح مني
تألم نوح، آه لو تدري كم يحمل من الألم بداخله لبكت عليه هو وليس ابنها
- مد نوح يده بمبلغ مالي بسيط إلى الأم وقال: معلش يا أم أمجد، كان نفسي أساعدك بشيء أكتر من كده لكن أنا غيرت شغلي للأسف والحال على القد
- كتر خيرك يا حاج كفايه بس شوفتك عندي الي بتفكرني بالغالي
انخرطت الأم في بكاءٍ مرير، فنهض نوح واستأذن منها وخرج، سار في الشارع وهو يتمنى في كل لحظة لو يموت وتنتهي حياته إلى الأبد، لقد نَالهُ شرهُ وعُوقب بأشد مما يتصور، لقد كان على استعداد أن يموت العالم كله لأجل المال، وها قد مات عالمه كله زوجته وأطفاله وخسر عمله، لقد خسر كل شيء في محاولة نيل ذلك الكنز الملعون، ياه لو أنه فقط يستطيع رؤية أسيل ولو لمرة واحدة ليطلب منها السماح على جرمه الذي ارتكبه.
****
كان آدم يقف أمام حازم وهما يُعَدّلان من هندامهما وهو يقول بتذمر:
- أنا مش مصدق إن أنا ها أديك سارة ياض انت أنا مش بطيقك أصلًا
- نظر إليه حازم وقال بمزاح: يا شيخ اتنيل و انت يعني سبتهالي ده حتى يوم جوازي شاركتني فيه
ضحك آدم وقال: لعلمك أنا ها أفضل معاها على طول مش ها تشمها انت النهارده
- لا أنا بقول أنا آخد أسيل أتجوزها وخد انت أختك اشبع بيها بقى
- نظر له آدم والشرر يتطاير من عينيه: ابقى فكر تيجي جنب أسيل و أنا أنفخك
- نظر له حازم وقد بدا عليه التذمر وقال: عارفها قبل منك على فكره
قاطع حديثهما دخول عمر وهو يقول: يلا يا عرسان المعازيم كلهم وصلوا.
خرج حازم وآدم ووقفا في وسط القاعة وقد انفتح الباب ودلف منه علي وهو يمسك بيد أسيل وتوفيق الممسك بيد سارة، وسارا بهما حتى أوصل كل شخص العروس لعريسها.
نظر حازم إلى سارة بحب وهو يأخذ يدها ويقول: أخيرًا أنا مش مصدق نفسي
- وأنا كمان بجد مبسوطه أوي، أوي، أوي يا حازم، بجد لسه حاسه إن أنا بحلم، مافيش لعنه مافيش عفاريت
- فيه أنا وبس، قال حازم
- ضحكت سارة ثم أرادت أن تستفز حازم فقالت: بس آدم طالع قمر أوي يعني
- نظر إليها حازم بضيق طفولي: الله يخربيت آدم إلى طلعلي ده، هو مش متجوز أصلًا اتنيل عمل فرح معانا ليه
- كده يا حازم يخربيت آدم؟ ماشي
تركت سارة يد حازم واتجهت ناحية آدم وهو يرقص مع أسيل
- إيه ده إلى جابك هنا يا بت روحي لجوزك، قالت أسيل
اقتربت سارة من آدم وقالت: لا ده بيقول على آدم يخربيته أنا ها أفضل معاك يا آدم
- أنا يخربيتي؟ قال آدم لحازم الذي كان يقترب
- يا عم ما تقرفوناش بقى الفرح باظ الناس تقول إيه وإحنا سايبين الرقص وعمالين نتخانق في نص الفرح
- أنا ها أفضل مع أخويا هش انت
- ولما انت تفضلي مع أخوكِ أنا اترمي في الزباله ولا إيه ؟ قالت أسيل
- الله انت عوزاني أسيب أختي؟ قال آدم بمزاح
- لا وعلى إيه اشبع بيها، قالت أسيل، تعالي نرقص يا حازم، أوشكت أسيل على التحرك من جوار آدم فامسكها بسرعة وقال: ترقصي مع مين ياختي؟
- نفخت أسيل خديها وقالت: لا ما انت يا ترقص معايا يا معاها
- نظر آدم إلى سارة ثم دفعها بفرق ناحية حازم وقال: يلا يابت غوري لجوزك
- تذمرت سارة وضحكت وقالت: بقى كده يا آدم و أنا الي بدافع عنك
حاوط حازم سارة بذراعيه وقال: تعالي يابنتي تعالي نروح نرقص في حتتنا علشان تعرفي إن مالكيش غيري.
تابع آدم سارة وهي تضحك وتذهب مع حازم ثم نظر إلى أسيل وقال بحب: أنا فرحان أوي
- ابتسمت أسيل وقالت: و أنا كمان
- أنا كنت فاكر إن انت الكابوس الي ها يدمر حياتي، مكنتش أعرف إنك الحلم الجميل الي ها يفوقني من الكابوس الي عشته طول عمري
- ابتسمت أسيل وقالت: و انت كمان يا آدم حلمي الجميل
احتضن آدم أسيل وهو يرقص وقال لها:
- الحلم الجميل الي ها نفضل طول عمرنا عايشين فيه من غير كوابيس أبدًا.
ابتسمت أسيل وأسندت رأسها على كتف آدم الذي أخذ يمسح على شعرها وهما يرقصان، أغمضت أسيل عينيها وأخذت تتخيل نفسها وآدم وهما معًا وسعداء، ابتسمت أسيل تلقائيًا فشعر بها آدم وقال: بتضحكي ليه؟
- مافيش بتخيل تخيل كده
- تخيلات تاني؟ قال آدم
- لا المرة دي كله حلو، حلو وبس
ابتسم آدم وهو يسند رأسه إلى رأسها وقال: حلو وبس.
- تمت بحمد الله -
أنت تقرأ
حجيم الحب
Romanceبعد أن كانت تعيش حياة هادئة، وجدت أسيل نفسها في مواجهة مواقف مرعبة لا تفهمها، في الوقت الذي تزامن مع إحياء أحدهم لعنة قديمة قد سارت على أجدادها، لم تكن تعلم أن بوقوعها في الحب فقط يمكنها أن تفتح بوابة اللعنة والتي ستتسبب في قتل كل من يحمل دماء أجداد...