استيقظتُ قبل أن يرن المنبه ببضع ثوان, في حين ظهرت في حلمِي تلك الفتاة ذات العيون البنية. وبعد أن تحدثت مع (سمير) عن موعدي في المقهى. توجّهتُ إلى صورتها أتفحصها و أُجدد طباعة ملامح وجهها في ذاكرتي.
تناولت طعام الإفطار و بدأت الاستعداد للخروج لجولة تفقدية في مركزي التجاري. ركبت سيارتي وذهب بي مساعدي (جميل) إلى مكتبي.
وبدأتُ جولتي يتبعني نائبي ومساعدي (جميل)، وبعد أن وقّعت على أوراق ومستندات قررنا تناول طعام الغداء, وتوجهنا جميعا إلى المطعم الرئيسي في المركز.
أثناء تناولي الطعام ورَدَني اتصال من المساهم يعتذرُ مني بتغيير مكان موعدنا. هاتفت (سمير) وأخبرته بأنني سوف آتي إلى المقهى بعد لقائي بالمساهم في مكان آخر.
بعد الانتهاء من الجولة التفقدية توجهت إلى موعدي, أعطيتُ (جميل) الموقع وانطلق بي حتى وصلنا أمام إحدى الملاهي الليلية, استغربت من المكان, فهو غير مناسبٍ أن أُقابل فيه مساهماً ونتحدث بشأن العمل!!
استأذنني (جميل) بأن يذهب إلى مكانٍ ما ويعود عندما أتصل به، نزلت من السيارة أخرجت هاتفي من جيبي واتصت بالمساهِم:
- " مرحبا, أنا أمام ملهىً ليلي!!!. أخشى ان المكان غير منـاسـ…"
قاطعني المساهِم قائلا:
- " أأأنا آسف جدااا.. قد حال ظرفٌ دون السماح لي في القدوم إلى المقهى.. فاخترت هذا المكان لقربه مني.. أرجوك اعذرني".
بعد أن رضخت للواقع ولضيق الوقت اتّجَهت إلى الداخل, بدأت أبحث عن المساهِم, وجدته يجلس على مقعد في مكان يبعد عن الضوضاء والرقص والحركة، لم تكن هيأته توحي بأنه يفقه بالتجارة!
ولكنني تركت التكهن جانبا وضربت الشك في عُرض الحائط.
جلست وأخذنا نتبادل الحديث. حتى قَدم النادل حاملا كأسين من النبيذ.
من رائحة النبيذ اكتشفت بأنه قوي التأثير مع أن لونه لا يوحي بذلك, نعم فصديقي يمتلك مقهى وأنا على خبرة واسعة بجميع أنواع المشروبات !
اعتذرت بعدم الشرب لأنني على موعد آخر مع صديقي، وطلبت بدلا من ذلك كوبا من القهوة.
لاحظت ارتباك المساهم ونظراته الغريبة نحو النادل، بل وجعل ينظر حيث مدخل موظفي الملهى وأمسك بهاتفه و انهمك به.
هنا شعَرت بخطب ما.
شربت قهوتي وأكملنا حديثنا, لحسن الحظ كانت زاوية جلوسنا هادئة نوعا ما. ولكنني أحسستُ بالقليل من الدوار؛ ظننت أن السبب كان دخان السجائر من حولي. ولكن عند انتهاء الموعد هممت بالوقف .
فقدت توازني فجأة. أصبح الجميع يتحركون بعشوائية من حولي.
أمسكت بيد الرجل الذي وقف يراقبني, طلبت منه أن يذهب بي خارجا, أذعن لطلبي وأسند يدي على كتفه وتوجّهنا نحو المخرج, كان الممر طويلا يكاد لا ينتهي, كنت أعي كل ما يحصل ولكنني فاقدٌ كليّة تركيزي وتوازني. فأيقنتُ أن القهوة هي السبب.
في منتصف الممر وقف الرجل فجأة ثمّ نَظر إلي, فتح بابًا من خلفي وقال لي:
- " ما رأيك أن تنتظر داخل هذه الغرفة إلى أن أطلب لك سائقا يقلك لمنزلك؟ تبدو بأنك لست على ما يرام.."
أجبتهُ وأنا أتنفسُ بصعوبة:
- " لاا .. لا أُريييد.. من فضلك أخرجني من هذا المكان.."
لم يستجب الرجل لكلامي وأدخلني عنوة إلى الغرفة وخرج ثم أغلق الباب واختفى.
ماذا دفع بالرجل ليضعني في غرفة بها أريكةٌ كبيرة من الجلد وطاولة؟!
وقفت أسند ظهري إلى الحائط أضع يداي على مقدّمة رأسي..
فركت صدغي من الألم, حاولت إيقاف حركة الأشياء من حولي, هممت بفتح الباب ولكن.
ظهرت أمامي فتاة, مسدلة شعرها البني حد الكتفين, تلبس فستانا أسوداً قصيرا بأكمامٍ شفّافة, واضعة الكثيرَ مساحيق التجميل.
مشت نحوي بحذائها المرتفع, لاحظت ارتباكها, وحاولت النظر إليها عن كثب, ولكنها كانت تتمايلُ يسارًا ويمينًا كما الأريكة خلفها.
حاولت إخبارها بأنني لستُ ثملًا وأنني أريد الخروج من ذلك المكان ولكنها اقتربت مني, وأمسكتني بكلتا يديها ودفعت نحو إلى الأريكة حتى فقدت توازني وجعلَ جسدي يتراخى على المقعد وكأنه جزءٌ منه.
اقتربت هي مني أكثر, ومالت بجسدها فوقي وجعلت تثبتني وتحول دون حركتي, وبدأت تبحث في جيوب سترتي.
- " من .. ؟ . .. ماذا ؟"
سألت بكلمات متقطعة وصوتٍ ضحل للغاية أشبَه للتمتمة, وحاولت المقاومة محاولًا أن أستعيد قوتي ...
وبالفعل, أمسكت بأكتافها بشدة, ودفعتها للخلف قليلًا. فغرت عيناها من الصدمة, أدركتُ ملامح الخوف على وجهها, واغتنمت الفرصة ووقفت بسرعةٍ وألقيتُ بها على الأريكة.
أصبح الوضع معاكسا الآن. لقد كانت خفيفة ورقيقة مما ساعدني على تثبيتها بسهولة. ركّزتُ ببصري نحوها موهماً إياها بأنني استعدتُ توازني.
- " ماذا تريدين!!!.. من أنتِ؟؟؟!"
لم تُجب ... ارتعشت يدها وهي تشد على ذراعي, حاولَت الأفلات ولكنني ثبتّها بكل جسدي, نظرت إليها عن كثب كانت عيناها مبللة بالدموع ! وترمش بارتباك واضح، تراكم الخوف في عينيها كالقطة الصغيرة العاجزة.
مددتُ يدي ببطئٍ نحو عنقها لأُحاول خنقها أو حتى السيطرة عليها, كانت تلبس عقدًا مرصعًا باللؤلؤ, أمسكتُ بعنقها, ولكنها حركت يديها محاولة الإفلات, ضغطت بيدي وكنت أثبت كلتا يديها فوق رأسها بيدي الأخرى.
ولكن مع إحدى هبّات اشتعال الدواء الذي تلقيته، انزلقت يديها وتحررت مما ساعدها ذلك بدفعي بقدمها إلى الخلف, فاختل توازني من جديد وأمسكتُ بعقدها ونزعتُه مع حركتي للوراء ثمّ هويتُ على الأرض مع حبّات اللؤلؤ المتدحرجة.
مددتُ يدي داخل جيبي لأخرج هاتفي النقال. ولكن الدواء كان قد شلّ حركتي ثم استسلمتُ وارتخى جسدي وغبتُ عن الوعي .
***
وقفت وقد بدأت أتنفسُ ببطء، نظرتُ إلى الرجلِ المرميّ أمامي، وضعتُ يدي على صدري لعلي أخفّف من وقع ضربات قلبي, وقد نفضت كل ما تبقى من الذعر الذي تملّـكني.
أمعنتُ النظر به عن قرب، وتأكدتُ أنه راح في غيبوبة! ثمّ توجهت نحو المقعد ونحيتُه عن الحائط قليلاً ليظهر ردائي, غطّيت به نفسي, وانحنيتُ باتجاه الرجل ومددت يدي داخل جيب سترته، أخذتُ هاتفه ومحفظته وسحبت ساعته من يدهِ بخفّة.
واتجهت نحو الباب واستدعيت أخي (كريم) الذي لاحظ علامات الخوف والذهول على وجهي مما استدعاه بأن يسألني اذا ما قد تأذيت, فأجبته بالنفي, واعطيته هاتف الرجلِ ومحفظتهُ وتركتهُ كي يتدبر أمره.
ذهبت بأقصى سرعة إلى المنزل واستبدلت ملابسي. قصدت المرآة لأمسح مساحيق التجميل, كانت يدي ما زالت ترجف, جمعت خصلات شعري و ربطتها, تفحصتُ عنقي و تحسسته بيدي لاتأكد أنني ما زلت بخير, لقد كاد ذلك الرجل أن يسحق عنقي بيديه!
نفضتُ رأسي ثم تناولت شريطا من أمامي ولففته حول عنقي, وشربت من أقراص الدواء المسكن وغادرت إلى عملي في المتجر.
كنت قد بدأت بمسح الأرضية في المتجر، تذكرتُ كيف رماني ذلك الرجل على الأريكة، وكيف أطبقَ بجسده علَي !!
حركاته كانت تنم عن وعي! والبريقُ في عينيهِ أشعل الرعب في مفاصلي!
لم يكن ثملًا!!!
بل أظن بأن أحدهم أعطاه منوما أو ما شابه! كما لم تنبعث منه رائحة الكحول!
هل يعلم أخي بذلك الأمر!! ماذا لو تذكر ذلك الرجل وجهي! ماذا لو عرف مكاني! هل سيحميني أخي منه!أخرجت هاتفي من جيبي وأرسلت رسالة ل( كريم(
- " هل كنت تعلم أن ذلك الرجل في الملهي لم يكن ثملًا! هل قدمتني إليه بكل ذلك التهور لتسرق منه محفظة! وهاتفا فقط!!..كاد ذلك الرجل أن يقتلني.. ماذا لو عرفني وتتبعني!"
- " اختي حبيبتي .. نحن حقًا خططنا بأن نجعله يثمل بشكل كبير كي لا يعي شيئا ولا يتذكر ما حصل له حين يستيقظ ولكن الخطة تغيرت وتم اعطاءه مخدرًا.. لا تخافي لن يفعل لك شيئا وسوف أحميكِ.. سوف يستيقظ ذلك الرجل في الصباح ولن يتذكر ما حصل له.. أنا متأكد من ذلك.."
كنت ما أزال أشعر بالخوف. أعدتُ الهاتف إلى جيبي. احتكّت يدي بشيءٍ مثل المعدن, فأدركت أنني وضعت ساعة ذلك الرجل في جيبي! لم أعطها لأخي لأنني خمنت أنها ذات قيمة كبيرة لدرجة أنها من الممكن أن تباع في مزاد علني!!! تناولتُ كيسا ووضعت الساعة به ثم أعدتها إلى جيبي بجانب الهاتف.
***
فتحت عيناي, وجدت نفسي ملقًى في إحدى الطّرقات شبه المظلمة, رفعت جسدي عن الأرض وحاولت أن أعدّل جلستي, كان البردُ قارصًا لا يُحتمل! نظرت إلى ساعةِ يدي فوجدت أنني قد جُرّدت منها, حاولت تذكر ما حصل ولكن الصداع كان يهيمن على رأسي .
وقفت ومشيت مترنحا مستندًا على الحائط وجعلت أفتش في جيبي لأهاتف مساعدي (جميل), ولمّا لم أجد هاتفي اتجهت إلى أحد المتاجر, دخلته
ونظرت باتّجاه ساعة الحائط التي أشارت إلى الثانية بعد منتصف الليل, وطلبت من البائع أن أتحدث في الهاتف.
جاء (جميل) على عجل, ساعدني في ركوب السيارة, طلبت منه أن يذهب بي إلى المنزل, جاءني الطبيب الخاص. وبعد أن استعدتُ شيئا من وعيي, أخبرني بأنه قد تم إعطائي جرعة كبيرة من المخدر.
استيقظت في الظهيرة على صوت باب غرفتي، كان (جميل) يحملُ أطباقاً من الطعامِ وزجاجة ماءٍ, وضعهم بجانبي وجلس قبالتي. في تلك اللحظة ومضت صورة فتاةٍ في مخيلتي.
- " سيدي.. كيف تشعر الآن؟ هل ما زال رأسك يؤلمك؟"
- " لا لقد اختفى الصداع وأنا في أحسن حال.. هل استفسرت عن شيء؟؟"
- " لقد ذهبت لذلك الملهى وسألت عن تلك العصابة، يبدو بأنهم لا يعلمون شيئا عنها! سألت عن كاميرات المراقبة. أخبروني بأنها تحت الصيانة! أخبرني ماذا فقدت؟"
- " لقد فقدت هاتفي ومحفظتي وساعتي أيضًا!"
- " سوف أخبر الشرطة بما حدث وأوافيك بكل التفاصيل".
- "بخلاف المستثمر.. أعتقد بأنني قابلت فتاة ما البارحة وأجزم أنها من جردتني من أشيائي! وجهها ظهر في مخيلتي على حين غرة.. أعتقد بأنني لو رأيتها سأتعرف على وجهها"
- " هذا جيد سيدي..".
حاولت استحضار ذاكرتي أكثر في ذلك الوقت ولكنها لم تسعفني...
***
استيقظتُ ولبست ملابسي للذهاب إلى المتجر، خرجت من غرفتي فرأيت أخي مستلقٍ على فراشه في غرفة المعيشة, بدا لي بأنه نائم, اتجهت إلى المطبخ وشربت كأسا من الماء, ثم أرخيت بصري مرة ثانية نحوه.
اقتربت قليلا من سترته المعلقة التي يرتديها دائما عند خروجه؛ وشرعت للبحث عن هاتفهِ أو حتى عن ذاكرة حاسوب تحتوي على فيديو أو صور لي, كانت جيوبه فارغة. وكان هاتفه بالتأكيد تحت وسادته!!! توجّهت إلى غرفتي وسحبت ساعة اليد من تحت فراشي وخرجت لبيعها.
ذهبت إلى متجرٍ يشتري الساعات الثمينة وقد أخرجتُ الساعة من جيبي وسألت البائع عن ثمنها، ولكنه نظر إلي بارتياب وسألني من أين لي بساعة كهذه!
اخبرني بأنها ثمينة جدا ولا يمكنه شرائها! خرجت فورا من المتجر كي لا أجعل البائع يشك بأمري.
شعرت بالرعب لمجرد فكرة ذهابي لمتجر آخر والإمساك بي وزجّي بالسجن. لذا خبأت الساعة, وفكرت بطريقة أخرى لبيعها. وتوجهت إلى المتجر وشرعتُ في عملي .
أنت تقرأ
شمس إلين
Romanceالمقدّمة: عندما كنت شاب في أمسّ الحاجة ليد تربت على ظهري.. بدأ الشعر الخفيف ينبت بعشوائية على ذقني.. في الوقت الذي ينبغي أن يصفني به البعض بالأناني المراهق.. أصبحت أبًا دون زوجة أو أطفال... عندما فقدتُ الأمل بطفولة سويّة .. وأصبحت بلا ثقة ولا م...