الفصل السابع عشر ..........
(مواجهة مرة)كانت ترتجف عندما فتحت لها بيلسان الباب والتي اتسمت على ملامحها دهشة وقلق
دخلت مسرعة وكانت على وشك الانهيار وقبل ان تقول بيلسان شيء قالت بدموع متساقطة وهي تدعك بيديها: " اكتشفت امر خطير .... ديم كانت تخطط لتدميري والقضاء على عفتي انها وراء كل تصرفات بركات الحقيرة وفساده هي من كانت تدفعه وتسلطه علي تصوري حقارتها وخبثها! وانا الساذجة ظننتها محترمة وشعرت نحوها بالرأفة لم أكن أتوقع انها بهكذا مستوى من الحيلة والمكر كنت متعاطفة معها واخدمها بكل تفاني ولم اشعر بالكراهية اتجاهها رغم ان جاسر يفضلها علي ويجعلها الأولى بحياته دائما كنت استوعب ذلك واتقبله رغم غيرتي وقهري .... انها تكرهني لدرجة لم أكن اتوقعها .... لماذا؟ لماذا فعلت معي كل ذلك وانا لم اوذها ابدا"كانت بيلسان تراقبها بوجه باهت خال من التعابير كأنها مصدومة هي الأخرى بهم وهزت رأسها باستنكار ثم احتضنتها قائلة بنبرة خافتة: "اهدئي ارجوك وأخبريني كيف حصل ذلك لكن تعالي الى الداخل وقبل كل شيء سأعد لك عصير الليمون ليهدأ اعصابك انت بحالة سيئة جدا تعالي"
امسكت هتان يديها بتشبث وقالت باضطراب وتلهف: "لا اريد شيء لا تذهبي .... لم أنم طوال الليل ولا ثانية انا مصدومة! ان الذي حدث لا يصدقه خيال اكاد أفقد صوابي .... اكتشفت انني ضحية مؤامرة ومخطط كبير لاستدراجي من ثم السيطرة الكاملة علي .... عندما أتت ديم الى شقتي واصرت على عودتي معها لم يكن ذلك بدافع الرحمة والإنسانية كما كنت واهمة! اكتشفت كم انا ساذجة لأنني صدقتها واطعتها .... مثلت علي دور العاجزة الرحيمة المحتاجة الى الرفقة التي لا تقدر ان تنكر المعروف ولا تقدر ان تتركني اعاني الازمة وحدي مما جعلني ادخل نفسي بسجنها بقدمي وارادتي بحيلتها .... للأسف كانت تضمر لي بداخلها حقد رهيب وجاءت من اجل اهداف ومصالح خاصة وغير إنسانية البتة .... لقد كبلتني ديم بقيود تؤدي بي الى الهلاك انا اليوم أسيرة عندها وهي انسانة بلا ضمير بلا رحمة"
التفتت بيلسان خلفها وبدت غير مرتاحة واستغرقت هتان لتخبرها كل شيء حصل بدون توقف وبقلب جريح خافق وروح معذبة حتى انها لم تنتبه للعجوز التي كانت موجودة بركن الصالة وكانت بيلسان محرجة من وجود والدتها وكأنها لا تريد ان تعرف شيء عن الحقيقة تريدها ان تبقى موهومة بعلاقتها الوسخة مع بركات وتبقى تحكم عليها بالتهور والرخص
هتان كانت بحالة من الصعب ايقافها ومن حسن حظ بيلسان ان والدتها كانت غارقة في النوم مما هون عليها الامر
سحبتها من يدها واخذتها معها الى الشرفة قائلة: "أقدر ما حصل معك ومن حقك الانهيار لكن"
ثم أحاطت وجه هتان المحتقن الساخن بكفيها وتطلعت بعينيها بعمق وواصلت بجدية واضحة: "سأقول لك كلام يمكن ان يزعجك بل اكيد سيزعجك ويجعلك تنفرين مني لكنني مضطرة ان اواجهك بإخطائك ولن اطبطب عليك واجاملك على حساب قناعتي وعليك تقبل الحقيقة رغم مرارها .... انا أرى ان ديم ليست المجرمة التي تتحدثين عنها لاني اعرفها منذ سنوات بعيدة حتى قبل زواجها بجاسر لانها كانت صديقتي المقربة وقتها ومن خلالي تعرفت على جاسر ووقع الحب بينهما وتزوجها رغم معارضة اهله .... ديم انسانة جيدة لكن برأيي هي ليست الا زوجة معذبة تحارب من اجل الحفاظ على زوجها واسترداده الى حضنها .... جاسر عالمها الوحيد مقرها ملجأها كل حياتها ضحت من اجله بالكثير وضحى هو الاخر من اجلها وحبهما كان مضرب مثل .... قلة حيلتها وخوفها من ضياعه من يدها وفقدانه دفعها الى اللجوء الى أساليب لم تفكر بعواقبها وقد غيبت عقلها وتصرفت وفق عاطفتها اتجاه زوجها .... ظنت ان من حقها ان تقاتل وتجتهد للحفاظ عليه .... كل ما فكرت به هو ابعادك عن بيتها لانها استشعرت الخطر من وجودك وقررت تخويفك حتى تفري بلا رجعة والدليل انها ارادت تخويفك فقط هو عدم حصول الاعتداء وانما الشروع فقط كما اخبرتني والا ما الذي يجعل رجل قوي وبلا ضمير مثل بركات يتركك وانت بين يديه وبوضع يمكنه من الحصول على مبتغاه بسهولة! .... ديم ظنت بذلك انها ذكية.... لكن عاقبة ما فعلته معك جعلت زوجها يضيع فعلا ويرغب بسواها وكأن الحب تبخر والوفاء اضطرب وتزعزع بقلبه .... بلله عليك يا هتان كيف بلغت بك الجرأة لتقولين إنك لم تؤذها؟ انت دمرت حياتها بكل بساطة خربت بيتها سرقت زوجها خنتها انت دخيلة على بيتها عشقت رجلها بدون حق وبدون مبرر ومنحت نفسك الحق بهتانا وظلما وساويت نفسك بها مع انها عاجزة وقليلة الفرص عكسك تماما ووضعت لنفسك الاعذار والحجج والمبررات الغير مقنعة والتي حاولت ان تقنعي نفسك بها وسمحت لجاسر بأن يحلم بالحصول عليك واستدرجته متظاهرة إنك عفوية بينما كنت تظهرين كل محاسنك وحيويتك وحبك للحياة امامه.... اجتهدت لكسب وده واعجابه وابهاره استغليت وضع زوجته وعجزها لتظهري له ان فيك كل ما افتقده فيها .... تزوجته يا هتان وخططت للحمل منه لا تتظاهري بالبراءة وإنك مظلومة على الدوام الم تسأمي من ذلك؟ متى تكتشفي إنك ظالمة وقاسية وجئت لتخربي بيت زوجين يجمعهما الوفاء والحب والرأفة .... انت قاسية"
كانت عيون هتان تتسع تدريجيا وهي تتطلع بوجه بيلسان الذي بدأ يحتد شيء فشيء وحتى نبرتها كان يتخللها الاتهام والتأثر وكأنها تتكلم عن امر شخصي!
بدت خشنة جدا وصارمة وتبالغ بالتحيز لصديقتها الأولى ديم.
وضعت هتان يديها على صدرها وقالت بأنفاس لاهثة وبصوت خافت: "انا؟ انا فعلت كل ذلك؟ انا تلك الحقيرة المعدومة الضمير الشريرة التي تتكلمين عنها؟ .... ظننت ستقفين الى جانبي لأنك مطلعة على كل اسراري وعشت كل معاناتي معي ورأيت دموعي وعذابي وظلمهم لي اولهم جاسر الذي استغلني ورماني ككلبة وسخة ظننتك ستقدرين ما وقع لي وستتفهمين جرحي ومعاناتي وانت العارفة المطلعة على كل ظروفي .... توجهين لي كل هذه الاتهامات الجارحة لتزيديني هما فوق همي! لتلكمي جرحي البليغ بوحشية! للأسف لم اجدك الصديقة الحقيقية كلما لجأت اليك هاربة من جروحي ومخاوفي .... انا مصدومة بك وهذه ليست المرة الأولى التي صدمتني بها يا بيلسان كل مرة امر بها بالضيق والحاجة الى العون لا اجدك بجانبي وكل الوقت قلبك مع ديم وتدافعين عنها لا افهم أي نوع صداقة تجمعنا! لكن بعد كلما قلته لم اعد استغربك فديم صديقتك القديمة ومن البديهي ان تتحيزين لها وتتجاوزين خطئها وتغفرين ذنبها وتحملينني كل الذنوب"
خفقت اهداب بيلسان وربتت على كتفيها قائلة بتبرير: "ليس صحيحا كل ما قلته بحقي .... لم اتحيز لها والدليل انني تقبلتك صديقة ونصحتك واخفيت سرك ووقفت معك وعلمت بتودد جاسر اليك وصمتت على حساب صداقتي بها.... يا هتان قول الحقيقة مر واعلم انه سيباعد بيننا لكن من واجبي كصديقة حقيقية الا اعينك على اخطاءك .... انت من ورط نفسه بكل تلك المآزق انت من أوقع نفسه بالفخ .... انت من لمس النار بيده واشتكى من لهيبها .... انت من بدأت والبادئ أظلم .... سامحيني لأني مضطرة ان اواجهك وربما ذلك سيخفف عنك شعورك الدائم بالغبن والمظلومية وستلقي جزء كبير من اللوم على نفسك"
ارتجفت شفتيها وقالت بإحباط: "متعاطفة معها رغم كل ما فعلته بي وتتغنين بحبهما الان! بينما كنت في السابق تقولين ان جاسر رجل وضعيف امام النساء كغيره من الرجال ومن حقه ان يتطلع الى أخرى في خضم الظروف التي يعيشها مع عجز زوجته ومرضها الدائم نسيت؟ .... عموما يا بيلسان ديم خبيثة ومجرمة وانت مقتنعة بها للأسف .... وليكون في معلومك الزواج من جاسر ليس مكسب وربح بل خسارة .... ابد ليس بالمفهوم الذي في بالكم جميعا بل كان نقمة علي وحرمان واستعباد ولم اطل منه لاحق ولا باطل فلا داعي لكل ذلك الحقد علي والقهر .... ولمعلوماتك أيضا ان كل ما حصل لي اليوم بسببك انت لانك ذهبت واخبرتها عن حملي مع انني كنت اخفيه عن الاخرين واستأمنتك سري ذهبت وبحت لها لتدبر لي مكيدة ومن يدري ربما انت متفقة معها فالطيور على اشكالها تقع"
وتركتها واسرعت بخطواتها الى الخارج ولم تستطع كبت عبرتها واجهشت بالبكاء لم تعد تسيطر على انفعالاتها وتمنت ان تتخلص من حياتها والكلام الأخير الذي وجهته لبيلسان سرعان ما ندمت عليه بمجرد ان نطقته لأنها أدركت انها ستخسر صديقة مهما بلغ موقفها
ما كان يجب ان تواجهها وتتهمها فبيلسان بالأول والأخر كانت تقدم النصيحة والوعظ .... بيلسان لا تستحق منها ان تهينها هكذا مهما كان موقفها
أقسى شعور يمر به المرء هو الغربة والوحدة بوسط الاخرين الذين ظنهم بيوم من الأيام احباب وأصحاب وملجأ وسند
انه إحساس قاتل يضعف النفس من الداخل
واسقم شعور هو الخوف والتوجس من الناس حوله حتى أقربهم!
هتان تشعر اليوم بالوحدة بهذا العالم الموحش الغامض ولديها إحساس ان الكل متربص بها ويحاك لها في الظلام لاستغلالها
والكل يخفي انيابه ومخالبه حتى يحين الوقت لتمزيقها وافتراسها متى سنحت الفرصة!
لم تجد أحد معها الكل ضدها
حتى عمتها كانت تريد ابعادها والاستفادة من الشقة هي وبنتها واحفادها كانت تجدها عقبة وحاولت ازالتها بشتى الطرق وكثيرا ما تدفعها للعودة الى جاسر رغم سوء معاملته لها واستغلالها
جاسر الذي ظنته يوما امانها ومستقرها حتى سلمت له قلبها ونامت على صدره ملأ جفونها ووهبته مشاعر حقيقية وصادقة دون ان تفكر ان تحصل على مقابل وحاولت تعويضه عما افتقده وسامحته واعطته دون ان تأخذ منه بالأخر طعنها طعنة الخونة!
أنت تقرأ
رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابر
Любовные романыخيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا ثالث لهما اما ان تكون الفريسة التي ستبقى تنتظر ميعاد قدوم من نسج الشباك حولها او انها تتكيف مع البيئة الجديدة بصورة مؤقتة وتستنهض المرأة الق...