الفصل التاسع ..............
(ليس لك سواي)تطلعت بساعة يدها وحملت حقيبتها وخرجت .... لكن الصدمة التي كانت تنتظرها بالخارج كانت شديدة عليها
اذ لم تجد جاسر ينتظرها كما وعدها حتى انها ظنت انه مازال نائما عند ديم لكن سيارته ليست موجودة!
خيبة الامل كانت كبيرة وكأنه تلاعب بها ووعدها بوعود زائفة كطفلة؟
جاسر اختفى وتركها تنتظر لساعة واثنين وثلاثة!
انهارت في غرفتها واجهشت بالبكاء ثم اتصلت به للمرة العاشرة ولم يجيب عليها!
.................................................. ..................................
في سيارته واثناء الطريق التفت اليها وتفحصها فقد كانت منهارة وقد برح بها القلق واذاها الانتظار والاستخفاف الذي جابهها به جاسر لم يهتم لوعوده لم يأبه لقلقها وكما توقعت عاد يعتذر ويبرر لها غيابه بحجج سخيفة لا قيمة لها مقابل مرض والدها ووضعه الحرج!
كانت تشيح عنه بنظرها الى الناحية الأخرى وقلبها مليء بالهم والحزن
ليس لديها القابلية لتدخل معه في نقاشات عقيمة وعتاب فارغ تافه بالنسبة له
قررت ان تصمت فالكلام لم يجد نفع ولم يشفي غليلها لا يهمها شيء الان سوى الوصول لم يعد أي شيء له قيمة سوى الوقت وقد شارفت الشمس على المغيب....
وضع يده على يدها التي تشبكها بالأخرى ولا اراديا سحبتها وعلى اثر ذلك قال بنبرة اقناع: "هتان .... اعلم انني أخطأت عندما تركتك تنتظرين لكن انا أيضا لدي ظرف طارئ لم احسب له صدقيني .... الدكتور اتصل بي باكرا جدا وأخبرني ان التحاليل والفحوصات الخاصة بديم قد ظهرت وعلي استلامها لان"
التفتت اليه بسرعة وقد ضاقت عينيها وقالت بثورة مقاطعة ولم تعد تعي ما تقول: "ديم ديم .... أيضا ديم ؟.... الدنيا كلها تدور بالنسبة اليك حول ديم وفقط! وانا اين من كل ذلك؟ بأي خانة ركنتني؟ اين انا من حياتك ومشاريعك ومخططاتك للمستقبل؟ تزوجتني لتركنني جانبا؟ لقد سئمت .... سئمت"
يبدو ان الكلام لم يروق له اذ تجهم وتطلع امامه بجمود واستمر الصمت حتى الوصول!فتحت باب السيارة بسرعة وهرولت الى حيث الشقة وقلبها ملهوف وخائف فكل الهواتف لا ترد على اتصالاتها ولم تعرف ما حصل
خائفة جدا وبداخلها امل كبير وقدميها تخطان بدون توقف ولم تعد ترى كل ما حولها كانها عمياء فقط الباب امامها .... انها ترى الباب وتسابق الوقت حتى تصل وكأن الذي بينها وبينه مسافة طويلة!
ما ان وصلت وقبل ان ترفع يدها لتطرق على الباب دقت ساعة الصفر
وحركت هتان رأسها ببطء شديد وكأن كل أصوات العالم حولها اختفت بل كل شيء اختفى امام ناظرها ولم تعد تسمع الا صراخ مخيف ومتقطع ينبعث من داخل شقة والدها!
بكاء أطفال! هتاف عمتها نحيب وصياح! بليغ مات!
صرخت هتان صرخة عظمى وضربت بكلتا يديها على الباب وهي تهتف: "افتحوا الباب .... لقد اتيت .... اتيت افتحوا لي"
وكأن الضوضاء بالداخل تحجب صوتها وهتافها وانهارت الى الأرض وهي تجهش وتهتف: "لقد تأخرت .... تأخرت .... تأخرت يا جاسر"
وتطلعت به وهو واقف وبدى متأثر واطرق الى الأرض وهتان تشد بشعرها وتنتف خصلاتها بيديها وعندما اقترب منها جاسر تشبثت ببنطاله وهي تصرخ: "مات ابي ولم اره .... لم اره يا جاسر رغم انه كان يطلبني كل يوم وكان ذلك امامك .... لم يكن يريد شيء سوى رؤيتي .... لا تنظر الي هكذا الذنب ليس ذنبك ولا ذنب احد .... انه ذنبي وحدي انه جرمي ما كان يجب ان أكون ضعيفة"
فجأة أصبحت عيناها تقدح نارا وقالت بغيظ: "اكرهك .... اغرب عن وجهي .... اكرهك .... ابي كان يصارع بين الحياة والموت وانت منغمس بفحوصات وتحاليل عقيمة .... الحياة بيننا أصبحت مستحيلة .... انتهى كل شيء"
.........................................
بعد مرور أسبوعين
كانت هتان تتلقى التعازي من معارفها الوافدين كل يوم من مختلف المناطق وكانت تتظاهر طوال الوقت بالصمود والثبات حتى بدأت تظهر عليها معالم الانهيار فقد تغير شكلها ونحفت كثيرا وشحبت وبداخلها تسعر .... نار الندم
ان قرار سفرها للعمل والاستقلال كان مشروع فاشل بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأثبتت لنفسها انها كانت قطة عمياء بلا مخالب ليستغلها كل من هب ودب
الصبر والتسامح الذي بذلته كان بغير محله والتضحية كانت هباء
كم كانت ساذجة وبلهاء ومخبولة كانت بلا عقل وصدمتها بوفاة والدها اثبتت لها مدى خطأها وتوانيها وانحدارها وقد مزقت قلبها تمزيقا وأصبحت بلا قلب وعليها ان تواصل بلا قلب.
تركت الناس الجالسين حولها فجأة ودخلت الى غرفتها او بالأحرى التي كانت غرفتها ووضعت يديها على جبينها تشعر اليوم بالفراغ الداخلي وبفقدان طعم وقيمة كل شيء حولها ...... الحياة امامها بالأسود والأبيض بلا ألوان أخرى
فهذه ألوان الحقيقة وكل الألوان الأخرى مجرد وهم
يصطنعها الانسان بأمانيه واحلامه ويمني نفسه بينما هي ليست لها وجود أساسا.
والذي فاقم صدمتها وجروحها المعلومات التي عرفتها عن والدها وكيف كان يعاني من المرض ويخفي الامر عليها ويتظاهر بالقوة والقدرة على العمل والقدرة على اعالتها بينما هو قد ترك العمل منذ أشهر طويلة وقد نفذ كل المال الذي ادخره بمرور الأيام حتى لجأ الى القروض وأخيرا باع قطعة ارض تخصه كثمن لاجراء العملية! كل ذلك وهي لا تعلم!
ما معنى ذلك؟ معناه واحد ان بليغ لم يثق بها ولا بعقلها ويعتبرها انسانة هشة من الداخل والخارج وليست موضع اسرار ولا مسؤولية وعاملها كطفلة فاقدة الاهلية وهي فعلا هكذا .... اثبتت لها التجربة انها هكذا خاصة بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبته وأوقعت نفسها تحت تأثير نزوة وغريزة وسلمت نفسها الى رجل عديم الرجولة وبثمن بخس بدون حقوق وبلا كرامة .... جاسر عديم الرجولة وقد زال الغشاء عن عينيها لتجده على صورته الحقيقية رجل ضعيف الشخصية واعتاد على التذلل للأقوى وشعوره الدائم بالنقص بسبب هيمنة زوجته عليه جعله يجد نفسه عليها ويمارس رجولته.
دخلت اليها عمتها وقالت بهمس: "تركت الناس هكذا بدون حتى رخصة!"
تسمرت عينيها امامها دون ردة فعل .... قالت عمتها بتفحص: "هتان .... حبيبتي بدأت تذبلين وأخشى ان تنهاري وتخسري كل شيء
لقد حان الوقت لركن العواطف جانبا وتفعيل العقل .... في خضم تلك الظروف العصيبة وبعد اطلاعك على الاسرار والضائقة المادية التي كان يمر بها بليغ أرى انه حان الوقت .... عودتك الى مكانك الحقيقي هو الحل الأمثل حاليا"
تحركت اهداب هتان ببطء وودت ان تضحك بسخرية كبيرة .... مكاني الحقيقي؟
رفعت بصرها الى عمتها وضاقت عينيها قائلة بصوت خافت: "مكاني الحقيقي هو بيت ابي .... ولم اتحرك من هنا شئتم ام ابيتم"
فركت العمة يديها وقالت بتردد: "زوجك أولى بك وبإعالتك .... انه رجل متمكن ماديا والاجدر به ان يساعدنا بتسديد ديون والدك .... بالعقل يا هتان ارجعي بالعقل واطلبي حقوقك كاملة واستثمري ذلك الزواج بل استغليه اسوء استغلال لصالحك لانك تمسكينه من اليد التي تؤلمه وهي زوجته المريضة"
هتان وبانفعال: "لا اريده لا تنطقي باسمه امامي انا كرهت ذلك الرجل وليس لنا الا الانفصال وسأفعل المستحيل حتى أقدر ان أقف على قدمي وسأحاول ان اسدد ديون ابي ولو اضطررت ان اشحذ المال في الشارع على ان اعود لجاسر"
أنت تقرأ
رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابر
Romanceخيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا ثالث لهما اما ان تكون الفريسة التي ستبقى تنتظر ميعاد قدوم من نسج الشباك حولها او انها تتكيف مع البيئة الجديدة بصورة مؤقتة وتستنهض المرأة الق...