الجزء الرابع عشر - فريد

5 0 0
                                    

في الأمس شكرتُ الآنسة (ياسمين) في أعماقي عشرات المرات لأنها أنقذتني من ذلك الموقف المخيف, حينها توجّهتُ إلى غرفة الموظّفين اتنفس الصعداء.
ثمّ رجعتُ وأكملتُ عملي بتوتّر حاولتُ إخفاءه, لم أنسَ بأنّ (كريم) طلب مني زجاجة نبيذٍ. عند انتهاءِ عملي سرقتُ بخفّةٍ زجاجتَي نبيذٍ من الطرازِ الرفيع والغالي الثمن, وضعتهما في حقيبتي وسرتُ إلى المنزل مشيا على الأقدام
قد أخذت مني طريق العودة وقتا ما يقارب الخمس والأربعين دقيقة, فكّرتُ أثناءها مرارًا وتكرارًا بأن أترك العمل في المقهى وأن لا أرجع هناكَ ثانيةً.

ولكنّ ذلك الرجل الغاضب قد يطلبُ من صديقِهِ معلوماتي ومكان سكني ويتوصّل إلي بكل سهولة, وسوف أُقحمُ أخي في تلك المعضلة.

كان الجو جافًّا وباردًا للغاية في طريق العودة للمنزل, كنت أشعر بأن أنفي سوف يسقط أرضا في أي لحظة، أسرعت في الطريق لكي أصل وأدفن نفسي تحت ألحفتي.
وأخيرًا بعدما وصلت, أعطيتُ أخي زجاجة نبيذٍ أخذها منّي وحاول أن يتكلّم معي لكنّي صددتهُ بسبب ما فعله لي في ذلك اليوم.

جلستُ في غرفتي احتضن زجاجة النبيذِ وكأنها ملاذي الوحيد من ضوضاء هذا العالم, تمنّيتُ أن أتجرعها كاملةً وأفارقُ الدنيا على فراشي وأعودُ لألتقي بأُمي وأبي اللّذان تركاني أُصارعُ الحياة لوحدي.

ولا أعلمُ إن كانا سوف يستقبلاني بحرارةٍ بعد ما فعلتهُ في حياتي…





بدأت في تجرّع النبيذِ وقد بدأت الحرارة تجتاح الغرفة. وبدأ الدفء يحوطني. وبدأت أخوض في عالمٍ جميل من اللا وعي ..


جعلت رئتايَ تألفانِ رائحة الكتب، ولكني أُفضّلُ رائحة الأوراقِ النقديةِ أكثر.
بدأت أعتادُ على المكتبةِ وروادها المملّين، ولكنّني أيضاً أحببتُ هدوء المقهى الذي جعلتُ منهُ متنفّساً ألجأُ إليهِ.
المكتبة نظيفة جدًّا, أمّا المقهى فيشعُّ نظافةً…
ولكن .. أعترفُ أخيراً بأن المكتبةُ مَعقِلٌ آمِنٌ من بين زخم المدينةِ وأصوات السيارات والفوضى, لا شكّ في أن المقهى كذلك
إلّا أنه…..
إلا أنّهُ أصبح الأن مصدر أزمةٍ تجتاحُ صدري. حِرتُ في أمري ولكنّني سلّمتُ الأمر للعواقب.

بينما كنتُ أقوم بفرز مجموعة من الكتب، ظهر خلفي ذلك الطالب الذي قمت بمساعدته في إيجاد كتابٍ علمي.

- "  مرحبا كيف حالك … أريد ان أقوم بإرجاع هذه الكتب .. ولكن قبل ذلك أريد منك قراءة هذا الكتاب الجميل.. انه مليءٌ في العِبر"

مددت يدي وأخذت منه الكتاب، ثم سرحت في عنوانه…

"الخيميائي"!!

لم أفهم عنوان الكتاب ولكنني ابتسمتُ بخفة وحاولت التملص ولكن الشاب ضغط على نظاراتهِ ذات العدسا الغليظة ومد يده يقدم لي حبة من السكاكر مع ابتسامة بريئة.

- " هذه عربون شكر.. اسمي فريد"

(فريد)  !!!!

أبي ….. لقد اشتقت أليك.
كدت أبكي أمامه ولكنني ابتسمت. وأخرجت دفتري وكتبت

- " اسمي (إلين)..شكرا على السكاكر"

- " أريد أن أعرف ما رأيكِ في الكتاب بعد قراءته"

تذكرت بأنني أحمل الكتاب في يدي رفعته وأومأت له بالإيجاب ثم كتبت:

- " سوف أذهب للعمل الآن"

استدرت أحمل قطعة السكاكر في يدي والكتاب في يد أخرى. لويتُ شفاهي وانا أنظر إلى صفحاته. قلّبتها بملل ثم توقفت فجأة وقرأت دون أن أنتبه:

(هناك على الدوام شخصًا ما في العالم ينتظر شخصًا آخر، سواء أكان ذلك في وسط الصحراء ام في اعماق المدن الكبرى(

ابتسمت بتنهد, ثم فتحت على صفحة أخرى فوقع بصري مباشرة على جملة أسرت تفكيري:

(لا أحيا في ماضيَّ، ولا في مستقبلي. ليس لي سوى الحاضر، وهو وحده مايهمني. إذا كان باستطاعتك البقاء دائمًا في الحاضر، تكون عندئذ إنسانًا سعيدًا(


أغلقت الكتاب ووضعته بجانب مقتنياتي .بعد أن أكملت عملي بدلت ملابسي وتوجهت للمقهى، كنت أفكر بتصرّف سريع إذا ما رأيت ذلك الرجل ذا عيون الذئب.
شعرت بأن حلقي بدأ يجف, مررتُ بمتجرٍ بجانب الفندق الكبير لأشتري عبوة ماءٍ أروي بها عطشي, ولكنني رأيت قطة صغيرة تمشي بمحاذاتي.
أووه أنا أحب القطط ..
انخفضت بجانبها ثم حملتها. لقد كانت ضعيفة وصغيرة، تحسست فروها الناعم وفركت خدي به, ثم تذكرت بأنني أحمل في حقيبتي علبة من اللبن المخيض سكبت لها في الغطاء وبدأت القطة باللعق بكل نَهم.

ولمّا ناظرتُ الساعة أدركتُ بأنني تأخرت على العمل. فسكبت ما تبقى من اللبن أمامها لتكمل هي شربه كاملا. وقفت كارهة تركها وتوجهت نحو المتجر.

***

توجّهتُ أنا وخطيبتي إلى منزل والديها اللذان قامَا بدورهما
بدعوتنا على الغداءِ, معَ أنّي كنت متوتّرا قليلًا ولكنّي لم أُشعرها بذلك.
وبما أنه مجرد غداء ليس أكثر؛ فلن أُفكّر مليّاً وأستبقَ الأحداث.

كانت (ياسمين) تنظُرُ إليّ بترقّب وكأنها تستشعرُ ردات فعلي. أنهينا الطعام بسلام, وجلسنا في غرفة الجلوس الكبيرة نحتسي الشاي. أطبقَ الصمتُ إلا عن أصواتِ اصطكاك أكواب الشاي بصحونها.

بدأ الارتباكُ بالتغلغلِ في جسدي, أرجوكم لا أُريدُ أن أسمعَ شيئاً عن زواجنا أو حفل الزفاف. ارأفوا بي لو سمحتم…
وللأسف بدأ والدها بالكلام بحزمِ عن موعد الزفاف الذي كان يؤرّقني في الفترة الأخيرة, حاولتُ التحدّثَ إليهِ بكلّ أدبٍ بأنّنا سوف نناقشُ ذلك الأمر

فيما بيننا نحنُ الاثنان فقط, ولكنّ والدتها شاركتنا الحديثَ وضيّقت علي الخِناق.
أمّا عن زوجتي المستقبلية فالتزمت الصمت وسلّمت زمام الأُمورِ لوالديها. أنهينا زيارتنا بقليلٍ من الشحناتٍ وكثيرٍ من عَدم الرضا، وتعمّدتُ بعدها أن لا أتكلم إليها؛ لأُشعرها بأن أمرًا كهذا يجبُ أن يُناقشَ فقط فيما بيننا.

حاولت أن تعتذرَ بأنّها لم تُرد بأن يتدخّل أحدٌ في أمرِ زفافنا, ولكنّني لم أترك لها المجال لتبريرِ أي شيء؛ لكي لا يتكرّر هذا الحادثُ في المستقبل, وأوصلتها إلى متجرها.
وتوجّهتُ مسرعاً نحو المقهى لعَلِّي ألقى صديقي هناك وأخرجُ ما في صدري من توتّرٍ لكي لا أُصاب بجلطةٍ من أزمةِ التفكير!!

***

توجت بسيارتي مساءً إلى المقهى, وأنا على يقينٍ بأنّني سوفَ ألتقي ب (سمير) وخطيبته اللذان لم ينفكّا عن الدّوران في دائرةِ إحداث الشراراتِ فيما بينهما.

ركنتُ سيّارتي وإذ بي أرى تلك الفتاة الصامتة المحتالة تقف أمام متجرٍ بجانب الفندق, نزلت من السيارة متجها نحوها.
انحنت هي نحو قطة صغيرة واستخرجت علبة لبن مخيض من حقيبتها ثم سكبت للقطة. بينما تتحسسها بلطف. نسيت أنني أقف في الاتجاه المقابل من الشارع
وبقيت في مكاني أراقبها وهي تمسد شعر القطة بعناية وتبتسم لها. في لحظة معينة استيقظت من غفوتي بعد أن وجدت نفسي مبتسما تجاه ذلك الموقف!

أنّبت الطفل القابع داخلي ونظفت حلقي وتحول وجهي للجدية مرة أخرى.
وقفت الفتاة بعد أن سكبت اللبن للقطة وذهبت نحو المتجر

كانت قدماي تقودانني خلفها. دخلت هي المتجر وبدأتْ تتجول حتى وصلتْ إلى ثلاجة الماء, أخرجت زجاجة ماء, لم تستطع الصبر لحين دفع ثمنها همّت في فتحها لتشرب منها, إلا أنّها وجدت رداء امرأة تتبضّع وقد علق بين أهرامات زجاجات المياه الغازية. وبسرعة ألقَتْ بزجاجة الماءِ على الأرض واتّجهت نحو رداء المرأة.
كنتُ أُراقبها بحذر ظننتها ذهبت لسرقة تلك المرأة.ولكن سرعان ما أدركتُ سبب هرولتها, مدّت يدها تحاول إطلاق الرداء ولكن قبل أن تصل كانت المرأة قد تحركت و الزجاجات تناثرت على الارض...
كُسر منها ما كُسر, وتدحرج منها ما قد تدحرج. بينما ملأت المياه الغازية أغلب المكان...

صرخت المرأة من الخوف, تجمهر الناس. أمّا تلك الفتاة الصامتة قبضت يديها تجاه صدرها مغمضةً عينيها في وسط الفوضى. وكل الدلائل تشير إلى أنها الفاعلة. اتّجه نحوها مسؤول المتجر زاجراً يصرخ بوجهها:

- "  ماذا فعلت أيتها الفتاة!!!"

رفعت رأسها تنظر باتجاهه وحرّكت رأسها مشيرةً أنها ليست الفاعلة, ولكنهُ تقدّم نحوها بخطواتٍ كبيرة غاضبة.
انتفضتُ عن غير وعي وشعرت بحنق نحو ذلك الرجل وتقدّمت نحوهم. أما هي جعلت تخطو بتوتر إلى الوراء حتى اصطدمت بجسدي ومن فوري أمسكتُ بكتفيها بحركةٍ لا إرادية ونحّيتُها جانبًا وتقدمت مكانها.
نظرتُ إلى الرجل بجديةٍ لأقطع غضبه تجاهها. تباطأت خطوات الرجل حتى اقترب من كلانا, ولما لم يرَ مني أية حركة. أمال رأسه كي تصبحَ الفتاة ي مال نظرهِ, وقال بصوتٍ مرتفع:

- "  كيف ستنظّفين هذه الفوضى؟؟!!!!!"


لا أعلم كيف تحرك جسدي من تلقاءِ نفسه ووقفتُ عائقا بينهما حتى أخفيتُها عن أنظاره وقلتُ:

- " ليست هي الفاعلة...بل ..هذه المرأة..."

وأشرتُ بيدي إلى المرأة ذات الرداء الطويل وأكمَلتُ:

- " لنذهب إلى غرفة المراقبة ... فالكاميرات التقطت جميع ما حدث."

وبالفعل انتقل أربعتنا إلى غرفة المراقبة حتى نشاهد ما حدث.
كل هذا وأنا أكثرهم صدمة بسبب تصرّفي الغير مبرر!
بعد أن شاهدنا ما حدث، اعتذر المسؤول من الفتاة الصامتة، وخرج كلانا من المتجر متجهين نحو المقهى, كانت تسبقُني بخطواتها ربما خجلا وحرجا.
شعرت بوخزٍ في قلبي وأنا أنظر نحو ظهرها الهزيل أمامي, بينما أشعر بكل خطوةٍ بائسة تخطوها.

دخلنا المقهى واختفت هي خلف باب الموظّفين، أما أنا فجلستُ على كرسي أمام المنضدة.
أنتظرتها أن تظهر بعد أن دخلت لاستبدال ملابسها على ما أظن. ظهرت بعد فترة ليست وجيزة، اقتربت وهي تربط حزام الزي متجهة نحو مكانها خلف منضدة البار, وشرعت ترتّب الكؤوس حتى وصلت قُبالتي، نظرت إليّ, وانحنت تنتظر طلبي.
أخذت نفسا طويلا و وضعتُ كفّتي يدي على الرخام وأخدت أضرب بسبّابتي بخفة قائلاً:

- " هل كلمةُ شكرا.. صعبة للغاية!!!!؟"


كنت أجهل سبب قولي لتلك الكلمات التي خرجت عن غير وعي!
هل كنت أستميت بالفعل لسماع صوتها !!!
كم مرة يجب علي توبيخ نفسي بسبب تلك المحتالة!؟؟!

نظرَت هي بتوتر إلى الكأس بيدها, ثمّ رفعت بصرها إليّ وقد أمسكت زجاجة نبيذٍ ورفعتها حتى صارت بمجال رؤيتي. ابتسمَتْ بتصنع وتوتر ورفعتْ حاجبها, وراحت تنقل بصرها بين الزجاجة وعيناي.

هل هي تعرض عليّ كأس نبيذ الآن ؟!!!!

شعرتُ بالغضب، أسندت ظهري إلى الوراء وقلتُ متجاهلًا عرضها:

- "  أُريدُ كأساً من الماء.."

أسرعت بإحضار زجاجة ماءٍ وملأت كأساً وقدّمتها نحوي, أمسكتُ بالكأس ودفعت بها إلى جانب يدها وقلتُ بشيءٍ من الجدّيّة:

- " أظنُّ انه.. أنت من يحتاج الماء.."

نظرت إلى الكأس وقد بدأت بالارتباك ثم تلاقت نظراتُنا. برَجفةٍ أمسكت الكأس وقرّبتها من شفتيها ووضعتها على فمها وبدأت تشرب بتوتر.

سكنتُ لبرهةٍ وبلا وعيٍ دقّقتُ النظرَ إليها, كجنديٍّ يراقب إرهابياً مكبّلاً يتربص بأدنى حركة يقوم بها, كادت عيناي تخترقان الكأسَ, مشغولاً عن أي مثيرٍ في المكان أجمع إلا عن شُربها للماء. أفرغت الكأس ووضعتهُ على الرخام مُطأطئة رأسها.



في هذه الاثناء جلسَ شاب يلبس نظارات طبية ذو إطارٍ أزرق أمام المنضدة, بعجرفةٍ رفع سبابته يطلبها بأن تقترب. تقدّمت نحوه فأخبرها بطلبه, ف لبّته على الفور، وجعل يتحدث إليها وهي تردّ عليه بالكتابة على دفتر صغير.
لم أستطع سماع صوت الرجل, مع أني حاولتُ إرخاء أذني ولكنني لم أفلح في سماع أيّة كلمة. انحنيتُ بجسدي على الرخام وأخذتُ أتصفحُ هاتفي. لعلني أسمع حديثهما.

أتى صديقي (سمير) وقطع عليّ حبال تجسّسي. كان وجهه كقدرٍ يغلي ويفور, جلس بجانبي يغطي مجال رؤيتي للموظفة وزبونها.
أعطاه أحد الموظفين زجاجته الخاصة، كانت من العيار الثقيل! حاولتُ ثنيَه لكنه أصر على الشرب منها.

بدأ يشربُ ويقصّ علي ما حدث معه اليوم. يكره صديقي أن يجبره أحدٌ على أمر، وتحديدًا اذا كان أمرًا مصيريا قد يغير مجرى حياته.

كنتُ قد جاهدتُ على توزيعِ تركيزي بين حديثه وبين ذينِك الاثنين. كانت جُمَل الشاب طويلة إلا أن الفتاة كانت تكتب كلمة أو اثنتين على دفترها, وتعرضها باتجاهه.
تزاحمت التساؤلات في رأسي، وأخذت أُحدقُ بها وهي تتحرك وتصب العصير, ثمّ تخرج عبوة ماء. ثم تنظر إلى الرجل وتكتب على دفترها وتعرضه عليه, وتعود بانشغال لأعمال أُخرى.

(ماذا حصصصل يا سيدي.. ماذا فعلت تلك الفتاة البكماء؟!)

اذاً ...
فهي بكماء...


كما قال مدير المتجر الذي كانت تَعمل فيه!!

وفجأة بينما كان (سمير) غارقا بالحديث الذي لم أعِ معظمه... أمسك ذلك الشاب بيدها وشدّها نحوه, حتى أخضع جسدها للاقتراب منه, ورمى بكلمات نحوها.

***

-"أأ.. أنت بخير؟!"

وأخيرًا جلستُ في غرفة الموظّفين بعدما تحررتُ من يد ذاك الشاب الحقير الذي ما فَتِئَ يُلاحقني حتى عرف مكان عملي في المقهى.

كنتُ قد عرفتُ ذلك الشاب عن طريق أخي (كريم) في إحدى عمليات السرقة التي شاركتُه بها، وقد كان يتودد إلي وأقومُ برفضه، وها هو الآن يخبرني بأنه لن يتركني وسيظل يلاحقني إلى أن أقبل بالتسكع معه أو بالعمل لديه.
وقد أحاطني بالرعب عندما شدّني نحوه أمام زملائي ورئيس عملي وأخبرني بأنه لن يتركني في سبيلي، ما زاد توتري وجود رجل كنت قد لاحظتُ بأنه يراقبني؛ لذلك فضلت الهروب والاختفاء عن أنظار الجميع.

ولكن زوجا من عيون الذئب كانت تحدق بينما كنت أختلي بنفسي في غرفة الموظفين.
وبشكل مفاجئ سألني إن كنت بخير!!!!
اضطربتُ حين رأيته… وقفت على قدماي
تلاقت نظراتنا..
أنزلتُ ببصري استحياءً ووقفتُ ثمّ أومأتُ لهُ بالايجاب بشكلٍ سريع.


لمحتٌ الفضول على وجهه، حرك رأسه بإيماءة تفهّم ثم  التفّ بجسدهِ وغادر. فكّرتُ في أنه قد حان الوقتُ لكي اشكره على ما فعله من أجلي في المتجر مساء اليوم، استخرجتُ دفتري وكتبتُ على ورقة بشكل سريع ومستَعجل:

(آسفة جداا.. وشكررا لك)

طويتُ الورقة ولحقتُ بهِ فوجدته يتوجه خارج المقهى. اقتربت منه حتى صرت أمامه. وقف ونظر إليّ بتعجّب، التقطت أنفاسي ثم قدمت الورقةَ باتّجاهه وأنا أنظرُ إليه بحياء, ولم أدع له الفرصة بالتعبير عن حيرته حتى!
أطلقت ساقيّ للريح واختفيتُ من أمامه.
رجعتُ إلى عملي ولحسن حظي أيضا لم أرَ الرجل ذو النظارات الطبيّة، وأكملتُ عملي بسلام.

***

دخلتُ المصعد الكهربائي بعد أن أعطتني الفتاة الصامتة ورقة مطوية وهربت من أمامي، فتحت الورقة وأنا ما زلت تحت تأثير الصدمة.
لم تكن تحوي على الكثير من الكلمات.

كلمتين فقط!

ابتسمتُ بغرابة وقليلٍ من الارتياح؛ مع أن ذلك لا يكفي ولكنني ..

كمن استلم وسام تقدير!!




كان سعيي خلف تلك الفتاة يتبدل من البحث عمّن يقف خلفها إلى الفضول عن حياتها. ولا أعلم كيف تبدد غضبي تجاهها وتحول إلى نوع من الرغبة في معرفتها أكثر!

وأخيرا اعتذرت مني بل وشكرتني أيضًا!..
طويت الورقة ووضعتها في جيبي. تلقّيتُ رسالةً في هاتفي من (ميرنا) تسألني عن مكان لقائنا التالي، فأرسلتُ لها بأنني سوف انتظرها في مقهى (سمير).

في الصباح تلقيت اتصالا من (ياسمين) لم أفهم شيئًا من كلامها بسبب بكائها، اهتز قلبي خوفًا وركبت سيارتي وتوجّهتُ إلى منزلها، قادتني الخادمة إلى غرفة الضيوف جلست انتظر حتى حضرت (ياسمين) وأقبلت نحوي باكية. نظرت إليها بِوَجَل وقلت:

- " ماذا حدث يا ياسمين؟؟؟!"

ردّت بكلمات متقطعة : "تـَ .. تـركني سميييير .. ماذا أفعل!!؟"

وغطّت وجهها بكلتا يديها وجلست على المقعد تكمل نحيبها.

- " ماذا حصل؟!"

لم تُجِبْني, وقد علا صوتها في البكاء.

ارتبكت.

- "  لا تخافي سوف أتحدثُ إليه.."


توجّهتُ فورا إلى منزل (سمير). دخلت إلى شقته في أعلى الفندق, وجلست بجانبه. كان (سمير) واضعا يديه على وجهه المتجهّم, صامتاً كما الاثاثُ من حوله, بادرت بالكلام:

- " ماذا حدث يا سمير؟!!"

رفع (سمير) رأسهُ ونظر إليّ قائلا:

- " سوفَ تُفقدني عقلي.. ما تَفتَأ تطلب الزواج.. وأنا لستُ مستعدّاً"

"لقد كنت تهذي في الأمس ولم أفهم معظم حديثك، ثم إنك لماذا ارتبطت بها ما دُمت لن تتزوجها!؟"

- " أنا أُحبها .. وأريد الزواج بها.. ولكن ليس الآن!.. يا إلهي لا أحد يفهمني!!!.."

قلتُ وأنا متوقع ما يدورُ بخَلَجِ صديقي:

- "  من أجل المقهى؟"

نظر (سمير) باتجاهي باستغراب. وأكمَلت:

- " لن يُهمَل المقهى.. المقهى ينتظرك.. أمّا عروسك إذا ملّت ذهبت لغيرك"

عدّل (سمير) جلستَهُ. ثم نظر في الفراغ ولم يُعقّب. أنهيتُ كلامي قائلًا:



- " قاربتما على ثلاثِ سنواتٍ من الخطبة!!!.. اذهب إليها الآن واعتذر منها عن فِعلتك.. وحدّدا موعدا للزفاف يرضيك ويرضيها .. واشرح لها موقفك بسبب المقهى.. وأنّك لن تهملها ولن تُهمل المقهى معاً. وتسعى جاهداً للحفاظ على كليهُما".

شمس إلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن