الفصل الأول
(انا محبطة)
تنهدت هتان وهي تدخل الى الشقة الصغيرة وبداخلها تشعر بشيء من التأنيب وفي رأسها تزدحم الأفكار وتتلاطم بدوامة الحيرة والتردد
وكأنها ارتكبت حماقة صغيرة وقرارها صدر منها بعدم تروي والمام!
القلق انتابها منذ اول لحظة خطت يدها توقيع العقد يبدو انها تسرعت وان الحماقة كبيرة وليست صغيرة
كان الاجدر بها ان تشرك ذلك الرجل العجوز الطيب كعادتها باتخاذ أي قرار مصيري ومستقبلي
كأنها حاولت الخروج عن المألوف هذه المرة!
رغبة منها بالتجربة والمغامرة وتذوق طعم التفرد بالرأي في الخوض في امورها وقراراتها الشخصية بمفردها ودون الاعتماد على أحد واتخاذ خطوة جديدة ستغير من نمط حياتها ومسيرتها وربما من شخصيتها الانطوائية المتقوقعة بعض الشيء!
وقبل ان تجلس في مقعدها المفضل قرب المدفأة ابتسمت ونادت بملاطفة: " كأني اشم رائحة حساء الفطر مع اننا اتفقنا على غير ذلك تماما .... كنت وعدتني بطبق الكوسا المحشي ام تقاعست أيها العجوز الضعيف"
ورمت حقيبتها واتجهت بخطواتها الرشيقة الى المطبخ ثم استندت على الباب واحاطت جسدها بذراعيها وهي تتأمله بعين الامتنان والرضا وشعور خفي بالندم لانها ركنته جانبا وتصرفت بأنانية
كان يضع سيجارته بين اسنانه بينما يداه الرطبتان تتخبطان بين الاواني والملاعق وكأنه يبحث عن احدى علب توابله التي اعتاد على تغيير اماكنها بفوضاه المعتادة وضجيجه المحبب
قال بليغ دون ان يتطلع بها وعبر السيجارة وبنبرة باردة ومتأنية جدا: "منذ متى وانا اعد ما نتفق عليه؟ ..... انا اشاورك وبعدها اعد ما اراه مناسب"
تأملت جانب وجهه مركزة على التجاعيد التي استوطنت تحت عينيه وقرب فمه ثم ارجحت بصرها بين شعره الذي يغزوه الشيب وبنظرة ودية وقبل ان تقول شيء تغيرت ملامحها عندما بادر بلا مبالاة مكررا: "اشاورك وبعدها اعد ما اراه مناسب"
ثم التفت اليها ورمقها بجمود وواصل: "لكن انت لم تشاوري حتى"
بهتت وقالت بتلعثم: "علم.... علمت؟"
عاود انشغاله بما في يده وأجاب وهو يغطي الاناء بروية: "اتصل بي خليفة قبل قليل"
أطلقت تنهيدة غير مسموعة واستدارت وخطت بعدم انتظام عدة خطوات واحتارت كيف تصلح الامر معه؟
لكن سرعان ما عادت الى المطبخ وهتفت متسلحة بالثقة: "كان علي ان اتحرك .... ان اتخذ خطوة حاسمة .... كنت واثقة من ردة فعلك لذلك"
أكمل لها بنبرة مثلجة: "لذلك تجاهلتني"
هزت رأسها برفض وقالت بتأكيد: "لم اتجاهلك وبحياتي لا يمكن ان اتجاهلك لكن أعطني فرصتي هذه المرة .... أعطني مساحة من حرية الخيار .... لم اعد طفلة اريد ان اخوض التجربة .... اريد ان ابتعد قليلا ان اعرف معنى المسؤولية ان اتحمل نتائج قراري ان القن نفسي درسا مرة واثنين وثلاثة على اخطائي حتى اعرف الخطأ من الصواب"
أنت تقرأ
رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابر
Romanceخيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا ثالث لهما اما ان تكون الفريسة التي ستبقى تنتظر ميعاد قدوم من نسج الشباك حولها او انها تتكيف مع البيئة الجديدة بصورة مؤقتة وتستنهض المرأة الق...