{ الفصل الرابع }

93 8 7
                                    

« بَغداد لا تَستقبِلُ الغُرَباء »

كُنتُ مُستلقياً في غُرفتي كَعادتي،لكِن هذِه المَرة دُون أن تُرافِقَني سِيجارة أو قَهوة.

الصَمت يعُم الغُرفة،لا أحد فِيها،فقط أنا وَضوء القَمر.

بَعد الحَالة الهِستيرية التي دَخلتُ فِيها لإضاعَتي الصَورة،ألتقيتُ بابنَة خالَتي،نرجِس...

مِمَا سهّل الكَثير فِي مُهِمة إيجاد أُمي.

لَقد تَبادلنا أرقام هواتِفنا وطَلبت نرجِس مِني أشياء أكثر دِقة لِتُصدِق أنني ابن خالتُها الحَقيقي وَلستُ مُجرَد إدِعاء.

وَقالت أن أُمي قَد إنتقَلت إلى الكَرادة مُنذ زمَن طويل،فإن خَرجتُ غداً وبَحثتُ عَنها في المَنصور شِبراً شِبراً لَن أجِد لَها أثراً.

أتفقَت نرجِس مَعي عَلى أن تُخبِر أُمي بِوجودي مِن ثُم تأتي لِتُقِلّني بِسيارتها إلى منزِل أُمي...

أشعُر بِالخَوف والشَوق يملئانِ داخِلي...

لكِن طمئنَتني نرجِس مُسبقاً بِإن أُمي إمرَأة مُسالِمة تُحِبُ الجَميع،هادِئة ولا تغضَب إلا نادِراً،وأنها مُشتاقة لِي وَلِأبي كَثيراً.

لا أعلَم مَا إن كَان كلامُها مُجرَد كذِب أم إنها الحَقيقة...

نظرتُ إلى الساعة...إنها السَاعة الثانية عشَر وعِشرون دَقيقة بَعد مُنتصف اللَيل.

لَيست لِي شَهية بِإن أشرب القَهوة أو أتذوق أي شَيء مِن مُشترياتي...

لكِن لَيلتي لا تكتمِل دُونَ وجود سِيجارة.

فأخذتُ سِيجارة بَيضاء مِنَ العُلبة وَوضعتُها بَينَ شفتيّ،ثُم أخذتُ الوَلاعة وحَرقتُ بِها نِهاية السِيجارة...

نهضتُ مِن السَرير وأخذتُ مِنفضة السجائِر مَعي نَحو النافِذة.

فَتحتُ النافِذة سامِحاً للنَسيم العَليل أن يدخُلَ غُرفتي الكَئيبة.

مَا زِلتُ أُفكِر بِرَد فعل أُمي فَور رُؤيَتي.

أتخيَل نَفسي وأنا أدخُل في أحضانِها حامِلاً إِياها بَينما هِي تَبكي فَرحاً وَشوقاً لِرؤية ابنَها الوَحيد يُكافِح مِن أجل رُؤيتِها.

مِن ثُم بَدأتُ بِتَخيُل أيامِي مَعها،تُيقِظُني صَباحاً كَي أشتري لَها الخُبز العِراقي،ثُم أعود لِمنزِلي وأجِدُها قَد وضعَت "الگيمَر" فِي صينية مُتوسِطة الحَجم عَلى الأرض،فِيها الشَاي ولَبن الغنَم و"الطَحينية" والقِشطة.

غَريـبُ بَغدادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن