الفصل العشرون....
(ارجوك وافقي)
في مقر عمل جاسر وفي غرفته الخاصة ....
كانت هتان جالسة على السرير المزعج الملمس وفاقدة السيطرة على انفعالاتها ومستغرقة بالبكاء بعد ان واجهها جاسر بكلام جارح وهو يدير لها ظهره وكأنه ينتظرها تنتهي من نوبة انفعالها وتذهب!
حزت بنفسها دموعها وحزز بنفسها الموقف الذي وضعها به والوجه الصارم الذي قابلها به دون ان يأبه لمجيئها ومحاولاتها لإصلاح الامر بينهما والتبرير له وكشف الحقيقة امامه
وصعبت عليها نفسها وهي كالذليلة امامه مع انه الجاني وهو الظالم وهو المفتري وعجبت من نفسها لانها كل مرة تنصدم به وبكلامه وكأنها لا تعرف حقيقته!
كلامه الحقير ليس بجديد عليها فسبق وان أزعجها بأساليب مماثلة بل واسوء ستبقى كل مرة تفاجئ به؟
متى تتخذ موقف صريح منه؟ متى تخرجه من نفسها ومن قلبها ومن حياتها؟ متى تصدق مع نفسها وتعترف انه لا يستحقها فعلا؟
الى متى تتحجج بأن الظروف تجبرها عليه؟ جاسر باعها أكثر من مرة بنذالته وبمواقف صريحة وهي الغبية لم تستوعب كل مرة وكأن سحر عجيب ينسيها افعاله السوداء ومواقفه القديمة وانانيته معها ويجعلها تطلب رضاه وتتقبل عودتهما الى بعضهما!
انتفضت على حالها ونهضت وهي تجفف دموعها التي بدت رخيصة امامه ولا قيمة لها وقالت بملامح حادة: "انا نادمة حقا لأنني كلفت نفسي وقطعت كل تلك المسافة لمقابلتك كي اشرح لك اللبس الذي حصل والكذب والنفاق والكيد الذي يكيدان لي زوجتك واخوها .... نادمة لأني اردت ان ارفع الستارة المنسدلة على حقيقة ديم لتظهر امامك كما هي بدون قناع .... نادمة لأني فكرت ان الجأ اليك من بركات وظلمه لي .... تذكر دائما يا جاسر انني اردت ان أصل معك الى نقطة بيضاء لترشدنا الى السبيل الواضح لكنك كل مرة توصلنا الى أخرى سوداء لتظلنا مجددا .... سأذهب الان لكن لن أنسى يوما أنك جارح وظالم مهما عدت نادما ....... سأتركك في غفلتك لانك تستحق ان تبقى زوج مغفل يرتع الاغراب ببيته ويعبثون بشرفه تحت غطاء العلاج ودواعي طبية"
التفت اليها ببطء ثم ضاقت عيونه وقال بجفاف: "ان كان قصدك رد الصاع لديم للانتقام مني ومنها فاسمحي لي ان انصحك ان تردي الى صوابك لان تلك حيلة العاجز كما يقولون وأيضا ذلك لا يليق بك كامرأة عاقلة ومحترمة بل يقلل منك بنظري ونظر الاخرين .... اهدأي هتان ولا تخبطي كثيرا" وابتسم لها ابتسامة مستفزة
خفقت اهدابها وابتلعت ريقها الجاف بصعوبة ثم تناولت حقيبتها بتوتر واتجهت الى الباب لتذهب لانها لم تجد ما تقوله ولم تعد تطيق ان تبقى تتطلع بوجهه وتسمع كلماته الموجعة واستفزها جدا انها لم تقدر ان تقنعه او تكشف ديم امامه... استفزها ان تخرج خائبة هكذا وخاسرة
اسرعت بخطواتها حتى انها لم تعد ترى الناس امامها وبدت منهارة وكل اوصالها ترتجف من شدة الغضب حتى انها لا تعرف كيف وصلت الى الشارع وتخطت المكان بمن فيه
لم يهمها الظلام في الشارع بل سارعت بخطواتها حتى اوقفها الألم المفاجئ!
امسكت بطنها وشعرت بالغثيان ولما استدارت خلفها تماسكت وبداخلها هدأت لان جاسر كان يتبعها بسيارته دون ان تشعر ولم يتركها تذهب وحدها بهذا الوقت
لكنها لم تظهر ارتياحها لموقفه بل تظاهرت بالانزعاج والضيق وواصلت خطواتها لكن الألم جعلها تبطيء الخطى وسمعته يقول قربها: "اصعدي .... لا تكابري اصعدي"
تمنت ان تسعفها صحتها وتواصل سيرها لكنها توقفت رغما عنها وشعرت بالعرق الغزير يتصبب من وجهها وهو بدوره أوقف السيارة
انحنى وفتح الباب الامامي الذي قربها ولما لم تستجب اعتقد انها تكابر وتعاند لكنه نزل بسرعة عندما اتكأت بكلتا يديها على السيارة!
تغيرت ملامحه عندما رآها بحالة اعياء وضعف وامسكها بسرعة من ذراعها ليرتمي جسدها عليه ويحتضنها
شعرت بفقدان القدرة على حمل نفسها لأن الضعف دب بساقيها وحمدت الله لانه تبعها وأسعفها فلولا ذلك لسقطت في الطريق!
أنت تقرأ
رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابر
Romanceخيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا ثالث لهما اما ان تكون الفريسة التي ستبقى تنتظر ميعاد قدوم من نسج الشباك حولها او انها تتكيف مع البيئة الجديدة بصورة مؤقتة وتستنهض المرأة الق...