زمن الملوك والرعاع
البارت السابع
طريق الصعاببدأت هند في تجهيز فرقتها استعدادًا للسفر، بينما كانت أفكارها تتصارع في عقلها، مثقلة بجرح لم يندمل. كانت كلمات القائد طاهر قاسية، وكأنها سهم اخترق قلبها. لم تستطع فهم سبب تصرفه بهذا الأسلوب الحاد، فهي لم تكن أقل ولاءً للمملكة من أي جندي آخر. بل كانت تتمنى طوال الوقت أن تخدم المملكة بجانبه، وهذا الاعتراف جعلها تشعر بمرارة أكبر، فقد كانت تحمل له مشاعر خفية، مخبأة بعناية خلف جدار من الكبرياء. انتهت من تجهيز الفرقة، وتوجهت إلى مكان تجمع القافلة مع جنودها.
أما طاهر، فقد كان يشغل عقله التفكير في رحلتهم القادمة. لم يكن قلقه نابعًا من الشك في قدرات هند، لكنه كان يخشى أن تتعرض للخطر. كان وجودها معه في الرحلة يريح قلبه، لكنه كان يفضل أن تبقى في القصر، في مأمن من الأخطار. فهو يعلم جيدًا أن أي مواجهة مع الرعاع قد تجعله مشتتًا بين حمايتها وحماية القافلة. ومع ذلك، حاول أن ينتزع تلك الأفكار المزعجة من رأسه، ليركز على المهمة.
تحركت القافلة في الصباح الباكر، تحت سماءٍ رمادية كأنها تنذر بقدوم شيء غير متوقع. كانت القافلة تبدو بسيطة من الخارج، تاجر وجنود متنكرين في هيئة خدم، لكن في داخلها كانت هناك أسرار تنتظر الكشف. قاد جواد الحصان في المقدمة، وتبعه طاهر وهند، كل منهم على حصانهم الخاص، بينما كانت المجندات يسيرن خلفهم بانتظام.
تقدم طاهر بحصانه ليجاور هند، وكانت في عينيه نظرة تحمل الكثير من المشاعر المختلطة، وكأنه يبحث عن طريقة لتخفيف ثقل ما قاله سابقًا.
طاهر: "هند، أنا عاوز أعتذر لك." قالها بصوت منخفض مليء بالندم.
هند، التي كانت تخفي مشاعرها خلف قناعٍ من البرود، ردت بلا تردد: "القائد مش محتاج يعتذر. انت القائد للقافلة وكلنا تحت أمرك."
لكن طاهر لم يتراجع: "بردو يا هند، أنا عاوز أعتذر لك على طريقتي معاك. أنا جرحتك بكلامي، أنا عارف إن طريقتي كانت جافة وقاسية."
كانت كلمات طاهر تضرب قلب هند، لكنها حاولت أن تظل ثابتة: "أنا مش فاهمة، ليه كلمتني بالأسلوب ده؟ مع إنني كنت سعيدة بخدمة المملكة جنبك. لأنني بعتبرك قائد عظيم."
نظر طاهر نحو الأفق، وكأنه يحاول الهروب من مواجهة عينيها: "كلمتك بالأسلوب ده عشان كنت خايف عليكِ."
شعرت هند بالغضب والاندفاع، "الخوف؟ متعلمناهوش في الجيش. اتعلمنا الشجاعة والإقدام وإننا نخدم المملكة بروحنا. ومحبش حد يمنعني من شرف ده حتى لو خايف عليّ."
ابتسم طاهر ابتسامة خفيفة، وكأنه يشعر بالراحة أخيرًا: "بس أنا كنت شايف إن وجودك في المملكة مهم ميختلفش عن خروجك في المهمة دي."
قالت هند ببرود: "عموماً متقلقش، لو وقعنا أسرى في يد الرعاع، الخطر هيكون عليك انت. الرعاع مش بيقتلوا النساء، لكن بيدوروا على الرجال."
أنت تقرأ
زمن الملوك والرعاع
General Fictionفي زمنٍ طويت فيه صفحات التاريخ، حيث لم يبقَ من الحضارات سوى رماد، كان البشر ألدّ أعداء أنفسهم. أنهكتهم الصراعات حتى صارت الأرض ملطخة بذكريات الفناء والخسارة. الطبيعة، الصامتة منذ أمد بعيد، قررت أخيراً أن يكون لها كلمة، فهاجت وارتعدت، وأرسلت غضبها كع...