دخلنا أنا و(مريم) إلى المقهى وجلست على كرسي ألتقط أنفاسي بسبب ما حصل في الخارج، كنت مرتعبة وأضرب أخماسا بأسداس.
بالتأكيد انتهى أمري.. !!
ولسوف أتسلل إلى غرفة مكتب السيد (سمير) وأحاول إتلاف أوراقي ومعلوماتي..
ومن ثم أختفي كحبة الملح داخل المحيط.
- " من هذين الرجلين؟؟.. هل هما أصحاب المقهى؟؟!!"
طأطأت رأسي وأومأت بالإيجاب, بدأت شفتي السفلى بالارتعاش وتجعد ذقني وتهيّأ وجهي للبكاء
- " أولا أحضري كيس ثلج وأعطيه لذلك الرجل المصاب. لقد ضربه أخوكِ على وجهه.. أسرعي"
ومن فوري أذعنت لطلبها وطرقت باب المكتب والرجفة تملؤ جسدي حتى أخمص قدماي! فتح السيد (سمير) الباب ولحسن الحظ كان جسده يحجب من في الغرفة، ناولته الثلج وأعربت عن أسفي بإيماءاتٍ سريعة ورجعت لصديقتي .
- " اهدئي قليلا واعتذري من سيد العمل وأخبريه بأن ذلك لن يتكرر وأن أخاك لن يأتي ثانية.. "
وقفنا أنا وصديقتي في الممر استندتُ إلى الحائط وبدأت أكتب رسالة اعتذار للسيد (سمير).
ولكن ..
سمعت صوت باب المكتب يُفتح...
توقف قلبي...
خرج منه ذلك الرجل يغلي ويفور ...
وجهه أحمر وعيناه كالصاعقة..
أغلقت دفتري الصغير وحشرتهُ في جيبي...
رفعت رأسي ونظرت إليه جيدا ...
وفجأة رمقني بنظرته الغاضبة ...
واضعا كيس الثلج على خده ...
انقطعت أنفاسي من الخوف ...
التصقت عيناي عليه وانتظرت انفجار القنبلة بخنوع شديد
مشى بجانبنا..
وعلى نحو مفاجئ دفع بكيس الثلج نحو الجدار بقوة
واختفى خارجاً..
تناثر الثلج بجانبي وسقط قلبي بين قطع الجليد المتزحلقة, وانصهر بينها. لم تعد قدماي قادرتان على حملي, اتكأت على الجدار, وأخذت أسحب الأوكسجين من أمامي بشكل متقطع. أقبل السيد (سمير) نحونا, أخرجت دفتري بسرعة ونزعت الورقة وقدمتها إليه :
- " أنااا آآسفة جدااا .. لن يتكرر هذا الموقف أبداً .. وسوف أخبر أخي أن لا يأتي إلى هنا مجدداً .. إن أردتم أستقيلَ الآن سوف أتركُ ما بيدي وأذهب.. إني جددددااا آسفة يا سيدي"
- " هل هذا أخوكِ؟!"
وبسرعة حرّكت برأسي ايجاباً.
سكت لبرهة ثم قال:
- " سوف نرى غداً ولكل حادث حديث.. الآن بإمكانك المغادرة... فلم يتبقى سوى عشرون دقيقة على انتهاء الدوام".
***
دخلت منزلي أتلفظ بكلماتٍ غير مفهومة أمام الخادمة التي استأذنت بالذهاب لانتهاء عملها, لوّحت بيدي سامحاً لها بالخروج. توجّهت نحو الطابق العلوي حيث غرفتي وخلعت سترتي بحنقٍ وألقيت بها أرضاً, رن هاتفي, تجاهلتهُ وذهبت إلى الحمام. خلعت ملابسي ووقفت تحت صنبور المياه وجعلت أستحم تحت الماء الدافئ لعله يطفئ من نار الغضب قليلا!!
لماذا حشرت نفسي بينهما !!
إنهما عصابه واحدة فليذهبا إلى الجحيم!!!
أنا متأكد بأنها سرقت منه فجاء ليسترد نقوده!!
ثم كيف تقف في وجه رجل يدافع عنها لتحمي وحشا حقير ومستفز. و كيف لها بمعرفة رجلٍ مثله وما صلتها به لكي تدافع عنه هكذا !!!
تجمهرت الأفكار في عقلي وفاض بي الكيل.
أكملت استحمامي وحاولت عدم التفكير في شيءٍ حتى بدأت نار الغضب تخمد, خرجت أنشف شعري بمنشفة وأنظرُ في المرآة إلى كدمةِ وجهي. صرَخت :
- " تلكَ المحتالة!!"
ما نوع الحياة التي تعيشها ؟!
وما كمية الرجال الذين تقابلهم!!
لمع في خاطري سؤال دفع نفسه بالمقدمة بين تلك التساؤلات التي تكدست في رأسي:
هل هو حبيبها أو ما شابه!!!؟
جلست على طرف سريري وغطيت وجهي بكفتي يداي وعصرت الجلد ما بين حاجباي..
تنهدت ..
التقطت هاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين من جيب سترتي، كانت قد وصلتني رسالة من (سمير)
- " كيف أصبح وجهُك الآن؟؟! .. اعتذرت الموظفة لي وقالت بأنّ أخاها لن يأتي مرةً أخرى.. لا أعلم إذا كنت تريد أن تذهب لقسم الشرطة وتقدّم بشكوى ضدّه ! .. فكّر قبل أن تفعلَ ذلك .. يستحسن أن نبقى بعيدين عن المشاكل .. أتعلم .. سوف أقيلها غدا بلا شك.. "
- " أخاها!!!!!."
- " نعم"
دُهشت بشدة..
وقفت عن السرير أُعيد قراءة ما كتبه (سمير(
ضحكتُ بسخرية..
تذكرت الموقف الذي حدث في تفاصيله.
وتذكرت كيف رأيته يأخذ منها المال عنوة في السابق ..
إذن فهو أخوها!!
وضعت هاتفي جانبا ، ولا أعلم لماذا أطبقت عليّ موجة من الضحك الهستيري!!
تمددت على السرير وأنا أشعر بالراحة الغير مبررة أغمضت عيناي وأخذت نفسا عميقا، وبعد فترة من الصمت ظننت أني بدأت في النوم.
ولكن...
ظهرت تلك الفتاة أمامي بعينيها البنيتين الجادّتين..!!
نظرت إلى النافذه وإذ بوجهها وملامحها ينعكسان على الزجاج!!!
أدرت بوجهي للجهة الأخرى, فعاودَت ف الظهور.. !!
دفنت رأسي تحت الوسادة, فلم أفلح في طردها من مخيلتي!!
ألا يجدر بالموقف الذي حصل منذ ساعات أن يجعلني أمقتها أكثر بل ويجب علي جرّها للسجن غدا !!
ولكن !!
ولكن لماذا !!
تبادر إلى مخيلتي ارتعاش يديها وهي تقف في الممر بجانب صديقتها وتنتظر ردة فعلي بفاغ الصبر, هل أخفتها حين رطمت كيس الثلج على الجدار!
كيس الثلج هي من أحضرهُ لي على حسب كلام (سمير)!
هل بالغت في غضبي؟!
نبض الصداعُ في رأسي وبقيت على هذه الحال أكثر من ساعتين, حتى جلست فجأة وتناولت هاتفي واتصلت على (سمير), رد منزعجاً لإيقاظِهِ من نومِه :
- " ماذا تريدُ في هذه الساعة؟!"
- " إيّاك أن تصرف موظّفة البار يا سمير."
سألني بتعجّب وفضول :
- " لماذا!"
"-لا تسألني عن شيءٍ الآن… ارجع إلى أحلامك.."
وضعت الهاتف على المنضدة جانبي. وعدت لمحاولة النوم لكنّي نمت بعد فترة لا بأس بها من الوقت.
اتصل بي (جميل) صباحاً ليُذكّرني برحلة عمل خارج المدينة, كنت قد نسيت تلك الرحلة تماما!
ولأول مرة بدأت أنسى أمورًا تخص العمل!
هل بسبب لقاءاتي بـ(ميرنا)!
.أم بسبب أحد آخر!؟؟
ولا أعرف لماذا شعرت بضيقٍ في صدري!
جهّزت حقيبةَ سفرٍ صغيرة، واتجهت نحو المطار برفقة مساعدي (جميل).
***
شارفت على الانتهاء من مسح أرضية المكتبة, حضرت (مريم), حيّيتها وجلسنا على أحد طاولات المكتبة في زاوية نستطيع فيها الحديث بحرية وعدم ازعاج الآخرين.
قالت (مريم) وهي تنظُر اليّ وتغمض نصف عينيها بمكر:
- " أنا انتظر لكي تخبريني ..ماذا يحدُثُ يا فتاة؟؟"
حدّثتها عن كل شيء ..
عن سرقتي له في الملهى الليلي وحادثة كسر مرآة سيارته في مركزه التجاري .
- " يا الهي!!!.. كيف التقت طرقكما؟!!. ما هذه الصدفة!! ثم إن نظراته تجاهك غريبة بعض الشيء! كان يرمقك بنظرة جدية .. لو كنت مكانك لأغشي علي جراء الخوف.."
- " أخافُ أن يتذكّر بأنني من سرقتُهُ في الملهى.. أشعُرُ بأن مكروها سوف يحلُّ بي وبأخي!!"
- " لو تذكّر ذلك.. لكنتي تقبعين في السجن الآن.. اطمئنّي.."
كنت قد رأيتُ (فريد) مقبلا نحونا، عرفته على (مريم) وللصدفة كانا الإثنان في نفس الدفعة في وفي نفس التخصص. تحدثنا حتى مرّت لحظات نسيت بها أنني كنتُ أتحدث عما يؤرقني. لقد كنت بغاية السعادة لأنني أمتلك صديقين ينسياني همومي ويأخذاني لعالمٍ ورديّ لا يوجد به تصنع أو زيف أو خوف.
أخذت (مريم) بعض الكتب, وغادرت مع (فريد) إلى جامعتهما. كنتُ قد شعرت بأن هذين الإثنين يليقان ببعضهما البعض يا لهذا التطابق المميز. أتمنى بأن تدوم صداقتنا وتتطور عالعلاقة لشيء أكبر من ذلك ..
ولسوف أعمل على هذا الأمر...
مرّ يومان لم أرَ بهما وجه الذئب الغاضب !!ولا أعلم لماذا اختفى مع أن ذلك كان يؤرقني بعض الشيء, ويُراكم الكثير من التساؤلات, ولكنني شعرت بالراحة قليلاً لأنه كان يسبب توتراً كبيراً لي, ويربكني أينما التقيت به!
أمّا السيد (سمير) فقد سمح لي بالبقاء والعمل حتى أنني لم أسمع منه كلمة توبيخ واحدة أو حتى لم يطلب أي تفسير عن أخي, ولم أجد تبريرا لتصرفه النبيل.
عندما رجعت للمنزل كان .أخي قد أحضر لي وجبة طعام ليرضيني بها، كنت قد كرهته لأنه لا ينفك يسبب لي المتاعب..
ولكنني كنت جائعة كثيرا وقد تناولت معه الوجبة وسمعت ما في جعبته.علمت بأنه يجهز لصفقة كبيرة كان يديرها منذ فترة لا بأس بها -كما حدثني- وللأسف أراد إقحامي بها, لم يطلعني على تفاصيلها ولكنه أخبرني بأنني سوف أكون العامل الأهم في تلك الصفقة.
***
وقفت أمام نافذة كبيرة في فندق خارج المدينة, أحتسي كوباً من القهوة الدافئ بشيءٍ من الحماس, أنتظر بأن يتصل بي (جميل)؛ لنذهب إلى المطار ونعود للعاصمة. كنت قد قررت التوجه إلى منزلي فور وصولي لأستريح من رحلتي. وطلبتُ من خادمة المنزل تحضير حمامٍ دافئ.
حاولت الاتصال على (سمير) لأخبره بأن يأتي لمنزلي لنمضي الوقت سويا. ولكنه لم يرد وبعث لي برسالة تنص على أنه مشغول جدا؛ لأنه
يستضيف في المقهى مجموعة كبيرة من الأصدقاء يحتفلون بلقاء بعضهم البعض.
كان يجب علي التوجه إلى منزلي. ولكن بعد أن اجتاحني ذلك الشعور مؤخرا, فعلت ما لا يجب علي فعله..
كنت حبيس عواطفي بدرجة كبيرة في تلك الفترة..
أتصرف عكس تفكيري المتزن!
متناسيا أهم أعمالي وانشغالاتي..
لذلك فور وصولي العاصمة تجاهلت منزلي وكل شيء, واتجهت إلى المقهى لأنني أيقنت بأن راحتي تكمن في...
في رؤية تلك الفتاة….
نعم..
لا أستطيع أن أنكر ذلك بعد الآن …
وأنني لو غبت يومًا آخر خارج المدينة . فسوف أقوم بإفساد رحلتي وتدميرها…
أظن بأنني …
اشتاق لها!!!!
أنت تقرأ
شمس إلين
Romanceالمقدّمة: عندما كنت شاب في أمسّ الحاجة ليد تربت على ظهري.. بدأ الشعر الخفيف ينبت بعشوائية على ذقني.. في الوقت الذي ينبغي أن يصفني به البعض بالأناني المراهق.. أصبحت أبًا دون زوجة أو أطفال... عندما فقدتُ الأمل بطفولة سويّة .. وأصبحت بلا ثقة ولا م...