الجزء الخامس-أيام سوداء 2

6 1 0
                                    

اجتاحني شعور بأن أصعد لغرفتها وألقي بنظرة أخيرة على سريرها، أخبرت (سمير) بأن ينتظرني. صعدت فورا ووقفت أمام غرفة جدتي وجعلتُ أتأمل بابها المغلق, بدأت مشاعِرُ الألم تُصدِعُ قلبي تذكرتُ بأنني أصبحت بلا أب ولا أم ولا جدّة .
التفتُّ وهممت بالعودة..
فُتح باب الغرفة..
وظهر منه (فريد), وقد دُهش عندما رآني قائلا بصوتٍ مرتفع :

- " عادل يابني .. كيف حالك .. لقد بحثت عنك كثييرا.. رحم الله جدتك.. حزنّا جميعا لفراقها.."

أجبتهُ مقتضباً:

- " شكرا لك ياعم…لا أراك الله مكروها"

وأدرتُ برأسي مطأطئًا.
لمعت في مخيلتي فجأة تلك العيون البنية المبللة بالدموع !!!
التفتُّ برأسي وقلت:

- " كيف حال إلين الآن؟؟؟؟!"

رد (فريد) بكل حزن:

- " هي على حالها يا بني .. لم تتكلم ولا تريد أن تتكلم.. جراحتها مكلفة جدّاً ولا نستطيع تحمّل تكاليفها…ستبقى بصوتها الأجش الخشن إلى أن نجد حلّاً…"

وأشاحَ بنظرهِ مستطرداً:

- "  إنها لا تطلب شيئا.. ولا تأكُلُ شيئاً… ما تفتأ تشير بسبابتها على عنقها وكأنما شيئاً يخنقها!!!.. أكاد أفقد الفتاة من بين يدي…."

وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيه لتسلك بعضها الطريق إلى الوجنتين.
لم أكن على علم بما حصل معها، فقد زاد من حزني وألمي ما أخبرني به السيد (فريد).
استأذنتهُ أن أدخل غرفتها.
دخلت ببطئ وارتباك يتملكني ...
نظرت باتجاه سرير جدتي كان قد أُحيط بستارة وشُغل بمريضٍ آخر.

توجهت إلى سرير (إلين) التي كانت تتعارك مع الممرضة التي تجاهد محاولة وضع إبرة المغذي في يدها..

هدأت هي عندما رأتني, كانت الدهشة تعلو ملامحها...
أمسكت بيد الممرضة تستند عليها وقفت بسرعة, تقدمت نحوي ...

مدت يديها حول خاصرتي ورمتْ برأسها على صدري!

لم يتحرك أي ساكن بي كما والجمادُ في الغرفة.
بل وأيضاً سكَنت الممرضة وكِلا الأبوين...
جميعهم وقفوا مندهشين لما يحدث... !!!
اجتاحتني مشاعرٌ دخيلة, وتدافعت ضربات قلبي كالمطرقة, احمرّ خلف أُذني على نحو محرج. بعدَ بُرهة من استيعاب الموقف, دفعتها بلطف للخلف وأمسكتُ بكلتا يديها وجلست القرفصاء, أخذت أبتسم بخفّة وأنظر إلى عينيها.

أظن أنني في تلك اللحظة ولسبب لا أعلمه شفيتُ من همّي حين رأيت عينيها البنيّة.
لم يخطر على ذهني ولو لمرة واحدة أن التقي بها.
بل أنساني الهم والحزن أن أراها مرة أخرى !!!

وبخت نفسي بشدة وعاتبتها ..
وعرفت أن ابتعادي عن تلك الفتاة هو ما يسبب الحزن الأكبر في حياتي
وكيف بالأصل أصبحت هذه الفتاة تشغل حيزا كبيرا في قلبي
وكأنني نذرت نفسي لحمايتها وإسعادها فقط !!

جعَلَت تحرك بيديها بحركات لم يفهمها أحد إلا والدتها...

أخبرتني بأنها كانت تنتظر عودتي
وايضا تريدُ إخباري بفقدانها لصوتها..
وأنّها حزنت لفراقي جدتي..
وانتظرتني لإحضار (ماكس) مرة أخرى ...
والكثير الكثير.

وقفت ومشيت بها إلى سريرها, بعد أن جعلتها تجلس قلت لها:

- " يجب أن نضع إبرة المغذي أولا.. وبعدها سوف نرى ماذا سنفعل.."

أذعنت لطلبي بسرعة بينما كانت تضع الإبرة..

ذهبت خارجا لكي أُكلم (سمير) وأخبرني بأنه سوف يذهب إلى العاصمة عند عائلته..
رجعت إلى الغرفة وطلبت من والدتها إحضار الطعام.

جلستُ على كرسي مقابلها وجعلت أتحدث مع السيد فريد عن الأحداث الأخيرة، كانت السيدة (صباح) تطعمها ودموعها تُذرف بفرح, ووالدها ينظر إلي بامتنان شديد.

بعد أنهائها لطعامها سقطت هي في نوم عميق.

جلستُ والأبوان في الممر أمام الغرفة, جعلا يشكران بي ويوضّحان ما حدث لها, يبدو أنها لم تتجاوب إلا معي !!

يبدو أنها تعلقت بي!

أخبرتهما بأنني سوف أحاول أن أعتني بها من وقت لآخر و أحثّها على الحديث حتى تسترجع صحتها وعافيتها.
في حين أخبرتهم الممرضة بأنها إذا تحسنت حالها, من الممكن أن تعود إلى المنزل.

عندما اطمأننت عليها عُدت إلى منزل (سمير) واستقبلني (ماكس) بحرارة. أطعمته وربتُّ عليه بلطف حتى غصت في النوم.


شمس إلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن