الجزء السابع-الحرب (1)

7 1 0
                                    

الجزء السابع-الحرب

كنت أقف على أبواب التخرج من الجامعة.. وقد حصلت على أعلى العلامات والدرجات..

رجع (سمير) بعد أن تعافى كليا من مرضهِ وأخذ فترة من النقاهة بعد العلاج، واشتدّ عدم الاستقرار في المنطقة, وقد حان موعد خروج (كريم) من السجن, فقد كان السجن في منطقة في جنوب البلاد التي تشهد نزاعات بسبب الحرب.

قرر الأبوان ترك (إلين) معي، والذهاب منذ الفجر لإحضار ابنهما للعودة به إلى العاصمة, و قف كلا الأبوين يعانقان ابنتهما ويُوصياني بها.
بعد أن ذرفت (إلين) قطرات من الدموع, شعرت هي بالرهبة بما أنها لن ترى والديها إلا عند منتصف الليل فالطريق طويلة ذهابا وإيابا, جلس الأبوان في الحافلة مادّان بكلتا يديهما لابنتهما التي لم يسبق أن فارقتهما للحظة, وقد مسحت الأُم دموع طفلتِها مطمئِنَة إياها بأنهم لن يتأخروا, أقفلا النافذة ولوّحا بيدهما, واختفت الحافلة.

انحنيت إلى مستوى رأسها وجعلت امسح دموعها التي عاندت التوقف.
لطالما كنت أشعر بألم في قلبي حين أرى تلك الدموع وكأنها سكاكين تضرب قلبي بقوة..

فكرت بحل سريع لإيقافها. واقترحت عليها بأن تدخل إلى مطبخ المطعم, وتصنع طعاما فاخرا لكلينا بما أنها كانت ترغب في ذلك, بصراحة وجدتُها ذريعَة لتغيير مزاجها.

زيّنت (إلين) إحدى الطاولات بورود صغيرة قطفتها من حديقة المطعم, وقد صنعت الشعيرية كحساء لهذه الليلة, وساعدتها طبعا في قلي الدجاج


وتقديمه. جلس كلانا مقابل بعضنا البعض على المائدة, وبدأنا بتناول الطعام والتخطيط لنزهتنا القادمة مع (كريم).

بعد إنهاءِ الطعام صعدتُ للأعلى وأحضرت (ماكس) وأطعمته بعض الدجاج المقلي. في المساء طلبت من (إلين) أن تحضر حقيبتها وتجلس بجانبي كي تؤدي واجبها المدرسي.

بدأت هي في حل الواجب وبدأت في مراقبتها وتصحيح أخطائها, كانت (إلين) فتاة ذكية ومتفوقة في دراستها, ولكنها تكره الدراسة ودائما ما تفضل اللعب مع ماكس أو في حديقة المطعم..
ولكنني كنت دائما أحثها على حب الدراسة وأنبؤها بعواقب العلامات السيئة, في المقابل أقوم بتقديم حوافز وهدايا إن قامت بتحصيل العلامات المرتفعة.

رن هاتفي المحمول, وأخذت أتكلم مع المتصل..

بعد بضع جملٍ…
وقفت فجأة...
وسقط القلم من يدي..
نظرت إلى (إلين) التي غاصت في حل المسألة الحسابية, وقد تذكرت وجهَي والديها خلف نافذة الحافلة.
ارتعدت مفاصلي حين تكررت جملة الشرطي في أذُني!!
هل !!
هل أنا أحلم !!

نظرت إلى وجه تلك الصغيرة بحُرقة!!
تداركت الأمر وابتلعت ريقي ثم قوّمت جسدي باعتدال..


كان مفاد الاتصال بأن قائمة بأسماء المنكوبين احتوت على أسمَيّ العم (فريد) والسيدة (صباح)

حدثتني نفسي بأن ما تم إخباري به كان كذبًا
أو تشابه أسماء!
جلست بجانبها ووضعت الهاتف على الطاولة, فتحتُ التلفاز المعلّق في زاوية المطعم, وإذ بصور الدمار تغطي مناطق الجنوب وجثث المنكوبين مترامية في كل مكان والنارُ تُضيءُ العتمة وتنثر دخانها بلا خجل وتُحرقُ كل من اعترض طريقها.غير أن أصوات القصف والمدافع وصراخُ المستنجدين أثارت الرعب بازدياد.

اقشعر جسدي وأحسست بحرارة وخوف لا مثيل له.
هل أتصل بالشرطي وأتأكد من الأمر !!
في تلك اللحظة دار في ذهني الكثير من ومضات المستقبل !
ماذا أفعل إن فقدتهما حقا!
كيف سنعيش!
كيف ستستقبل (إلين) خبر وفاتهما إن كان الأمر صحيحا !!

جَعلت (إلين) تراقب التلفاز باندهاشٍ وتنظُر إلي ثم تعودُ ببصرها نحو التلفاز. قالت بصوتها المبحوح الأجش :

- " ماما .. باابا…؟؟"

رمت نظرها نحو التلفاز على الجثث المحترقة. وضعت راحة يدها على فمها. نظرتُ إليها وقد اغرورقت عيناي بالدموع..
لم أعرف بما أتصرف..

يا لهذه المصيبة ...

ما الذي حل بالجنوب!!!

وقفت ثانية, نظرت من حولي طالبا أن يسندني أحدهم, لم تعد قدمايَ تستطيعان الصمود.

بقيت أنكر الأمر حتى تأتي تلك اللحظة التي أذهب بها و أرى بأم عيني .
لم يعرف أي منا كيف أشرقت شمس اليوم التالي. بعدما تأكّدت من وفاة الوالدينِ بانفجار الحافلة التي كانت قد وصلت مدينة الجنوب. مرّت عدّة أيامٍ على نفسِ الحال كنتُ أخفي حقيقة موت والديها عنها, إلى أن بدأت الأوضاع تهدأ ونُقل جثمانهما إلى العاصمة.

بعد أن هيّأتها لإخبارها بوفاة والديها، توجّه كلانا إلى المستشفى ليتم التأكد من الجثّتين اللتين فقدتا الملامحَ جراء القصف. تم دفن الأبوين بطريقة لائقة.

في طريق العودة إلى المنزل أوقفت السيّارة على جانب الطريق, فتحت الباب واتّجهت خارجاً وفتحت بابها, جلستُ أمامها وأحتضنتُ كفَّيها بيداي قائلاً:

- " لا تبكي.. يا عزيزتي.. سوف أكون لك أبا.. وأٌما.. سوفَ أكونُ عالمكِ وكلّ ما تتمنّين!!"

شمس إلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن