تبحثين عن شيءٍ لتكتبي عليه!!! .. فقط تكلمي .. تحدثي بصوتك .. وقولي لي ماذا يدور في رأسك هذا...)
ما زال صوت هذا الرجل يرن في أذني، كيف يريد مني الحديث وهو يعلم بأني بكماء؟! أنا لم أتكلم منذ سنوات، ولكنه كمن يعلم بقدرتي على الكلام!
لو لم يأتِ في تلك اللحظة، لَكُنت …
فتحت عيناي فالتقيت بعيني (مريم) التي تجلس على الأرض وتتفحص وجهي بفضول. مدّت بيدها تتحسس جبيني. ابتسمت برضا وقالت:
- " حرارة خفيفة.. هل تستطيعين الجلوس؟؟"
رفعتُ جسدي العلوي بجهد خفيف, وفركت عيناي المنتفختين.
- " أخبريني الآن .. أين كنتِ وماذا حدث؟؟ وما بال فستانك من الذي شُق كتفه؟؟؟؟؟!"
نظرتُ إلى كتفي العاري ثم عادت تلك اللحظات في مخيلتي ثانية. كتبت لصديقيتي:
- " لقد فوجئت بشاب كان يريد الاعتداء علي. ولكن السيد (عادل) ظهر فجأة وانتشلني من ذلك المكان!!"
ضيّقت (مريم) عيناها وعضّت شفتها السفلية وقالت بحماس:
- " لقد دخل السيد (عادل) وهو يحملكِ بين ذراعيه… كان يبدو عليهِ الذعر.. بقي يحدّقُ بك إلى أن انتهى الدواء في الأنبوب المغذي.. ونزع الإبرة عن يدكِ … وجعل يوصيني بك حتى غادر إلى منزلهِ.."
- " لا أتذكر الكثير ولكن كل ما اتذكره بأنه صرخ في وجهي! وقال لي بأنه لن يجعل أخي كريم يأخذني ثانية!!! لا أدري ماذا يقصد!"
- "همممم.. هذا غريب.. ولكن الأمر الواضح والذي لا يختلف عليه اثنان بأن هذا الرجل مهتم بك كثيرا.. وأخبرني منذ يومان بأنه معجب بك! ويريد أن يعلم عنك كل شيء!"
-"مريم.. هل يُعقل بأنه تذكر بأنني من سرقته في ذلك اليوم في نفس لملهى الليلي! والآن يتعقبني ويريد أن يطيح بي!!"
-"يبدو بأنك ما زلتِ تحتَ تأثير ارتفاع الحرارة! يا لك من حمقاء.. لو أراد أذيتك لما أنقذك من بين يدي ذلك الحقير.. لو أراد أذيتك لما احتضنك البارحة وجعل ينفث هواءً ساخنا لكي لا تشعري بالبرد!!! لقد كانت نظراته تملؤها الخوف عليكِ..!"
تراجعت (مريم) برأسها للخلف واستطردت:
-"هل يصعب على رجلٍ كهذا القبض عليكِ أو جرّكِ إلى السجن !!"
-"ما هذه الحيرة … لا أعلم كيف أنظر إليه … بصفتي نهبته وآذيته أم بصفته أنقذني من موقف محتوم!"
-"يجب أن تشكريه أولا .. وإذا أخبرك بأنه يتذكر تلك الليلة.. اعتذري منه واطلبي أن يسامحك… اظن أنه يعلم بكل شيء ولكنه مع ذلك واقع في حبك"
-"يا الهي خيالك واسع يا صديقتي.."
-"لا أعلم بشأن خيالي.. ولكنني أميز نظرات الاشخاص وأعلم ما تحكيه العيون.. صحيح… هل أنت جائعة؟؟؟"
أومأتُ لها بالإيجاب
-"سوف أعد لك ما لذ وطاب… "
قاطعها جرس المنزل.
-"من سيأتي في هذا الوقت!!.. سوف أذهب لأرى"
عدلت جلستي وألقيتُ نظرة على جسدي. ماذا قال في نفسه حين رآني على هذه الحال! لا أعرف أين أذهب بوجهي عنه. فتحت صديقتي باب الغرفة والحماس يعلو ملامحها:
-"إلين .. بسرعة بدّلي ملابسك لقد أتي السيد عادل"
ماذا!! نهضت عن السرير وتوجهت إلى خزانة الملابس واستخرجت بيجامة وبدأت في ارتدائها ..
يا الهي أزرار البيجامة كثيرة! متى ستنتهي! ذهبت للمرآة ومشطت شعري ورجعت للسرير وجلست. ولكنني لست مستعدة لرؤيته …
ماذا يظن بي الآن..؟
يا لي من مثيرة للشفقة..!!
دخل ونظر إلي مباشرة وسألني بتوتر ظاهر:
-" كـ..كيف حالك الآن..؟؟"
أومأت له بأنني بخير.
-" خذي قسطا من الراحة وأجيزي نفسك من العمل.. لقد كنتِ مريضة جدا ليلة الأمس.."
شعرت بالإحراج واحمرت وجنتاي, وأنزلت برأسي خجلا, ولكنني تفاجأت بقدومهِ تجاهي. اتسعت عيناي في دهشة ورجعت برأسي للوراء, ولكنه اقترب بكل ثقة ووضع راحة يده على جبيني.
احمر وجهي وتلوّن. شعرت بحرارة تغزو صدري..
-" انخفضت الحرارة.. ولكنك دافئة .. تناولي دواءك بانتظام.. لكي لا ترتفع حرارتك كثيرا مرة أُخرى .. لقد كنتِ تغلين ليلة الأمس.."
ليلة الأمس.. ليلة الأمس.. أرجوك توقف عن الحديث عن ليلة الأمس…
نظرت إليه بعد أن سمعت ضحكة خفيفة خرجت منه. كان ينظر إلى بجامتي ويبتسم, لم أعلم سبب ابتسامته. ولكن شعرت بطمأنينة لا أفقه تفسيرها!!
- " لقد أحضرت لك بعض الطعام… أرجو أن تتناوليه لتستطيعي أخذ الدواء… وضعي ملابس أكثر عليكِ .. ملابسك دائما خفيفة.. حتى أنك لم تلبسي معطفا ليلة الأمس"
يا إلهي .. ليلة الأمس.. !!!
خرج وتحدث قليلا مع (مريم) ثم بادر بالخروج.
***
هممت بالخروج. ولكن رن الجرس، واتجهت (مريم) لفتح الباب
-"اآه... أهلا تفضل .. "
-"كيف أصبحت إلين .. لقد جئت للإطمئنان عليها.".
من هذا الرجل أيضًا ؟!
ولماذا يريد الاطمئنان على (إلين)!!!
وقف وأطال النظر إلي وأنا بدوري حدقت به من قدميه لرأسه.
-"آووه سيدي . هذا فريد صديقنا ويدرس معي بالجامعة..."
فريد!!! يا للصدفة ..
- " وهذا السيد عادل ... ممممممم "
حتى أنا يا (مريم) لا أدري بمَ أعرف عن نفسي تجاه هذا الرجل.
-"السيد عادل أيضا صديق ..."
حسنٌ أقبل بهذا مبدئيا.
- " أين إلين؟؟؟ أيمكنني رؤيتها؟!"
ماذا تريد!
رؤيتها!!
"-نعم إنها في الغرفة تفضل...."
مهلااا هاااي .. أين تظن نفسك متوجهًا..!!! إنها لم تغلق أزرار بيجامتها بشكل صحيح.. لن أسمح لك برؤيتها !!
توقفت أغلقت الطريق في وجهه, نظر إليّ بتساؤل. اقتربتُ من (مريم) وأخبرتها بصوتٍ خافت أن تدخل إلى (إلين) وتعدّل لها الأزرار بشكل صحيح.
شهقت (مريم) واحمر وجهها خجلا. وهرولت إلى داخل الغرفة. وبعد برهة خرجَت وسمحت للرجل بالدخول.
لم أرغب في تركه في المنزل معهما. تبعته إلى الغرفة رغما عن نفسي ووقفت خلفه, نظرت من فوق كتفيه وتفحصتُ (إلين)، شعرت بالراحة حين رأيت ملابسها قد تعدّلت.
ولكنني بأي صفةٍ أُطيل الوقوف وأحشر نفسي بينهم..!!
على مضض استأذنت للخروج. ولحقتني (مريم) لتغلق الباب خلفي ولكنني حثثتها على الذهاب والجلوس بجانب صديقتها وأقوم أنا بإغلاق الباب بنفسي، فأذعنَت لطلبي.
توجهت لسيارتي وأغلقت الباب على نفسي وجعلت أنظر نحو نافذة منزل (مريم) وقد تراكمت التساؤلات بسبب هذا الدخيل, ورجوت نفسي أن لا أراه يحوم حول (إلين) ثانية.
قمت بمراقبة المكان إلى أن رأيته يخرج من المبنى ويتّجه نحو المكتبة الكبيرة
***
-" آه صحيح.. لقد أخبرني السيد (عادل) بأنه أجازني من العمل لأبقى بجانبك وأحرسك ههههههه.. وأمرني بأن اغلق باب المنزل عليكِ لكي لا تخرجي … ياااااه قطعة من السيد (عادل) لو سمحتم"
***
توجهت نحو المركز التجاري وأنا أشعر بشعورٍ غريب كنت قد بدأت أفقده تدريجيا مع فقداني للامل بإيجاد (إلين)، جلست في غرفة مكتبي سارحا، بينما كان (جميل) يمسك بأوراق تابعة لمحالٍ تجارية محاذية للمركز التجاري، كنت قد نويت بيعها لبعض التجار.
-"سيدي الأوراق تحتاج للفحص وقراءة الشروط.."
-"وماذا بعد ؟؟"
-"لقد قرأتها.. ولكنها مبالغ بها .. لذا اسمح لي بأن أبحث في أمر هؤلاء التجار .. على الأقل أبحث عن سبب شراءهم للمحال التجارية"
أمسكت الأوراق بكلتا يدي. وبدأت اقرأ. أعدت القراءة بضع مرات ولكنني لم أستوعب أية كلمة. لقد رأيت عينيها بين السطور، ودموعها في كل جملة, حتى أصابع يدها النحيلة ظهرت أمامي, وعقد عنها الأسود.
رميت الأوراق وأخبرت (جميل) بأنني سوف اقرأها لاحقًا، وأخذت هاتفي وتوجهت إلى سطح المبنى. كلمت الطبيب ونهاني عن ذكر أية تفاصيل لها بسبب صدمتها وعدم إخبارها بشكل مباشر حتى لا تتضرر نفسيا..
كيف ذلك!!عقلي لا يستوعب هذا الكلام. بعد كل هذه السنين هي أمامي ولا أستطيع الإمساك بيدها ولا أخذها في حضني!! ما هذه القسوة. لقد عانيت
الأمرين في سبيل إيجادها..! إنني خائف من فراقها ثانية. لن أتحمل تلك التجربة بعد الآن!!!
هاتفت (مريم)
-"نعم سيّد عادل.."
-"كيف حالها الآن ؟؟"
-"في أحسن حال.. ولكنّها تلحن على الذهاب إلى المقهى.."
امتعضت, وحينَ أنهيت المكالمة بعثب برسالة إلى (إلين(:
"-أنا عادل.. رجاءً لا تخرجي من بيت صديقتك .. سوفَ أُكلم سمير لكي يجيزك من العمل لأيّام .."
مع أنني حدقت في الهاتف لوقت طويل أنتظر منها ردًا ولكنها لم ترسل شيء..
مرت عدّة أيام لم أرها بها, كنت أراسلها وأطمئن عليها, وهي ترد بإجابات مختصرة, حتى أني ذهبت لزيارتها ولكنها كانت نائمة, مما أشعرني ذلك بالاستياء. ولكن لا بأس المهم أنني بتّ أعرف مكانها, وهي في مكانٍ آمن الآن.
-"عادل .. أنا بحاجة لرؤيتك الآن ... تعال إلى شقتي .."
قرات الرسالة التي أرسلها (سمير) وتوجهت فورا لشقته في فندق والده.
-" ما بك يا رجل.. لم أرك منذ فترة.."
-" كنت مشغولا بترتيبات الزفاف.. عادل أنا ... أنااا.."
"- لن تخفي عني ذلك بعد الآن .. أعرف بأن خطبا ما يؤرقك.. قل لي ما المشكلة . من الممكن إيجاد حل قبل فوات الأوان"
"- فوات الأوان!!!...لقد فات الأوان منذ زمن.."
"-أخبرني أولا.. ومن ثم نبحث في ذلك معا"
ياااه يا صديقي أكنت تعاني وحدك ولم تخبرني!! لقد أحزنتني على حالك.. وتلك المسكينة لا تعلم شيئا..!!
- " سمير .. يجب أن تخبر ياسمين بكل شيء.. هذا نوع من الخداع.."
- " ماذا أقول لها؟؟!.. خطيبك عقيم!! خطيبك كان مصابا بالسرطان!! .. إنها في خِضم التجهيزات .. لقد قامت بالفعل بطبع خطابات الدعوة.. وأنت تخبرني بإبلاغها بذلك الأمر؟؟!!!"
"-هل تبني حياتك على الكذب والزور!! ومن ثم كيف ستقبل بأن تخدع حبيبة قلبك وتخفي عنها أمرا مصيريا كهذا"
"-عادل !!! أخاف فقدانها..! لا أستطيع .. أخاف بأن تتركني وحيدا في الطريق!"
"-إنها تحبك .. ولن تتركك.. وكلما أسرعت في إخبارها .. كلما تلافيت مشاكل أكبر.. أخبرها يا صديقي وبعد ذلك لكل حادث حديث..."
غادرت صديقي وأنا في صدمة بعد نقاشنا وأحاديثنا .. لقد شعرت بالحزن عليهما ولكنه وعدني بأن يخبرها بكل شيء في أقرب فرصة ولسوف أقف في صفه وأدعمه كل الدعم.
***
غادرت منزل صديقتي بعد أن تحسنت وأستعدت طاقتي، وتوجهت فورا إلى المكتبة. وبدأت في العمل بكامل نشاطي، التقيت ب (فريد) وجلسنا سوية.
إنه شاب لطيف جدا لقد تطورت علاقتنا نحن الثلاثة في فترة قصيرة. وأظن بأنه معجب بـ(مريم) وهي أيضا معجبة به ولكنها لم تخبرني بذلك. ولسوف أجمعكما أيها المشاكسان يوما ما .
انتهيت من العمل في المكتبة، وتوجهت لمنزلي، وما إن خلعت الحذاء، حتى رأيت أخي يجلس أمام طاولة المائدة الصغيرة الشبه مهترئة
-"أهلااا.. ها قد عادت الفتاة المدللة. أين كنتِ كل هذا الوقت؟؟ لقد أتى رجل نبيلٌ وقام بأذية ضيفنا.. هل كنت تقطنين معه في الأيام التي مضت؟؟"
رمقته بغضب وأخرجت دفتري الصغير وانهمكت في الكتابة:
-" هل تعلم بأن ذلك الرجل لم يكن ثملا!!! لو لم يأتِ أحدهم لإنقاذي لكنت...."
"-لم أعلم بأنه تظاهر بالثمالة !! ولكن وجهه كان مغطى بالدماء..يبدو بأنك تعنين الكثير للسيد عادل.. أكنت في منزله!!"
فتحت الدفتر وبدأت بالكتابة ثانية:
-" لن أقوم بذلك العمل وأُعرض نفسي للخطرِ مرة ثانية!.. لو اضطرَرْتَ لقتلي!!.. كنتُ في منزل مريم… أوصلني السيد عادل إلى هناك ولم أره بعد ذلك"
-"حسنٌ .. حسنٌ لن أسند لك مهمات كتلك مرة ثانية.. ولكن يا صغيرتي أنا بحاجة لأوكلك بمهمة ثانية.. وهي أن تقومي بإغراءه.. تصنعي بعض الحب والدلال.. دعيه يكسب ثقتك.. فسأخبرك بالخطوات التالية لاحقا"
نظرت إليهِ بجدّية وهززت رأسي بالرفض. أمسك بفكي السفلي وشدّهُ وقال بمكر:
-"لن تقدري على رفضِ أي شيء .. فصُوَرُكِ ما زالت بحوزتي.. كبسة زرٍّ واحدة.. وتكونين خلف القضبان… أو .. تحت التراب.. كُلّهم رجال عصابات.. يكرهون أن يعبث أحدٌ بهم.."
غادر المنزل, وتركني في حيرة من أمري بسبب تلك المهمة للثقيلة.
لن أقوم بذلك!! لن أتسبب في الإذى لذلك الرجل..
***
"-حبيبة قلبي أين أنتِ؟؟ أريد أن أحدثك في أمرٍ مهم.. اتصلي بي حين ترين رسالتي"
"-مرحبا .. عزيزي أنا في صالة الأفراح تعال هناك .. إني أنتظرك لا تتأخر"
ذهبت مطأطئ الرأس خاضعا لأوامرها، والتقيت بها في صالة الأفراح، كانت منهمكة في تجهيزات العرس.
"-كلُّ شيءٍ جاهز.. بقي الورد.. والإضاءات..وأريدُ أن يوحي لون الأضواءِ بالصخبِ والهدوءِ معاً!!.. لن أُكثَرَ من مساحيق التجميل سأكتفي بلألوان الهادئة..ممممممم.. ماذا أيضاً… نعم.. الفرقة الموسيقية.. لم أعطهم جدول الزفاف يا الهي لقد نسيت.. ماذا دهاك؟؟!… سمييير أتتركُ كل هذاالعملِ لي؟؟؟"
نظرت إلى (ياسمين) بتوتر. كيف سأفتح هذا الموضوع في هذا المكان!! يا لي من أحمق
- " أنتِ اخترتِ أن يكون الزفاف قريبٌ بهذا الشكل.. وأنا عندي ما يكفيني من الهموم.. تولّي أمر كُلّ شيء.."
- "عُدتَ للتوتّرِ وأجواءِ المشاحنات.. لماذا تفعل هذا بي؟؟!.. لماذا ارتبطتَ بي بما أنّكَ لا تُحبني؟؟؟!.. أنتم الرجال غريبون!!"
بدأت ترتجف كلماتها, وتترقرق الدموعُ في عينيها.
- "تبعتَني خارج البلاد, وبقيتَ تلاحقني شهور حتى وافقتُ على الارتباطِ بك.. وعندما يأتي الجد تكونُ أول الهاربين.."
غطّت عينيها بيديها وراحت في نوبةِ بكاء, وقفت واتّجَهت إليها وضممتها إلى صدري.
- " أنا آسف.. آسفٌ جدّا… لن تعلمي مقدار حبي لكِ.. ولكنني ... لكنني متوتّرٌ جداً لاقتراب الزفاف.. ما رأيُكِ أن نذهبَ في نهايةِ الأسبوع في رحلةِ تخييمٍ نُروّحُ عن أنفسنا جميعاً؟؟؟.. وأعدكِ عندما نعود أن أكملَ ترتيبات الزفاف بنفسي.. هاا .. ما رأيكِ؟"
يا الهي ما هذه الأفكار!! لقد صعّبت الأمور أكثر!!
بعد أن هدأت ومسحت دموعها ردت بقليل من الحماس:
-" تبدو فكرة جميلة.. ولكن من تقصدُ بِ جميعاً؟؟؟"
- " أنا وأنتِ وعادل.. وجميعُ موظّفي المقهى.. عيدُ ميلاد عادل في نهاية الأسبوع لنحتفلَ بهِ هناك.. ونجيز الجميع من العمل ليومين"
-" حسنٌ.. موافقة.. لكنني سأُحضر ميرنا.. علّنا أنجزنا ترتيبات تخُصّ الفستان وما إلى ذلك"
-"افعلي ما شئتِ.. المهم أن لا أرى هذه الدموع أبداً"
لا أريد فقدانك يا حبيبتي لن أقوى على ذلك .أنا آسف يا صديقي لقد فشلت المهمة...
***
أخبرتني (مريم) بأن السيد عادل هاتفها ليطمئن على صحتي فأخبرته بأنني في منزلي. كنت قد قررت ترك كل شيء والتفكير في مهمة أخي الجديدة.
أصابني ذلك بالصداع, لا أستطيع فعل ذلك به, لا أستطيع كسر قلبه ..
لن أقدم على شيء كهذا, يكفيني العيش في هذا الانحطاط!
رنّ هاتفي, ارتبكت. بعد التردد لحظة فتحت الخط ووضعت الهاتف على أذني
-" م..مرحباً إلين…. أتمنى أن تكوني بخير.. أنا … أنا أمام منزلك .. أيُمكنكِ الخروج لبرهة.. أريد أن أتحدّثَ معكِ.."
كان للصمتِ النصيبُ الكبير لحظتها. لم أدري بماذا أتصرف..
-"آه ..مممم.. سوفَ أُغلق الخط.. أنا .. أنا أنتظركِ في الخارج.."
شعرت بضيق, توجهت نحو نافذة غرفتي وأزحت طرف الستارة، فرأيته يجلس في سيارته. رجعت إلى مكاني، وتناولت هاتفي وأرسلت له رسالة:
-"لا أستطيعُ الخروج…وأرجووك…لاأريدُ رؤيتك.. لا تأتي إلى هنا ثانيةً..."
أنا آسفة جدا. أرى أن تمسكك بي غير منطقي, يستحيل بأن ترتبط بفتاة، أنتَ لا تعلم عن ماضيها شيئا إلا لحظات سرقة ونصب. ومن ثم أنا لا أستحق رجلا شهما مثلك. وأؤمن كل الإيمان بأن تلك الفتاة التي تقابلها في المقهى تليق جدا بك ..
فليحدث لي ما يحدث .. حياة السجن لا تختلف عن حياتي هذه ..
***
شعرت باختناق كبير, هل يعقل بأن فتاتي الصغيرة ذات العيون البنية. التي طلبت مني ذات يوم بأن لا أتركها تخبرني الآن أنها لا تريد أن تراني ثانية!!! لقد أطعمتك بهاتين اليدين!! وحققت جميع رغباتك حين رفضها والديك!! لقد غلفتك بحب واهتمام لم أعهدهما في حياتي!!
بقيت أنظر نحو منزلها إلى أن اجتاحتني رغبة في الذهاب إليها واخبارها بكل شيء.
الفتى الذي عاش معها أجمل أيام حياتهما!
الفتى الذي تقرّحت قدماه وهو يبحثُ عنها!!
الفتى الذي وعدها بأن يكون لها أباً وأُمّاً!!
ونذرَ حياتَهُ من أجلها!
الفتى الذي يسري دَمُهُ في عروقها!!!
أرخيت يدي وتراجعت عن الذهاب إليها. بقيت في سيارتي أراقب النافذة حتى انطفأ ضوؤها. وعدت إلى منزلي أجرُّ ذيول الخيبة.
***
مرت أيام وانا أذهب صباحا للعمل في المكتبة، أما المقهى فكان في حالة صيانة لعدة أيام .ولكن هذه الصيانة انتهت وحان العودة اليوم إلى العمل به
أخذت أمسح زجاج نوافذ المكتبة وأستنشق الهواء النقي من خلالها. وقد بدأت أفكر بجدية في حجج مصطنعة لأخي. وفي الوقت ذاته فكرت بخطط لإبعاد السيد (عادل) عني.
سأتجاهل رسائله واتصالاته. سأترك المقهى. و أبحث عن عمل آخر..
امتقع وجهي بسبب دوامة الأفكار التي تدور في رأسي..
نادي علي المسؤول وأخبرني بأن أنقل مجموعة من الكتب إلى أقسامها. أمسكت العربة وبدأت بالتجول بين الخزائن والرفوف، وجعلت أضع كل كتابٍ في مكانه المخصص.
وصلت إلى آخر قسم في المكتبة. أمسكت بضعة كتب وأخذت في وضعها في أماكنها وأنا سارحة في اللا شيء.
دُهشت لما رأيت وجها يبتسم من بين فراغات الكتب ويقف في الجهة المقابلة من الخزانة. ثم أتى نحوي متجاهلا ما أخبرته به سابقا. اقترب مني والتقت نظراتنا .ارتبكت كثيرا.
-"كيف حالك؟؟"
ابتلعت ريقي وأومأت له بأنني بخير
-"هل ستذهبين اليوم الى المقهى؟"
وبتردّد, أومأت لهُ بنعم.
-"سوف أخبر سمير أنك سوف تتأخرين قليلاً عن المقهى.. أريدُ أن أتحدثَ معكِ في مكان هادئٍ كهذا.."
كلُّ شيءٍ قررت العملَ بهِ قد بعثرهُ السيد (عادل) بهذا الكلام, يبدو أنه مصمم على الحومِ حولي. أشحت برأسي عنه وأكملت وضع الكتب في أماكنها وهززت رأسي له رفضًا.
سوف أبدأ بتنفيذ خطتي على الفور ولا مجال للتراجع...
أخرجت قلما وورقة وجعلت أكتب:
- " لو سمحت لا أريد أن نلتقي . لا شأن لنا ببعضنا البعض"
بالتفكير في الموضوع فأنا لم أشكره على ما فعله معي عندما كنت مريضة.
كم أنا جاحدة!
مزقت الورقة وكتبت ورقة ثانية. يا له من رجل صبور يقف بكل شموخ وينتظرني للانتهاء من الكتابة!
هل.هل يبتسم؟!!
-"شكرا لك على إنقاذي في تلك الليلة.."
قدمت الورقة باتجاهه، أخذها قرأها وطواها ثم وضعها في جيبه!!! انتهزت الفرصة وكتبت أيضا:
-"أتمنى بأن يكون ثمن مرآة سيارتك قد اكتمل .. لقد تم اقتطاع ثمنها من راتبي .. وآسفة مرة ثانية"
وأيضا أخذ الورقة وطواها ووضعها في جيبه!!
الآن حان وقت كتابة الأهم !!هممتُ بالكتابة ولكنه قاطعني قائلا:
-"أنا لا انتظر أن تشكريني.. ولا أريدُ ثمن المرآة.. لا أُريد منكِ إلا أن تفسحي لي المجال بأن نتحث معاً."
لماذا تتحدث معي بهذا اللطف!! لن أضعف أمامك!
نظرت إليهِ بشيءٍ من التحدّي وحرّكت رأسي بالرفضِ ثانيةً, ثمّ تنحّيت من جانبهِ وابتعدت عنه.
***
بقيت واقفا على حالي، حتى قاطعني صوت هاتفي الذي يرن.
-"سمييير.. أينَ أنت؟؟!.. إنّها لا تريدُ أن تراني!!.. ما تفتأ تبعدني عنها.. انجدني يا صاح."
-"أظنُّ أنني اتصلت في الوقتِ المناسب.. هل أخبرتها من أنت؟! هل عرفتك؟؟"
-"لا لن أفعَلَ ذلك.. أخبرني الطبيب بأنه من الممكن أن ينعكس ذلك سلباً عليها أو تتذكّر منظر والديها.. ويحدث لها مكروه.. لا أقوى على ذلك"
-"مممممممم… إذاً اسمع.. سوفَ نذهبُ في رحلة للصيد ونأخذ كل طاقم العمل معنا وبالطّبعِ سوفَ أدعوها.. لنرى ماذا سيحدُث.. ما رأيُك؟"
-"أتسألني عن شيءٍ كهذا!!.. موافق طبعاً"..
توجهت مباشرة إلى المقهى وجلست مع صديقي وتحدثنا بشأن مشكلته وأخبرني بأنه بدأ في الحديث عن وضعه ل خطيبته. أثنيتُ عليه وارتحت لإذعانه لنصيحتي.
دقت ساعة مجيء فتاتي إلى العمل. ولكنني تفاجأت بمجيء (ميرنا) إلى المقهى.
جلست معنا وبدأت بالحديث مع صديقي. أما أنا شعرت بالقليل من التوتر لعدم رؤيتي (إلين). غير أن (ياسمين) أتت وانضمت لنا وأخذنا نحن الأربعة في الغوص في الكثير من الأحاديث...
أنت تقرأ
شمس إلين
Romansaالمقدّمة: عندما كنت شاب في أمسّ الحاجة ليد تربت على ظهري.. بدأ الشعر الخفيف ينبت بعشوائية على ذقني.. في الوقت الذي ينبغي أن يصفني به البعض بالأناني المراهق.. أصبحت أبًا دون زوجة أو أطفال... عندما فقدتُ الأمل بطفولة سويّة .. وأصبحت بلا ثقة ولا م...