كان الصباح في المكتبة هادئا جدا بل ويكاد يخلوا من الطلاب, جلست بعد أن مسحت الغبار عن جميع أرفف الخزائن وأخذت نفسا عميقا بينما أنظر تجاه ثمرة عملي.
تذكرت بأن الكتاب داخل خزانتي. ذهبت واستخرجته ثم توجهت نحو نافذة أحببت إطلالتها وبدأت في قراءته من البداية ...
كانت الرواية جاذبة للغاية وبها الكثير من العبر والرموز ..
مرت ساعة على حد ظني وأنا أقرأ. قطع حبل تركيزي صوت ارتطام الكتب على الأرض, انتفضت وأغلقت الكتاب وتوجهت نحو مصدر الصوت.
أوقعت فتاةٌ كتباً كانت تحملها وتمشي بين خزائن المكتبة, هُرعت إليها لأُساعدها. بعد أن التقطتا جميع الكتب, نظرت الفتاة نحوي فاتحة ثغرها مصدومة, وانقضّت تعانقني وقد فوجِئت بها تقول :
- " إليـيـيـيـن .. لا يُعقَل… اشتقت لكِ"
نظرت إليها بتمعّن ثمّ أدركت من تكون, و باندهاشٍ كبير ابتسمتْ وأكملت العناق.
)مريم) لم أتوقع بأن ألقاكِ في مكانٍ مثل هذا, وها قد التقينا يا صديقتي الحبيبة. لقد تغيرت كثيرًا كبُرَت وتغيرت ملامحها وأصبحت فتاة ذات شأن, وأصبحت أجمل من ذي قبل .
سحبتُها إلى زاوية المكتبة الهادئة بجانب النافذة:
"-كيف حالك الآن ؟؟!.. أتعملين هنا؟؟ وكيفَ حالُ كريم.. أما زال على حاله؟؟"
كتبتُ لها:
- " بخير … أخي صار أسوأ .. يقحمني في أعماله القذرة بتهديدي .. ولا ينفكُ يتبعني ويعبثُ بحياتي .. أظنُّ بأنهُ بدأ يتاجر بالمخدّرات ويتجرّعها"
أكملتُ:
- " أنت كيف حالكُ وماذا تفعلين هذه الأيام ؟؟! … لقد اشتقت لكِ كثيرررًا.. اشتقتُ لكل مغامراتنا معا"
ردّت بابتسامة :
- " لقد انتقلت هنا.. أعيش في مسكن قريب من الجامعة وحدي"
وأشارت بيدها خلال النافذة إلى أحد الطوابق في البنايات المجاورة. وأكملت:
- " أعملُ محاسبةً في متجر ملابس … وأدرُس بالجامعة وأتيت لأستعير كتب من أجل دراستي"
ابتسمتُ ثمّ كتبت لها:
- " أعمَلُ هُنا… وأيضاً بمقهىً في فندقٍ كبير .. تعالي غدا .. سوف أدعوكِ لمشروبٍ على حسابي".
رحّبت صديقتي بالفكرة وحَيّتني وتبادلنا أرقام هواتفنا وغادرتْ المكان.
ارتديتُ حقيبتي وعدّلت من قبّعة رأسي الصوف, وخرجت من المكتبة, رن هاتفي, وقفت وفتحت خط الهاتف بتردّد وحنق.
- " يجب أن تأتي إلى المنزل فوراً"
قال (كريم) هذه الجملة وأقفل الخط بوجهي كعادته, أذعنت وحوّلت اتجاه طريقي إلى المنزل, كان (كريم) منتشياً وجالساً على أرضية الصالة التي لم تُفرش بالسجاد, مادّا قدميه ويفركُ أنفَه.
اقتربت منه. وقف بترنّح وانقَضَّ عليَّ يفتّش جيوبي و حقيبتي الخالية من المال. أقفل قبضة يدهِ ولكمني في بطني, ثُمّ أمسك برأسي من شعري وجعل يجرّني نحو غرفتي, ألقى بي وأقفل الباب بالمفتاح.
سكن الصوت.. جلستُ بصعوبة وأنا أغمض عينيّ من شدة الألم, وجعلتُ أمرر أصابعي بين خصلات شعري المبعثر. كانت فروة رأسي تخفق من الألم, أخذتُ أبكي وألقي بنظري على الباب المقفل.
بعد أن هدأ الوصب في معدتي عدّلت من جلستي ببطئ أبحثُ عن هاتفي, وأرسلتُ برسالةٍ إلى زميلتي (كِندة) أعتذر عن عدم مجيئي إلى المقهى.
***
دخلتُ إلى المقهى وأنا أنقلُ بنظراتي بين الموظّفين دون إدراك, ثمّ اتّجهتُ إلى الصالة أبحثُ عن طاولة ضيفتي (ميرنا) وجدتها تجلسُ أمام البار. شعرتُ بشيء من الاستياء، ذهبت وجلست بجوارها وجعلتُ أطرد الأفكار من رأسي؛ آملًا أن لا تظهر ذات العيون البنية أمامي أو حتى في مخيلتي.
بدأنا بالحديثِ بشكل طبيعي وكأننا أصدقاءٌ منذ مدّة. أرتحتُ ل(ميرنا) كثيرًا لكنني لم أنجذب لها بعد؛ أو لم أفكر بالخطوة التي تجعلنا أكثر قُربًا؛ مع أنني أتمنى بأن أستقر مع فتاة تشاركني سنين عمري وتنجب لي أطفالًا أعوض بهم ما فقدتُ من حنان.
وضع النادل كأسين من العصيرِ أمامنا. أخذنا الحديثُ ومرّ على لقائنا ما يقارب النصف ساعة جاهدتُ بها نفسي عدم النظر إلى موظّفي البار.
حتى فاض بي الفضولُ وتحركت عيناي رغما عني باتّجاه الموظفين، نقلت بعيناي أتفحصهم واحدا تلو الآخر, ولمّا لم أر تلك الفتاة شعرتُ بألمٍ في صدري، وجعلتُ أنظر أمامي تارة، وتارة نحو باب الموظّفين, وتارة نحو ضيفتي.
حتى تبدل شعوري إلى ضيق, وبدأت أسرحُ عن حديثِ (ميرنا) وأضع الاحتمالات:
هل أتى ذلك الرجل ذو الندبة وأخذها !!
.هل ذهبت مع الشاب ذو النظارات الطبية!
أم هل استقالت!
أم.. أم .. أم..
أخذت أومئ برأسي موحياً لضيفتي أنّي أتابع حديثها, وأنقلُ ببصري بينها وبين موظّفي البار. طال الانتظارُ وبدأت بالشتات! ثم تنهّدت عن غير وعي. حتى لاحظت ضيفتي استيائي المفاجئ والغير مبرر!!
استدركتُ الأمر وبررتُ بأنني استأتُ من رائحةِ المنظفات التي يستعملونها بالتنظيف وأنها كانت طاغية على المكان؛ مع أن رائحة المكان كانت تفوح برائحة الورد؛ إلّا أنني تسلّقت بهذه الذريعة عندما ظهرت بسرعةٍ في ذهني. أكملت هي حديثها وأنا بدوري حاولت الصمود لأطول فترةٍ ممكنة.
ولكن ...
الفتاة الصامتة ..
غزَت كل تفكيري...
وقفتُ فجأة مقاطعاً حديثها, استأذنتُ بارتباكٍ للذهاب إلى الحمام. وبحريّةٍ دخلتُ من باب الموظفين واتّجهت نحو غرفتهم أبحث عن من احتل تفكيري وشغل عقلي.
لم أجدها. أشتعلت بداخلي نار الفضول والقلق. كيف اختفت هكذا دون القبض عليها ؟!! لا اسمح لها بالفرار هكذا دون عقاب, نظرتُ من النافذة لعلّها كانت في الساحة الخلفية.
لم أجدها..
عدتُ نحو البار وسألتُ موظّفاً عنها, فأخبرني بأنها أخذت إجازة مرضيّة.
رجعتُ إلى ضيفتي ونار الفضول قد بدأت تخمد, اعتذرت منها بأنه يجب علي المغادرة لطارئٍ ما, وقد وعدتها بلقاء آخر طبعًا.
جلست في سيارتي التي خمدَ محرّكها. ينتظرُني (جميل) أن أعطيه الاشارة بالانطلاق. تزاحمت الأفكار وسببت لي صداعًا.
نظرتُ من خلال النافذة أفكّر بجديّةٍ بأن أعود وأسأل عن موقع منزل موظفة البار, ولكن أين سأختبئ بوجهي عن أسئلة (سمير)؟ في حين كيف أسمح لنفسي بالانجراف نحو التفكير بها في هذه الطريقة!!!
ثم ماذا حلّ بضميري وكأنه نسي بأنها مخادعة!!
كيف أتجرّأ بترك فتاة ثرية جميلة, وأنشغل بأحوال فتاة محتالةٍ سارقة مثيرة للشفقة.
ولكنها على الأقل…
اعتذرت وشكرت!!!
قرّرتُ وأخيرًا الذهاب إلى المنزل, وقبل خلعي لحذائي سأتوجه نحو غرفتي وأمزق تلك القصاصة لعلّ النوم يُقبل عليّ وأطرد تلك الأفكار خارج رأسي.
دخلت المنزل واتّجهت نحو غرفتي مباشرة إلى دُرج الطاولة, وانتزعت القصاصة وجعلتُ أُمزقها قبل أن أعدِلَ عن رأيي، وألقيتُ الفُتات في سلة المهملات, اتّجهت بعدها إلى سريري وجلست أتنهّد مغمضَ العينين أحتفلُ بانتصاري على نفسي.
***
أشرقت الشمسُ وأنا لا أزال أتكوّرُكالحلزون في مكاني، متعبة جدًّا ليس لي طاقة في الحركة أو الذهاب إلى أي مكان. ليت أخي يغيبُ بضعةَ أيّام؛ لأريح جسدي وعقلي من عناء هذا العالم القاسي.
ولكن أمنياتي تبخّرت أمامي عندما فتح (كريم) باب الغرفة, ونادى بصوتهُ قائلاً:
"لا تعودي اليوم إلى المنزل إلا ومعكِ نقود!"
وترك الباب وخرج. قمت من مكاني وذهبت إلى المطبخ وأكلت قطعة من الخبز لأجبر جسدي على الحراك، ثم ارتديت ملابسي وتوجّهتُ إلى المكتبة.
باشرتُ في عملي كالمعتاد، كانَ العمل في المكتبة أكثر راحة وأقلّ عبئا من المقهى. أعلم بأنني فتاة مليئة بالتناقضات
ولكن..
وقفت أنظر من خلال نافذة المكتبة أستنشقُ هواء نقيا. تابعتُ أسراب الحمام التي تدورُ فوق المباني وتحط على أسوارها.
نقلت بنظري إلى صديقتي (مريم) التي ظهرت من شباك غرفتها تنفضُ قماشاً ما. تنهّدتُ وأنا أحسدها والحمَامَ وزوارَ المكتبة على حرّيتهم, وعلى حظوظهم!.
قاطعتُ أيّ أملٍ قد حام حولي وعدتُ إلى واقعي وأكملتُ العمل. دخلتُ حمام المكتبة وبدأتُ في مسحِ المرآة. تكوّنت هالاتٌ سوداء تحت عيناي وشعرت باصفرار بشرتي, تاهلت الأمر وأكملت العمل. وفجأة تذكّرت مرآة سيارة ذلك الرجل، وفكّرت في أنه وجب علي أن أدفع ثمنها بما أنني كنت السبب في كسرها، وبسرعةٍ انتزعت ورقة من دفتري وكتبت عليها رسالة للسيد (سمير) كان مفادها بأن يقتطع جزءًا من أجري في كلّ شهر إلى أن يتم تسديد ثمن المرآة بالكامل
***
في المجمّع التجاري وقفت أتحدّث مع أحد مديري المحلات, حتى ظهرت (ياسمين) مبتسمةً تلوح لي بيدها وتحملُ أكياساً بيدها الأخرى.
ابتسمت حين رأيت وجهها البشوش، أتمنى بأن يكون صديقي قد عمل على حل تلك المعضلة الغامضة .حيّـتْني وحيّت المدير الذي همّ بالمغادرة.
"-ما الذي قلتهُ لسمير؟؟! جعلته يعدل عن رأيه بين يوم وليلة!!"
"سمير سوف يكون شريكُ حياتكِ يوماً ما.. عليكِ أن تتعمّقي في معرفتهِ أكثر… كان خائفاً أن ينشغل بعروسه التي يحبها… عن المقهى الذي نذر كل حياته من أجله.. الآن جاءت من تشاركه بحبه… حاولي إنصافَه ليُبقي على اثنَيكما" ...
أتمنى يا (ياسمين) بأن أكون على صواب
ضحكت وهي تهمُّ بالذهاب قائلةً:
- " سوف أحاول ذلك".
أمسكت بهاتفي أردت أن أكلّم (ميرنا) لعلّني أدعوها إلى العشاء في مطعمٍ ما. ولكن سرعان ما ظهر اسم (سمير) على شاشة هاتفي.
أجبت:
- " نعم؟! .. ماذا الآن؟!!"
"ويحك! أتكلم من يكبُرك بهذه الطريقة! .. تعال إلى المقهى أريد التحدث معك".
- " مممممم .. ألا يصلح بأن تأتي إلى بيتي مثلاً!.. لا أرغب في المجيئ الى المقهى!"
- " لا أعذار.. أنا انتظرك"
- " حاضر.. سوف آتي.."
كنت لا أريد الذهاب الى المقهى لكي لا أتصادم مع ذات العيون البنية ولكنه مقهى صديقي هل تتجرأ تلك اللعوبة بأن تحرمني الذهاب إلى هناك بعد أفعالها الشنيعة !!!
***
عندما وصلت المقهى بسرعة توجهت إلى غرفة السيد سمير وأعطيته الورقة التي كتبتها مسبقا بخصوص مرآة سيارة السيد (عادل). ولكنه أخبرني بأنّ أنسى أمرَ ذلك لأن السيد (عادل) كان يمزح معي لا أكثر.
كيف يمزح معي!!!
إنه مدركٌ تمام بأنني كسرت مرآة سيارته وتهربت من الدفع. أرسلت رسالة لصديقتي (مريم) بأنني أنتظرها في المقهى لنتقابل، كنت قد سُررت لاستقبالها هناك ع الأقل ليرى زملائي أنني لست وحيدة وأن لي أصدقاء, دخلت وبدلت ملابسي وبكل سرور توجهت نحو البار وأخذت طلبات وقمت بتقديمها إلى الزبائن أمام طاولاتهم.
***
كنت قد أتيت رغمًا عن أنفي، لا أريد أن أرى تلك الفتاة؛ لأنني في الآونة الأخيرة أصبحت أغوص في زحام أفكاري ,وأسلم نفسي لهفوات قلبي!!!
دخلت وتوجّهت نحو صالة المقهى متجاهلا النظر نحو منضدة البار, نادى علي صديقي الذي كان يجلس على كرسي أمام البار. اتّجهَتُ نحو طاولتنا المعتادة وأشرت إليهِ بأن يأتي, فأذعن لطلبي.
جعل يتكلّم عن موعد زفافه الذي تم تحديده بعد شهر, ومخاوفه التي بدأت تتدافع بعد أن تحدد موعد الزفاف. كان يبدو على (سمير) الارتباك. لم أعرف كيف أخفف عنه الضغط ولا أرفع عنه التوتر. لا أعتقد أن كل هذا بسبب خوفه من إهمال المقهى خاصته!
ولكنني ما عدت أدري..
إن صديقي يخفي عني سرّا أجهله ..
ولسوف أسئله عنه حالا..
- " سمير"
- " أخبرني.. ماذا يحصل لك؟؟!.. هل أنت خائف من إهمالك للمقهى؟! .. أم ... أنك لا تحب ياسمين!"
أظن أنه استغرق في التفكير!
يوجد خطب ما ..
- " لاا... أنا أحب خطيبتي جدا جدا ولا أقوى على تركها..ولكنك لن تفهم حقا ما يؤرقني .. أنا بالفعل خائف من إهمالي للمقهى الذي أخذ مني كل هذا الوقت لإنشاءه"
أتمنى بأنك تقوم بإخباريي الحقيقة يا (سمير) ....
شعرت بالارتياح لما قاله صديقي. وجعلته يسهب في الحديث، وأخذت أقضم حبات الفستق التي وُضعت أمامي في صحن صغير, محاولاً تشتيت نظري عن جهة موظّفي البار, وتركيزَ نظرِي فقط على (سمير).
غاصَ في الحديثِ عن همومه وعن فرحة خطيبتِهِ التي لم تملك من المسؤولية إلا في البحثِ عن آخر الموديلات والصرعات وفساتين الزفاف وتأسيس عائلةٍ دافئة كما تقولُ دائما.
في الحقيقة ...
لم أستطع أن أصب كل تركيزي على حديثِ (سمير), بل وبدأت تلك العيون البنية بالتسلل لتتربع أمامي.!!
تحرّكت عيناي بلا إرادة نحوها
حطّ نظري عليها ورغما عني نبض قلبي بشدة داخل أضلعي..
شعرت بحرارة جميلة في معدتي !!
ابتسمت بانحناءة طفيفة من شفتاي..
عدت بنظري إلى صديقي كي لا يُفضح أمري..
ولكنني كنت أشعر بسعادة خفية لأنها تتواجد في نفس المربع الذي أتواجد به !!!
انحرفت عيني ثانية باتجاهها لأجدها تبتسمُ لفتاةٍ أقبلت نحوها وشبكت كفّة يدها بيد تلك الفتاة, و جعلت تتفاعَلُ معها.
وللمرة الثانية خرجت مني ابتسامة بلا وعي أفسدت أجواء صديقي
- " ما بِكَ يا رجُل… أقول لكَ أنني بدأت أتوتّر من اقتراب الزفاف وانت تبتسم!!!"
أيقظني من شرود ذهني، ارتبكت وتغيّرت ملامحي للجدّية فجأة قلت لأتدارك الأمر:
- " أنت الذي اخترتَ هذه الطريق… لماذا ترتبط بفتاةٍ إنْ لم تكن مستعدّاً للزواج؟!"
أشحت ببصري عنه نحو الفتاتان
- " أحضرتُك هنا لتساعدني.. لا كي تصعّبَ الأمور!!!"
- " قل لي ما اسمها؟؟"
- " من؟؟"
- " أ.. مـ.. موظّفة البار الجديدة"
التفت (سمير) خلفَهُ وحكّ مؤخرة رأسهِ.
- " لا أعلم!.. ياسمين وظّفتها..لماذا تسأل؟؟؟!"
لم أعرف بما أجيبه ولكنني أُصبت بالدهشة عندما رأيت ذلك للرجل ذو الندبة على وجهه أتى وأمسكها من يدها وبدأ بسحبها إلى الخارج .
وعن غير وعي انتفضت ودفعت الكرسي الذي أجلس عليه للخلف وقمت بالذهاب خلفهم تسبقني صديقتها . وأيضا وقف صديقي وتبعنا لمعرفة ما يحصل.
وقف ثلاثتنا نراقب الفتاة الصامتة والرجل الذي برفقتها. كانا يقفان في الساحة الخلفية للمقهى. أخرجت نقوداً من جيبها وأعطتهم إيّاه. اقترب منها ينظر داخل جيبها ويمدّ يده, ابتعدت هي للخلف ودفعَت يده.
أمسك ذراعها وشدّها نحوهُ وبغضبٍ مدّ يدهُ نحو جيبها ملتقطاً ما تبقى من مال. تحرك (سمير) واتجه خارجا نحوهم, ولكنني لم أدرك كيف قمت بردع صديقي، وتقدّمت بدلا عنهُ وأبعدت الرجل ذو الندبة عنها.
فتح عينيه بشدّةٍ من الغضب, انتفض فكّهُ واهتز شعر ذقنه من الحنق وانقضَّ عليّ ولكَمني على وجهي جعلتني الضربة أنحني إلى الخلف.
تملكني الغضب وبدأ نَفَسي بالتسارع وهممت بالانقضاض عليه، إلا أن الفتاة الصامتة وقفت وفتحت ذراعيها أمامي لتحميه مني.
ماذاااا !!!
لقد حاولت إنقاذك من بين يدي ذلك الوحش !وأنت !!
تدافعين عنه!!
هَاااه ما هذه الوقاحة!
اقتربت صديقتها وأمسكت بذراعيها وقالت :
- " هل ..هل أنت بخير؟؟؟!!!"
أومأت هي برأسها إيجاباً, نظرت صديقتها باتجاهنا واعتذرت عما حصل.
وبعد أن غادر ذلك الوحش . تراكم غضبي العارم وتجمع في مقدمة رأسي . تنفست برعونة وشعرت بتلف في أعصابي..
لماذا أعمل جاهدا لحماية من كان سببا في إيذائي ..
حرّضني عقلي آنذاك, وجعل جسدي كالكبريت المشتعل وشعرت بأن الألعاب النارية تفرقعت داخل جمجمتي!!!
دخلت مسرع الخطى متجها إلى غرفة المكتب متجاهلا نداءات صديقي الذي يتبعني.
أنت تقرأ
شمس إلين
Romantikالمقدّمة: عندما كنت شاب في أمسّ الحاجة ليد تربت على ظهري.. بدأ الشعر الخفيف ينبت بعشوائية على ذقني.. في الوقت الذي ينبغي أن يصفني به البعض بالأناني المراهق.. أصبحت أبًا دون زوجة أو أطفال... عندما فقدتُ الأمل بطفولة سويّة .. وأصبحت بلا ثقة ولا م...