الفصل السابع والثلاثون

180 9 2
                                    

الفصل السابع والثلاثون ....
(الصدام العاطفي)

بعد مرور يومين ....

ابتعدت هتان عن حضن جاسر عندما سمعت طرق على باب الكوخ بقوة لتغلق فستانها ببطء وتتطلع نحو الباب بقلق وتهمس: "من القادم الان؟"
رفع كتفيه واعادهما باسترخاء وتطلع بساعة يده التي أعلنت الثالثة عصرا ونهض عندما تزايد الطرق حتى اتجه الى الباب وهو يتناول قميصه ويرتديه على عجل مستغرب حدة الطرق!

فتح الباب بسرعة وهو يغلق بأزرار القميص ليتجمد بمكانه!
ليتلقى صدمة غير متوقعة بتاتا!
اتسعت عيناه من هول المفاجأة! ديم!
بدأت اللحظة الحاسمة توقيتها لتدق ساعة المواجهة ويبدأ عداد المشاعر لتطرق النبضات مع الثواني والدقائق!
.... انها لحظة المواجهة المريرة على جميع الأطراف لحظة الحقيقة العارية من أي ستار .... لحظة الصدام العاطفي!

انزل يديه ببطء لتتسمر عيونه بعيونها التي بدت كوهج مصابيح صفراء وهي ترى منظره وهيئته وهو في مخدع الحبيبة!
تغيرت ملامحه بوضوح امام نظرتها القوية التي تخللتها لمحة عتاب واحباط وأسف لتتحرك اهدابه بارتباك امام عنف ما اعتراهما من مشاعر بتلك اللحظة الغير محسوبة!
ضغطت بأناملها الناصعة على عكازها بشدة وكأنها تكبت انفعالها!
والغريب انها كانت تبدو متماسكة!
وفستانها الأسود الطويل زادها حدة وهيبة والايشارب الشفاف الذي لا يفارقها قد اضفى عليها سمة الوقار وكأنها أكبر من سنها بكثير! .... نار قلبها تبدو خامدة لمن لا يعرفها ومشاعرها تبدو جليدية بأراداتها كي تتقمص القوة مستغلة لحظة ضعفه
بدى امامها بموقف أضعف لأنه خجل جدا من كذبه لانها اتصلت به قبل ان تصل بساعة تقريبا وأخبرها انه في المعمل منشغل بالكثير من العمل!
كان يتأملها بوجه خال من الملامح ولم يحرك بنت شفة وكأنه في لحظة فراغ لحظة ابد لم يتوقعها او يحسب لها حساب!
رفعت عصاها وازاحته عن طريقها ببطء لتدخل في ذلك الممر الضيق الذي يطل على الصالة ليقطب ويمسك جبينه وهو يفكر بطريقة للخروج من المأزق
لكن عقله لم يسعفه كأنه توقف عن التفكير!

والتفت اليها عندما ازاحت الستارة بحركة سريعة لتضيق عيناها بالتدريج عندما رأتها

شهقت هتان وكأنها رأت شبح ماثل امامها وانعقد لسانها عن التفوه بأي كلمة لأنها لم تستعد لتلك المجابهة ابدا فقد اقتحمتهما ديم بدون سابق انذار حتى نشفت الدم بعروقها وتشبثت بأناملها بثوبها الخفيف وتملكها الذعر لانها لا تعلم الحقيقة كاملة ....
لا تدري ان ديم تعرف بكل شيء واعتقدت انها لأول مرة تعرف بعلاقتهما!
وانزلت يدها المرتجفة على بطنها عندما رأت ديم تنزل بصرها على بطنها البارزة وخشيت من ان تتهمها بإقامة علاقة غير شرعية معه وبنفس الوقت خشيت من معرفتها بالزواج ومن عاقبة ذلك
ثم تطلعت الى جاسر الذي اقترب وهو مقطب الجبين وتمنت ان يحميها من جبروت ديم وهيمنتها وعضت على شفتها عندما قال بنبرة خافتة: "ديم ... انا؟"
واخرسته ديم وبقوة: "انت كذاب"
تجهم ولاذ بالصمت وواصلت ديم وهي تسير ببطء متوكأه وبنبرة اتهام: "لما غبت عني ليومين قلقت .... اتصل بك ولم ترد .... ابعث برسائل وتتجاهل حتى القراءة .... ولما قررت ان ترد على مكالمتي لجأت الى الكذب .... قلت انك في المعمل منهمك بالعمل وانا صدقتك"
ثم تطلعت بهتان ورمقتها بنظرة ذات مغزى مواصلة: "ليتبين لي انك فعلا منهمك بعمل لكن من نوع اخر"
أسدل اهدابه واقتربت منه لتقول بتأنيب: "أتساءل ما حال الثقة التي بيننا يا جاسر؟ .... ظننتني المقعدة التي لا يمكنها ان تتحرك من كرسيها واطمأننت؟ .... يبدو إنك اعتدت على غفلتي وتماديت لتكذب علي والله وحده يعلم منذ متى وانت تكذب وانا اصدق"
لم يتطلع بعينيها بل اطرق وكأنه نادم!
ثم التفتت نحوها بنظرة قاتمة وتطلعت هتان بجاسر وكأنها منتظرة منه ان ينصفها ويقوي جانبها لكنها شعرت بالخواء والخوف من ديم التي كانت تخطو نحوها وشهقت عندما امسكت جزء من فستانها وشدته لتعري كتفها وجزء من صدرها وتقول بنبرة صارمة وباتة: "اما انت .... حقيرة لا أكثر .... مبتذلة .... عقلك فارغ وكل ما تملكينه هو جسدك المبتذل ليطمع به رجل .... متزوج"
دمعت عيون هتان لأن ديم تظنها بنت رخيصة تعيش مع زوجها بالحرام وجاسر لا يجرؤ ان يصحح لها ويدافع عنها كعادته عندما يخذلها وحاولت ان تبعد يدها لكن ديم شدت فستانها أكثر حتى هرأته عليها وهي تهتف بغل وضغينة: "تعتقدين المتزوج يصدق مع الخليلة يا حيوانه؟"
اجهشت هتان بالبكاء لم تعد قادر على التماسك وصرخت بها ديم: انا زوجته وهناك بيته وانت من؟ .... تأكدي انه ما جاء اليك الا لإشباع رغبة مكبوتة وممارسات غير لائقة لا يجرؤ على فعلها مع زوجته التي يحترمها ويحرص على مشاعرها ويجلها"
أغمض جاسر عينيه بقوة وواصلت ديم وبتحقير: "ما موقفك يا حقيرة وانت تقيمين بهذه القذارة من اجل غرض واحد؟ .... ذلك المكان الوضيع يكشف ما هو الغرض فليس به سوى سرير! .... مناسب جدا لواحدة مثلك .... مكان وسخ لتفريغ الشهوات و"
هتان وبارتجاف ودموع: "قل شيئا يا جاسر .... أخبرها ان ذلك غير صحيح .... ارجوك أخبرها"
ابعد بصره وامسك جبينه وكأنه يتهرب!
شدتها ديم بقوة: "لا تكلميه جاسر ليس له ان يقول عكس ما قلته"
هتان وعبر دموع كثيفة وكل ظنها انها فجرت قنبلة الحقيقة: "انا زوجته .... مثلي مثلك .... لقد تزوجني"
وتوقفت عن المواصلة مستغربة ابتسامة ديم المستخفة والتي قالت: "نعم أكملي .... تزوجك؟ منذ متى؟ منذ حبلت منه بالحرام؟"
هتان وبصوت خافت مستنكر: "لا"
ديم وبسيطرة: " تزوجك بعقد رسمي؟ اين العقد؟ أرني العقد يا حلوة؟ .... أعطني العقد هيا؟ ام لا تقدرين لأنه ليس معك؟"
خفقت اهدابها وهزت رأسها ببطء مستنكرة وراقبت ديم وهي تفتح حقيبتها ببطء وتخرج منها ورقة لتقول: "تزوجك بهذه؟"
عضت على شفتها ولم تعد قادرة على حمل نفسها وهو واقف لا يحرك ساكن .... كم احتقرت موقفه
ديم وهي تلوح بالورقة وبتلذذ: "ورقة زواجك العرفي عندي يا حلوة .... جاسر اودعها عندي لأن ذلك مقترحي أساسا"
ارتجفت شفتي هتان وهي تتطلع بجاسر الذي استدار الى الناحية الأخرى
لتواصل ديم: "قلت حرام .... البنت حامل .... استرها .... ولنداري الفضيحة .... ونسبغ الشرعية على العلاقة القذرة .... اشفقت عليك لأن لا معيل ولا ولي ولا اهل وراءك .... خشيت ان تنهشك الرجال بعد ان يشيع امرك .... انا سترتك يا هتان وانت مدينة لي بالكثير .... لم افعل ذلك من اجلك فقط بل لأني أحب زوجي واعلم لمن ولائه غفرت له وأردت حمايته وحماية الطفل الذي من صلبه"
ضربت ام عابد على خديها وهي عند الباب المفتوح تسترق السمع لما جاءت بالصدفة للزيارة وسمعت الأصوات تتعالى من البيت وهالها ما سمعت وجعلها تفهم الحكاية

انفعلت هتان جدا من كلام ديم واسرعت الى جاسر قائلة بتضرع: "جاسر! صحيح ما قالته؟ لماذا تصمت؟ زواجنا اتفاق بينكما؟"
ابتسمت ديم بضغينة وهي تراقب انهيارها وشدت هتان على قميصه صارخة: "تكلم؟ كنت تخدعني؟ كنت تكذب؟"
لم يلتفت اليها واقتربت ديم قائلة ببرود قاتل: "انها الحقيقة وستبقين تحت رحمتي تعرفين لماذا؟ لأني امسك عليك مستند قوي يمكن ان ارسلك به الى الهاوية .... تعرفين لو قدمته اليوم وجعلت القانون يأخذ مجراه ماذا سيحصل لك؟ .... ستقادين الى السجن وانت حامل يا حرام .... ستلدين هناك للأسف وسيأخذون منك الطفل ام تردينه ان يقبع معك بالسجون؟ سيسلمونه الى والده .... ذلك أفضل؟ ام تهوين على قدمي تقبلينها الان اهون عليك؟"
انفجرت هتان وبعيون متسعة: "كفى .... كفى لم اعد احتمل سماعك .... ماذا تقولين يا مجنونه؟ هذا طفلي ولا يمكن ان يلمسه أحد غيري .... والذي تتكلمين عنه هراء .... لا مستندات ولا وصولات بحوزتك .... انت واهمة ويبدو ان جاسر لم يخبرك ما حصل .... نسي ان يخبرك للأسف .... عليك ان تؤنبيه الان لأنه جلب لي كل الوصولات ومزقها امامي"
التفت جاسر وتطلع بهتان بعيون حمراء محتقنه الاوردة وأطلقت ديم ضحكة لتجعل هتان تتراجع وهي تتطلع الى كل منهما وتشعر بالمؤامرة!
وقال جاسر بانفعال: "ديم .... ارجوك كفى"
بهتت ملامح هتان وهي محدقة بحقيبة ديم التي أخرجت منها الوصولات وقالت بابتسامة: "قصدك هذه؟"
تحركت اهداب هتان ببطء شديد وكأنها ستفقد الوعي وتأملت جاسر بوجه باهت التعابير او بلا تعابير أساسا وبالكاد نطقت: "ما .... ما هذا يا جاسر؟"
قال جاسر بأنفاس متلاحقة وساخنة: "كفى ديم .... اسكتي .... تعالي .... تعالي معي"
وضعت ديم الوصولات بحقيبتها واقفلتها وهي تتطلع بهتان بنظرة شامتة وتهاوت هتان بالتدريج الى الأرض وضاع الحلم وضاع الامل وضاع العمر!
امسك جاسر ديم من كوعها وجرها الى الممر قائلا: "ماذا فعلت؟ .... ماذا فعلت؟"

هربت ام عابد راكضة ووجدت نفسها تهرول نحو منزل واصف!

جذب جاسر ديم الى الخارج ووضعها في سيارته قائلا بأنفاس متقطعة: "لماذا تسرعت؟ ما غرضك؟ افسدت كل شيء .... أ هذا انتقام يا ديم؟"
ديم وعبر دموع بعيون قاسية: "حقي يا جاسر ....  انت رجلى

رواية الحلم الرمادى لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن