الفصل السادس عشر

192 6 0
                                    

السادس عشر....
(تحت التهديد)

احساسها بالانهيار جعلها تدفعه بشراسه وهي تهتف بارتجاف: "لا اصدقك .... انت كذاب"
وهربت باكية.
فعلا بدأ يتلاعب بها فقد بدى صادقا وعينيه تفيض بالود والندم وهي تكاد ان تصدق ندمه!

لا تريد ان تعود اليه لا تريد التعامل مع الاخرين على أساس المصالح فقط لا تريد ان تتجرد من المشاعر لا تريد ان تصبح أداة تستخدم متى ما لزم الامر
اريد شيء واحد فقط .... ان يكون صادق بالفعل ونادم بالفعل .... يا ليت!

في اليوم التالي وبعد الظهيرة انتبهت هتان وهي تقدم مغلي الأعشاب لديم انها قد وضعت منحوتة جديدة على طاولة العرض وقد اخفت معالمها كالعادة بالمنديل وكانت تتأمل منحوتاتها بشغف وكأنها كل عالمها بل كأن تلك الطاولة خشبة مسرح ووزعت عليها شخصيات مختلفة لتحركها وفق رغباتها وتضع كل منها في المكان المناسب!
قبل ان تبارح هتان الصالة قالت لها بالتماس: "قدماي توجعانني كل الليل .... تعالي من فضلك وحركي الدم بهما"
اومأت هتان وعندما خطت نحوها لاحظتها تراقبها بعيون عميقة لا قرار لها حتى انحنت وجثت تحت قدميها وخلعت نعلها ببطء وهي مرتابة من تلك النظرات الغامضة الغير عفوية فقد كانت تتطلع بها بفوقية واضحة وتبدو مصطنعة ولأول مرة هتان تستنكر ركوعها تحت رجليها وتشعر بالمذلة
تعبت من الحيرة من مواقف ديم وتقلباتها ترى لماذا هذا الأسلوب معها بعد ان زال عنصر الخطر الذي كان يهددها كما افهموها! الم تختف الغيرة من قلبها بعد ان توهمت ان لا علاقة بينها وبين زوجها وإنها في مأمن من حدوث ذلك!
ربما تريد ان تذكرها دائما بوضعها ومكانتها كعاملة عندها كي لا تتمادى باعتقادها انها حامل من اخوها وذلك يمنحها الحق ان تتمركز في البيت وتعتبر نفسها واحدة منهم
لا تنكر ان ديم أصبحت أكثر مرونة من السابق وتظهر بعض الاهتمام لها بعد ان كانت لا تطيقها ولا تنكر أيضا ان ديم جلبتها لتكفر عن ذنب اخوها وتراعيها لحين ولادتها بعد ان علمت ان ظروفها صعبة فاستشعرت الإنسانية بداخلها ومن ناحية أخرى لتدرأ الفضيحة وتحمي اسم عائلتها امام الناس لكن مع ذلك المعروف هناك منة مبطنة تضايقها جدا

ولادة! وهل ستبقى بتلك التمثيلية الخطيرة لحين الولادة؟
اثناء شرودها جذبت ديم مجموعة من الأوراق من الاريكة ووضعتها على الطاولة امامها مما جذب انتباه هتان وبادرت ديم بجدية: "انا عند وعدي بكل كلمة نطقتها وكل وعد قطعته امامك .... مستعدة لحمايتك وتأمين شقتك من الحجز وتسديد ديون والدك وأيضا سأتعهد بمصاريفك وتلبية كل احتياجاتك .... اعلم ما بداخلك منذ جلبتك فذلك القلق بنظراتك يفضح ما يدور بعقلك .... تتساءلين مع نفسك ترى مقابل ماذا كل ذلك لماذا تفعل معي تلك السيدة كل ذلك المعروف؟ .... انا سأوفر عليك زحمة اختلاجاتك واضطراب افكارك .... لا لأجل سواد عينيك افعل كل ذلك المنح والعطاء .... بل لمصالح مشتركة كما اشرت سابقا انا اريدك بجانبي يا هتان وأريد ابن اخي يتربى امام عيني واعلم أيضا انك محتارة كيف تقبلت حملك ولم اطالبك بتنزيل الجنين كما هو مألوف عند العوائل كرد فعل مناسب عندما يقع ابنهم بالغلط فانهم غالبا ما يتبرون من الام والجنين لكن الوضع معي مختلف .... مختلف جدا .... انا تذوقت مرار فقد الطفل واعرف قيمة ذلك جيدا وعواقبه ولا احب ان أرى ذلك يحصل لأي امرأة ولو كانت عدوة"
اسدلت هتان اهدابها وواصلت دعك ساقيها برفق ولمست الجدية والصراحة بتعابيرها ونبرة صوتها
ورفعت بصرها بسرعة عندما وضعت ديم يدها على كتفها وقالت بحزن: "فقدت طفلي تعلمين معنى ذلك؟انه إحساس موجع للقلب لكن تعلمين ما هو اقسى منه والذي يذبح القلب ويميته؟"
سرت قشعريرة بأوصال هتان وهي تتمعن بعينين ديم الشقراوين الغارقتين بالحزن لتواصل ديم بحرقة: "الأكثر وجعا انني فقدت القدرة على إعادة المحاولة على تكرار التجربة .... حرمت من كلمة امي وانا في ذروة الشباب"
احتقنت عيون هتان وبدتا كجمرتين وكانت مأخوذة بديم حتى انها لم تشعر ببركات الذي كان واقف خلف ديم دون ان تعلم الأخيرة بوجوده وبالتأكيد استمع الى كل كلمة موجعة خرجت من فم اخته بحرقة ولهيب وشعر بعذابها وبالتأكيد تفاقم حقده على من كان السبب بكل ذلك ومن هنا يبرر العداء بين بركات وجاسر.

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن